الرِّشوة أكل للأموال بالباطل

عايد القزلان التميمي
1444/10/29 - 2023/05/19 06:14AM
الحمد لله عالم الغيب والشهادة، أحل الحلال وحرم الحرام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال، افترض على عباده طلبَ الحلال، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله بيّن بسنّته الحرام والحلال، صلى الله وسلم عليه، وعلى الصحب والآل، ومن تبعهم بإحسان ما تعاقبت الأيام والليال.
أما بعدُ فيا أيها الناس، الخير كله والصلاح والفلاح في تقوى الله، فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
عباد الله فعن أبي حُميد الساعدي رضي الله عنه قال: (( اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسْدٍ يُقَالُ له ابنُ الأُتَبِيَّةِ علَى صَدَقَةٍ ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ : هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي . فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : ( مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي ، فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لا ؟! وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ : أَلا هَلْ بَلَّغْتُ ثَلاثًا ))  أخرجه البخاري ومسلم
عباد الله هذا الحديث درس عملي من الرسول صلى الله عليه وسلم لكل من ولي عملا للمسلمين وأخذ فيه الهدية؛ لأنها في واقع الأمر ليست بهدية خالصة وإنما هي رشوة بثوب هدية وكما قال صلى الله عليه وسلم: "هل جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أم لا".
من هذا الحديث يتبين لنا أن الموظفين لا يحلُّ لهم تقبُّل الهدايا؛ فإنها في الحقِّ رِشوة في ثوب هَديَّة، وإنما حُرِّمت الهدايا للموظفين ؛ حفظًا لحقوق الدولة، وحِرصًا على أموال الأمة، وصونًا لحقوق الأفراد ؛ ولهذا حُرِّمت الرِّشوة والهدايا على جميع العاملين والموظفين .
والرِّشْوةُ هي ما يُعْطى ويُبذَلُ لإبطالِ حقٍّ، أو لإحقاقِ باطلٍ؛ وهي محرمة ومن كبائر الذنوب
ولأن الرشوة إذا شاعت في المجتمعات فإنها تُؤدي إلى ضَياع الحقوق وانتشار الظُلم والفساد، فقد لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تعامل بها، فعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الراشي والمرتشي". (رواه الترمذي وأبو داود ، وفي رواية عند أحمد: ((والرائش)) وهو الذي يمشي بينهما).
فاللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله. عباد الله إن الراشي والمرتشي والرائش ملعونون عند الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مطرودون من رحمة الله ممحوق كسبُهم، زائلة بركتهم، خَسِروا دينهم وأضاعوا أمانتهم، وأغضبوا ربهم،.
الرِّشوة ـ عباد الله ـ مرض فتّاك يُفسد الأخلاق، و ما خالطت الرشوة عملاً إلا أفسدته، وما انتشرت الرشوة في مكان إلا وحَلَّ فيها الغِش والخيانة والظلم .
الرِّشوة مُهدرة للحقوق، مُعطِّلة للمصالح، ونقص في الديانة، وضَياع للأمانة، وعَلامةٌ على الخيانة،
أيُّها المسلِمون، الرِّشوةُ أكلٌ للأموال بالباطل وهي من السُّحْت ، والله جلّ وعلا يقول:  وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ   ويقول في شأنِ اليَهودِ(( سَمَّٰعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّٰلُونَ لِلسُّحْتِ)) فسَّر الصحابة السحت بأنه الرشوة، كما فسّره عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
وقال صلى الله عليه وسلم ((لا يربو لحمٌ نبَت من سُحتٍ، إلا كانت النارُ أولى به )) صححه الألباني
ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم  يُحذِّر كلَّ مَن يتهاون في الأموالِ العامّة فيقول (( إنَّ أقوامًا يتخوَّضون في مالِ الله بغير حقٍّ، فلهمُ النار يومَ القيامة)) رواه البخاري.
عباد الله في السنوات الاخيرة برزت للاسف الشديد جرائم الرشوة والتزوير والغش وثبت أنها لا تقل في ضَرَرِها عن جرائم المخدرات من حيث خطرها على المجتمع والافراد وهذه جرائم اصبحت اليوم توازي جرائم المخدرات في كل شيء من حيث ضررها على الانسان وعلى المجتمع بطرق مباشرة او غير مباشرة. وإن فساد أولئك المُرْتَشِين يَعْبَثُ بالأفراد والمجتمعات، ويجب الإبلاغ عنهم.  
ألا فليتق الله تعالى كلُّ من ولاه الله أمرا من أمور المسلمين وليعلم أنه موقوف بين يدي الله تعالى ومسؤول عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه
نسأل الله تعال أن يكفينا بحلاله عن حرامه وأن يرزقنا والمسلمين الرزق الحلال الطيب،
بارك الله لي ولكم....
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي جعل لنا في الحلال غُنيةً عن الحرام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المأمور بأكل الطيبات والعمل بالصالحات، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:  فيا أيّها المسلمون،
قاعدة عظيمة ينبغي لكل مؤمن أن يجعلها أمام عينيه في كلّ عمل يعمله، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (( إنَّ الحلال بيِّنٌ، وإنَّ الحرام بيِّنٌ، وبينهما أمور مُشتبهات لا يعلمهنَّ كثيرٌ من الناس، فمَن اتَّقى الشُّبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومَن وقع في الشُّبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يُوشك أن يرتع فيه، ألا وإنَّ لكل ملكٍ حمى، ألا وإنَّ حمى الله محارمه، ألا وإنَّ في الجسد مُضغة إذا صلحت صلح الجسدُ كله، وإذا فسدت فسد الجسدُ كله، ألا وهي القلب)) رواه البخاري ومسلم.
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله ...
المرفقات

1684466083_الرشوةُ أكلٌ للأموال بالباطل.docx

1684466083_الرشوةُ أكلٌ للأموال بالباطل.pdf

المشاهدات 797 | التعليقات 0