الرسوم المتحركة وأثرها في عقيدة الطفل المسلم وقيمه
مازن النجاشي-عضو الفريق العلمي
1431/08/10 - 2010/07/22 07:24AM
الرسوم المتحركة وأثرها في عقيدة الطفل المسلم وقيمه
عبد اللطيف خروبة
لا يشك أحد في أن للفن بصفة عامة وللرسوم المتحركة خاصة أهدافاً سامية، وغايات جليلةً؛ ذلك أنه يسهم في تربية الأطفال، وغرس العقيدة الصحيحة، والقيم النبيلة، والأخلاق الفاضلة في نفوسهم، وتقويم السلوكات والأفعال التي تصدر عنهم، وحمايتهم من الأخطار التي تهددهم؛ إنه يعرض للمشاكل التي يعانون منها؛ يشخِّص أسبابها، ويبحث عن الحلول المناسبة لها، ويوجِّه طاقاتهم إلى الاهتمام بما هو أهم في الحياة، كما يهدف إلى بناء مشاعرهم بشكل سوي، حتى يكوِّن جيلاً صالحاً لنفسه ولأمته.
إلا أن المتأمِّل في أغلب أفلام الرسوم المتحركة التي تعرضها شاشات التلفزيون في البلدان العربية والإسلامية[1] يجدها قد خرجت عن الأهداف النبيلة، وابتعدت عن الغايات الجليلة التي من أجلها وُضِعَت؛ فلم تترك رذيلة إلا أباحتها، ولا قبيحة إلا نشرتها وأذاعتها؛ فصارت بذلك سلاحاً فتاكاً يستهدف عقيدةَ الأطفال وعقولَهم ونفسياتِهم وممارساتِهم في كل بلدان العالم الإسلامي؛ فما هي مخاطرها على العقيدة والقيم التي يمتثلها الطفل المسلم؟ وما هي السبل والوسائل التي تمكِّن من اجتناب سلبياتها؟
إن هذه العيِّنة من البرامج تغري الأطفال بشكل كبير، فيُقبِلون على مشاهدتها بَنَهمٍ شديد، ويعتقدون أن كل المواقف والسلوكات والأفكار التي تعرضها صحيحة صالحة، كما أن طابَع الترفيه والتسلية الذي يميزها يشدهم إليها بقوة، وهذا فيه إهمال كبير لشخصيتهم، وعقليتهم، وحاجاتهم النفسية، والأهداف النبيلة التي ينبغي أن يوجَّهوا إليها؛ ولعل هاجس الربح المادي الذي يشغل بال المنتجين والعارضين هو السبب المباشر في ذلك، فضلاً عن كونها أفلاماً لا تقيم وزناً للعقيدة والقيم الموجودة في العالم الإسلامي، وما يتميز به من عادات وأعراف وطقوس ثقافية وحضارية.
أولاً: الخطر العقدي:
الإسلام عقيدة وشريعة تعبُّدية وسلوك. والعقيدة الإسلامية هي الإيمان بالله، والملائكة، والكتب، والرسل، وباليوم الآخر، وما فيه من الحساب والجزاء، وبالقدر خيره وشرِّه، ولها أثر بالغ في حياة الفرد والجماعة؛ فهي قوة هادية موجِّهة، ودافعة إلى الخير، بانية خلاَّقة. وإذا كانت راسخة في القلب فإنها تمدُّه بالراحة والطمأنينة والاستقرار على جميع المستويات، ولكن حين تدخل عليها العوامل المؤثِّرة الضارة تتغير. وبرامج الرسوم أحد أبرز هذه العوامل؛ فهي تشكِّل خطراً كبيراً على عقيدة أطفال المسلمين، ومن معالم هذه الخطر:
1 - زعزعة العقيدة:
يجد الأطفال متعة خيالية عظيمة في الرسوم المتحركة، وهذا يؤثر عليهم سلباً في الحال والاستقبال؛ فقد أُجرَيت دراسات عديدة أثبتت الأثر السلبي للرسوم المتحركة على الأطفال من جميع النواحي، وهو ما قد يدمر حياتهم بالكامل[2]؛ فالرسوم المتحركة التي توجَّه إلى أبناء المسلمين هي أشد فتكاً بهم؛ لأنها لا تعير العقيدة الإسلامية أي وزن، ولأن منبعها غربي مسيحي أو صهيوني غالباً؛ لذلك فهي تهدف إلى إزالة العقيدة الإسلامية الصحيحة الصافية من النفوس عبر زعزعتها، وإدخال الشك فيها وفي مبادئ الإسلام، وغرس المعتقدات المنحرفة في المقابل: كعقيدة التثليث، وعبادة الأصنام؛ فحين يُظهر الفيلم نجْماً يُدخِل السعادة على الناس، أو شجرةً تحفظ من الكوارث والآفات، أو يعرض شخصية تقبِّل الصليب وتضعه على الصدر لتجد الراحة والأمان والطمأنينة، أو تسجد لصنم، أو تُوهِم بأن الكون تدبِّر شؤونَه كائنات خيالية وليس الله، عز وجل.
والطفل يشاهد ذلك ويتأثر به، ويعتقد أنه هو الحق والصواب، فتنعكس المشاهد على سلوكه، فتجده يقبِّل الحجر، أو ينحني ساجداً له، أو يتوسل إلى الشمس من أجل تحقيق رغبة مَّا. والأمثلة كثيرة يطول المقام لحصرها، إنها ترسِّخ فيه معتقدات بعيدةً عن الدين الحنيف، فيحصل اضطراب العقيدة في النفوس؛ فلا يعيرون اهتماماً لعقيدة التوحيد، ولا لشعائر الدين. كما تؤدي إلى التعلق بالدنيا وإهمال الآخرة؛ لأن المشاهد التي تعرضها الرسوم تحث على الحياة الدنيا فقط.
2 - تصديق السحرة والكهان:
كما تعمل هذه البرامج على ترسيخ الإيمان بالسـحرة والمشـعوذين، وتصـديق ما يدَّعون، والخوف منهم، عوض الخوف من الله؛ فهي تُظهِر الساحر قادراً على إسعاد الناس أو أشقائهم، وتأمينهم أو ترويعهم، وأنه قوة لا تُقهَر وليس الله، تعالى. وهو الشيء الذي يؤدي إلى حصول تناقض في عقيدة الطفل المسلم. فيقدِّس الساحر ويتقرب إليه، عوض تقديس الله وفعل ما يقرِّب منه. تقول الدكتورة طيبة اليحيى: «إن بعض الناس - هداهم الله - يعمدون إلى تهدئة صخب أطفالهم بوضعهم أما التلفاز، ولا يعلمون أنهم بذلك يقضون على أطفالهم؛ فالبرامج المعدَّة للأطفال لها أثر أيما أثر على سلوك الأبناء الديني والخُلُقي والاجتماعي؛ ففيها إظهار لشعائر أهل الكفر ورموز دينهم: كالصليب والمعابد، وفيها نشر للسحر والشعوذة، وفيها الأعظم من ذلك كله، وهو التشكيك في قدرة الله، تعالى»[3].
إن الطفل المسلم إذا لم تتدارك الأسرة أمره وشبَّ على ما يراه في الرسوم المتحركة يكون في المستقبل كالريشة في مهب الريح، مضطربِ العقيدةِ، لا يستقر على حال، يسيطر عليه القلق والحَيْرة، لا يعرف حقيقة نفسه، ولا سِرَّ وُجُودِه في الحياة.
ثانياً: ترسيخ القيم الفاسدة:
القيم مجموعة من العقائد الدينية أو الفلسفية المفضَّلة عند أمَّة أو حضارة مَّا، وتتحول إلى أسلوب في الحياة؛ تحدد التصور للوجود والكون، والحياة والموت، والطبيعة والتاريخ، بل تحدد الذوق والمظاهر والسلوك العام؛ فالقيم بهذا المعنى نمط حياة، تتغذى من أوعية متعددة لتبقى حية، ومنها الوعاء العقدي، والغائي (الغاية من الحياة)، والسلوكي، والمظهري، والأخلاقي...
وللقيم أهمية بالغة في حياة الأمة؛ فهي تحفظ الهوية والعمران والحضارة، وهذا يعطي للأمة قوة الاستمرار، ويدفعها إلى الإنتاج والتعمير، والتطور والبناء والعمل الجاد، وتُعَدُّ القيم الإسلامية أرقى القيم وأفضلها على الإطلاق؛ لأنها ربانية المصدر، ومن القيم التي يتجلى فيها الأثر السييء للرسوم المتحركة على الطفل المسلم: القيم الأخلاقية، والقيم الثقافية، والعلمية والسلوكية، ومن ذلك:
1 - الميل إلى العنف:
تتضمن كثير من مسلسلات الرسوم المتحركة مشاهدَ العنف والصراع، وهذا يرسخ في وجدان الطفل الميل إلى القسوة والعنف، سواء داخل الأسرة أو المدرسة أو في الشارع؛ فيلجأ إليه من أجل تحقيق رغباته، وقد يرتكب جريمة بشعة. وقد أثبت عديد من الدرسات العلاقة الوطيدة بين جُنوح الأطفال وارتكابهم الجرائم، وبين الرسوم المتحركة التي تتضمن مشاهد العنف. وقد شهد العالم الإسلامي - كبقية بلدان العالم - العديد من الجرائم أبطالُها من الأطفال[4].
ومن المسلسلات الكرتونية التي تقوم على العنف: «الجاسوسات» و «بيبليد».
2 - التطبُّع مع الفاحشة:
إن الطفل المسلم يتلقى قيم البلدان التي أنتجت أفلام الرسوم المتحركة؛ وهي قيم بعيدة عمَّا هو موجود داخل البلـدان الإسلامية والعربيـة من قيم وآداب، ولا تعكسها من قريب أو من بعيد. ومن هنا تؤثر على القيم، وقد حذَّر المجلس العربي للطفولة والتنمية من الآثار السلبية لبرامج الرسوم المتحركة على قيم المجتمعات العربية وعاداتها[5]؛ فهي في أغلبها بعيدة عن القيم النبيلة، وصور الخلاعة، والمجون فيها تنهال على الطفل في الرسوم من كل جانب كأوراق الشجر المتساقطة في فصل الخريف؛ فتنسف الأخلاق، وتذهب ببهاء الوجه؛ فهي تُظهِر العلاقة بين الجنسين قائمة على الخلوة، والرقص، والخلاعة، والتبرج، والعناق، وتبادل القبلات. وهذا التوجه يشكل خطراً على الأطفال؛ لأنه ينبِّه المشاعر الحميمية والغرائز الجنسية لديهم في وقت مبكر، وهو ما ينتج عنه ارتكاب الفواحش والجرائم الجنسية[6]. كما يقضي على الحياء؛ حيث ينطق الأطفال بالكلام النابي، وبكل الألفاظ الردئية. وسلسلة «ميكي مَاوْس» نموذج بارز في هذا المقام.
3 - تقليص التواصل الأسري:
إن هذه البرامج تقضي على علاقة التواصل بين الأطفال وبين آبائهم، وبين باقي أفراد الأسرة. وقد يكون الأطفال قبل سن المدرسة هادئين وهم أمام الشاشة، فتسرُّ الأمهات لذلك؛ لأنه يساعدهن على إنجاز خدمات البيت، ولكن طول المكث أمام التلفزيون يؤثر على أولادهنَّ وهنَّ لا يشعرنَ. ويستفحل الخطر بعد الدخول إلى المدرسة؛ فلا يتحدثون عن المدرسة، ولا عن الدراسة، ويستغنون بما تقدِّمه الرسوم عن حكايات الأم والأب والجدَّة. والمشهد نفسه يحصل بين الإخوة؛ فلا يتسامرون مع بعضهم بعضاً، ولا يتناقشون؛ فبمجرد العودة إلى البيت يفتحون التلفاز ليتفرجوا على الرسوم، وهو ما يؤدي إلى اتساع الفجوة بينهم وبين الآباء والإخوة، بسبب الحاجز الذي فرضه التفزيون، ويصعب التخلص منه مع تقدُّم العُمُر، وبعد تشكُّل شخصية الطفل وَفْقَ ما تعوَّد عليه.
4 - تعلُّم الأخلاق السيئة:
إن من طبيعة الطفل أنه يقلد كل شيء يُعرَض أمامه، أو يسمْعه بدون جدال بسبب فطرته الصافية، ولكن بيئته هي التي تغيِّرُها، وبكل سهولة تؤثر فيه المشاهد التي يقع عليها بصره في الرسوم المتحركة؛ فيميل إلى تقليد الشخصيات في كل شيء، في كلامها وحركاتها، وفي لباسها وهيئتها، وفي سلوكها وتصرفاتها. وبذلك يتطبع على العادات السيئة؛ فيسرق ويحتال ويخادع، ويدخن، ويكذب ويعتدي على الغير، ويسخر منه؛ ناهيك عن الأنانية والحقد والكراهية، وحب الانتقام وغيرها من أمراض القلوب. وسلسلة: «توم وجيري» نموذج لذلك.
5 - اضطراب المفاهيم والأفكار:
إن اعتماد الرسوم المتحركة على الكائنات والأحداث الخيالية يأسر عقول النشء ولا يتركها تتحرر، فيفقد بذلك توازنه الفكري؛ فتضطرب لديه المفاهيم، وينعكس ذلك على الفكر بشكل واضح، فيشكك في المعرفة الدينية التي يتلقاها في الأسرة والمدرسة؛ فمفهوم الدين والإيمان بالله الذي يسمعه ويتلقَّاه في المؤسستين المذكورتين لا يوجد له أثر في الأفلام الكرتونية؛ فيضيع ويحتار في أي معرفة يصدِّق: هل يصدِّق ما قالته الأم، وما قرأه في الفصل الدراسي، أم ما يشاهده على الشاشة؟ وهو ما سينعكس سلباً على عقيدته وفكره في المستقبل.
6 - استلاب الثقافة:
عندما يصبح الطفل مولعاً بمشاهدة برامج الرسوم المتحركة المبنية على الخرافة والخيال الجامح، فيصدقها، فإنها تضر بنشاطه العقلي؛ فلا يقدر على التفكير الواقعي السليم؛ فيتكلم مع الحيوانات - وخاصة الكلاب والقطط - ظناً منه أنها تتكلم مثله، ويُجلِسُها بجانبه إلى مائدة الطعام، وتنام معه في الفراش، وقد يتعلق بها أكثر من تعلُّقه بوالديه وإخواته؛ فيحزن عند مرضها، ويبكي حين موتها أكثر مما يحزن أو يبكي عند إصابة أخيه. ومن جهة أخرى تنقطع صلته بثقافته الأصلية، وتهيمن عليه الثقافة الغربية الصليبية؛ فيتكلم بلغاتها، ويتمسك بعاداتها، ويهمل اللغة العربية والثقافة الإسلامية؛ فلا يسمي الله عند الأكل، ولا يغسل يديه، وينام بحذائه على السرير وعند التحية ينحني كما يفعل اليابانيون وأمثالهم... إنها ترسِّخ فيه الموالاة لليهود والنصارى والملحدين، وثقافةَ الانهزام والخضوع؛ حيث يعتبر أن الإنسان الغربي هو المتقدم، وهو الذي ينبغي أن يُحتَذَى.
ورحم الله ابن خلدون؛ إذ يقول في مقدمته: «إن المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزِيِّه ونِحلَته وسائر أحواله وعوائده»[7]. كما تنشر هذه البرامج ثقافة الخوف من الإسلام والمسلمين؛ فهو السارق، وهو المعتدي وهو المتطرف والشرير، ومن جهة أخرى توجه النشء إلى سفاسف الأمور، وإلى كل عمل لا فائدة من ورائه.
7 - الشعور بالنقص والخوف من الفشل:
كثيراً ما يقلِّد الأطفال الشخصيات التي يٍعجَبُون بها في الأفلام، ويصعب عليهم النجاح في عملية التقليد هذه، وخاصة قبل سن السابعة، فيُودُون بحياتهم أو بحياة الآخرين من حولهم، أو يتسببون في مشاكل عويصة تستعصي على الحل؛ فقد يصعد الطفل إلى سطح المنزل ليطير كما تطير شخصية الرجل العنكبوت «سْبَايْدَرْ مَان» - مثلاً - فيموت إثر سقوطه على الأرض، أو يصاب إصابات خطيرة، أو يقلد مشهداً سحرياً، كأن يضع يده في النار ظناً منه أنها لا تصاب بأذى عندما يقرأ تعويذات سمعها من الساحر، وعندما يعجز، وتحترق يده، ينتابه الإحساس بالنقص، فيتسرب إلى نفسه توجس الفشل كلما أقدم على عمل معيَّن. وهذا ينعكس على حياته بصفة عامة. كما أن الإدمان على مشاهد الرعب والخوف، والدماء والقتلى، والحيوانات المفترسة، والأشباح، وطلقات النار من الأسلحة، يؤدي بالأطفال إلى الخوف والفزع، وقد ينتابهم الفزع الليلي؛ فيُحرَمُون من النوم المريح...
إن المشاهد التي يقع عليها بصر الأطفال في الرسوم المتحركة تؤدي إلى الخلط بين الواقع الملموس، وبين الواقع الافتراضي الذي تعرضه؛ فالواقع الحقيقي شيء يختلف كثيراً عمَّا يُعرض من رسوم متحركة للمشاهدة على شاشة التلفزيون[8].
8 - تدنِّي مستوي التحصيل الدراسي:
إن خطر أفلام الرسوم المتحركة على التحصيل الدراسي قوي جداً، وهذا بشهادة العديد من الباحثين المشتغلين في هذا الحقل؛ لأن الطفل يقضي مدة طويلة من الزمن أمام الشاشة؛ يتفرج على الرسوم، قد تصل إلى ما بين ثلاثين وأربعين ساعة في الأسبوع؛ وهي مدة كافية لتُنهِك جسمه وعقله؛ فلا يستطيع التركيز ولا مذاكرة دروسه، وإنجاز واجباته المدرسية، ومن ثَمَّ يضيع وقته فيما لا ينفعه. ومشكلة انخفاض مستوى التحصيل عند الأطفال تؤرق المفكِّرين والمربين والسياسيين في مختلف بلدان العالم، والدول الإسلامية على وجه الخصوص؛ لِـمَا يميزها عن غيرها من الدول عقدياً وفكرياً[9]. ومن جهة أخرى لاحظ الباحثون أن المشاهد الإعلامية ذات أثر بالغ في الأطفال؛ فهم يتذكرون المشاهد والأحداث التي شاهدوها قبل شهور، في حين لا يتذكرون درساً تلقَّوه في المدرسة قبل أسبوع[10].
ختاماً:
إذا كانت نسبة كبيرة من أفلام الرسوم المتحركة الموجودة في الساحة الإسلامية والعربية اليوم ذات ضرر بالغ على الناشئة؛ فلا بد من البحث عن البدائل المفيدة والصـالحة لإنقـاذ الأجيـال القـادمة مـن خطـر يداهمهـا لا محالة، والمسؤولية هنا ملقاة على عاتق الجميع؛ لأن الكل مسؤول أمام الله - عز وجل - الذي يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْـحِجَارَةُ} [التحريم: 6]، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»[11]؛ فالفنانون والسياسيون والمفكرون والمربون، وأهل المال والثراء، والآباء والأُسر، والمجتمع بكافة هيئاته الحكومية والمدنية، الكل معنيٌّ حسب المجال الذي يشغله؛ فالمبدعون والفنانون ينتجون رسوماً متحركة تناسب عقلية الطفل المسلم ونفسيته وقدراته العقلية، وتراعي العقيدةَ الإسلامية السمحة، والأخلاقَ والقيم الإنسانية الفاضلة. وتبتعد عن الغثائية والعبثية والعشوائية. كما ينبغي أن يستشيروا علماء الشريعة والمفكرين التربويين المخلصين للإسلام؛ حتى تكون المنتوجات مبنيَّة على أساس علمي وتربوي متين. ولهم في التاريخ الإسلامي وأبطاله مادة خصبة، وفي الحضارة الإسلامية ومعالم الإسلام وأهدافه وقيمه وقضايا الإنسان المعاصر والحياة والموت والكون موضوعات واسعة. وحتى لا ينصرف الأطفال عن القراءة والمطالعة ينبغي أن تتضمن البرامج المذكورة محفِّزات تدفعهم إلى القراءة والتحصيل المعرفي.
والأغنياء في الأمة الإسلامية ينبغي أن يساهموا بنصيب وافر في هذا العمل البنَّاء، بتوفير الدعم المادي للأعمال الفنية الجيدة في هذا المجال، وأن يستثمروا فيه أموالهم؛ إذ لا تعدم الأمة الإسلامية فنانين أوفياء للدين والأمة، لكن تنقصهم الأموال للإنتاج، دون أن يُهمَلَ دور الأسرة المسلمة باعتبارها الحصْن الأَوَّل للعقيدة والقيم النبيلة التي يتلقاها الطفل؛ فعليها أن تُخضِع البيت والأطفال لنظام محدَّد منذ الصِّغر كي ينشؤوا عليه، وحتى لا يُفلِت الزمام من أياديها أثناء الكِبَر.
المصدر: مجلة البيان
عبد اللطيف خروبة
لا يشك أحد في أن للفن بصفة عامة وللرسوم المتحركة خاصة أهدافاً سامية، وغايات جليلةً؛ ذلك أنه يسهم في تربية الأطفال، وغرس العقيدة الصحيحة، والقيم النبيلة، والأخلاق الفاضلة في نفوسهم، وتقويم السلوكات والأفعال التي تصدر عنهم، وحمايتهم من الأخطار التي تهددهم؛ إنه يعرض للمشاكل التي يعانون منها؛ يشخِّص أسبابها، ويبحث عن الحلول المناسبة لها، ويوجِّه طاقاتهم إلى الاهتمام بما هو أهم في الحياة، كما يهدف إلى بناء مشاعرهم بشكل سوي، حتى يكوِّن جيلاً صالحاً لنفسه ولأمته.
إلا أن المتأمِّل في أغلب أفلام الرسوم المتحركة التي تعرضها شاشات التلفزيون في البلدان العربية والإسلامية[1] يجدها قد خرجت عن الأهداف النبيلة، وابتعدت عن الغايات الجليلة التي من أجلها وُضِعَت؛ فلم تترك رذيلة إلا أباحتها، ولا قبيحة إلا نشرتها وأذاعتها؛ فصارت بذلك سلاحاً فتاكاً يستهدف عقيدةَ الأطفال وعقولَهم ونفسياتِهم وممارساتِهم في كل بلدان العالم الإسلامي؛ فما هي مخاطرها على العقيدة والقيم التي يمتثلها الطفل المسلم؟ وما هي السبل والوسائل التي تمكِّن من اجتناب سلبياتها؟
إن هذه العيِّنة من البرامج تغري الأطفال بشكل كبير، فيُقبِلون على مشاهدتها بَنَهمٍ شديد، ويعتقدون أن كل المواقف والسلوكات والأفكار التي تعرضها صحيحة صالحة، كما أن طابَع الترفيه والتسلية الذي يميزها يشدهم إليها بقوة، وهذا فيه إهمال كبير لشخصيتهم، وعقليتهم، وحاجاتهم النفسية، والأهداف النبيلة التي ينبغي أن يوجَّهوا إليها؛ ولعل هاجس الربح المادي الذي يشغل بال المنتجين والعارضين هو السبب المباشر في ذلك، فضلاً عن كونها أفلاماً لا تقيم وزناً للعقيدة والقيم الموجودة في العالم الإسلامي، وما يتميز به من عادات وأعراف وطقوس ثقافية وحضارية.
أولاً: الخطر العقدي:
الإسلام عقيدة وشريعة تعبُّدية وسلوك. والعقيدة الإسلامية هي الإيمان بالله، والملائكة، والكتب، والرسل، وباليوم الآخر، وما فيه من الحساب والجزاء، وبالقدر خيره وشرِّه، ولها أثر بالغ في حياة الفرد والجماعة؛ فهي قوة هادية موجِّهة، ودافعة إلى الخير، بانية خلاَّقة. وإذا كانت راسخة في القلب فإنها تمدُّه بالراحة والطمأنينة والاستقرار على جميع المستويات، ولكن حين تدخل عليها العوامل المؤثِّرة الضارة تتغير. وبرامج الرسوم أحد أبرز هذه العوامل؛ فهي تشكِّل خطراً كبيراً على عقيدة أطفال المسلمين، ومن معالم هذه الخطر:
1 - زعزعة العقيدة:
يجد الأطفال متعة خيالية عظيمة في الرسوم المتحركة، وهذا يؤثر عليهم سلباً في الحال والاستقبال؛ فقد أُجرَيت دراسات عديدة أثبتت الأثر السلبي للرسوم المتحركة على الأطفال من جميع النواحي، وهو ما قد يدمر حياتهم بالكامل[2]؛ فالرسوم المتحركة التي توجَّه إلى أبناء المسلمين هي أشد فتكاً بهم؛ لأنها لا تعير العقيدة الإسلامية أي وزن، ولأن منبعها غربي مسيحي أو صهيوني غالباً؛ لذلك فهي تهدف إلى إزالة العقيدة الإسلامية الصحيحة الصافية من النفوس عبر زعزعتها، وإدخال الشك فيها وفي مبادئ الإسلام، وغرس المعتقدات المنحرفة في المقابل: كعقيدة التثليث، وعبادة الأصنام؛ فحين يُظهر الفيلم نجْماً يُدخِل السعادة على الناس، أو شجرةً تحفظ من الكوارث والآفات، أو يعرض شخصية تقبِّل الصليب وتضعه على الصدر لتجد الراحة والأمان والطمأنينة، أو تسجد لصنم، أو تُوهِم بأن الكون تدبِّر شؤونَه كائنات خيالية وليس الله، عز وجل.
والطفل يشاهد ذلك ويتأثر به، ويعتقد أنه هو الحق والصواب، فتنعكس المشاهد على سلوكه، فتجده يقبِّل الحجر، أو ينحني ساجداً له، أو يتوسل إلى الشمس من أجل تحقيق رغبة مَّا. والأمثلة كثيرة يطول المقام لحصرها، إنها ترسِّخ فيه معتقدات بعيدةً عن الدين الحنيف، فيحصل اضطراب العقيدة في النفوس؛ فلا يعيرون اهتماماً لعقيدة التوحيد، ولا لشعائر الدين. كما تؤدي إلى التعلق بالدنيا وإهمال الآخرة؛ لأن المشاهد التي تعرضها الرسوم تحث على الحياة الدنيا فقط.
2 - تصديق السحرة والكهان:
كما تعمل هذه البرامج على ترسيخ الإيمان بالسـحرة والمشـعوذين، وتصـديق ما يدَّعون، والخوف منهم، عوض الخوف من الله؛ فهي تُظهِر الساحر قادراً على إسعاد الناس أو أشقائهم، وتأمينهم أو ترويعهم، وأنه قوة لا تُقهَر وليس الله، تعالى. وهو الشيء الذي يؤدي إلى حصول تناقض في عقيدة الطفل المسلم. فيقدِّس الساحر ويتقرب إليه، عوض تقديس الله وفعل ما يقرِّب منه. تقول الدكتورة طيبة اليحيى: «إن بعض الناس - هداهم الله - يعمدون إلى تهدئة صخب أطفالهم بوضعهم أما التلفاز، ولا يعلمون أنهم بذلك يقضون على أطفالهم؛ فالبرامج المعدَّة للأطفال لها أثر أيما أثر على سلوك الأبناء الديني والخُلُقي والاجتماعي؛ ففيها إظهار لشعائر أهل الكفر ورموز دينهم: كالصليب والمعابد، وفيها نشر للسحر والشعوذة، وفيها الأعظم من ذلك كله، وهو التشكيك في قدرة الله، تعالى»[3].
إن الطفل المسلم إذا لم تتدارك الأسرة أمره وشبَّ على ما يراه في الرسوم المتحركة يكون في المستقبل كالريشة في مهب الريح، مضطربِ العقيدةِ، لا يستقر على حال، يسيطر عليه القلق والحَيْرة، لا يعرف حقيقة نفسه، ولا سِرَّ وُجُودِه في الحياة.
ثانياً: ترسيخ القيم الفاسدة:
القيم مجموعة من العقائد الدينية أو الفلسفية المفضَّلة عند أمَّة أو حضارة مَّا، وتتحول إلى أسلوب في الحياة؛ تحدد التصور للوجود والكون، والحياة والموت، والطبيعة والتاريخ، بل تحدد الذوق والمظاهر والسلوك العام؛ فالقيم بهذا المعنى نمط حياة، تتغذى من أوعية متعددة لتبقى حية، ومنها الوعاء العقدي، والغائي (الغاية من الحياة)، والسلوكي، والمظهري، والأخلاقي...
وللقيم أهمية بالغة في حياة الأمة؛ فهي تحفظ الهوية والعمران والحضارة، وهذا يعطي للأمة قوة الاستمرار، ويدفعها إلى الإنتاج والتعمير، والتطور والبناء والعمل الجاد، وتُعَدُّ القيم الإسلامية أرقى القيم وأفضلها على الإطلاق؛ لأنها ربانية المصدر، ومن القيم التي يتجلى فيها الأثر السييء للرسوم المتحركة على الطفل المسلم: القيم الأخلاقية، والقيم الثقافية، والعلمية والسلوكية، ومن ذلك:
1 - الميل إلى العنف:
تتضمن كثير من مسلسلات الرسوم المتحركة مشاهدَ العنف والصراع، وهذا يرسخ في وجدان الطفل الميل إلى القسوة والعنف، سواء داخل الأسرة أو المدرسة أو في الشارع؛ فيلجأ إليه من أجل تحقيق رغباته، وقد يرتكب جريمة بشعة. وقد أثبت عديد من الدرسات العلاقة الوطيدة بين جُنوح الأطفال وارتكابهم الجرائم، وبين الرسوم المتحركة التي تتضمن مشاهد العنف. وقد شهد العالم الإسلامي - كبقية بلدان العالم - العديد من الجرائم أبطالُها من الأطفال[4].
ومن المسلسلات الكرتونية التي تقوم على العنف: «الجاسوسات» و «بيبليد».
2 - التطبُّع مع الفاحشة:
إن الطفل المسلم يتلقى قيم البلدان التي أنتجت أفلام الرسوم المتحركة؛ وهي قيم بعيدة عمَّا هو موجود داخل البلـدان الإسلامية والعربيـة من قيم وآداب، ولا تعكسها من قريب أو من بعيد. ومن هنا تؤثر على القيم، وقد حذَّر المجلس العربي للطفولة والتنمية من الآثار السلبية لبرامج الرسوم المتحركة على قيم المجتمعات العربية وعاداتها[5]؛ فهي في أغلبها بعيدة عن القيم النبيلة، وصور الخلاعة، والمجون فيها تنهال على الطفل في الرسوم من كل جانب كأوراق الشجر المتساقطة في فصل الخريف؛ فتنسف الأخلاق، وتذهب ببهاء الوجه؛ فهي تُظهِر العلاقة بين الجنسين قائمة على الخلوة، والرقص، والخلاعة، والتبرج، والعناق، وتبادل القبلات. وهذا التوجه يشكل خطراً على الأطفال؛ لأنه ينبِّه المشاعر الحميمية والغرائز الجنسية لديهم في وقت مبكر، وهو ما ينتج عنه ارتكاب الفواحش والجرائم الجنسية[6]. كما يقضي على الحياء؛ حيث ينطق الأطفال بالكلام النابي، وبكل الألفاظ الردئية. وسلسلة «ميكي مَاوْس» نموذج بارز في هذا المقام.
3 - تقليص التواصل الأسري:
إن هذه البرامج تقضي على علاقة التواصل بين الأطفال وبين آبائهم، وبين باقي أفراد الأسرة. وقد يكون الأطفال قبل سن المدرسة هادئين وهم أمام الشاشة، فتسرُّ الأمهات لذلك؛ لأنه يساعدهن على إنجاز خدمات البيت، ولكن طول المكث أمام التلفزيون يؤثر على أولادهنَّ وهنَّ لا يشعرنَ. ويستفحل الخطر بعد الدخول إلى المدرسة؛ فلا يتحدثون عن المدرسة، ولا عن الدراسة، ويستغنون بما تقدِّمه الرسوم عن حكايات الأم والأب والجدَّة. والمشهد نفسه يحصل بين الإخوة؛ فلا يتسامرون مع بعضهم بعضاً، ولا يتناقشون؛ فبمجرد العودة إلى البيت يفتحون التلفاز ليتفرجوا على الرسوم، وهو ما يؤدي إلى اتساع الفجوة بينهم وبين الآباء والإخوة، بسبب الحاجز الذي فرضه التفزيون، ويصعب التخلص منه مع تقدُّم العُمُر، وبعد تشكُّل شخصية الطفل وَفْقَ ما تعوَّد عليه.
4 - تعلُّم الأخلاق السيئة:
إن من طبيعة الطفل أنه يقلد كل شيء يُعرَض أمامه، أو يسمْعه بدون جدال بسبب فطرته الصافية، ولكن بيئته هي التي تغيِّرُها، وبكل سهولة تؤثر فيه المشاهد التي يقع عليها بصره في الرسوم المتحركة؛ فيميل إلى تقليد الشخصيات في كل شيء، في كلامها وحركاتها، وفي لباسها وهيئتها، وفي سلوكها وتصرفاتها. وبذلك يتطبع على العادات السيئة؛ فيسرق ويحتال ويخادع، ويدخن، ويكذب ويعتدي على الغير، ويسخر منه؛ ناهيك عن الأنانية والحقد والكراهية، وحب الانتقام وغيرها من أمراض القلوب. وسلسلة: «توم وجيري» نموذج لذلك.
5 - اضطراب المفاهيم والأفكار:
إن اعتماد الرسوم المتحركة على الكائنات والأحداث الخيالية يأسر عقول النشء ولا يتركها تتحرر، فيفقد بذلك توازنه الفكري؛ فتضطرب لديه المفاهيم، وينعكس ذلك على الفكر بشكل واضح، فيشكك في المعرفة الدينية التي يتلقاها في الأسرة والمدرسة؛ فمفهوم الدين والإيمان بالله الذي يسمعه ويتلقَّاه في المؤسستين المذكورتين لا يوجد له أثر في الأفلام الكرتونية؛ فيضيع ويحتار في أي معرفة يصدِّق: هل يصدِّق ما قالته الأم، وما قرأه في الفصل الدراسي، أم ما يشاهده على الشاشة؟ وهو ما سينعكس سلباً على عقيدته وفكره في المستقبل.
6 - استلاب الثقافة:
عندما يصبح الطفل مولعاً بمشاهدة برامج الرسوم المتحركة المبنية على الخرافة والخيال الجامح، فيصدقها، فإنها تضر بنشاطه العقلي؛ فلا يقدر على التفكير الواقعي السليم؛ فيتكلم مع الحيوانات - وخاصة الكلاب والقطط - ظناً منه أنها تتكلم مثله، ويُجلِسُها بجانبه إلى مائدة الطعام، وتنام معه في الفراش، وقد يتعلق بها أكثر من تعلُّقه بوالديه وإخواته؛ فيحزن عند مرضها، ويبكي حين موتها أكثر مما يحزن أو يبكي عند إصابة أخيه. ومن جهة أخرى تنقطع صلته بثقافته الأصلية، وتهيمن عليه الثقافة الغربية الصليبية؛ فيتكلم بلغاتها، ويتمسك بعاداتها، ويهمل اللغة العربية والثقافة الإسلامية؛ فلا يسمي الله عند الأكل، ولا يغسل يديه، وينام بحذائه على السرير وعند التحية ينحني كما يفعل اليابانيون وأمثالهم... إنها ترسِّخ فيه الموالاة لليهود والنصارى والملحدين، وثقافةَ الانهزام والخضوع؛ حيث يعتبر أن الإنسان الغربي هو المتقدم، وهو الذي ينبغي أن يُحتَذَى.
ورحم الله ابن خلدون؛ إذ يقول في مقدمته: «إن المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزِيِّه ونِحلَته وسائر أحواله وعوائده»[7]. كما تنشر هذه البرامج ثقافة الخوف من الإسلام والمسلمين؛ فهو السارق، وهو المعتدي وهو المتطرف والشرير، ومن جهة أخرى توجه النشء إلى سفاسف الأمور، وإلى كل عمل لا فائدة من ورائه.
7 - الشعور بالنقص والخوف من الفشل:
كثيراً ما يقلِّد الأطفال الشخصيات التي يٍعجَبُون بها في الأفلام، ويصعب عليهم النجاح في عملية التقليد هذه، وخاصة قبل سن السابعة، فيُودُون بحياتهم أو بحياة الآخرين من حولهم، أو يتسببون في مشاكل عويصة تستعصي على الحل؛ فقد يصعد الطفل إلى سطح المنزل ليطير كما تطير شخصية الرجل العنكبوت «سْبَايْدَرْ مَان» - مثلاً - فيموت إثر سقوطه على الأرض، أو يصاب إصابات خطيرة، أو يقلد مشهداً سحرياً، كأن يضع يده في النار ظناً منه أنها لا تصاب بأذى عندما يقرأ تعويذات سمعها من الساحر، وعندما يعجز، وتحترق يده، ينتابه الإحساس بالنقص، فيتسرب إلى نفسه توجس الفشل كلما أقدم على عمل معيَّن. وهذا ينعكس على حياته بصفة عامة. كما أن الإدمان على مشاهد الرعب والخوف، والدماء والقتلى، والحيوانات المفترسة، والأشباح، وطلقات النار من الأسلحة، يؤدي بالأطفال إلى الخوف والفزع، وقد ينتابهم الفزع الليلي؛ فيُحرَمُون من النوم المريح...
إن المشاهد التي يقع عليها بصر الأطفال في الرسوم المتحركة تؤدي إلى الخلط بين الواقع الملموس، وبين الواقع الافتراضي الذي تعرضه؛ فالواقع الحقيقي شيء يختلف كثيراً عمَّا يُعرض من رسوم متحركة للمشاهدة على شاشة التلفزيون[8].
8 - تدنِّي مستوي التحصيل الدراسي:
إن خطر أفلام الرسوم المتحركة على التحصيل الدراسي قوي جداً، وهذا بشهادة العديد من الباحثين المشتغلين في هذا الحقل؛ لأن الطفل يقضي مدة طويلة من الزمن أمام الشاشة؛ يتفرج على الرسوم، قد تصل إلى ما بين ثلاثين وأربعين ساعة في الأسبوع؛ وهي مدة كافية لتُنهِك جسمه وعقله؛ فلا يستطيع التركيز ولا مذاكرة دروسه، وإنجاز واجباته المدرسية، ومن ثَمَّ يضيع وقته فيما لا ينفعه. ومشكلة انخفاض مستوى التحصيل عند الأطفال تؤرق المفكِّرين والمربين والسياسيين في مختلف بلدان العالم، والدول الإسلامية على وجه الخصوص؛ لِـمَا يميزها عن غيرها من الدول عقدياً وفكرياً[9]. ومن جهة أخرى لاحظ الباحثون أن المشاهد الإعلامية ذات أثر بالغ في الأطفال؛ فهم يتذكرون المشاهد والأحداث التي شاهدوها قبل شهور، في حين لا يتذكرون درساً تلقَّوه في المدرسة قبل أسبوع[10].
ختاماً:
إذا كانت نسبة كبيرة من أفلام الرسوم المتحركة الموجودة في الساحة الإسلامية والعربية اليوم ذات ضرر بالغ على الناشئة؛ فلا بد من البحث عن البدائل المفيدة والصـالحة لإنقـاذ الأجيـال القـادمة مـن خطـر يداهمهـا لا محالة، والمسؤولية هنا ملقاة على عاتق الجميع؛ لأن الكل مسؤول أمام الله - عز وجل - الذي يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْـحِجَارَةُ} [التحريم: 6]، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»[11]؛ فالفنانون والسياسيون والمفكرون والمربون، وأهل المال والثراء، والآباء والأُسر، والمجتمع بكافة هيئاته الحكومية والمدنية، الكل معنيٌّ حسب المجال الذي يشغله؛ فالمبدعون والفنانون ينتجون رسوماً متحركة تناسب عقلية الطفل المسلم ونفسيته وقدراته العقلية، وتراعي العقيدةَ الإسلامية السمحة، والأخلاقَ والقيم الإنسانية الفاضلة. وتبتعد عن الغثائية والعبثية والعشوائية. كما ينبغي أن يستشيروا علماء الشريعة والمفكرين التربويين المخلصين للإسلام؛ حتى تكون المنتوجات مبنيَّة على أساس علمي وتربوي متين. ولهم في التاريخ الإسلامي وأبطاله مادة خصبة، وفي الحضارة الإسلامية ومعالم الإسلام وأهدافه وقيمه وقضايا الإنسان المعاصر والحياة والموت والكون موضوعات واسعة. وحتى لا ينصرف الأطفال عن القراءة والمطالعة ينبغي أن تتضمن البرامج المذكورة محفِّزات تدفعهم إلى القراءة والتحصيل المعرفي.
والأغنياء في الأمة الإسلامية ينبغي أن يساهموا بنصيب وافر في هذا العمل البنَّاء، بتوفير الدعم المادي للأعمال الفنية الجيدة في هذا المجال، وأن يستثمروا فيه أموالهم؛ إذ لا تعدم الأمة الإسلامية فنانين أوفياء للدين والأمة، لكن تنقصهم الأموال للإنتاج، دون أن يُهمَلَ دور الأسرة المسلمة باعتبارها الحصْن الأَوَّل للعقيدة والقيم النبيلة التي يتلقاها الطفل؛ فعليها أن تُخضِع البيت والأطفال لنظام محدَّد منذ الصِّغر كي ينشؤوا عليه، وحتى لا يُفلِت الزمام من أياديها أثناء الكِبَر.
المصدر: مجلة البيان