(الرسول والعشيرة والعادات) للشيخ الكريم / صالح الجبري

منصور الفرشوطي
1434/11/19 - 2013/09/25 21:37PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الرسول والعشيرة والعادات
لقد أتم رسول الله أربعين سنة من عمره، والدنيا واقفة على شفا حفرة من النار, وكان المجتمع المكي الذي عاش فيه رسول الله يعج بالوثنية وبالطقوس التي لا تنتهي من النذور والقرابين لغير الله، ومن التمسح بالأحجار والأوثان والتي كان صلى الله عليه وسلم يشعر ببغضها في نفسه حتى أنه لم يشارك قومه في شيء من ذلك بل إنه عندما سأله بحيرا الراهب في رحلته إلى الشام،وقال له: يا غلام أسألك بحق اللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك عنه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا تسألني باللات والعزى شيئاً، فوالله ما أبغضت شيئاً قط بغضهما.
لقد رأى صلى الله عليه وسلم بعينيه ما كان في قومه من عبادة للأصنام والأوثان، واستعباد الأقوياء منهم للضعفاء. حتى أصبح الظلم عندهم شيئاً معروفاً إضافة إلى ما كانوا عليه من فساد في العادات والسلوك مثل وأد البنات، وأكل أموال اليتامى، وأكل الربا واستحلاله ، كان يرى هذه ا لأمور ولم يقرها لكنه كان قلقاً ومحتاراً لا يدري أين الحق فيتبعه لهذا لم يرد من الخلوة إلا الابتعاد عن هذه الأجواء الملوثة، ووجد بغيته في غار حراء فكان يتعبد فيه تارة، وتارة يخرج إلى شعاب مكة وأوديتها، فلا يمر بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله، فيلتفت رسول الله حوله وعن يمينه وشماله وخلفه، فلا يرى إلا الشجر والحجارة وإذا كان الحجر الجماد يعظم رسول الله ويلقي عليه التحية فكيف يتهاون المسلم المكلف بأوامره صلى الله عليه وسلم ونواهيه؟
واستفاد صلى الله عليه وسلم من هذه الخلوة بأنه ابتعد عن مشاغل الدنيا، وفتن العصر، وصار صافي الذهن والسريرة وكأن الله كان يهيئه لتلقي الوحي وهو جاهز له تماما.
وكانت أول البشائر في بعثته صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح أي كاملة ثابتة واضحة كما رآها في المنام ثم حدثت النعمة الكبرى في يوم الاثنين الحادي والعشرين من رمضان ليلاً الموافق 10اغسطس سنة 610 ميلادي جاءه الحق وهو في غار حراء.
وللعلم فما كان صلى الله عليه وسلم يطمح إلى الوحي، بل لا يعرف عنه شيئاً بل لم يحلم بذلك في يوم من الأيام وهذا مصداق قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (الشورى : 52 ).
لكن الله أكرمه ونزل عليه الملك في غار حراء وقال له: اقرأ فقال: ما أنا بقارئ أي أنا أمي لا أقرأ ولا اكتب فقال له: اقرأ باسم ربك الذي خلق، إنك لا تقرؤه بحولك ولا بمعرفتك ولكن اقرأ مفتتحا باسم ربك مستعينا به، فهو كما خلقك فإنه سيعلمك ما لم تكن تعلم (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) (العلق:1 -3). ونزول هذه الآيات بالتحديد يدل دلالة واضحة على أهمية العلم والتعلم في ديننا الحنيف.
أما كون الرسول صلى الله عليه وسلم أمياً فمن أعظم حكمه أنه حتى يكون أبعد عن تهمة الأعداء له بأنه قد كتب القرآن بنفسه وهذا مصداق قوله تعالى: (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) (العنكبوت:48).
وعندما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زوجته خديجة وأخبرها بخبر ما حصل له في غار حراء مع جبريل عليه السلام وأخبرها بأنه قد خشي على نفسه من الذي حدث له , لكن خديجة لم يتطرق إليها الشك أبداً لأنها قد عرفته حق المعرفة فقالت له كلا لايخزيك الله أبداً ثم تحدثت عن فضائله العظمى وقالت إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق ، وهنا يتضح لنا دور الزوجة العاقلة التي وقفت مع زوجها ورفعت قدره وذكرته بفضائله وقت الشدة ، ويتضح لنا أيضا أنَّ الذي يهتم بصلة الرحم وإعانة الناس والإحسان إليهم فإن الله لن يخذله أبدا بل سيوفقه لكل خير في الدنيا والآخرة ، ثم أخذته خديجة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وكان قد تنصر وقرأ الكتب وسمع من أهل التوراة والإنجيل، فأخبره صلى الله عليه وسلم بما حصل له في غار حراء فقال ورقة هذا الناموس الأكبر الذي أنزل على موسى، ياليتني فيها جذعاً (أي شاباً قوياً)، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك فقال صلى الله عليه وسلم: أو مخرجي هم، فقال ورقة: نعم لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي، ولئن أدركني يومك لأنصرك نصراً مؤزراً.
ونلاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تعجب من كلام ورقة عندما قال له أن قومه سيخرجونه وأكد له أن ذلك خط ثابت لأصحاب الدعوات ولا مفر منه مصداقاً لقوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) (إبراهيم:13-14).
وبعد أن رجع الرسول صلى الله عليه وسلم من عند ورقة بن نوفل ’فتر الوحي وانقطع قرابة الأربعين يوماً ومات ورقة، وانزعج صلى الله عليه وسلم من انقطاع الوحي عنه حتى كان يهيم على وجهه في جبال مكة وشعابها، لكنه وكلما اشتد الحزن به تبدى له جبريل يقول له: يا محمد إنك رسول الله حقاً، فيخف عنه حزنه، ويقل ألمه، وتمضي الأيام. فإذا الملك الذي جاءه بغار حراء قاعد على رفرف (بساط) بين السماء والأرض فرعب منه صلى الله عليه وسلم ورجع إلى أهله يقول: زملوني: فأنزل الله قوله: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * َلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) (المدّثر: -7).
وهذا أمر واضح من الله عز وجل له صلى الله عليه وسلم بالبدء في دعوة الناس إلى الإسلام لكن بشكل سري لأسباب كثيرة منها أن الفترة السرية ضرورية في مثل الظروف التي بعث فيها صلى الله عليه وسلم، لأنه قد جاء للناس بدين لم يعرفوه، وبأمر لم يألفوه، فلو أنه واجههم به لأول مرة، لحالوا بينه وبين الاتصال بالناس، ولم يمكنوه من تبليغ دعوته فلا يستطيع أن يربي أحداً أو يعلم أحداً. فالفترة السرية فرصة للتربية والتكوين، ومرحلة لإعداد المؤمنين حتى يشتد عودهم، وتقوى نفوسهم على تحمل البلاء ووقتها يجاهرون بدينهم، ويصدعون بالحق الذي آمنوا به، وليكن بعد ذلك ما يكون’ و من هذا المنطلق بدأ صلى الله عليه وسلم يعرض دعوته على من يرى فيه الاستعداد لقبولها: فكان أول من أسلم من النساء خديجة رضي الله عنها ، ومن الصبيان علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، ومن الرجال أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، ومن الموالي زيد بن حارثة رضي الله عنه، ومن العبيد بلال بن رباح رضي الله عنه، ثم أسلم بعد هؤلاء جماعة شرح الله صدورهم للإيمان، وفي خلال ثلاث سنوات ظل عدد المسلمين يزداد حتى وصل عددهم إلى ثلاثة وخمسين رجلاً وامرأة منهم حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما فقويت شوكة المسلمين وتحولت الدعوة من سرية إلى جهرية بنزول قوله تعالى: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (الحجر:94). وقوله تعالى: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (الشعراء:214). فصعد صلى الله عليه وسلم على جبل ونادى بأعلى صوته قائلاً واصباحاه واصباحاه فأجتمع الناس إليه فقال لهم صلى الله عليه وسلم ( يا معشر قريش: أرأيتم لو أخبرتكم أنًّ خيلاً بسفح هذا الجبل، تريد أن تغير عليكم، أصدقتموني: قالوا نعم قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، أنقذوا أنفسكم من النار فقام أبو لهب لعنة الله عليه فقال: تباً لك سائر اليوم، أما دعوتنا إلا لهذا، فنزل قوله تعالى (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ) (سورة المسد).
ونلاحظ هنا أنه ومنذ بداية الدعوة قال الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (الشعراء : 214 ) فلم خص الله عشيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأهله بالإنذار؟ الجواب أنَّ هذا يبين مسؤولية كل مسلم عن أهله ومن يلوذون به من ذوي قرباه، فلا يجوز لرب أسرة أن يقصر عن تبليغ أهله وأسرته بأوامر الدين، بل يجب أن يحملهم على إتباع ذلك حملاً.
ولا ينبغي أن يهمل الإنسان دعوة أهله وأقربائه حتى ولو بدعوى انشغاله بدعوة الناس ، لكن لو نظرنا في عصرنا الحالي لوجدنا أن الكثير من الأسر تعيش حياة بعيدة عن الدين الصحيح بسبب ماذا؟ بسبب عدم قيام رب الأسرة بتبليغ دين الله لهم وانشغاله عن ذلك بدعوى تأمين مستقبلهم الدنيوي المحدود، أما مستقبلهم الأخروي الأبدي فهو غير مهتم به ,وبالطبع فإذا كان رب البيت بالدف ضاربا فشيمة أهل البيت كلهم الرقص لهذا فإذا كان الأب مشغولاً بدنياه، فإنك سترى الأم مشغولة بعمل البيت أو الزيارات أو الحفلات، ولا تدري عن أوامر الدين شيئاً وربما لا تعرف حتى شروط الصلاة أو حتى الاغتسال الصحيح من الجنابة، والبنات مشغولات بالتفاهات من الأفكار والآراء وربما لا يحسن حتى ارتداء الحجاب الإسلامي الصحيح، والأولاد يهيمون على وجوهمم في الشوارع والطرقات ويضيعون الصلوات ويؤذون الناس وينشرون الرعب بينهم بتصرفاتهم وأفعالهم، ولا يعرفون عن الحلال والحرام شيئاً. كل ذلك بسبب ماذا؟ بسبب أن الأب لم يعلمهم أمور دينهم التعليم الصحيح لهذا جاء التحذير ولمن فرَّط في هذه المهمة العظيمة وأهمل ذلك فقال صلى الله عليه وسلم (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت) مسلم وأبو داود وورد أيضاً أن أول ما يتعلق بالرجل في يوم القيامة زوجته وأولاده فيوقفونه بين يدي الله عز وجل ويقولون: يا ربنا خذ لنا حقنا من هذا الرجل فإنه لم يعلمنا أمور ديننا. لهذا كان على الأب أن يكون عارفاً بالحلال والحرام وأساليب التربية ومبادئ الأخلاق وقواعد الشريعة، فإن لم يكن عالماً بها وجب عليه تعلم ما لا يعذر بجهله من أمور الدين حتى يعبد الله على علم ويقين. وفي هذا العصر لا عذر لأحد في ذلك. لماذا لأن المحاضرات الدروس تقام بشكل دائم في المساجد وفي وسائل الإعلام المختلفة فأين رب الأسرة عن ذلك ’ولأن الكتب المفيدة والأشرطة النافعة متوفرة فأين رب الأسرة عن ذلك، لهذا فمن أهمل بعد ذلك كله فلا يلومن إلا نفسه يوم القيامة كما قال الله سبحانه في الحديث القدسي فيما يرويه عنه نبيه صلى الله عليه وسلم (يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية:
قلنا سابقاً أن الناس أعداء لما يرونه خروجاً على عاداتهم وتقاليدهم، ومن هذا المنطلق كان موقف أبي لهب اللعين عندما سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو قومه للإسلام كان موقفه موقف المعارضة الشديدة، وقد عاب الله سبحانه وتعالى على الذين يتبعون آبائهم وأجدادهم ولو كانوا على الباطل، عاب عليهم ذلك في آيات كثيرة منها قوله تعالى: (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ) (الزخرف:22) وقال عنهم في موضع آخر.
(قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) (إبراهيم:10). والسبب تقليد الآباء والأجداد’ وفي عصرنا الحاضر تتكرر الصورة مرة أخرى وللأسف الشديد. فللناس في هذا العصر عادات وتقاليد كثيرة وفيها الحسن والسيئ وفيها ما يوافق الدين وفيها ما يعارضه ، والغريب في القضية أن الناس قد تمسكوا بهذه العادات والتقاليد المختلفة’كالذي اعتادوه في التعامل بينهم في الحقوق والواجبات ؟كحقوق الصلح البعيدة عن شرع الله عند بعض القبائل’ أو بعض العادات فيما يتصل في حرمان البنات من الميراث أو حرمانهن من الزواج بأسباب تافهة ، أو مظاهر اللهو في الأفراح، أو أشكال الحداد في المآتم ،والغريب أنهم قد تمسكوا بها أكثر من تمسكهم بأوامر الدين، مالسبب؟ هو كما قال تعالى حكاية عن السابقين (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ) (الزخرف:23). يقال لهم يا ناس استبدلوا هذه العادات والتقاليد البالية بدين الله’ حكموا الإسلام في حياتكم الاجتماعية وفي التعامل بينكم وفي أفراحكم وفي مآتمكم. أليس حكم الإسلام هو الأفضل مما وجدتم عليه آباءكم؟ لكن وللأسف الشديد فالكثير منهم لديه الاستعداد للتفريط بأوامر الدين، ولا يفرط بعاداته وتقاليده ما السبب؟ كما قال تعالى: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ) (الزخرف:23-24).
حتى بالنسبة للعبادات. بعض الناس يصلون ويصومون ويحجون ويزكون ويؤدون العبادات بالوراثة وتقليدا لآبائهم أو للمجتمع.
وليس عن فهم أو نظر في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وعندما ينبه عليهم من العلماء أو طلبة العلم أو الدعاة أو الذين يتصدون لتعليم الناس أمور دينهم، نجد أنهم يقابلون هذا بمعارضة شديدة ويغضبون ويقولون: نحن على هذا الدين منذ عهد آبائنا، أتريدون الآن أن تغيروا ديننا بدينكم الجديد الذي أتيتم به. هم يظنون أن ما يسمعونه من أوامر جديدة عليهم يظنون أنها دين جديد بينما في الحقيقة أنهم جاهلون بأمور دينهم، ويعبدون الله بالوراثة والتقليد، وليس عن علم ومعرفة. وللعلم فهذا الموقف ليس جديدا لأنه حدث متكرردائما، فقد ذكر الله سبحانه عن الأولين أنهم قالوا: (قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) (إبراهيم:10).
وقال بنو إسرائيل لموسى وهارون عليهما السلام: (قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ) (يونس:78).
وقال قوم صالح عليه السلام: (قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) (هود:62).
وهنا يتبين لنا أن الله قد عاب على من أسروا أنفسهم للتقاليد والعادات الموروثة عن الآباء والأجداد، دون تفكر منهم في مدى صلاحها، أو فسادها لهذا علينا أن نعلم أن التقاليد غير مبادئ الإسلام، وأعمال الناس، غير أوامر الله، والعادة والعرف مهما شاعا وانتشرا يحكم عليهما، ولا يحتكم إليهما، والتقاليد مهما استحكمت، قد تكون باطلاً محضاً، أو خليطاً من حق وباطل. والمرجع في ذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفي كل شيء، في العبادات والمعاملات والعادات، والتقاليد وكل عادة أو تقليد أو معاملة تكون مخالفة للدين، فلن يكون من وراءها إلا الهلاك والضلال كما قال تعالى: (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ * وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِم مُّنذِرِينَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ* إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ) (الصافات:69-74).
فهل نتعظ ونعتبر، نرجو ذلك ونتمناه. وفقنا الله جميعاً لما يحبه ويرضاه.
خطيب جامع أم الخير بجدة
صالح محمد الجبري
المشاهدات 1768 | التعليقات 0