الرد المنطقي على أهل البدع
عبدالله محمد الطوالة
1440/03/07 - 2018/11/15 18:37PM
هذه خطبة مناسبة جداً للرد على من يحتفلون بالمولد ونحوه من البدع .. علماً بأنها ليست لي ، وإنما نقلتها لروعتها مع بع التعديلات والإضافات ..
.
.
أيها الأحبة : جاء في سير أعلام النبلاء قصةُ مناظرةً رائعةً ، حدثت بين يدي الخليفة العباسي الواثق ، حين كانت فتنة القول بخلق القرآن على أشدها ، وحدثت هذه المناظرة بين الشيخ عبد الله بن محمد الآذرمي وبين زعيم القائلين بخلق القرآن في ذلك الوقت أحمد بن ابن أبي دؤاد .. حيثُ جيء بالشيخ الآذرمي مقيداً بالسلاسل ، فأدخل على الخليفة فلما سلم قال له الواثق: اجلس لتناظر ابن أبي دؤاد .. فقال الشيخ الآذرمي: يا أمير المؤمنين إنه أقلُ وأضعفُ من أن يناظرني , فغضب الواثق وقال: أبو عبدالله يضعفُ عن مناظرتك أنت؟ فقال الشيخ: هون عليك يا أمير المؤمنين , وأذن لي أن أُرِيك الآن ، ثم التفت الشيخ إلى ابن أبي دؤاد وقال له: يا أحمدُ ما تقول في القرآن؟ .. قال أحمد: أقول أنه مخلوقٌ .. قال الشيخ الآذرمي: فأخبرني يا أحمدُ عن مقالتك هذه , أهي مقالةٌ واجبةٌ على المسلمِ فلا يكون دينهُ تاماً حتى يقول بها ؟ .. قال أحمدُ: نعم .. فقال الشيخ : فأخبرني يا أحمد هل أخفى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شيئاً مما أمرهُ اللهُ بتبليغه ؟ فقال أحمد: لا .. فقال الشيخ: فهل دعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الأمَّةَ إلى مقالتك هذه ؟ فسكت ابن أبي دؤاد , فقال الشيخ: تكلم يا أحمد ، فما استطاع أن يجيب بشيءٍ , فالتفت الشيخ إلى الواثق وقال: يا أمير المؤمنين واحدة, فقال الواثقُ: واحدة .. قال الشيخ الآذرمي: فأخبرني يا أحمد حين قال الله تعالى في كتابه الكريم:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِينـاً} فهل صدق الله تعالى في إكمالِ دينهِ وإتمامه, أم أن الدين ناقصٌ حتى تُتِمَّهُ بمقالتك هذه .. فسكت ابن أبي دؤاد , فقال الشيخ: أجب يا أحمد , فلم يجب بشيءٍ .. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين اثنتان .. فقال الواثق: نعم اثنتان .. قال الشيخ: فأخبرني يا أحمدُ هل علمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلمَ وخلفاؤه الراشدون بمقالتك هذه أم لم يعلموها ؟ قال أحمد: لم يعلموها .. قال الشيخ: يا سبحان الله ، شيءٌ لم يعلمه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدونَ علمتهُ أنت! ، فخجل ابن أبي دؤاد وقال: بل علموها .. قال الشيخ: فهل حين علموها، عملوا بها، أم لم يعملوا بها ؟ فسكت أحمد .. قال الشيخ يا أمير المؤمنين ثلاث .. قال الواثق: نعم ثلاث .. فقال الشيخ: فأخبرني يا أحمد حين علم الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤهُ الراشدون هذه المقالة ، فهل اتسع لهم أن يسكتوا عنها, ولم يطالبوا الأمَّة بها ؟ قال ابن أبي دؤاد: نعم .. فأقبل الشيخ على الخليفة الواثق وقال: يا أمير المؤمنين أفلا يَسَعُنَا ما وسِعَ النبيَ صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون ، فلا وسَعَ اللهُ على من لم يتسع لهُ ما اتسَعَ لهم .. فأخذ الواثقُ يحدث نفسه قائلاً: شيءٌ لم يعلمهُ النبيُ صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون ، علمته أنت يا سبحان الله! .. شيءٌ علموه ولم يدعوا الناس إليه ، أفلا وسعك ما وسعهم .. ثم صاح بالجنود فكوا قيودَ الشيخ ، ومنذ ذلك الحين انتهت بفضل الله تلك البدعة المنكرة التي راجت طويلاً ..
ونحن بدورنا نوجه هذه الأسئلة لكل صاحب بدعة كائنة ما كانت ، ونقول له بدعتك هذه علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون أم لم يعلموها ؟ فإن قال لا لم يعلموها ، نقول سبحان الله كيف علمت أمراً خفي على النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون .. وإن قال: نعم علموها .. نقول له فهل دعــوا الناس إليها ؟ أم سكتوا عنها ؟ فإن قال: دعوا الناس إليها ، نقول فأين الدليل .. وإن قال : سكتوا عنها .. نقول له: فيسعنا ما وسع القوم ، فما تركوه نتركه ، وما فعلوه نفعله ، وما سكتوا عنه نسكت عنه ..
أيها الإخوة: بعد أن نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم لم يصعد إلى غار حراء مرة أخرى، ولم يُرشد أصحابه إلى ذلك، وبعد الهجرة، تم أداء العمرة وفتحت مكة، وبقي فيها مدة .. فلم يطلب النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الذهاب إلى غار ثور ، ولم يحدد وقتاً أو يوماً أو فعلاً يتعلق بذلك المكان أو تلك المناسبة ..
ثم جاء الخلفاء الراشدون من بعده، فلم يحتفلوا بيوم ولادته صلى الله عليه وسلم ولا بيوم بعثته أو هجرته، أو بليلة الانتصار في معركة بدر أو غيرها من المعارك الشهيرة، وكذلك الأئمة الأربعة وبقية العلماء والمحدثين، لم يفعلوا ذلك ولم يذكروه في كتبهم أو مؤلفاتهم ..
أخرج الدارمي بسند صحيح أن أبا موسى الأشعري قال لابن مسعود رضي الله عنهما : يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة فيهللون مائة فيقول: سبحوا مائة فيسبحون مائة، قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء، ثم أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون قالوا: يا أبا عبد الرحمن، حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد، قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد، ما أسرع هلكتكم! هؤلاء أصحابه متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد، أو مفتتحوا باب ضلالة، قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريدٍ للخير لم يصبه ..
فلذلك يجب على كل مسلم أن يتبع النبي صلى الله عليه وسلم فيما فعل وترك، وأن يقتدي بالخلفاء الراشدين ومن سار على نهجهم واهتدى بهديهم حتى يحظى بالشربة الهنيئة من حوض النبي صلى الله عليه وسلم، وليحذر أن يذاد عن تلك الشربة وتمنعه الملائكة منها، قائلين للنبي صلى الله عليه وسلم حين يحامي عنهم .. "أمتي أمتي" فيقال له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فيقول: "سحقاً سحقاً" ..
و عن جابر رضي الله عنه قال: كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخط خطاً هكذا أمامه فقال: "هذا سبيل الله" وخط خطاً عن يمينه وخطاً عن شماله، وقال: "هذه سبل الشيطان" ثم وضع يده على الخط الأوسط ثم تلا هذه الآية: {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} ..
أيها ألأحبة : من القواعد المقررة شرعاً .. أن الأصل في العبادات المنع والتوقف ، وأن الأصل في المعاملات والعادات السماح والإباحة ، ومعنى ذلك أنه لا تصح عبادة إلا بدليل .. ولا تمنع معاملة أو عادة إلا بدليل ..
وقد أكمل الله للأمة هذا الدين ورضيه وأتم به نعمته، {ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِيناً} وروى الطبراني بإسناد صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما تركت شيئا يقربكم الله إلا وقد أمرتكم به، وما تركت شيئا يبعدكم عن الله إلا وقد نهيتكم عنه" .. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" متفق عليه ..
فالشرع الحكيم رسم للعبادات والتكاليف طرقا خاصة بأوجه خاصة .. قيدها .. زمانا ومكانا، هيئة وعددا، والزم الجميع بها أمرا ونهيا، وعدا ووعيدا، وأخبر أن الخير فيها والشر في تجاوزها وتعديها، قال أهل العلم: من زعم أن ثمة طرقا أخرى للعبادات وعَبَد الله بمستحسنات العقول، فقد قدح في كمال هذا الدين وخالف ما جاء به المصطفى الأمين، وكأنه يستدرك على الشريعة نقائص لم يفطن إليها الشارع، قال مالك ـ رحمه الله ـ: "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة لأن الله تعالى يقول: {ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} .. فما لم يكن يومئذ دينا، فلا يكون اليوم دينا " أ. هـ كلامه رحمه الله ..
إن الابتداع وتلمس المسالك والطرق التي لم تشرع معاندة للشرع ومشاقة له، وهو محض اتباع الهوى: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ ٱتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} ..
وحين يقول الرسول العظيم محذرا وموصيا: "فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" .. ألم نرى اختلافاً كثيراً يا عباد الله .. فأين التمسك والعض بالنواجذ .. لقد كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى عدي بن أرطاة بشأن بعض القدرية فقال: "أوصيك بتقوى الله والاقتصاد في أمره واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وترك ما أحدث المحدثون فيما قد جرت به سنة، فعليك بلزوم السنة، فإن السنة إنما سنها من قد عرف ما في خلافها من الخطأ والزلل والحمق والتعمق، فارض لنفسك بما رضي به القوم لأنفسهم، فإنهم على علم وقفوا، وببصر ناقد كفوا، وهم كانوا على كشف الأمور أقوى، وبفضل كانوا فيه أحرى، فهم السابقون، تكلموا بما يكفي ووصفوا ما يشفي، فما دونهم مقصر، وما فوقهم متعدي، لقد قصّر فيهم قوم فجفوا، وتجاوز آخرون فغلوا، وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم" ا.هـ كلامه رحمه الله ..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : {أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ فَرَءاهُ حَسَناً فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِى مَن يَشَاء فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرٰتٍ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُون} ..
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ..
الحمد لله وكفى ....
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّنَا لم نَتَعَرَّضْ لِهَذِهِ البِدعَةِ بِالحَدِيثِ .. إلا لما ابتلينا به في هَذَا الزَّمَانِ من ِقَنَوَاتٍ ضَالَّةٍ مُضِلَّةٍ فَاتِنَةٍ مَفتُونَةٍ، تَنقُلُ مِثلَ هَذِهِ البِدعِ مِن بَعضِ أَجزَاءِ العَالمِ الإسلامِيِّ عَلَى أَنَّهَا مُنَاسَبَاتٌ إِسلامِيَّةٌ، وَقَد يُصَادِفُ هَذَا قَلبًا خَالِيًا مِنَ العِلمِ وَالبَصِيرَةِ، فَيَظُنُّ أَنَّهُ الحَقُّ وَمَا هُوَ بِالحَقِّ ..
أيها المسلمون، لقد كانت بعثة رسولنا صلى الله عليه وسلم رحمة بعد ظلماء، وجمعًا بعد شتات، وحياة بعد ممات، وفرجًا بعد كرب وصدق الله {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، وكانت منةً على أهل الإيمان، زكت نفوسهم، ورفعت أقدارهم، وأصلحت حياتهم وشؤونهم، {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} فكان مفتاح الخيرات والبركات للبشرية جمعاء، وأيقن أهل الإيمان برسالته وبفضله وعظمته، وجعله الله تعالى حجة على العالمين وقدوة للناس أجمعين، يهتدون بهديه ويستنون بسنته ..
إلا أنه قد بلغ الحال ببعض الناس له ، أن غلوا في الرسول صلى الله عليه وسلم وغالوا فيه، ووصفوه بأوصاف لا تليق إلا بالله ، وأنزلوه منزلة الإله ، فسألوه ودعَوه من دون الله ، وصنعوا له طقوساً واحتفالات ما أنزل الله بها من سلطان ، وأقاموا له أعياداً ومناسبات .. نهى هو عنها في حياته أشد النهي ، واحدثوا أموراً في الدين مَا عرفها الصحابة والتابعين .. وفعَلوا أشياء ما فعلها الأئمة المقتدى بهم من السلف الصالحين رضوان الله عليهم أجمعين ،. فأحدثوا حدثاً ليس له أصل في الدين .. واعتبروا ذلك عيدًا سنوياً ، مع ما فيه من المخالفات العقدية والشرعية .. حَيثُ يُنشِدُونَ الأَشعَارَ الشِّركِيَّةَ، وَيَتَغَنَّونَ بِالمَدَائِحِ الكُفرِيَّةِ، وَيَستَغِيثُونَ بِالرَّسُولِ، وَيَسأَلُونَهُ قَضَاءَ الحَاجَاتِ، َو تَفرِيجِ الكُرُبَاتِ مما لا يجوز إلا لله ، إضافة لما يشاهد فيها من منكرات ومخالفات شرعية وأخلاقية .. من اختلاط ومعازف وإسراف ...
ونحن لو سألنا من يفعل هذه الأمور: لماذا تفعل هذا؟ لقال: لأني أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن هل هناك أحد أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كحب صحابته له الذين ضربوا المثل الأعلى في حبهم له؟! يقول عمرو بن العاص كما في صحيح مسلم: ما كان أحد أحب إلي من رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو سُئلت أن أصفه ما أطقت؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه. وفي إحدَى الغزوات ينحني أحدُهم على النبيِّ صلى الله عليه وسلم حاميًا له حتى يكونَ ظهرُه كالقُنفذ من وَقعِ السهام، ويردُّ الآخرُ النبلَ وضربات السيوف بيدِه حتى شُلّت وعندما سُئل زيد بن الدثنة رضي الله عنه قبل أن تقتله قريش: يا زيد، أتحب أن محمدا الآن عندنا مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك، قال: والله، ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي. ولقد شهد على هذا الحب العدو قبل الصديق، حتى إن أبا سفيان رضي الله عنه قال عندما كان مشركا: ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا.
ومع كلِّ هذا الإجلالِ الّذي لم يبلُغه أحدٌ من الأمّة غير الصحابة رضي الله عنهم فلم يؤثَر أبدًا عن أحدٍ منهم أنه أعطاه شيئًا من خصائص الألوهيّة، فلم يدعوه، ولم يستغِيثوا به حيًّا ولا ميّتًا، ولم ينسِبوا له علمَ الغيب ولا شيئًا من خصائصِ الرّبِّ سبحانه ..
هذا هو حب الصحابة رضوان الله عليهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا مبلغ تقديرهم له، فلماذا لم يحتفلوا بمولده مثل احتفالنا؟ وكيف يقول من يفعل تلك الأفعال الشائنة التي ذكرناها أنه يفعلها حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! أليس في هذا اتهام لمن لم يفعل هذه الأفعال من صحابة وغيرهم بأنهم لا يحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
إن على الأمة واجب كبير نحو نحو هذا النبي العظيم .. يتمثل في تعظيمه وتوقيره وحبه وطاعته واتباع هديه، فقد أرسله الله ليطاع فقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ ، وجعل الهداية في طاعته فقال: {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} ، وجعل الفتنة والعذاب في مخالفة أمره فقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} . وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين"، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله" . أخرجه البخاري ..
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ، وَانتَبِهُوا لِذَلِكَ، وعَلَيكُم بِالسُّنَنِ وَاحذَرُوا البِدَعَ، وَاطلُبُوا العِلمَ الشَّرعِيَّ وَتَفَقَّهُوا في الدِّينِ، فَإِنَّ مَن يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ، وَقَد قَالَ سُبحَانَهُ: {يَرفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ دَرَجَاتٍ} .. اللهم صلى ..