الرد المقنع على كل مبتدع ..

عبدالله محمد الطوالة
1443/03/08 - 2021/10/14 07:35AM

الحمدُ للهِ الذي أنزلَ برحمته آياتِ الكتابِ، وأجرى بعظمته شتاتَ السحابِ، وهزمَ بقوته جموعُ الأحزابِ، {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}، سبحانهُ وبحمده، {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} ..

وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، الكريمُ التواب، العظيم الوهّاب، {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ} ..

وأشهد أن محمدًّا عبدهُ ورسولُه الْمُنيبُ الأواهُ الأوّاب .. صلَّى اللهُ وسلّمَ وبارك عليهِ، وعـلى جميـعِ الآلِ والأهـلِ والأصـحـابِ، ما لمـعَ سـرابٌ، وهمعَ سحابٌ، وقُرِئَ كتابٌ، وعلى التابعين وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يوم المآبِ، وسلَّم تسليماً كثيراً ..

أمَّا بعدُ: فاتقوا اللهَ تعالى عبادَ اللهِ وأطيعوهُ؛ وراقبوه ولا تعصوه، وحاسِبوا أنفسَكم قبل أن تحاسَبوا، وتأهَّبوا للعَرض الأكبرِ على الله، {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} .. {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ} ..

معاشر المؤمنين الكرام: جاءَ في سِيرِ أعلامِ النُبلاءِ قِصةَ مُناظرةٍ رائعةٍ، حدثت بين يدي الخليفةِ العباسي الواثِق، حين كانت فِتنةُ القولِ بخلق القرآنِ على أشدِّها، وحدثت هذه المناظرةُ بين الشيخِ عبد الله بن محمد الآذرمي وبين زعيم القائلين بخلق القرآن في ذلك الوقت أحمد ابن أبي دؤاد .. حيثُ جيء بالشيخ الآذرمي مقيداً بالسلاسل، فأدخل على الخليفة، فلما سلَّم قال له الواثق: اجلس لتُناظِرَ ابن أبي دؤاد .. فقال الشيخُ الآذرمي: يا أحمدُ ما تقولُ في القرآن؟ .. قال أحمد: أقول أنه مخلوقٌ .. قال الشيخُ الآذرمي: فأخبرني يا أحمدُ عن مقالتك هذه, أهيَ مَقالةٌ واجبةٌ، فلا يكونُ المسلِمُ مُسلماً حتى يقول بها ؟  قال أحمدُ: نعم .. فقال الشيخُ: فأخبرني يا أحمد هل أخفى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شيئاً مما أمرهُ اللهُ بتبليغه ؟ فقال أحمد: لا .. فقال الشيخ: فهل دعا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الأُمَّةَ إلى مقالتك هذه ؟ فسكت ابن أبي دؤاد, فقال الشيخ: تكلَّم يا أحمد، فما استطاع أن يُجيب بشيءٍ, فالتفتَ الشيخُ إلى الواثِق وقال: يا أمير المؤمنين واحِدة, فقال الواثقُ: واحِدة .. قال الشيخُ الآذرمي: فأخبرني يا أحمد حين قالَ اللهُ تعالى في كتابه الكريم: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِينـاً}، فهل صدقَ اللهُ تعالى في إكمالِ دينهِ وإتمامِه, أم أنَّ الدينَ ناقصٌ حتى تُتِمَّهُ بمقالتك هذه .. فسكتَ ابن أبي دؤاد, فقال الشيخ: أجب يا أحمد, فلم يُجب بشيءٍ،  فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين اثنتان .. فقال الواثِق: نعم اثنتان .. قال الشيخُ: فأخبرني يا أحمدُ هل علِمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلمَ وخُلفاؤه الراشدون بمقالتك هذه أم لم يعلَمُوها ؟ قال أحمد: لم يعلَمُوها، قال الشيخ: يا سبحان الله، شيءٌ لم يعلَمهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدونَ علِمتهُ أنت!، فخجل ابن أبي دؤاد وقال: بل علِموها .. قال الشيخ: فهل حين علِمُوها، عمِلوا بها، أم لم يعمَلوا بها؟ فسكت أحمد .. قال الشيخ يا أمير المؤمنين ثلاث .. قال الواثِقُ: نعم ثلاث .. فقال الشيخُ: فأخبرني يا أحمد حين علِمَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم وخُلفاؤهُ الراشدون بهذه المقالةِ، فهل وسِعَهُم أن يسكُتوا عنها, ولم يُطالِبوا الأمَّة بها ؟ قالَ ابن أبي دؤاد: نعم .. فأقبلَ الشيخُ على الخليفة الواثِق وقال: يا أميرَ المؤمنين أفلا يَسَعُنَا ما وسِعَ النبيَ صلى الله عليه وسلم وخُلفاؤهُ الراشِدون، فلا وسَّعَ اللهُ على من لم يتسِع لهُ ما اتسَعَ لهم .. فأخذَ الواثقُ يُحدَّثُ نفسهُ قائلاً: شيءٌ لم يعلَمهُ النبيُ صلى الله عليه وسلم ولا خُلفاؤه الراشدون، علِمتهُ أنت يا سبحان الله! .. شيءٌ علِموه ولم يدعوا الناس إليه، أفلا وسِعَك ما وسِعهم .. ثم صاحَ بالجنود فكُّوا قيودَ الشيخ، ومنذ ذلك الحين انتهت بفضل الله تلك البِدعةُ المنكَرةُ التي دامت طويلاً ..

ونحن بدورنا نوجِهُ هذه الأسئلةَ لكل صاحبِ بدعةٍ كائنةً ما كانت، ونقولُ لهُ بدعتُك هذه علِمها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وخُلفاؤه الراشِدون أم لم يعلَموها ؟ فإن قال لا لم يعلَموها، نقول يا سبحان الله كيف علِمتَ أمراً خفيَ على النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون .. وإن قال: نعم علِموها، نقولُ له فهل دعــوا الناس إليها؟ أم سكتوا عنها؟ فإن قال: دعوا الناس إليها، نقول فأين الدليل، وإن قال: سكتوا عنها، نقول له: فيسعُنا ما وسِعَهم، فما تركوهُ نتركه، وما فعلوه نفعله، وما سكتوا عنهُ نسكُتُ عنه ..

معاشر المؤمنين الكرام: انظروا إلى دقةِ الاتباع، فقد أخرج الدارمي بسندٍ صحيح أن أبا موسى الأشعري قال لابن مسعود رضي الله عنهما: يا أبا عبد الرحمن إني رأيتُ في المسجد قوماً حلقاً جلوساً ينتظرون الصلاة، في كل حلقةٍ رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة فيكبرون مائة، فيقول: هلِّلوا مائة فيهلِّلون مائة فيقول: سبِّحوا مائة فيسبِّحون مائة، قال ابن مسعود: أفلا أمرتهم أن يعدُّوا سيئاتهم وضمنتَ لهم أن لا يضيعَ من حسناتهم شيء، ثم أتى حلقةً من تلك الحِلق فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون, قالوا: يا أبا عبد الرحمن، حصى نَعُدُّ به التكبيرَ والتهليلَ والتسبيحَ والتحميد، قال: فعدُّوا سيئاتكم فأنا ضامنٌ أن لا يضيعَ من حسناتِكم شيء، ويحكم يا أمَّة محمد، ما أسرعَ هلكتكم! هؤلاءُ أصحابهُ مُتوافِرون، وهذه ثيابهُ لم تَبَلَ، والذي نفسي بيده إنكم لعلى مِلَّةٍ هي أهدى من مِلةِ محمدٍ، أو مفتتحوا بابِ ضلالة، قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مُريدٍ للخير لم يُصبهُ .. كم من مريدٍ للخير لم يبلغه .. فلذلك يجبُ على كل مُسلمٍ أن يجتهدَ في اتباعهِ للنبي صلى الله عليه وسلم، فيما فعل، وفيما ترك، وأن يقتدي بالخلفاء الراشدين ومن سارَ على نهجهم، واهتدى بهديهم، حتى يحظى بالشربة الهنيئة من حوض النبي صلى الله عليه وسلم، وليحذر أن يُذادَ عن تلك الشربة وتمنعهُ الملائكةُ منها، قائلين للنبي صلى الله عليه وسلم حين يُحامي عنهم .. "أمتي أمتي" فيقال له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فيقول: "سُحقاً سُحقاً" ..   

ولمزيد بيانٍ حولَ دِقةَ الاتباعِ نتأمَّلُ هذا الحديث النبوي الكريم: عن جابر رضي الله عنه قال: كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخط خطاً هكذا أمامه فقال: "هذا سبيل الله"، وخط خُطوطاً عن يمينه وشماله، وقال: "هذه سُبلُ الشيطان" ثم وضعَ يده على الخط الأوسطِ ثم تلا هذه الآية: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ..

معاشر المؤمنين الكرام: من القواعد المقرَّرةِ شرعاً .. أن الأصلَ في العباداتِ والمحاكماتِ المنعُ والتوقفُ حتى يأتي الدليل بالسماح، وأن الأصل في المعاملات والعادات السماحَ والإباحةَ حتى يأتي الدليلُ بالمنع والتوقف، ومعنى ذلك أنه لا يصِحُ لعبدٍ أن يتعبدَ بعبادةٍ أو يتحاكم بحُكمٍ إلا ولديه دليلٌ شرعيٌ صحيحٌ يسمحُ له بذلك، وإلا فعملُه مردودٌ، قال صلى الله عليه وسلم: "من عمِل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"، وفي روايةٍ: "من أحدثَ في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، متفق عليه، وقال أيضاً: "كُلُّ محدثةٍ بدعةٌ، وكُلُّ بدعةٍ ضلالة، وكُلُّ ضلالةٍ في النار" ..

ونزيد هذا الأمرَ وضوحاً فنقول: أنَّ كُلَّ العباداتِ والمحاكماتِ التي يَقومُ بها المسلمُ قد قرَّرها الشرعُ الحكِيمُ بتفاصِيلها الدقيقة، "صلوا كما رأيتموني أصلي" .. "خُذوا عني مناسِككم" .. وهكذا سائرُ أبوابِ العبادات والمحاكمات .. كُلها حظيت بتفصِيلاتٍ دقيقٍة، ولم تترك لمجتهدٍ مجالاً ..

أمَّا المعاملات والعادات والوسائِل العامة، فكُلها جائزةٌ شرعاً إلا ما نصَّ الدليلُ الشرعي بمنعه .. الأطعمةُ مثلاً من العادات .. الأصلُ فيها السماحُ إلا ما جاءَ الدليلُ بمنعه كالخمر والخنزيرِ ونحوها مما نُصَ على تحريمه .. اللباسُ أيضاً الأصلُ فيه الإباحةُ إلا ما جاءَ الدليلُ بمنعهِ كالذهبِ والحريرِ للرجالِ والتشبهُ بالجنسِ الآخرِ وما هو خاصٌ بالكفار .. وهكذا نقيسُ على كلِّ ما هو ليس بعبادة ..

وقد أكملَ اللهُ للأمةِ هذا الدين ورضيهُ وأتمَّ به نعمتهُ، {ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِيناً}، وروى الطبراني بإسنادٍ صحيحٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما تركت شيئا يقربُكم إلى الله إلا وقد أمرتكم به، وما تركت شيئاً يُبعدكم عن الله إلا وقد نهيتكم عنه”... فالشرع الحكيم رسمَ للعبادات والتكاليفِ طُرقاً خاصةً بأوجه خاصةٍ .. وقيدها زماناً ومكاناً، هيئةً وعدداً، وأخبر أن الخير فيها والشر في تجاوزها وتعديها .. وقال أهل العلم: من زعمَ أن ثمَّةَ طُرقاً أخرى للعبادات وعَبَدَ اللهَ بمستحسنات العقول، فقد قدحَ في كمال هذا الدين وخالفَ ما جاءَ به المصطفى الأمين، وكأنهُ يستدركُ على الشريعة نقائصَ لم يفطن إليها الشارع، قال تعالى: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ ٱتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} ..

وحين يقول الرسولُ العظيمُ مُحذراً ومُوصياً: فإنه من يعش مُنكم فسيرى اختلافا كثيراُ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة” .. فهو صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، فقد وقع اختلافٌ كثيرٌ .. فلا بدَّ أن يقابلهُ اجتهادٌ في التمسك بالأثر، والعضُ بالنواجذِ على السنَّةِ ..

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : {أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ فَرَءاهُ حَسَناً فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِى مَن يَشَاء فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرٰتٍ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُون} ..    

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ..

 الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله وعظيم سلطانه ...

  أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصاديقين، وكونوا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب ..

أيها المسلمون: لقد كانت بعثة رسولنا صلى الله عليه وسلم رحمة بعد ظلماء، وجمعًا بعد شتات، وحياة بعد ممات، وفرجًا بعد كرب وصدق الله {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، لكن حبُّ النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمهُ وتوقيرهُ لا يعني إنزاله منزلة الاله، فهو عليه الصلاة والسلام بشرٌ رسول، عبدٌ لا يعبَد، ورسولٌ لا يكذَّب، بل يُطاعُ ويُحبُّ ويوقَّرُ ويُتّبع .. يقول صلى الله عليه وسلم: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله"، البخاري .. ولقد علَّمنا ربّنا موقعَ نبيّنا منّا فقال عزَّ شأنه: {النَّبِىُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}، فهو أقربُ إلى قلوبنا من قلوبِنا، وأحبُّ إلى نفوسنا من نفوسنا، وهو المقدَّم على أعزّ ما لدينا من نفسٍ أو مالٍ أو والدٍ أو ولد، ولن يذوقَ المسلمُ حلاوةَ الإيمان حتى يكون حبُّ الرسول الله صلى الله عليه وسلم عنده فوقَ كلّ حبيب، بل يترقّى ذلك إلى حدّ نفيِ الإيمان كما في الحديث الصحيح: "لا يؤمن أحدُكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" .. فالقلوب مجتمعةٌ على حبِّ المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولكن الأهم هو كيف نعبرُ عن هذا الحبِّ التعبير الصحيح .. بعبارة أصح: كيف نحولُ هذا الحبَّ إلى برنامج حياةٍ يحكم واقعنا ويُسيرُ أدقَ تفاصيلِ حياتنا .. هذا هو ما ينبغي أن يهتمَ له كل مُسلمٍ يُحبُّ رسوله صلى الله عليه وسلم  ..

ولنكن صُرحاءُ مع أنفسنا .. فلا يكفي أن ندَّعِيَ محبةَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، دونَ أن يكون لذلك واقعٌ حقيقيٌ في حياتنا، ودونَ أن نحولَ ذلك إلى تطبيقٍ عمليٍ لمنهجه وسنتهِ .. كيف نكون صادقين في محبتنا للرسول صلى الله عليه وسلم وحياتنا في أغلب مظاهرها مخالِفةٌ لهديه وسنته صلى الله عليه وسلم، بعيدةٌ عن منهجه وطريقته .. هل يكفي أن نقول بألسنتنا نحن معه ونحبه .. فإذا تأملت واقعنا في بيوتنا، وفي أسواقنا، في مكاتبنا وفي متنزهاتنا، في شكلنا وهيئتنا، وفي فكرنا وفي ثقافتنا، وفي تجارتنا ومصالحنا، وفي علاقاتنا وسلوكياتنا .. وجدت أننا نخالفهُ في كثيٍر من تصرفاتنا وشؤون حياتنا .. ولا نلتزم بمبادئه وآدابه الرفيعة، ولا نطبقُ الكثير من هديه وسنته .. فأين الدليل العملي على صدق ما ندعيه من المحبة ؟ ..

كم من المسلمين اليوم يسمعُ كلامَ اللهِ وكلامَ رسوله صلى الله عليه وسلم .. يعيهِ ويفهمهُ جيداً .. حتى إذا خرجَ من المسجد .. كأنهُ لم يسمع ولم يفهم شيئًا .. كم من سُنةٍ من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم نعلمها ونفقهها تماماً، ولكننا لا نطبقها ولا نعمل بها، ولا ننشرها ولا نُعلِمُها حتى لأقرب الناس لنا .. وإذا فتشت عن واقع الحال، وجدت أننا مشغولون بمحبوبين آخرين، نطارد أخبارهم، ونتتبع آثارهم، ونُعجبُ بأفعالهم، ونقلِدَهم في تصرفاتهم ..

يا مدعِ حبَّ طهَ لا تخالفهُ  ***  الخلفُ يحرمُ في دنيا المحبين

لو كان حبك صادقاً لأطعته  ***  إن المحب لمن يحبُّ مُطيعُ

إن على الأمة واجبٌ كبير نحو نبيها العظيم .. يتمثل في طاعته واتباع هديه، فقد أرسله الله تعالى ليطاع فقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ}، بل إن الله حصر الهداية في طاعته فقال: {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}، وجعل الفتنة والعذاب في مخالفة أمره فقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ..

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ عباد الله وكونوا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه .. بذلك تبرهنون على صدق محبتكم للمصطفى صلى الله عليه وسلم، وكلما ازدادت المتابعة ازدادت المحبة، ومن أحبَّ قوماً حشر معهم .. اعوذ بالله من الشيطان الرجيم:  {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} .. ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان .. اللهم صل ..

 

 

المشاهدات 662 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا