الرحمة والرحماء

الرحمة والرحماء 19/10/1443هــ الحمد لله الوليّ الحميد، ذي العرش المجيد، الفعّال لما يُريد، أحمدهُ سبحانه وأشكره وأتوبُ إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله ذو الحقِّ المُبين والخُلقِ اللِّين والسَّمتِ الهيِّن، بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وعلى أصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد: فأوصيكم أيها الناس ونفسي بما وصى الله به نبيه ﷺ وما وصى به الأولين والآخرين إذ قال جلَّ شأنه:  ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ ألا فاتقوا الله - عباد الله - وراقبوه في السرِّ والعلن والغضب والرضا والمنشط والمكره فإن التقوى عهدٌ بين المرء وبين ربه، فمن وفَّى به أحبه الله: ﴿بلى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ عباد الله: خلق عظيم، ووصف كريم، أُوتيه السعداء، وحُرمه الأشقياء، إنها فطرة مستقيمة، وصفة عظيمة ما خلا منها قلب إلا قسى ولا طبع إلا جفا.   الرحمة يا عباد الله: رقة في القلب ولين في الطباع يغالبها ألم وسرور. أنزلها الله بين الخلائق فبها يتراحمون: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال ﷺ: "إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة في الأرض، فبها يتراحم الخلق، حتى إن الفرس لترفع حافرها، والناقة لترفع خفها مخافة أن تصيب ولدها، وأمسك تسعة وتسعين رحمة عنده ليوم القيامة" في قلوب المؤمنين مكنها ﴿هُوَ الَّذِي أَنزلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ قال ابن عباسٍ: أي: الرحمة وأثنَى على عبادِه المُتواصِين بها؛ ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾ وقدَّم الله ذكر النعمة بها على نعمةِ العلم في سياق الثناء على عبد من عباده؛ ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾ الرحمة مِنحةٌ من الله يهَبُها لمن يشاءُ من عبادِه فصاحبها مرحوم وفاقدها محروم: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" رواه أبو داود والترمذي، وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله" رواه البخاري ومسلم "وأهلُ الجنةِ ثلاثة:  _منهم_، ورجلٌ رحيمٌ رقيقُ القلبِ لكل ذي قُربَى ومُسلِم" (رواه مسلم) عباد الله: نبيُّنا محمدٌ ﷺ أرحمُ خلقِ الله، ومن أسمائِه:  "نبيُّ الرحمة"؛ (رواه النسائي). وكان ﷺ رحيمًا بأصحابه شفيقا عليهم الرجال منهم والنساء والصبيان: قال أنسٌ - رضي الله عنه -:  "ما رأيتُ أحدًا كان أرحمَ بالعِيال من رسولِ الله ﷺ" رُفِع إلى رسولِ الله ﷺ صبِيٌّ ونفسُه تتقَعقَعُ ففاضَت عيناه، فقال سعدٌ: يا رسولَ الله! ما هذا؟ فقال: "هذه رحمةٌ جعلَها الله في قلوبِ عبادِه"؛ (متفق عليه). وقبَّل رسولُ الله ﷺ الحسنَ بن عليٍّ - رضي الله عنه -، وعنده الأقرعُ بن حابسٍ جالِسًا. فقال الأقرع: إن لي عشرةً من الولد ما قبَّلتُ منهم أحدًا، فنظرَ إليه رسولُ الله ﷺ ثم قال: "من لا يرحَمُ لا يُرحَم"؛  (متفق عليه). وفي لفظ آخر أنه ﷺ قال: "أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ" قال ابن بطَّال - رحمه الله -:  "رحمةُ الولد الصغير ومُعانقتُه وتقبيلُه والرِّفقُ به من الأعمال التي يرضَاها الله ويُجازِي عليها، وتقبيلُ الولد الصغير وحملُه والتحفِّي به مما يستحقُّ به رحمةَ الله". أيها المسلمون: أكملُ المُؤمنين إيمانًا أعظمُهم رحمة؛ قال - سبحانه -: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) ورحمةُ المؤمنين فيما بينهم صفة ظاهرة وعلامة فارقة؛ قال ﷺ: "ترى المُؤمنين في تراحُمهم وتوادِّهم وتعاطُفهم كمثَلِ الجسَد إذا اشتكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ جسَدِه بالسهَر والحُمَّى"؛ (متفق عليه). فتراحموا عباد الله ترحموا... فقسوةُ القلبِ في فراغِه منها؛ وذمَّ الله أقوامًا فقال: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ) قال البغويُّ - رحمه الله -: "أي: يبِسَت وجفَّت، وجفافُ القلبِ خروجُ الرحمةِ واللِّين منه" وذلك هو علامةُ الشقاء قال ﷺ: "لا تُنزَعُ الرحمةُ إلا من شقِيٍّ" (رواه أبو داود).   بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم   الخطبة الثانية :    الحمد لله الذي أعزّ من أطاعه واتقاه، وأذلّ من خالف أمره وعصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فلا إله سواه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله، اصطفاه ربه واجتباه. اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد: عباد الله: لا أحد أرحم من الرحيم سبحانه ورحمته وسعت كل شيء وما من عبد إلا وهو في غاية الضرورة والافتقار إلى رحمة الله، لا يستغني عنها طرفة عين، وكل ما هو فيه من النِّعم واندفاع النقم فمن رحمة الله وإنما تنال خيرات الدنيا وخيرات الآخرة برحمة الله، وفي الحديث: "لَنْ يُدْخِلَ الجَنَّةَ أحَدًا عَمَلُهُ قالوا: ولا أنْتَ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: ولا أنا، إلَّا أنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ منه برَحْمَةٍ،" فمتى أراد العبد أن يستنزل رحمة الله ويستزيد منها فليعمل جميع الأسباب التي تنال بها رحمته، وكلها تجتمع في قوله تعالى:  "إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ "  وهم المحسنون في عبادة الله، المحسنون إلى عباد الله. والإحسان إلى الخلق أثر من آثار رحمة العبد بهم. السعدي بتصرف   فكن يا عبد الله رحيمًا لنفسك ولغيرك، ولا تستبد بخيرك، فارحم الجاهل بعلمك، والذَّليل بجاهك، والفقير بمالك، والكبير والصغير بشفقتك ورأفتك، والعصاة بدعوتك، والبهائم بعطفك، فأقرب النَّاس من رحمة الله أرحمهم بخلقه، فمن كثرت منه الشفقة على خلقه، والرَّحْمَة على عباده، رحمه الله برحمته، وأدخله دار كرامته، ووقاه عذاب قبره، وهول موقفه، وأظله بظله إذ كل ذلك من رحمته.   ثم صلوا وسلموا ........
المرفقات

1653011019_الرحمة والرحماء.docx

المشاهدات 846 | التعليقات 0