الرحمة والإنكسار
صالح العويد
1434/09/03 - 2013/07/11 11:56AM
الحمد لله ذي الجلال والإكرام، ذي المُلك الذي لا يُرام، وذي العزة التي لا تُضام، الذي أتقن صنع كل شيء فجعله في أحسن نظام ، وشرع للعباد ما ينفعهم في دينهم ودنياهم ؛ لتتم لهم السعادة والإنعام.
أحمد ربي وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الآلاء العظام، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله سيد الأنام، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه الكرام . أما بعد :
فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، واعتبروا بمن مضى من قبلكم، عاجلهم ريب المنون، وجاءهم ما كانوا يوعدون، هم السابقون وأنتم اللاحقون، سبقوكم بمضي الآجال، وأنتم على آثارهم تشتد بكم الرحال، أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى ٱلأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ ءاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلاْبْصَـٰرُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِى فِى ٱلصُّدُورِ
إذا اضطرب البحر وهبت الريح العاصف نادى أصحاب السفينة: يا الله، وإذا وقعت المصيبة وحلت النكبة وجثمت الكارثة نادى المصاب المنكوب: يا الله، وإذا بارت الحيل وضاقت السبل وانتهت الآمال وتقطعت الحبال نادوا يا الله، فهو الملك وهو المهيمن وهو الرحيم جل وعلا.
إخواني، إن رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ، هو الله لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، يقول سبحانه: وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْء [الأعراف:156] فما من شيء إلا وقد وسعته رحمة الله تعالى، كل شيء دال على رحمة الله، كل شيء ينطق برحمة الله وينطق بألوهيته جل في علاه
فهذه السماء بغير عمد ترونها من رفعها؟ وهذه الأرض من سطحها وذللها؟ المريض من عافاه؟ والأعمى في الزحام من قاد خطاه؟ الجنين في ظلمات ثلاث من يرعاه؟ الثعبان من أحياه والسم يملأ فاه؟ الشهد من حلاه؟ اللبن من بين فرث ودم من صفاه؟ الصخر من فجر منه المياه؟ الليل من حاك دجاه؟ الصبح من أسفره وصاغ ضحاه؟ الظالم من يمهله؟ الجبار من يقصمه؟ المظلوم من ينصره؟ المضطر من يجيبه؟ الملهوف من يغيثه؟ الضال من يهديه؟ الحيران من يرشده؟ العاري من يكسوه؟ الجائع من يشبعه؟ الكسير من يجبره؟ الأسير من يطلقه؟ الفقير من يغنيه؟أنت أنت يا عبد الله من خلقك؟ من صورك؟ من شق سمعك وبصرك؟ من سواك وعدلك؟ من رزقك؟ من أطعمك؟ من آواك ونصرك؟ من هداك؟ إنه الله لا إله إلا هو وسع كل شيء رحمة وعلماً.
الله برحمته نشر هذه الرحمة بين عباده كما قال رَسُولَ : ((جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا، وَأَنْزَلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَه)) البخاري،
وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قال: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ سَبْيٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ : ((أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟ قُلْنَا: لَا وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ فَقَالَ: لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا)) البخاري.
لذلك يقول رَسُولَ اللَّهِ : ((لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْعُقُوبَةِ مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الرَّحْمَةِ مَا قَنَطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ)) مسلم.
وأوسعُ صفاته جل وعلا رحمته، وأوسع المخلوقات عرشه، فلما استوى على عرشه كتب على نفسه يوم استوائه على عرشه كِتَابِاً فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي.
ورحمة الله سببٌ واصل بين الله وبين عباده، بها أرسل رسله إليهم، وأنزل كتبه عليهم، وبها هداهم، وبها يسكنهم دار ثوابه، وبها يرزقهم ويعافيهم وينعم عليهم،
عباد الله، ورحم الله تُستجلب بطاعته وطاعة رسوله محمد ، والاستقامة على أمر الإسلام، وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:132]، كما تُستجلب بتقوى الله، وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
ومن جالبات رحمة الله إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71]، والعبد بذنوبه وتقصيره فقير إلى رحمة الله، لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النمل:46].
ومن أعظم ما تُستجلب به رحمة الله -عباد الله- الرحمة بعباده، ففي الحديث الصحيح: ((الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)) رواه أبو داود والترمذي.
أيها الإخوة المسلمون، وتعاليم الإسلام وآداب الدين في هذا الباب تتجاوز الإنسان الناطق إلى الحيوان الأعجم، فجنات عدن تفتح أبوابها لامرأة بغيّ سقت كلبافغفر الله لها، ونار جهنم فتحت أبوابها لامرأة حبست هرة حتى ماتت، لا هي أطعمتها وسقتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، فإذا كانت الرحمة بكلب تغفر ذنوب البغايا، فإن الرحمة بالبشر تصنع العجائب، وفي المقابل، فإذا كان حبس هرة أوجب لهاالنار، فكيف بحبس البرآء من البشر؟!وتترقَّى تعاليم ديننا في الرحمة بالبهائم حتى في حال ذبحها، والمشروع من قتلها، يقول عليه الصلاة والسلام: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليُحدَّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته)).
فالإسلام رسالة خير وسلام ورحمة للبشرية كلها، بل للدنيا كلها، ولكن ذئاب البشر أبوا إلا اعتراض الرحمة المرسلة، ووضع العوائق في طريقها حتى لا تصل إلى الناس، فيهلكوا في أودية الحيرات والجهالة فبالرحمة تجتمع القلوب، وبالرفق تتآلف النفوس، ولعلي بهذالمناسبة أنوه إلى ماحصل بالأمس من محاولة اغتيال لسموالأميرمحمدبن نايف وحمدالله أنه لم يصب بشيء ومثل هذه الأفعال ليست من الإسلام في شيء فكيف يفهم هؤلاء دين الإسلام وتعاليمه أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَـٰتٍ لّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبّكَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمد النبي الرحيم، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أحمد ربي وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الآلاء العظام، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله سيد الأنام، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه الكرام . أما بعد :
فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، واعتبروا بمن مضى من قبلكم، عاجلهم ريب المنون، وجاءهم ما كانوا يوعدون، هم السابقون وأنتم اللاحقون، سبقوكم بمضي الآجال، وأنتم على آثارهم تشتد بكم الرحال، أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى ٱلأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ ءاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلاْبْصَـٰرُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِى فِى ٱلصُّدُورِ
إذا اضطرب البحر وهبت الريح العاصف نادى أصحاب السفينة: يا الله، وإذا وقعت المصيبة وحلت النكبة وجثمت الكارثة نادى المصاب المنكوب: يا الله، وإذا بارت الحيل وضاقت السبل وانتهت الآمال وتقطعت الحبال نادوا يا الله، فهو الملك وهو المهيمن وهو الرحيم جل وعلا.
إخواني، إن رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ، هو الله لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، يقول سبحانه: وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْء [الأعراف:156] فما من شيء إلا وقد وسعته رحمة الله تعالى، كل شيء دال على رحمة الله، كل شيء ينطق برحمة الله وينطق بألوهيته جل في علاه
فهذه السماء بغير عمد ترونها من رفعها؟ وهذه الأرض من سطحها وذللها؟ المريض من عافاه؟ والأعمى في الزحام من قاد خطاه؟ الجنين في ظلمات ثلاث من يرعاه؟ الثعبان من أحياه والسم يملأ فاه؟ الشهد من حلاه؟ اللبن من بين فرث ودم من صفاه؟ الصخر من فجر منه المياه؟ الليل من حاك دجاه؟ الصبح من أسفره وصاغ ضحاه؟ الظالم من يمهله؟ الجبار من يقصمه؟ المظلوم من ينصره؟ المضطر من يجيبه؟ الملهوف من يغيثه؟ الضال من يهديه؟ الحيران من يرشده؟ العاري من يكسوه؟ الجائع من يشبعه؟ الكسير من يجبره؟ الأسير من يطلقه؟ الفقير من يغنيه؟أنت أنت يا عبد الله من خلقك؟ من صورك؟ من شق سمعك وبصرك؟ من سواك وعدلك؟ من رزقك؟ من أطعمك؟ من آواك ونصرك؟ من هداك؟ إنه الله لا إله إلا هو وسع كل شيء رحمة وعلماً.
الله برحمته نشر هذه الرحمة بين عباده كما قال رَسُولَ : ((جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا، وَأَنْزَلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَه)) البخاري،
وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قال: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ سَبْيٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ : ((أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟ قُلْنَا: لَا وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ فَقَالَ: لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا)) البخاري.
لذلك يقول رَسُولَ اللَّهِ : ((لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْعُقُوبَةِ مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الرَّحْمَةِ مَا قَنَطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ)) مسلم.
وأوسعُ صفاته جل وعلا رحمته، وأوسع المخلوقات عرشه، فلما استوى على عرشه كتب على نفسه يوم استوائه على عرشه كِتَابِاً فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي.
ورحمة الله سببٌ واصل بين الله وبين عباده، بها أرسل رسله إليهم، وأنزل كتبه عليهم، وبها هداهم، وبها يسكنهم دار ثوابه، وبها يرزقهم ويعافيهم وينعم عليهم،
عباد الله، ورحم الله تُستجلب بطاعته وطاعة رسوله محمد ، والاستقامة على أمر الإسلام، وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:132]، كما تُستجلب بتقوى الله، وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
ومن جالبات رحمة الله إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71]، والعبد بذنوبه وتقصيره فقير إلى رحمة الله، لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النمل:46].
ومن أعظم ما تُستجلب به رحمة الله -عباد الله- الرحمة بعباده، ففي الحديث الصحيح: ((الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)) رواه أبو داود والترمذي.
أيها الإخوة المسلمون، وتعاليم الإسلام وآداب الدين في هذا الباب تتجاوز الإنسان الناطق إلى الحيوان الأعجم، فجنات عدن تفتح أبوابها لامرأة بغيّ سقت كلبافغفر الله لها، ونار جهنم فتحت أبوابها لامرأة حبست هرة حتى ماتت، لا هي أطعمتها وسقتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، فإذا كانت الرحمة بكلب تغفر ذنوب البغايا، فإن الرحمة بالبشر تصنع العجائب، وفي المقابل، فإذا كان حبس هرة أوجب لهاالنار، فكيف بحبس البرآء من البشر؟!وتترقَّى تعاليم ديننا في الرحمة بالبهائم حتى في حال ذبحها، والمشروع من قتلها، يقول عليه الصلاة والسلام: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليُحدَّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته)).
فالإسلام رسالة خير وسلام ورحمة للبشرية كلها، بل للدنيا كلها، ولكن ذئاب البشر أبوا إلا اعتراض الرحمة المرسلة، ووضع العوائق في طريقها حتى لا تصل إلى الناس، فيهلكوا في أودية الحيرات والجهالة فبالرحمة تجتمع القلوب، وبالرفق تتآلف النفوس، ولعلي بهذالمناسبة أنوه إلى ماحصل بالأمس من محاولة اغتيال لسموالأميرمحمدبن نايف وحمدالله أنه لم يصب بشيء ومثل هذه الأفعال ليست من الإسلام في شيء فكيف يفهم هؤلاء دين الإسلام وتعاليمه أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَـٰتٍ لّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبّكَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمد النبي الرحيم، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، يعلم مكنونات الصدور، ومخفيات الضمائر، أحمده سبحانه وأشكره على ما أولى من وافر النعم، والفضل المتكاثر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الأول والآخر، والباطن والظاهر، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده الله ورسوله المطهّر الطاهر، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أولي الفضائل والمفاخر، والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وعلى درب الحق سائر.
أمابعد
فقبل أيام تجدّدَ عهدُنا بقيامٍ انقطعَ عنه أكثرُنا سنةً كاملةً.وأصغتْ أسماعُنا إلى كتابِ اللهِ بروحٍ جديدةٍ وقلبٍ جديدٍ، فاغرورقت العيون بدمعٍ نسيَهُ أكثرُنا سنةً كاملةً. وتضرَّعْنا بدعاءٍ خاشعٍ جميلٍ غابَ عن أكثرنا سنةً كاملةً. بذلك رقصت قلوبٌ وزهتْ أرواحٌ وأشرقت نفوسٌ.
ما الذي جرى؟ كيف استحالَ القلبُ الذي استعصى عليه الخشوعُ عامًا كاملاً قلبًا سريعَ العبرةِ فيّاضَ الوجدِ؟! وكيف غدت العينُ التي بخلت بدمعها عامًا كاملاً حاضرةَ الدّمعةِ تجودُ بعبراتِ الإنابةِ كلّما هزّت صاحبها موعظةٌ؟! كيف ذلتِ النّفسُ وخشعتِ الروحُ وذرفتِ العينُ وأناب الفؤادُ؟! كيف كان ذلك كلُّهُ
إنّهُ رمضانُ وكفى، رمضانُ الذي تنقلبُ فيه الموازينُ وتتبدّلُ فيه الاتّجاهاتُ. إنّهُ رمضانُ أيها الأحبة، شهر انكسار القلوبِ بين يدي علاّمِ الغيوبِ، هذا الانكسارُ الذي يقرّبُ العبدَ من ربِّهِ، ويدنيه من رحمة خالقِهِ.
وتأمّلوا ـ رعاكم الله ـ وصف القرآن لهؤلاء المنكسرين: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9]، إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا [الإسراء:17-109]، اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر:23].
وها هو إمام المنكسرين يقول عنه ابن عباس رضي الله عنهما: رأيت رسول الله يدعو بعرفة ويداه إلى صدره كاستطعام المسكين. رواه الطبراني في الأوسط. وروي عنه عليه الصلاة والسلام في ذلك الموقف العظيم دعاءٌ يدلُّ على عظيم انكسارِهِ بين يدي ربه: ((اللهم إنك ترى مكاني، وتسمع كلامي، ولا يخفى عليك شيءٌ من أمري، أنا البائسُ الفقيرُ المستغيث المستجيرُ الوجل المشفق المقرّ المعترف بذنبه، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، من خضعت لك رقبتُهُ، وذل لك جسده، ورغم لك أنفُهُ، وفاضت لك عيناه، اللهم لا تجعلني بدعائك شقيا، وكن بي بارّا رؤوفًا رحيمًا يا خير المسؤولين، ويا خير المعطين)).
هكذا انكسر نبيّنا بين يدي ربّه، ومن بعده تتتابع قوافل المنكسرين؛ رئي عليٌّ رضي الله عنه في بعض مواقفه وقد أرخى الليلُ سدولَهُ وغارت نجومُهُ، وقد قبض على لحيته في محرابه يتململُ ويقولُ: (يا دنيا، ألي تعرّضتِ، أم بي تشوقت؟! هيهات هيهات، غرّي غيري، فعمرُك قصير، وخطرك كبير، آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق!). ودخل علي بن الحسينِ رضي الله عنه ذات ليلة الحجر يصلي، فجعل يقولُ في سجودِهِ: "اللهم عُبيدكَ بفنائك، مسكينكَ بفنائك، سائلك بفنائك".
وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله إذا دخل بيته ألقى نفسه في مسجده، فما يزال يدعو ويبكي حتّى تغلبَهُ عيناه، ثم يستيقظ فيفعل مثل ذلك ليلتَهُ أجمعَ.
أخَيّ، أتذكر كم كانت ندامتك وحسرتك حين تصرّمت آخر ليلة من رمضان الفائت؟ أتذكر كم من عبرة سكبتها وأنت تتندّم على ليال لم تحسن اغتناما وأوقات من شهر رمضان ضاعت ؟ فها أنت ذا أمام رمضان وها قد كتب الله لك الحياة لتدرك فرصة أخرى تختبر فيها صدقك ورغبتك في الخير، فماذا أنت فاعل؟ فاتقواالله عبادالله واقدروالهذاالشهرقدره وجاهدواأنفسكم والذين جاهدوافينالنهدينهم سبلناوإن الله لمع المحسنين هذا واعلموا رحمكم الله أن من أفضل الطاعات وأشرف القربات كثرة ذكركم وصلاتكم وسلامكم على خير البريَّات صاحب المعجزات الباهرات والآيات البينات، فقد أمركم بذلك ربكم جل وعلا، فقال تعالى قولا كريما: ] إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [، اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبدالله، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، ذوي المقام العلي أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابةوالتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين
أمابعد
فقبل أيام تجدّدَ عهدُنا بقيامٍ انقطعَ عنه أكثرُنا سنةً كاملةً.وأصغتْ أسماعُنا إلى كتابِ اللهِ بروحٍ جديدةٍ وقلبٍ جديدٍ، فاغرورقت العيون بدمعٍ نسيَهُ أكثرُنا سنةً كاملةً. وتضرَّعْنا بدعاءٍ خاشعٍ جميلٍ غابَ عن أكثرنا سنةً كاملةً. بذلك رقصت قلوبٌ وزهتْ أرواحٌ وأشرقت نفوسٌ.
ما الذي جرى؟ كيف استحالَ القلبُ الذي استعصى عليه الخشوعُ عامًا كاملاً قلبًا سريعَ العبرةِ فيّاضَ الوجدِ؟! وكيف غدت العينُ التي بخلت بدمعها عامًا كاملاً حاضرةَ الدّمعةِ تجودُ بعبراتِ الإنابةِ كلّما هزّت صاحبها موعظةٌ؟! كيف ذلتِ النّفسُ وخشعتِ الروحُ وذرفتِ العينُ وأناب الفؤادُ؟! كيف كان ذلك كلُّهُ
إنّهُ رمضانُ وكفى، رمضانُ الذي تنقلبُ فيه الموازينُ وتتبدّلُ فيه الاتّجاهاتُ. إنّهُ رمضانُ أيها الأحبة، شهر انكسار القلوبِ بين يدي علاّمِ الغيوبِ، هذا الانكسارُ الذي يقرّبُ العبدَ من ربِّهِ، ويدنيه من رحمة خالقِهِ.
وتأمّلوا ـ رعاكم الله ـ وصف القرآن لهؤلاء المنكسرين: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9]، إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا [الإسراء:17-109]، اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر:23].
وها هو إمام المنكسرين يقول عنه ابن عباس رضي الله عنهما: رأيت رسول الله يدعو بعرفة ويداه إلى صدره كاستطعام المسكين. رواه الطبراني في الأوسط. وروي عنه عليه الصلاة والسلام في ذلك الموقف العظيم دعاءٌ يدلُّ على عظيم انكسارِهِ بين يدي ربه: ((اللهم إنك ترى مكاني، وتسمع كلامي، ولا يخفى عليك شيءٌ من أمري، أنا البائسُ الفقيرُ المستغيث المستجيرُ الوجل المشفق المقرّ المعترف بذنبه، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، من خضعت لك رقبتُهُ، وذل لك جسده، ورغم لك أنفُهُ، وفاضت لك عيناه، اللهم لا تجعلني بدعائك شقيا، وكن بي بارّا رؤوفًا رحيمًا يا خير المسؤولين، ويا خير المعطين)).
هكذا انكسر نبيّنا بين يدي ربّه، ومن بعده تتتابع قوافل المنكسرين؛ رئي عليٌّ رضي الله عنه في بعض مواقفه وقد أرخى الليلُ سدولَهُ وغارت نجومُهُ، وقد قبض على لحيته في محرابه يتململُ ويقولُ: (يا دنيا، ألي تعرّضتِ، أم بي تشوقت؟! هيهات هيهات، غرّي غيري، فعمرُك قصير، وخطرك كبير، آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق!). ودخل علي بن الحسينِ رضي الله عنه ذات ليلة الحجر يصلي، فجعل يقولُ في سجودِهِ: "اللهم عُبيدكَ بفنائك، مسكينكَ بفنائك، سائلك بفنائك".
وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله إذا دخل بيته ألقى نفسه في مسجده، فما يزال يدعو ويبكي حتّى تغلبَهُ عيناه، ثم يستيقظ فيفعل مثل ذلك ليلتَهُ أجمعَ.
أخَيّ، أتذكر كم كانت ندامتك وحسرتك حين تصرّمت آخر ليلة من رمضان الفائت؟ أتذكر كم من عبرة سكبتها وأنت تتندّم على ليال لم تحسن اغتناما وأوقات من شهر رمضان ضاعت ؟ فها أنت ذا أمام رمضان وها قد كتب الله لك الحياة لتدرك فرصة أخرى تختبر فيها صدقك ورغبتك في الخير، فماذا أنت فاعل؟ فاتقواالله عبادالله واقدروالهذاالشهرقدره وجاهدواأنفسكم والذين جاهدوافينالنهدينهم سبلناوإن الله لمع المحسنين هذا واعلموا رحمكم الله أن من أفضل الطاعات وأشرف القربات كثرة ذكركم وصلاتكم وسلامكم على خير البريَّات صاحب المعجزات الباهرات والآيات البينات، فقد أمركم بذلك ربكم جل وعلا، فقال تعالى قولا كريما: ] إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [، اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبدالله، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، ذوي المقام العلي أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابةوالتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين
المشاهدات 2302 | التعليقات 2
بارك الله فيك أستاذ صالح ، خطابٌ يُحيي القلوب التي رانت عليها الغفلة والذنوب ، ما أعظمك يا الله وما أرحمك ، وما ألذَّ معرفتك والأنس بك ! . بارك الله لنا ولكم في رمضان أيها الحبيب .
[IMG]http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQmrcV6BPFcCk29yJnOer9YrO9gQC7G9E3HfMwl164TQP1FoOEk[/IMG]
صالح العويد
[img]http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:and9gcqmrcv6bpfcck29yjnoer9yro9gqc7g9e3hfmwl164tqp1fooek[/img]
وفيك بارك أخي رشيد وعمني وإياك ومن نحب برحمته
ورزقناالانكساربين يديه
تعديل التعليق