الرحمة بالنساء
د. ماجد بلال
خطبة الرحمة بالنساء
ماجد بلال جامع الرحمن 11/8/1444
الحمد لله العلي الأعلى خلق فسوى، وقدر فهدى، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه التي تترى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، له في الحمد في الآخرة والأولى، وأشهد أن محمدًا عبده المجتبى ورسوله المصطفى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه في الآخرة والأولى، وسلَّم تسليما كثيراً.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
عباد الله:
لا يغرنكم ما وصلت إليه المرأة من تمكين ومشاركة في شتى الميادين، أنها وهي تشارك في معترك الحياة أنها امرأة ضعيفة قد كفل الإسلام حقوقها وإن قصّرت في بعض الواجبات، فلها حق في الإسلام لا يلغيه ذلك التقصير، وهذا جانب من محاسن الإسلام، وهو العدل حتى مع الخصوم، فكيف بالأهل والأقربين وأهل الملة والدين!
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8]
فالبعض هداه الله قد يرى امرأة لِتوِّها تتعلم القيادة فيبدأ في مضايقتها أو ازعاجها بصوت المنبّه وارباكها مما قد يتسبب لها بالأذى النفسيّ، أو حادث لا قدر الله، وهذا التصرف أنت لا ترضاه على أمك ولا اختك ولا بنتك، كن رحيماً وقدّر الموقف، وخذ الأمر برحابة صدر وروح شبابية –كما يقولون-.
أو البعض يراها تنتظر عند جهاز الصرف الآلي بين الرجال أو في أي طابور آخر ويتشدد ولا يسمح لها بالتقدم وهذا ليس من الشهامة فضلاً عن رحمة الإسلام.
نعم إنها الرحمة بالنساء مهما كانت وظيفتها ومهما كان موقعها، واعلم -أيها الحبيب- أنها لم تأت إلى هذه الوظيفة –غالباً- وقد وجدت من يكفيها، فهي لا تكره الراحة، ما خرجت وعرضت نفها للأذى وأرهقت نفسها إلا من حاجة ماسة –غالباً- لتكفي وتعفَّ نفسها.
فلنكن رحماء في التعامل معهن، ولا نجمع لهن بين قسوة الزمان، وظلم الانسان.
الرحمةَ يا عباد الله الرحمة، وهذه الرحمة خلق رفيع وعظيم، أمر به الإسلام في كتاب الله وسنة الحبيب المصطفى ، حكى الله لنا قصة موسى مع المرأتين اللتين خرجا للضرورة لسقي الماء وكيف تعامل معهم برحمة وشفقة وقام خدمتهم قال الله تعالى عن موسى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } [القصص: 23، 24]
وقال (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ) (متفق عليه).
كانت المرأة في الجاهلية مهانة لا يعبأ بها ليس لها حقوق، بل ويسلبونها حتى حق الحياة، فيأدونها في التراب وهي حية، ولا يُورِّثونها، وليس لها حق في رفض الخاطب، وأشياءَ كثيرةٌ محرومةٌ منها، وجاء الإسلام العظيم الحنيف دين الرحمة والشفقة جاء ليرفع ظلم الجاهلية، فورّث المرأة، وحرّم وأْدها وجعل لعا الحق في رفض الزوج الذي لا ترغب به، وأوجب على المسلمين احترامها وأوجب على الرجل كفالتها والنفقة عليها، ولا يوجد في الإسلام مسألة تجب فيها النفقة على المرأة أبداً، لأنها معدودة من الضعفة وليست من أهل القوة والعمل والكد، وسبحان من قال (وليس الذكر كالأنثى) وفي حال الحيض أسقط عنها الصيام وتقضيه وأسقط عنها الصلاة بلا قضاء مهما طالت المدة، فأي رحمة هذه وأي شفقة هذه! إنها شفقة الإسلام ورحمته، ذلك الدين العظيم، هو نفسه الذي قال لهنّ (وقرن في بيوتكن) ، فـ(ياليت قومي يعلمون)، ومع هذا كله لو خالفت وخرجت وتبرجت وعصت وفعلت، فذنبها عليها، ليس ذلك مبرراً للقسوة عليها أو الدخول معها في جدال، ومن التجربة الجدال مع النساء قد يعود على صاحبه بعواقب لا تحمد عقباها خاصة إذا كانت المرأة سليطة فتجنبها خيرٌ من مجادلتها.
بل وأمر الإسلام بالرحمة حتى بالنساء الكافرات بل وحتى في مواضع الحرب والقتال نهى النبي عن التعرض لهن قال : (انطلِقوا باسمِ اللَّهِ وباللَّهِ وعلَى ملَّةِ رسولِ اللَّهِ ولا تقتُلوا شَيخًا فانيًا ولا طِفلًا ولا صَغيرًا ولا امرأةً ولا تَغلُّوا وضمُّوا غَنائمَكُم وأصلِحوا وأحسِنوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المحسِنينَ
أنس بن مالك/ الألباني / ضعيف أبي داود الصفحة أو الرقم : 2614
وكانت آخر وصية النبي قبل موته: (الصَّلاةَ وما ملَكَت أيمانُكم، الصَّلاةَ وما مَلَكت أيمانُكم.(
: عبدالله بن عمر / السيوطي / الجامع الصغير : 5154 | : صحيح
وكان رحيماً بالجواري الصغار يقول أنس بن مالك : (إن كانَتِ الأَمَةُ من أَهلِ المدينةِ لتأخذُ بيدِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ فما يَنزعُ يدَهُ من يدِها حتَّى تذْهبَ بِهِ حيثُ شاءَت منَ المدينةِ في حاجَتِها)
الألباني/ صحيح ابن ماجه/ 3386 صحيح
اللهم اهدنا الى مكارم الاخلاق والاقوال والافعال والنيات لا يهدي الى أحسنها واصرف عنا سيئ الاخلاق والاقوال والافعال والنيات لا يصرف عنا سيئها إلا أنت
بارك الله لي ولكم في القران .....
الخطبة الثانية:
لا تعني الرحمة يا عباد الله أن نترك الحبل على الغارب ونتساهل في حجاب نسائنا أو نصيحتهم أو تربيتهن بل مع الرحمة بهنّ يجب علينا الصبر على تربيتهن التربية الإسلامية الصحيحة وهذا هو السر في الأجر العظيم الذي رتّبه الإسلام على تربية البنات فقال : (مَن عالَ جارِيَتَيْنِ حتَّى تَبْلُغا، جاءَ يَومَ القِيامَةِ أنا وهو وضَمَّ أصابِعَهُ).
أنس بن مالك / مسلم/ 2631 .
وفي رواية (من ابتُلى من هذه البنات بشيء، فأحسن إليهن كنّ له ستراً من النار) البخاري، (1418)، ومسلم، (2629).
فالرحمة بالنساء لا تعني اهمالهم بل الواجب الصبر عليهن حتى لو وقعن فيما وقعن فيه مهما كان وأن نتقبلهن كما هن مع الصبر ثم الصبر ثم الصبر عليهنّ، سواء كن بناتٍ أو أخوات، وأما قول البعض هداهم الله إذا رأى من بعض أخواته مخالفات شرعية أو للعادات أو التقاليد، فإنه يقول مقولة روّج لها الشيطان: (ليستُ مسؤولاً إلا عمّن في كرت العائلة) فهذه كلمة خاطئة لا تعفيك من المسؤولية أمام الله وأما الناس فهي مهما فعلت فلا تزال بنتَك أو اختَك، وأنت في النهاية مرجعُها وسندها وليس عليك هدايتها فإن الهداية بيد الله {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين} [القصص: 56]،
فهذا رب العالمين يأمرنا بالإحسان إلى الوالدين حتى لو كانا كافرين
{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]
وكهذا الحال مع الاخوات والشقيقات المقصرات، لا تطعهما في المعصية، وصاحبهما في الدنيا معروفاً بالنصيحة والمزاورة والصلة ورحابة الصدر فكما يقولون (اللحم لا يخرج من الظفر)
فلا تخلط أيها المسلم بين تقصير الغير في الواجبات فيكون ذلك مسوّغاً لك في أن تقصّر في واجباتك، وهذا من الحكمة والرجاحة في العقل والرزانة التي لا يدركها إلا العظماء الحكماء الذين هم في الغالب أسياداً ومشايخاً في جماعتهم وقبائلهم، تجدهم يتصفون بالعقل والحكم والرزانة، لا يخلطون بين الأمور، ولا يجعلون تقصير الغير مسوغاً لتقصير الآخر، بل الكريم والحكيم، هو الذي يقابل الإساءة بالإحسان، وهذا خلق رفيع لا يقدر عليه إلا الكبار والأسياد والأشياخ {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [فصلت: 34، 35] فكيف إذا كانت المسيئة هي بنتك أو اختك، قابلها بالإحسان والمجاراة والوصال، لا تقاطعها ولا تسئ إليها وكن كريماً دائماً، ستدرك ذلك مع الوقت وكما يقولون (لا يصح إلا الصحيح).
صلوا وسلموا