الرجولة 1 مستفادة من خطب المشايخ الفضلاء

Abosaleh75 Abosaleh75
1445/04/26 - 2023/11/10 01:16AM

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾

أيها المسلمون : نتحدث في يومنا هذا عن كلمة منزلتها عالية , معانيها سامية ,أعباؤُها كبيرة , مهامها كثيرة , لسماع تلك الكلمة يتوق الكرام , وتنعقد لأصحابها الآمال .

إنها الرجولة وما تحمله من معاني سامية ومقامات عالية.

وردت الرجولة في القرآن الكريم , وما أجمل ورودها , فقد جاءت وصفاً للمصطفين الأخيار , فقال تعالى :{ وما أ رسلنا من قبلك إلاّ رجالا نوحي إليهم}.

وجاءت وصفا لذلك الناصح المؤمن الذي أنقذ به سبحانه موسى من الملاء المتأمرين قال سبحانه:{ وجاء رجلٌ من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين }
رجولته جعلته يسعى ! يسعى لماذا ؟! ليحيط موسى عليه السلام بالمؤامرة الدنيئة ، المؤامرة التي يحيكها القصُر الفرعوني للقضاء عليه وعلى دعوته ، ولم يكتفِ صاحبُ الرُجولة بالإحاطةِ ، بل إنه اقترح الحلَّ على موسى عليه السلام , وهو الخروجُ من قريته والفرار بنفسه .

ويذكر الله تعالى موقفاً من مواقف الرجولة في موطن آخر ، وهو موقف مؤمن آل ياسين ، عندما دعا قومه إلى اتباع المرسلين ، ودافع عن دعوتهم ، وناصرهم ، ودفع حياته ثمناً لذلك الموقف ، قال سبحانه :{وَجَاء مِنْ أَقْصَا المدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا المرْسَلِينَ، اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُم مُّهْتَدُونَ}.

والْمُصْطَفَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أَوَّلِ بَعْثَتِهِ، كَانَ يَتَطَلَّعُ إِلَى الرُّجُولَةِ الَّتِي تَنْصُرُهُ، وَتَعْتَزُّ بِهَا دَعْوَتُهُ، فَكَانَ مِنْ دَعَوَاتِهِ لِرَبِّهِ: "اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ، بِأَبِي جَهْلٍ أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ".
 
فَكَانَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَكَانَتْ رُجُولَتُهُ مُنْذُ اللَّحْظَةِ الْأُولَى مِنْ إِسْلَامِهِ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ".

إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: الرُّجُولَةُ وَصْفٌ اتَّفَقَ الْعُقَلَاءُ عَلَى مَدْحِهِ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَيَكْفِيكَ إِنْ كُنْتَ مَادِحًا إِنْسَانًا أَنْ تَصِفَهُ بِالرُّجُولَةِ، وَحَسْبُكَ إِنْ كُنْتَ ذَامًّا أَحَدًا أَنْ تَسْلُبَ عَنْهُ هَذَا الْوَصْفَ الْجَمِيلَ
ومع تأخر الزمن اختلف الناس في تفسير معنى الرجولة وساء الفهم لأوصاف الرجولة ومدلولاتها وامتثالها عند البعض.

فليست الرجولةُ فيمن مَن طَالَ شَارِبُهُ، أَو تَقَدَّمَت سِنُّهُ وكان جميل المظهرِ , كثير المالِ والعياِل .
مرّ رجلٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( ما تقولون في هذا ؟ ) قالوا :حري إن خطب أن يُنكح , وإن شفع أن يشفّع ، وإن قال أن يُسمَع له . ثم سكت , فمرَّ رجلٌ من فقراء المسلمين ، فقال صلى الله عليه وسلم : (ما تقولون في هذا ؟ ) قالوا : حري إن خطب أن لا يُنكح , وإن شفع أن لا يُشفّع , وإن قال أن لا يسمع له . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (هذا خير من ملء الأرضِ من مثل هذا ). 

وليست الرجولة في انقلاب الموازين ، وانتكاس الفطر والمفاهيم ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يأتي على الناس زمانٌ يُصدّقُ فيه الكاذب , ويُكذَّب فيه الصادق , ويؤتمنُ فيه الخائن , ويُخوَّن فيه الأمين , ويكون أسعدُ الناس بالدنيا لكعُ بنُ لكع ، لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر ) . 

وليست الرجولة في ضخامة الأجسادِ , وقوة الأبدان, يقول عليٌ رضي الله عنه : أمر النبيُ صلى الله عليه وسلم ابن مسعود رضي الله عنه , فصعد الشجرة . ـ أمره أن يأتيه منها بشئ ـ فنظر أصحابُه إلى ساق عبد اللهِ بنِ مسعود حين صعد الشجرة , فضحكوا من حموسة ساقيه ـ دقة ساقيه ـ . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما تضحكون ؟! لرِجلُ عبد اللهِ أثقلُ في الميزان يوم القيامةِ من أُحدٍ ) .
وجاء في الحديث الصحيح: (يأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة)،
واقرءوا إن شئتم قول المولى تبارك وتعالى: {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَزْناً}

وليست الرجولة في شدّة الصُّرعة , وفي ظلم الآخرين , وفي الاستطالة على الضعفاء , فهاهو الحبيب صلى الله عليه وسلم يخبرنا أنه : (ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد من يملكُ نفسه عند الغضب ) .

إذن فما هي الرجولة الحقة التي يسعى إليها كل أحد وينشدها

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، .....



الخطبة الثانية 


الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه وصلاة الله وسلامه على أشرف المرسلين.

عباد الله :إن الرجولة هي كل المعاني الساميةِ , والتصرفاتِ الطيبة , والأخلاق الرفيعة.

إن الرجولَة الحَقَّةَ إيمانٌ وتقوى, رأيٌ سديد , وكلمةٌ طيبة , ومروءةٌ وشهامة , وتعاونٌ وتضامن ,

الرُّجُولَةُ الْحَقَّةُ تَتَمَثَّلُ فِيمَنِ امْتَلَأَ قَلْبُهُ تَعْظِيمًا لِلَّهِ، فَلَمْ تُلْهِهِ الدُّنْيَا وَلَا طَنِينُ التِّجَارَةِ عَنْ طَاعَةِ الرَّحْمَنِ، وَالْقِيَامِ بِوَاجِبَاتِهِ
قال سبحانه وتعالى : { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله و إ قام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار }. 

إن الرجولة هي صدقٌ في الكلام ، ووفاءٌ بالعهد , وثباتٌ على المبدأ , وتضحيةٌ وفداء .
قال تعالى : { من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا }

الرجولة الحقة تطهير للقلوب من الخطايا والآثام وللأبدان من الأنجاس والأرجاس قَالَ تَعَالَى: (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)

إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: وَمِنْ أَبْرَزِ مَعَالِمِ الرُّجُولَةِ: قِوَامَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ، وَغَيْرَتُهُ عَلَى عِرْضِهِ، وَإِذَا ضَاعَتِ الْغَيْرَةُ مِنَ النُّفُوسِ فَكَبِّرْ عَلَى الرُّجُولَةِ أَرْبَعًا.
وَأَيُّ رُجُولَةٍ تَبْقَى حِينَمَا يَرْضَى الْإِنْسَانُ لِأَهْلِهِ التَّبَرُّجَ وَالسُّفُورَ؟!
يقول المولى عز وجل : { الرجال قوّامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض }.

وَمِنَ الرُّجُولَةِ الْمَشْهُودَةِ -عِبَادَ اللَّهِ- أَنْ يَنْزِلَ الْمَرْءُ إِلَى مَيْدَانِ الْعَمَلِ، وَيَكِدَّ وَيَتْعَبَ لِنَفْعِ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ، وَيَحْفَظَ مَاءَ وَجْهِهِ، وَلَا يَكُونَ عَالَةً عَلَى غَيْرِهِ، أَوْ مُتَشَوِّفًا لِأُعْطِيَاتِ الْمُحْسِنِينَ.

وللحديث بقية وتكملة في الجمعة القادمة بإذن الله.

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِآلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رَوَاهُ مُسْلِم]

المشاهدات 1001 | التعليقات 0