الرجل الذي نريد

صالح العويد
1436/07/12 - 2015/05/01 03:37AM
الحمد لله الذي أسبغ علينا نِعمًا عِدادًا، وبعث فينا سراجًا وقَّادًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيّدنا محمّدًا عبد الله ورسوله أعظم البريّة قدرًا وشرفًا، وأرأفهم فؤادًا، صلى الله وسلّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه الذين عزّروه ووقّروه وأمضوا في محبّته أرواحًا وأجسادًا، وكانوا في نصرته ضَراغمَ وآسادًا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فاتَّقوا الله ـ عبادَ الله ـ حقَّ التقوى
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾
معاشر المسلمين: في دار من دور المدينة المباركة جلس عمر إلى جماعة من أصحابه فقال لهم: تمنوا؛ فقال أحدهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءةٌ ذهبًا أنفقه في سبيل الله. ثم قال عمر: تمنوا، فقال رجل آخر: أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤًا وزبرجدًا وجوهرًا أنفقه في سبيل الله وأتصدق به. ثم قال: تمنوا، فقالوا: ما ندري ما نقول يا أمير المؤمنين؟! فقال عمر: "ولكني أتمنى رجالاً مثلَ أبي عبيدة بنِ الجراح، ومعاذِ بنِ جبلٍ، وسالمٍ مولى أبي حذيفة، فأستعين بهم على إعلاء كلمة الله".
رحم الله عمر الملهم، لقد كان خبيرًا بما تقوم به الحضارات الحقة، وتنهض به الرسالات الكبيرة، وتحيا به الأمم الهامدة.
إن الأمم والرسالات تحتاج إلى المعادن المذخورة، والثروات المنشورة، ولكنها تحتاج قبل ذلك إلى الرؤوس المفكرة التي تستغلها، والقلوب الكبيرة التي ترعاها، والعزائم القوية التي تنفذها؛ إنها تحتاج إلى الرجال.
أيها المسلمون: لرجل أعزّ من كل معدن نفيس، وأغلى من كل جوهر ثمين، ولذلك كان وجودُه عزيزًا في دنيا الناس، حتى قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "إنما الناس كإبل مائة، لا تكاد تجد فيها راحلة". رواه البخاري.
الرجل الكفء الصالح هو عماد الرسالات، وروح النهضات، ومحور الإصلاح إن رجلاً واحدًا قد يساوي مائة، ورجلاً قد يوازي ألفًا، ورجلاً قد يزن شعبًا بأسره، وقد قيل: رجل ذو همة يحيي أمة.
يعد بألف من رجال زمانه *** لكنه في الألمعية واحد
حاصر خالد بن الوليد "الحيرة"، فطلب من أبي بكر مددًا، فما أمده إلا برجل واحد هو القعقاع بن عمرو التميمي، وقال: "لا يهزم جيش فيه مثله"، وكان يقول: "لصوت القعقاع في الجيش خير من ألف مقاتل"!!
ولما طلب عمرو بن العاص -رضي الله عنه- المدد من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في فتح مصر كتب إليه: "أما بعد: فإني أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف: رجل منهم مقام الألف: الزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد".
أيها المسلمون دعونا نستعرض نماذج رجولية مسطرة في كتاب الله تتلى وتسمع
رجلٌ من العظماءِ .. سمعَ بأن أصحابَ قريةِ قد كذّبوا المرسلين .. فجاءَ يسعى مسرعاً من أطرافِ المدينةِ نُصرةً لأهلِ الإيمانِ .. (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ) .. ثم بيّنَ لهم الحقَ .. ودعاهم إلى عبادةِ ربِ الخلقِ.. فقتلوه .. فماتَ شهيداً .. فأخبرنا اللهُ تعالى برجولتِه .. وخلّدَ ذكرَه حياً وميتاً في كتابٍ يتلوه المؤمنونَ ليلاً ونهاراً .. تكريماً لرجلٍ نصرَ المؤمنينَ بما يستطيعُ .. (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) .. فهنيئاً له.
وفي مجلسِ العنادِ والجُحودِ .. يجلسُ فرعونُ بينَ الجنودِ .. فيقولُ كلماتٍ كاذباتٍ .. (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) .. فإذا بمؤمنٍ يكتمُ إيمانَه .. ولا يمنَعُه أنه في مجلسِ أعظمِ طاغيةٍ .. وأنه وحيداً بين هؤلاءِ الكافرينَ .. أن يُدافعَ عمّن تجمعُه معه صفةُ الإيمانِ .. (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ) .. ثم ذكّرَ قومَه بنِعمِ اللهِ عليهم .. وخوّفَهم من عقابِه .. (يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا) أرادَ لقومِه الخيرَ والفلاحَ .. وأرادوا له الخسارةَ والهلاكَ .. (وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ) .. فلما لم يستجيبوا لندائِه الصادقِ .. قال: (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) .. فأخبرنا اللهُ تعالى برجولتِه .. وخلّدَ ذكرَه حياً وميتاً في كتابٍ يتلوه المؤمنونَ ليلاً ونهاراً .. تكريماً لرجلٍ نصرَ نبي الله موسى بما يستطيعُ
ورجلٌ عظيمٌ قد يكونُ هو صاحبُنا أو غيرُه .. لا نعرفُه .. ولكن اللهَ تعالى يعرفُه .. سمعَ بمؤامرةٍ لقتلِ مؤمنٍ من المؤمنينَ ونبيٍ من الأنبياءِ .. فلم يمنعْه بُعدُ المكانِ .. وخطورةُ المُهمةِ .. من أن يبادرَ مُسرعاً مُحذراً من كيدِ الكافرينَ .. ونُصرةً لأهلِ الإيمانِ .. (وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) .. خطواتٌ مباركاتٌ .. وكلماتٌ في كتابِ اللهِ محفوظاتٌ .. فجزاه اللهُ تعالى عن المؤمنينَ خيرَ الجزاءِ.وأختم بهذا الموقف الرجولي الذي يحدثنا عنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قالَ : (أيها الناسُ أخبروني بأشجعِ الناسِ .. قالوا: أنت يا أميرَ المؤمنينَ .. قالَ: أما إني ما بارزتُ أحداً إلا انتصفتُ منه .. ولكن أخبروني بأشجعِ الناسِ .. قالوا: لا نعلمُ .. فمَنْ؟ .. قالَ: أبو بكرٍ رضيَ اللهُ عنه .. إنه لما كانَ يومُ بدرٍ جعلنا لرسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ عريشاً .. فقلنا: من يكونُ مع رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ لئلا يهوي إليه أحدٌ من المشركينَ .. فواللهِ ما دنا منه إلا أبو بكرٍ شاهراً بالسيفِ على رأسِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ لا يهوي إليه أحدٌ إلا أهوى إليه .. فهذا أشجعُ الناسِ .. فقالَ عليٌ: ولقد رأيتُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ وأخذته قريشٌ فهذا يجأُه .. وهذا يتلتلُه .. وهم يقولونَ: أنت الذي جعلتَ الآلهةَ إلهاً واحداً .. قالَ: فو اللهِ ما دنا منه أحدٌ إلا أبو بكرٍ .. يضربُ هذا ويجاءُ هذا ويتلتلُ هذا .. وهو يقولُ: ويلَكم أتقتلونَ رجلاً أن يقولَ ربي اللهُ؟ .. ثم رفعَ عليٌّ بردةً كانت عليه فبكى حتى اخضلّتْ لحيتُه .. ثم قالَ: أنشدُكم باللهِ أمؤمنُ آلِ فرعونَ خيرٌ أم أبو بكرٍ؟ .. فسكتَ القومُ .. فقالَ: ألا تجيبوني .. فو اللهِ لساعةٌ من أبي بكرٍ خيرٌ من ملءِ الأرضِ من مؤمنِ آلِ فرعونَ .. ذاك رجلٌ كتمَ إيمانَه .. وهذا رجلٌ أعلنَ إيمانَه.
فما أحوج الأمة اليوم إلى صناعة الرجال.وإلى مثل هؤلاء الرجال بارك الله لي ولكم في القرآن ، ونفعني وإياكم بما فيه من البيان ، وبسنة سيد الأنام أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة وعصيان فاستغفروه فهوأهل الغفران .












الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وصلاة الله وسلامه على أشرف المرسلين.وبعد فاتقوا الله عباد الله
معاشر المسلمين: ما الرجل الذي نريد؟!
هل هو كل من طَرَّ شاربه، ونبتت لحيته من بني الإنسان؟! إذن فما أكثر الرجال!
إن الرجولة ليست بالسن المتقدمة، فكم من شيخ في سن السبعين وقلبه في سن السابعة، يفرح بالتافه، ويبكي على الحقير، ويتطلع إلى ما ليس له، ويقبض على ما في يده قبض الشحيح حتى لا يشركه غيره، فهو طفل صغير، ولكنه ذو لحية وشارب. وكم من غلام في مقتبل العمر، ولكنك ترى الرجولة المبكرة في قوله وعمله وتفكيره وخلقه.
مر عمر -رضي الله عنه- على ثلة من الصبيان يلعبون فهرولوا، وبقي صبي مفرد في مكانه -هو عبد الله بن الزبير- فسأله عمر: لِمَ لَمْ تعدُ مع أصحابك؟! فقال: "يا أمير المؤمنين: لم أقترف ذنبًا فأخافك، ولم تكن الطريق ضيقةً فأوسعها لك!".
ودخل غلام عربي على خليفة أموي يتحدث باسم قومه، فقال له: ليتقدم من هو أسن منك، فقال: "يا أمير المؤمنين: لو كان التقدم بالسن لكان في الأمة من هو أولى منك بالخلافة".أولئك لعمري هم الصغار الكبار، وفي دنيانا ما أكثر الكبار الصغار؟!
عباد الله وليست الرجولة ببسطة الجسم، وطولِ القامة، وقوةِ البنية، فقد قال الله عن طائفة من المنافقين: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَـامُهُمْ) [المنافقون:4] ومع هذا فهم (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) [المنافقون: 4]، وفي الحديث الصحيح: "يأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة"، اقرؤوا إن شئتم قوله تعالى: (فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ وَزْناً) [الكهف: 105].كان عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- نحيفًا نحيلاً، فانكشفت ساقاه يوماً -وهما دقيقتان هزيلتان- فضحك بعض الصحابة: فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "أتضحكون من دقة ساقيه؟! والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من جبل أحد".
فليست الرجولة بالسن ولا بالجسم ولا بالمال ولا بالجاه، وإنما الرجولة قوة نفسية تحمل صاحبها على معالي الأمور، وتبعده عن سفسافها، قوةٌ تجعله كبيرًا في صغره، غنيًا في فقره، قويًا في ضعفه، قوةٌ تحمله على أن يعطي قبل أن يأخذ، وأن يؤدي واجبه قبل أن يطلب حقه: يعرف واجبه نحو نفسه، ونحو ربه، ونحو بيته، ودينه، وأمته.
ولم تر الدنيا الرجولة في أجلى صورها وأكمل معانيها كما رأتها في تلك النماذج الكريمة التي صنعها الإسلام على يد رسوله العظيم، من رجال يكثرون عند الفزع، ويقلون عند الطمع، لا يغريهم الوعد، ولا يلينهم الوعيد، لا يغرهم النصر، ولا تحطمهم الهزيمة.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على خير الورى، فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة، أصحاب السنة المُتَّبَعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآل والصحابة أجمعين، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، ودمِّر أعداء الدين، وانصر عبادك المُوحِّدين، وكن للمُستضعفين والمظلومين والمنكوبين والمُشرَّدين والمُنقطعين من المسلمين، ودمِّر الطُّغاةَ والجبابرةَ والظلمَة والمُعتدين يا رب العالمين، اللهم دمِّر الطُّغاةَ والجبابرةَ والظلمَة والمُعتدين يا رب العالمين.
اللهم أدِم على بلاد الحرمين الشريفين أمنَها ورخاءَها، وعِزَّها واستقرارها، ووفِّق قادتها لما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين.
اللهم وفِّق إمامنا ووليَّ أمرنا وولي عهده ووليه لما تحبُّ وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وأعنهم على أمور الدين والدنيا
اللهم اجعل أهلنا في سوريا واليمن والعراق وفلسطين في ضمانك وأمانك وإحسانك يا أرحم الراحمين، اللهم فرِّج كُربتَهم، واكشِف شدَّتهم، واحقِن دماءَهم، وصُن أعراضهم، واحفظ أموالهم يا أرحم الراحمين.
اللهم اكشِف الغُمَّة عن هذه الأمة ، وأطفِئ جمرة الفتنة، يا رب العالمين.
اللهم طهِّر المسجد الأقصى من رِجس يهود، اللهم طهِّر المسجد الأقصى من رِجس يهود، اللهم عليك باليهود الغاصبين، والصهاينة الغادِرين، اللهم زَعزِهم وزلزِلهم ودمِّرهم يا قوي يا عزيز يا رب العالمين.
اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وفُكَّ أسرانا، واغفرذنوبنا وذنوب موتانا، وانصرنا على من عادانا يا قوي يا عزيز
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.






المشاهدات 1836 | التعليقات 0