الرجل الثاني
الخطيب المفوه
1433/01/07 - 2011/12/02 06:29AM
الرجل الثاني
الدكتور سعد الدريهم
[align=justify]الدكتور سعد الدريهم
إنَّ الحمدَ لله ، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا . من يهده الله ؛ فلا مضلَّ له ، ومن يضللْ ؛ فلا هاديَ له ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعدُ : فإنَّ أصدق الحديث كتابُ الله ، وخيرَ الهدي هديُ محمد e، وشرَّ الأمور مُحـدثاتُها ، وكلَّ محـدثةٍ بدعــةٌ ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلَّ ضلالةٍ في النار .
أَيُّهَا الأحبة ، في أسبوعنا هذا أنشأ الله سحابا ثقالاً ؛ فأنزل به الماء ، فسالت أودية بقدرها ، وسيخرج الله به إن شاء ثمراتٍ مختلفاً ألوانها ؛ رزقاً منه سبحانه للعباد والبلاد والبهائم العجماوات ، فلك الحمد يا ربنا على فضلك وكرمك وجودك، لقد كان بالعباد والبلاد من اللأواء والشدة ما لا يعلمه إلا أنت ؛ لقد كشفت عنا يا ربنا ذلك الكرب وتلك الشدة ؛ فاستبشرت النفوس منا بذلك الغيث، وتبدلت منها الحال ، واكتست بدل القنوط واليأس بشراً وفألاً بتغير الحال وصلاح المآل ؛ فنسألك يا ربنا أن تديم علينا الخير ، وأن تبارك لنا فيه ، وأن تخلفه بغيره خيراً منه إنك جواد كريم ..
أيها الأحبة في الله ، ونحن قريباً من بداية العام الهجري ، وذكراه ـ كما علمتم ـ تذكرنا بالمهاجر الأول وصاحبِه في الهجرة .. فالمهاجر محمد r ، وصاحبه أبوبكر ، وتلك حقيقة لا يعتريها التشكيك ؛ لقد سُطِّرَتْ في الكتاب العزيز ، حيث قال : ) إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا( ، والمهاجر الأول r قد أحطنا بكل شأن من شؤونه علماً ، وتلبسنا بذلك الموروث اقتداء ، وصاحبه أبوبكر t وإن كان على جانب من الشهرة عريض ، وعلى جانب من الدين متين ، إلا أننا لا زلنا نحتاج لوقفات نتأمل فيها بعضاً من خلال الوفاء منه لصاحبه r ، وتلك الوقفات مع سيرته العطرة تجدد الإيمان ، وتقذف في النفوس الإخبات ، بل إن ذكراه t لتجعل الإنسان المؤمن يتحفز للعمل ؛ إنها سيرة تتوقف عندها السير ، وتتصاغر عندها التضحيات ؛ لقد صحب أبوبكر الرسول فأحسنَ الصُّحْبَة؛ حتى لقد بلغت مراتب الخلة ، ولولا أن الله اتخذ محمداً r خليلاً لكان أبوبكر خليلاً له . لنجعل من حدث الهجرة منطلقاً لملحمة الوفاء عند هذا الرجل العظيم، والعظماء لا يصحبهم إلا العظماء ..
كأني أيها الجمع الكريم ، بذلك الموكب الميمون يقطع الفيافي والقفار يلتمس الطريق ، ويحاذر الأعداء المتربصين ، والرسول r حينذاك واثق الخطى ، مطمئن البال يمشي مشي من حُفَّ بالحرس ، وهو كذلك فعين الله تحرسه ، وأنعم بها والله من حارس لا يغفُل ، ولكنَّ صاحبَه t في وجل وفي خوف ؛ فتارة يتقدمه وتارة يتأخر عنه ، تَفَطَّنَ النبي r لذلك فسأله ؛ فقال الصاحب الكريم t : يا رسول الله، إذا تذكرت الطلب جئت من خلفك ، وإذا تذكرت الرَّصَدَ تقدمتك ؛ يريد t أن يكون دون النبي r ؛ فلا يوصل للرسول r إلا بعدَ أن يَهْلِكَ دونه ، فنفوسهم إن هلكت فثمة نفوس غيرها ، ولكن أنى لهم بمثل هذا السراج المنير r ، ويتقدم الرَّكب ؛ لينتجعوا غاراًً يكون لهم مأوى ، وقبل أن يدخلوه يتقدم أبوبكر t يتفقده؛ فلا يُبْقِي ثقباً أو جحراً إلا وسده بثوبه ، وبقي آخرُها لا يجد ما يلجمه به ؛ ليجعل من قدمه سداً له ، ولكن وقع المحذور ؛ فلدغ الصديق t ، ولولا إحساس النبي r بمعاناة صاحبه لما كان له من مخبر ؛ لأن الصديق t اختار الصمت ؛ لئلا يشغل صاحب الرسالة r أو يكدرَ عليه راحته ؛ ليكون العلاج ريقاً مباركاً ودعواتٍ تعيد الأمر إلى نصابه ، فكأنه نشط من عقال ليواصلا المسير ..
والرجل الثاني في الأمة أيها الأحبة في الله ، كان من المتقدمين إسلاماً ، وعلى يديه أسلم كبار الصحابه y ، وكان t رجلاً سمحاً كريماً طيب الخلق ذا عقل راجح ، وهو موعود بالرضا من ذي الجلال والإكرام سبحانه وتعالى لأعمال أزجاها وخيرات قدمها للإسلام والمسلمين . يقول سبحانه : ) وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِيْ يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَالِ أَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى ( ، لقد قدَّم أبوبكر t ماله فداء للمستضعفين ؛ فأعتق بلالاً وسائر المعذبين، ومن على الفقراء والمعدمين ؛ فلا يتركُ مجالاً يُنْفَقُ فيه في سبيل الله إلا وابتدره ، بل كان الإنفاق يستهلك ماله ؛ حتى لقد خاف والده ألا يكون قد ترك لصبيته شيئاً فجاء يتحسس الأمر ، وقد كان الأمر كما ظن ، بل إن أريحيته في الإنفاق جعلت منه الأول في هذا المجال ، لذا كان طموح وزراء محمد r أن يسبقوا أبا بكر t ولو مرة واحدة ، ولكن أنى لهم ذلك ؛ دُعِيَ الصحابةُ للإنفاق ؛ فجاء كلٌّ بقدر سعته ؛ وجاء عمر t بنصف ماله ، وقال : اليوم أسبق أبا بكر t ؛ فما هي إلا لحظات حتى جاء أبوبكر t بماله كلِّه ، فقال له النبي t : وما تركت لولدك ؟ قال : تركت لهم الله ورسوله ! فقال عمر : لا أسبق أبا بكر بعد اليوم .
أنى لرجل اختاره الله أن يكون خير البشرية بعد الأنبياء والمرسلين أن يُسْبَق ، لا يسبق أبداً ، ولو بذل الباذل ملء السماوات والأرض ؛ لأنه أمر سبق به الكتاب، وقد عَلِمَ الله أنه لا قلب خيرٌ من قلب أبي بكر بعد الأنبياء، فكيف إذا انضاف إلى ذلك العمل والعلم واليقين والتسليم ، وذلك أمر لا يلقاه إلا ذوو الاختيار والاصطفاء من الله .. يُسرى بالنبي r إلى بيت المقدس ، ثم يُعرج به إلى السماوات العلى ؛ فيسمع كلام الرب ، ويرى الجليل من آيات الله هناك ، ثم يعود إلى فراشه ولما يبرد أية من آيات الله ؛ فيحدِّثُ النبي r الناس بذلك فيرتدَّ جراء ذلك من كان ذا مقياس أرضي ، ومن جعل قدرة الله كقدرة عباده ؛ لكن ذوو الإيقان كانوا على إيمانهم ؛ يستغل بعض الكفرة هذا الحدث ليطيروا به إلى بكر ؛ ليخبروه : أنه أسري بمحمد t وعرج به إلى السماء في أقل من ليلة ؛ ليزلزلوا إيمان أبي يكر وتصديقه ! ليقول لهم أبوبكر قولاً ملجماً لهم : إن كان قد قال ذلك فقد صدق ؛ إني لأصدقه في أمر الله يأتيه من ليل أو نهار ، وما هذا ببعيد عنه ، الله أكبر ما أعظم هذه القلوب ! وما أرجحها ! وما أقوى إيمانها! لقد نال أبوبكر t الرجل الثاني بذلك التسليم اللقب الثاني لقب «الصديق»، والصديقية هي المرتبة الثانية بعد النبوة ) أُولَئِكَ الَّذِيْنَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيْقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيْقاً( .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم .
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، كما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه ، أحمده سبحانه وأشكره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسله ، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فعلو الهمة أيها الأحبة في الله ، عندما يكون رائداً للإنسان ، فهو رائد صدق للوصول للمحبوب والبعدِ عن المرهوب ، هذا في أمور الدنيا ، فكيف به إذا كان في أمر الآخرة ، لا ريب أنه الخريت الذي يوقفك على النجاة والعلوِ في الدرجات ؛ حتى تصيب أزكاها وأعلاها ، وهكذا كان أبوبكر r ، لقد كان عليَّ الهمة طامحاً ، لا في متاع الدنيا وحطامها ، بل فيما عند الله ؛ لذا كان يقضي الليل والنهار عملاً ؛ فلا يدع ساعة تمر دون أن يوقر حقائبها حسناتٍ وضياء ؛ حتى إنك وأنت تتصفح سيرته العطرة ، لتقول : أنى لرجل كخلقنا أن يقوى على ذلك ، لكنه فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم سبحانه ؛ ففي يوم واحد يتحقق منه الصيام ، ويتحقق منه عيادة المرضى ، ويتحقق منه شهود الجنائز واتباعُها ، ويتحقق منه كذلك إطعام المساكين ، لقد كان هذا دأبَه وديدنَه وهجيراه ، لا يكاد يتخلف ذلك العمل منه إلا ماشاء الله ، وعندما وقع التساؤل من النبي r عن من فعل هذه الأشياء في يوم واحد ؛ قال أبوبكر : أنا ؛ لتكون المكافأة من النبي : أنه من فعل هذه الأشياء في يوم واحد استوجب دخول الجنة من أبوابها الثمانية ، وأبوبكر t كذلك سيدخلها من أبوابها الثمانية ، ولن يدخل أبوبكر t ومن سب أبا بكر ومن نال من أبي بكر بتكفير من باب واحد ، حتى يلج الجمل في سم الخياط ؛ إن حبَّ أبي بكر t سيدخل المحب الجنة ، وبغضَ أبي بكر سيورده المبغض النار ، فيا أيها الرافضة الأنجاس الكفرة ، بشراكم النار وبئس القرار ، فمعاذ الله أن تسكنوا داراً يسكنها الصديق وابنةُ الصديق ؛ وتالله لا يجتمع الخبيث والطيب ؛ إن حب أبي بكر إيمان وبغضه كفر ونفاق ؛ فيا أيها الأحبة في الله ، معركتنا مع الرافضة معركة تطال الأصول ، فهم يرون أن ما دون محمد من أبي بكر فما دونه كفار مرتدون ، ولا ريب أن من كفر الصحابة أسقط الدين ، ومن أسقط الدين كفر ، فالرافضة كفار بين أظهرنا ، ولن يهدأ للأمة بال مالم تستأصل شأفتهم، وعسى أن يكون قريباً ، وعلى هذا أيها الجمع الكريم ، فمن أحب الصحابة أحب الإسلام ومن كره الصحابة كره الإسلام ؛ خاصة سيدُهم وكبيرُهم وشيخهم أبوبكر t ، فرضي الله عن الصديق وأرضاه ، فيا ربنا ويا خالقنا ليس عندنا كثير عمل فنستحق ما عندك من الكرامة والأجر ، ولكننا ندخر عندك حب محمد r وحب أبي بكر وحب عمر م ، وحب الصحابة أجمعين ؛ فاللهم إنا نسألك حشراً معهم ، ودخولاً في زمرتهم ، اللهم إنا نحبك ولحبهم لك أحببناهم ، فاللهم لا تحرمنا سكنى الجنان معهم يا ذا الجلال والإكرام ..
اللهم يا ذا الجلال والإكرام ، إنا خلق من خلق فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك وجودك وكرمك ، اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً سحاً غدقاً نافعاً غير ضار ، تحي به العباد والبلاد ، وتجعله بلاغاً للحاضر والباد، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق برحمتك يا أرحم الراحمين .
وقبل أن نصلي على النبي r نلفت الانتباه إلى أن صيام يوم عاشوراء سيكون يوم الثلاثاء القادم ؛ لتمام الشهر من ذي الحجة ، ومن صام يوماً قبله أو يوماً بعده فقد أصاب السنة ، ومن صام اليوم الذي قبله واليوم الذي بعده ؛ فقد احتاط لنفسه وأتى بالأكمل . [align=justify][/align][align=justify][/align]
[/align]
المرفقات
الرجل الثاني.pdf
الرجل الثاني.pdf
المشاهدات 2598 | التعليقات 2
شبيب القحطاني
عضو نشط
جزاك الله خيرا
حبذا لو وضعت الملف المرفق على هيئة وورد ليعم به النفع
الخطيب المفوه
ابشر
تعديل التعليق