إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا, أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير واشهد أن نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبدالله النبي الأميّ الامين صلى عليه الله وسلم وعلى آله وصحبه والتابعين.
- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [سورة آل عمران: 102]
- (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [سورة النساء:1]
- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) [سورة الأحزاب:70]
عباد الله:
عبادة من اعظم العبادات وصفة من اجمل الصفات تحدو القلوب إلى المحبوب, عبادة لا يراها أحد ولا يؤديها العبد أمام الناس انها تعمر القلوب وتغمرها وتحييها وتنور العيون وتجلو البصيرة وتحفّز للعمل, لولا هذه العبادة لأظلمت الحياة وعم الحزن والاسى وساد القنوط واليأس, إنها عبادة يجب أن لا تغيب في أي امر من امور حياتنا وخاصة في هذا الزمن العصيب زمن الاحباط زمن الخوف زمن التقلبات والمفاجئات, إنها عبادة الرجاء الرجاء في الله الأمل في الله حسن الظن بالله, الرجاء في الله في رحمته في عفوه في كرمه في نصره في تأييده في عافيته.
الرجاء في مغفرته لذنوبنا التي غطتنا واقلقتنا وأشغلتنا وكدرت حياتنا, الرجاء في الله في النجاة من النار ودخول الجنة وحسن الخاتمة, الرجاء في الله في صلاح النية والذرية والعمل والمقصد, الرجاء في الله في رفع الوباء وصرفه عنا وعن أهلنا وبلادنا , ومن كان كذلك راجيًا لربه محسنًا الظن به فهو مؤمن فهو عارف بربه واثق بما عنده متوكلًا عليه, إنه الامل في الله بأن يقبل الصالحات ويعفو عن السيئات إنه الرجاء في الله: إن احسنت وعبدت واطعت واستقمت وكنت من اعبد الناس فلا بد أن ترجو القبول من الله, وإن عصيت وابتعدت وعاندت وأذنبت فلا بد أن يصاحبك الرجاء في عفو الله ومغفرة الله, ولكن أيها الأحبة إن الراجين في الله والمؤملين فيه ومحسني الظن به, لا يقيمون على المعاصي ويقولون نؤمل في الله, لا يزاولون الفسق والفجور والتعدي ويقولون نحن نرجوا الله, لا يقنطون من رحمة الله ولا ييأسون من روح الله ويقولون نحن نرجوا الله, إن ذلك جهل جهل بالله وجهل بالنفس, إن من يرجو الله ويؤمل فيه يجب أن يتصف بصفات حتى يكون راجيًا محسنًا الظن بربه تعالى, اسمعوا كلام الله تعالى في ذلك, يقول سبحانه: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [سورة البقرة:218], ترجو الله وتُؤمِّل في رحمته وعفوه وتحسن الظن به لابد أن تكون مؤمنًا يعمر الإيمان قلبك وجوارحك وتصرفاتك واعمالك مؤمن من المؤمنين, ترجو ماعند الله لابد أن تهاجر إلى الله بقلبك واتجاهك ونيتك ومقصدك لابد أن تهجر مانهى الله عنه ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [سورة العنكبوت: 69], هكذا يكون الرجاء من يرجو ربه ورحمته يكون مؤهلًا بتلك الصفات ثم يبشر بالخير ولنسمع لمزيد من مؤهلات الرجاء قال الله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ,لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) [سورة فاطر: 29,30], وقوله تعالى: ( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ) [سورة الزمر: 9].
فالراجون لما عند الله المؤملين في فضله كما سمعتم يتلون كتاب الله ويقيمون الصلاة …يقيمون الصلاة ولم يقل يؤدونها بل يقيمونها بأركانها وواجباتها وخشوعها لا يسرقونها كما نفعل اليوم لا ينقرونها نقر الغراب لا يصلونها في البيوت مع النساء إلا من عذر, بل يقيمونها وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرًا وعلانية قانتون أناء الليل قائمون يصلون يحذرون الآخرة ومافيها… دار المعاد التي سنرجع إليها جميعًا, هذه صفات المؤملين والراجين لما عند الله.
ومع تلك الصفات أيها الأحبة لا يركنون إلى اعمالهم ولا يزكون أنفسهم بل يحيون بين الرجاء والخوف, “أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ دخلَ على شابٍّ وَهوَ في الموتِ فقالَ كيفَ تجدُكَ قالَ واللَّهِ يا رسولَ اللَّهِ إنِّي أرجو اللَّهَ وإنِّي أخافُ ذنوبي فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ لا يجتَمِعانِ في قلبِ عبدٍ في مثلِ هذا الموطِنِ إلَّا أعطاهُ اللَّهُ ما يرجو وآمنَهُ ممَّا يخافُ” (صحيح الترمذي للالباني, حسن).
فأعملوا صالحًا ثم ارجوا ماعند الله استغفروا الله ثم ابشروا بمغفرته, ومع الرجاء تنتهي مشاكل الحياة ينتهي اليأس ويذهب القنوط وتزول الشبهة.
اللهم اجعلنا من أهل الإيمان والاعمال الصالحة اللهم حقق رجاءنا فيك وحسن ظننا بك ولا تكلنا إلى اعمالنا ولا إلى أنفسنا طرفة عين, اللهم لا تُخيب رجاءنا فيك وأنت أرحم الراحمين.
اقول ماتسمعون…
الخطبة الثانية:
الحمدلله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى .
عباد الله في الحديث القدسي:
“قالَ اللَّهُ تبارَكَ وتعالى يا ابنَ آدمَ إنَّكَ ما دعوتَني ورجوتَني غفَرتُ لَكَ على ما كانَ فيكَ ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ لو بلغت ذنوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثمَّ استغفرتَني غفرتُ لَكَ، ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ إنَّكَ لو أتيتَني بقرابِ الأرضِ خطايا ثمَّ لقيتَني لا تشرِكُ بي شيئًا لأتيتُكَ بقرابِها مغفرةً” (صحيح الترمذي للالباني).
ثم تأملوا الحديث ايها الأحبة تجدون انه لابد من العمل ثم نرجوا رحمة الله وعفوه ما دعوتَني ورجوتَني… ثمَّ استغفرتَني… ثمَّ لقيتَني لا تشرِكُ بي شيئًا… كل هذه عبادات دعاء واستغفار وصفاء عقيدة , لا تعش على الاوهام لا نبني لأنفسنا بيوت العنكبوت لابد من العمل لابد من مجاهدة النفس لابد من التعب في مرضاة الله ثم نرجوا ماعنده سبحانه, والله تعالى لا يضيع الاجور ولا يضيع الاعمال الله يفرح بطاعة عبده الله تعالى يريد لنا المغفرة الله لطيف بعبادة الله ارحم الراحمين.
يقول الله تعالى في الحديث القدسي: “مَن جَاءَ بالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ، وَمَن جَاءَ بالسَّيِّئَةِ فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا، أَوْ أَغْفِرُ وَمَن تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ منه ذِرَاعًا، وَمَن تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ منه بَاعًا، وَمَن أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً، وَمَن لَقِيَنِي بقُرَابِ الأرْضِ خَطِيئَةً لا يُشْرِكُ بي شيئًا لَقِيتُهُ بمِثْلِهَا مَغْفِرَةً. وفي روايةٍ : بهذا الإسْنَادِ نَحْوَهُ، غيرَ أنَّهُ قالَ: فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، أَوْ أَزِيدُ.” (صحيح مسلم).
يا ربِّ إنْ عَظُمَتْ ذُنُوبِي كَثْرَةً *** فلقد عَلِمْتُ بِأَنَّ عفوك أَعْظَمُ
إِنْ كَانَ لاَ يَرْجُوكَ إِلاَّ مُحْسِنٌ *** فَمَن الذي يَدْعُو ويَرْجُو المجرم
مَالِي إِلَيْكَ وَسِيلَةٌ إِلاّ الرَّجَا *** وَجَمِيلُ عَفْوِكَ ثُمَّ إِنِّي مُسْلِمُ
اللهم اغفر ذنوبنا وقوِّ رجاءنا واهدنا واهدبنا, اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين, اللهم سخرنا في طاعتك واعنا على مرضاتك.
وصلوا وسلموا…
والله اعلم
جامع القو 1438/3/3هـ
جامع النور 1441/11/19هـ