الذِّكْرَ الذِّكْرَ بالعَشْر ( مشكولة+الدعاء+الاستفتاح)
راشد بن عبد الرحمن البداح
1 ذو الحجة 1440هـ نحمدُك ربَّنا ونستعينُك ونستهديك، ونستغفرُك ونتوبُ إليك، ونثني عليك الخيرَ كلَّه، وأشهدُ أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، شهادةَ متصفٍ بالتزامِ قواعدِ الدينِ ومعاقدِه، وأشهدُ أن نبيَنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولِه، الهادي إلى سبيلِ الحق وماهدِه، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه حماةِ مَعالمِ الدينِ ومعاهدِه، وسلم تسليمًا كثيرًا. أمّا بعد:
فلنتقِ اللهَ؛ فإننا خَرجنا من شهرٍ حرامٍ إلى شهرٍ أشدَّ حُرمة.
انطلقتْ إلى مكةَ مائةُ شاحنةٍ من سيارات التبريد؛ محملةٍ بآلافِ كراتينِ المياه، وآلافِ الوجباتِ المغلَّفةِ، وآلافِ الفواكهِ المبرَّدة؛ لتوزَّع في المشاعرِ المقدَّسة.
أتَتَمنى أن يكون أجرُ ذلك لك؟! ألا أدلُّك على ما هو خيرٌ لك من مائةِ شاحنة؟!
إذاً: فاستمعْ لهذا الفضلِ الكبيرِ، والأجرِ الجزيل: فعَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَتْ: مَرَّ بِي ذَاتَ يَوْمٍ رَسُولُ اللهِ H، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ: إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ وَضَعُفْتُ، فَمُرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ وَأَنَا جَالِسَةٌ، قَالَ: سَبِّحِي اللهَ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ، فَإِنَّهَا تَعْدِلُ لَكِ مِائَةَ رَقَبَةٍ تُعْتِقِينَهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاحْمَدِي اللهَ مِائَةَ تَحْمِيدَةٍ، فإنها تَعْدِلُ لَكِ مِائَةَ فَرَسٍ مُسْرَجَةٍ مُلْجَمَةٍ، تَحْمِلِينَ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللهِ، وَكَبِّرِي اللهَ مِائَةَ تَكْبِيرَةٍ، فَإِنَّهَا تَعْدِلُ لَكِ مِائَةَ بَدَنَةٍ مُقَلَّدَةٍ مُتَقَبَّلَةٍ، وَهَلِّلِي اللهَ مِائَةَ تَهْلِيلَةٍ، تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَلَا يُرْفَعُ يَوْمَئِذٍ لِأَحَدٍ مِثْلُ عَمَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ مَا أَتَيْتِ بِهِ. رواه أحمدُ، وصححه الحاكمُ وحسَّنه المنذريُ والمُناويُ والألباني([1]).
الله أكبر! نَعَم لا عَجَبَ، إنه ذكر الله{وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}
أما الصحابةُ فقد فقِهوا جيدًا أن ذكرَ اللهِ أكبر، فهذا أَبو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ يقولُ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا فِي حِجْرِهِ دَرَاهِمُ يُقَسِّمُهَا، وَآخَرَ يَذْكُرُ اللَّهَ، كَانَ الذَّاكِرُ أَفْضَلَ. وقَالَ أَبو الدَّرْدَاءِ: لَأَنْ أَقُولَ: اللَّهُ أَكْبَرُ مِائَةَ مَرَّةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمِائَةِ دِينَارٍ. وهذا مُعاذُ بنُ جبل يقول: الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَوْ ضَرَبَ بِسَيْفِهِ فِي الْكُفَّارِ حَتَّى يَنْكَسِرَ وَيَخْتَضِبَ دَمًا، لَكَانَ الذَّاكِرُونَ لِلَّهِ أَفْضَلَ مِنْهُ دَرَجَةً»([2]).
ألا وكبِّروا ربَّكم كثيرًا، وقد كان الناس قبلَ قرابة ثلاث عقودٍ يُكبِّرون في كلِّ المَجامع، يُحْيون السُّنَّةَ، ويعظِّمونَ شعائرَ الله، كما كان السلفُ كذلك. وخذوا هذا المثالَ العجيب:
كَبَّرَ رَجُلٌ أَيَّامَ الْعَشْرِ، فَقَالَ الإمامُ التابعيُّ مُجَاهِدٌ: أَفَلَا رَفَعَ صَوْتَهُ؟! فَلَقَدْ أَدْرَكْتُهُمْ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُكَبِّرُ فِي الْمَسْجِدِ، فَيَرْتَجُّ بِهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ يَخْرُجُ الصَّوْتُ إِلَى أَهْلِ الْوَادِي حَتَّى يَبْلُغَ الْأَبْطُحَ، فَيَرْتَجُّ بِهَا أَهْلُ الْأَبْطَحِ، وَإِنَّمَا أَصْلُهَا مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ([3]).
أيها المؤمنون: اتقوا اللهَ تعالى، وعظِّموا شعائرَه. (فإن تعظيمَ الشعائرِ واجبٌ؛ لقولِ اللهِ تعالى (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ))([4]).
ألا وإنَّ مِن شعائرِ الله تلكَ الأيامَ التي دخلْنا مضمارَها، إنها عشرُ ذي الحِجة. فأين موقعُ خيلِك للسباقِ، وقد ضُمِّرت جيادُ قومٍ موفقين؟
قال الشيخُ ابنُ عثيمينَ رحمه الله: (والعَجبُ أن الناسَ غافلون عن هذه العَشر؛ تجدُهم في عشرِ رمضانَ يجتهدونَ في العمل، لكنْ في عشر ذي الحجةِ لا تكادُ تجدُ أحداً)([5]).
ولأجلِ هذا رَوى البخاريُّ أن النَّبِيَّHقالَ: مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ. وعند الترمذيِّ: أَحَبَّ..([6]).
اثنتان: أفضلُ وأحبُّ. قال ابنُ رجب: (وإذا كان أحبَّ إلى الله فهو أفضلُ عنده.. في أيامِ الدنيا من غيرِ استثناءٍ..وقد جعلَ اللهُ موسمَ العشرِ مشترَكاً بين السائرين للحج والقاعدين)([7]). فالذِّكرَ الذِّكرَ في العَشرِ، ولذكرُ الله أكبرُ.
فعلى مَن وجدَ سعةً من المال ألا يدعَ إحياءَ شعيرةِ الأضاحي بين أهل بيته، وساكنو الشقق يضحون، ولنتحرَّ من الأضاحيْ أسمنَها وأغلاها ثَمناً [ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ]. ومَن عنده أضاحٍ كثيرةٌ فليُرسِلْ قيمةَ بعضِها إلى البُلدان المُحتاجة؛ ليجتمعَ له أمران: إحياءُ هذه الشعيرة، والإحسانُ إلى المحتاجين.
ويجب على من دَخلت عليه العشر وهو يُريد أن يضحيَ أن يُعظِّمَ قولَ النبيِّH: إذا دَخلتِ العَشرُ وأرادَ أحدُكم أن يضحيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ – وفي رواية - وأظفارِه شَيْئًا. رواه مسلم([8]).
(والتحريمُ مختصٌّ بربِّ البيت، وأما أهلُ البيتِ فلا يَحرم عليهم ذلك)([9]). وكذلك مَن يُضحي عن غيره بوكالةٍ أو وصيةٍ فلا يُكرَه في حقِّهما أخذُ شيء.. وأما حلقُ اللحية فهو محرَّم في غير العشر، وهو فيها أشدُّ تحريماً.
وإذا أَخَذَ فليتُبْ إلى اللهِ تعالى، ولا كفارةَ عليه، ولا يمنعُه ذلك عن الأضحية. (ومن أخَذَ من شَعرِه وأظفارِه، وهو لا يريد أن يضحي، ثم بدا له أن يُضحيَ فليُضحِّ، ولا شيء عليه)([10]).
هذا واعلموا -رحمكم الله- أن من أفضلِ الطاعات، وأشرفِ القربات، كثرةَ صلاتِكم وسلامِكم على خير ِالبريات: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ..
اللهم لك الحمدُ كالذي تقولُ، وخيرًا مما نقول، اللهم لك صلاتُنا، ونسكُنا، ومحيانا، ومماتُنا، وإليك مآبُنا، ولك ربَّنا تراثُنا، اللهم إنا نعوذ بك من عذابِ القبر، ووسوسةِ الصدر، وشتاتِ الأمر، اللهم إنا نعوذ بك من شرِّ ما يَجيء به الريح([11]).
اللهم احفظ الحجاجَ في مَسيرِهم، واقبلْ منا ومنهم النُّسكَ والنَّسائك.
اللهم اجز ولاةَ أمرنا خيرًا على ما سهّلوا ويسهلون على الحجاج والمعتمرين.
اللهم بارك في جنودِنا في حدودِنا وفي مقدساتِنا، واجزِهم على بذلِهم خيرًا.
([1])مسند أحمد (26911) صححه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (1893) وحسنه المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 277) والمناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 52) والألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 109)
([2])جامع العلوم والحكم لابن رجب (2/ 67)
([3])مصنف ابن أبي شيبة (13920)
([4])مجموع الفتاوى لابن تيمية (17/ 485) وشرح العمدة لابن تيمية (3/ 627)
([5])مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (21/ 37)
([6])أخرجه البخاري في " صحيحه " كِتَابُ الْعِيدَيْنِ . بَابُ فَضْلِ الْعَمَلِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ . رقم 969
([9]) الشرح الممتع لابن عثيمين (7/50)
([10]) اللقاء الشهري لابن عثيمين (26/2)
([11]) سنن الترمذي (3520) أكثر ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة في الموقف.
المرفقات
الذكر-بالعشر
الذكر-بالعشر
الذكر-بالعشر-2
الذكر-بالعشر-2