الذكر الجميل

سعود المغيص
1435/05/15 - 2014/03/16 07:01AM
الخطبة الأولى :
أمّا بعد عباد الله:

اتّقوا الله واعلموا أنه لا خلودَ في دارِ الدنيا لأحَد، لكنّ الأعمال الجليلَة والآثار الجميلَة والسيرة الحسَنة تخلِّد ذكرَ صاحبها بين الناس، وتورثه في حياتهِ وبعدَ موتهِ ذكرًا وحمدًا وثناء ودعاءً.

وكم من العلماء والفضلاء والعظَماء قد غيَّبهم الأجل وطواهم الموت ولازالت مآثرُهم وآثارُهم وممادِحُهم تَبعَث في المجالس طيبًا يحمل الناس على عمل الخير وفعل الجميل والاقتداء الحسَن.

وبقاءُ الذّكر الجميل واستمرارُ الثناء الحسَن والصيتِ الطيب والحمدِ الدائم للعبد بعدَ رحيله عن هذه الدار نعمةٌ عظيمة يختصّ الله بها من يشاء مِن عباده ممن بذَلوا الخير والبرّ ونشروا الإحسان ونفعوا الخلق وجمعوا مع التقوى والصلاح ومكارمَ الخصالِ ، يقول تعالى : وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنْ الأَخْيَارِ هَذَا ذِكْرٌأي: شرف وثناءٌ جميل يُذكَرون به، وقال تعالى: وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا .

وأرفعُ الناس قدرًا وأبقاهم ذكرا وأعظمُهم شرفًا وأكثرهم للخَلق نفعًا نبيُّنا محمّد ، الذي قال الله تعالى عنه: وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ .

ومِن الأعمال الصالحة التي تُفتَح للموفَّقين فيرضَى الله بها عنهم ويُرضي بها خَلقَه ويلحقهم أجرها بعد الممات حبسُ النفس على التعليم وإقراء القرآن والتحديث ونشر العقيدة الصحيحة والتصدُّر للإفادةِ والتصنيف والتأليف وطباعة الكتبِ النافِعة وبناء المساجِد المدارِس والمشافي وسقي الماء وحفر الآبار وكثرة الصدقة وإدامَة البرّ والإحسان والشفقةُ على الضِّعاف وتزويج المعدوم وإعطاء المحروم وإنصاف المظلوم والأداء عن المحبوس وقضاء الحوائج ومواساة الفقراء وإدخال السّرور على المرضى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة لأئمة المسلمين وعامّتهم والإصلاح بين المتخاصِمَين وجمع كلمةِ الأمّة على الخير والهدى والتقوى والصلاح، إلى غير ذلك من طرقِ الخير ووجوه البر.

فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((سَبعٌ يجرِي للعبد أجرُهُنّ وهو في قبره بعد موته: مَن علّم علمًا، أو أجرى نهرًا، أو غرس نخلاً، أو بَنى مسجِدًا، أو ورَّث مصحفًا، أو تَرَك ولَدًا يستغفر له بعد موته)) ، وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إنَّ ممّا يلحَق المؤمنَ مِن عمله وحسناته بعدَ موته عِلمًا علّمه ونشره، وولدًا صالحًا ترَكه، ومُصحفًا ورَّثه، أو مسجدًا بناه، أو بَيتًا لابن السّبيل بناه، أو نهرًا أجراه، أو صدَقة أخرَجها من ماله في صحّته وحياته، يلحقه من بعد موته)) .

اللهم اجعلنا مباركين أينما كنّا.


أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية :

الحمد لله على إحسانِه، والشّكر له على توفيقِه وامتنانه، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له تعظيما لشَأنه، وأشهَد أنَّ نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أمّا بعد عباد الله:

والرَّجلُ حين يعامِل زوجَه وأولادَه بالرّفق والإحسانِ والشَّفَقَة والرحمة والمحبّة والعطف والبذلِ والكرَم يبقى محمودَ الذّكر بعدَ موته، والمرأةُ حين تحسِن إلى زوجِها وتحوطُه بالإكرامِ والاحترامِ يبقَى حبُّها في قلبهِ ويسري حمدُها على لسانِه، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما غِرتُ على أحدٍ من نساءِ النبي ما غِرتُ على خديجة، وما رأيتها، ولكن كان النبيّ يُكثر ذكرَها، وربما ذبَحَ الشّاةَ ثم يقطِّعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلتُ له: كأن لم يكن بالدنيا إلا خديجة! فيقول : ((إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد)) فأعمالها الجليلة وصفاتها الحميدَة خلَّدت مكانتَها في نفس الرسولِ وقلبِه، فكان يكثِرُ ذكرَها وحمدَها والثناءَ عليها والدعاءَ لها.

أيّها المسلمون، والمؤمن لا يبذُل الخير اجتلابًا للمِدحَ، ولا رغبةً في الثناء، ولا طمعًا في الذكر، ولكن من بذَل الخير بنيّةٍ خالصة وقصدٍ حسن قَبِل الله سَعيَه، ووضَع له القبول والحبَّ بين عبادِه، ونشَر له الذّكرَ الحسن والثناء والدعاء في حياته وبعدَ مماته، فعن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((أهل الجنّة مَن ملأ الله أذنَيه من ثناءِ الناس خيرًا وهو يَسمَع، وأهلُ النار من مَلأ الله أُذنيه من ثناء الناس شرًا وهو يسمع)) .

جعلنا الله وإياكم من الموفَّقين الهداة المهتدين.
المشاهدات 4203 | التعليقات 6

أحسنت صنعا بهذه الخطبة الجميلة فجزاك الله كل خير


خطبة قيمة ومختصرة ومفيدة رفع الله قدرك وخلد ذكرك وكل الأخوة المشاركين.


منديل الفقيه;20983 wrote:
أحسنت صنعا بهذه الخطبة الجميلة فجزاك الله كل خير


حياك وحي الله تواجدك الكريم


زياد الريسي;20985 wrote:
خطبة قيمة ومختصرة ومفيدة رفع الله قدرك وخلد ذكرك وكل الأخوة المشاركين.
حياك وحي الله تواجدك الكريم


بورك فيك أجدت وأفدت نفع الله بك


أبداع