الدنيا متاع زائل
الشيخ فهد بن حمد الحوشان
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ وأشهدُ أنَّ نَبِيِّنَا محمداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا أمّا بعدُ فَاتَقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ واعْلَمُوا أَنَّ الدنيا دَارُ مَمَرٍّ لَا دارُ مَقَرٍّ ( يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ) وأَنَّ هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَيْسَتْ بِشَيْءٍ بِالنِّسْبَةِ لِلآخِرَةِ يَقُولُ النبيُّ ﷺ ( لَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ في الجنةِ خَيْرٌ مِن الدنيا وَمَا فِيهَا ) رَوَاهُ البُخَارِيُ وَمَوْضِعُ السَّوْطِ هُوَ مَكانُ العَصَا القَصِيرَةِ الصَّغِيرَةِ في الجنةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيا وَمَا فِيهَا مِنْ أَوَّلِها إلى آخِرِها أَعُوْذُ بِاللهِ مِن الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ ( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ ) فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَوْصافٍ للِدُّنيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الأمْوالِ والأولادِ ( كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً ) أَيْ يَزُولُ وَيَنْتَهِي هَذِهِ هِيَ الحَيَاةُ الدنيا كَمْ مِنْ أُناسٍ عاشُوا فِي هذِهِ الدنيا ثُمَّ انْتَقَلُوا عَنْها وَكَأَنَّهْمْ لًمْ يَسْتَمْتِعُوا بِمَلَذَاتِهَا وإنَّمَا ضَرَبَ اللهُ هذا الْمَثَلَ لِئَلَّا نَغْتَرَّ بِهَا ثُمَّ قَالَ سُيْحَانَهُ ( وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ) فَأَيُّ الدَّارَيْنِ تَخْتَارُ يَا عَبْدَ اللهِ أَتُريدُ الدَّارَ التي فِيها العذابُ الشَّدِيدُ لِمَنْ آثَرَ الدنيا عَلَى الآخِرَةِ أمْ تُرِيدُ الْمَغْفِرَةَ والرِّضْوانَ لِمَنْ آثَرَ الآخِرَةَ عَلَى الدنيا
عِبَادَ اللهِ إِنَّ المُسْلِمَ إذا قَرَأَ القُرْآنَ وَتَبَصَّرَ عَرَفَ هَوانَ الدنيا وَأَنَّها لَيْسَتْ بِشَيْءٍ وَأَنَّها مَزْرَعَةٌ لِلآخِرَةِ فَانْظُرْ ماذا زَرَعْتَ فِيها لِآخِرَتِكَ فَإِنْ كُنْتَ زَرَعْتَ خَيْرًا فَأَبْشِرْ بِالحَصادِ الذي يُرْضِيكَ وَإِنْ كان الأَمْرُ عَلَى خِلافِ ذلكَ فَقَدْ خَسِرْتَ الدنيا والآخرةَ
فَلَوْ كانَت الدنيا تَزِنُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى فِيهَا كافِرًا شَرْبَةَ ماءٍ وَلَوْ كانَتْ الدُّنْيا تُسَاوي شَيئًا لَذَهَبَتْ مَعَ صاحِبِها بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّه تَعِبَ فِي جَمْعِها وَشَقِيَ فِي تَحْصِيلِها وَلَكِنَّه يَذْهَبُ عَنْها وَيَتْرُكُها كُلَّها يَقُولُ النبيُّ ﷺ ( يَتْبَعُ المَيِّتَ ثَلَاثةٌ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ فَيَرْجِعُ اثْنانِ وَيَبْقَي واحِدٌ يَرْجِعُ أَهْلُهُ ومَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ ) متفق عليه خافَ النبيُّ ﷺ أَنّْ تُبسَطَ عَلَيْنَا حَيْثُ قال النبيُّ ﷺ ( مَا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدنيا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كان قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوها كَمَا تَنَافَسُوهَا فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ ) متفقٌ عليه إنَّ سَبَبَ خَوْفِ النبيِّ عَلى أُمَّتِهِ مِنْ الانْفِتاحِ وَبَسْطِ الدُّنْيا هُوَ التَّنافُسُ مِنْ أَجْلِها والانْشِغالُ بِها وَنِسْيانُ الآَخِرةِ لِأَنَّ الانْشِغالَ بِهَا سَبَبٌ لِلفَسادِ وَسَبَبٌ لِلْحَسَدِ والبَغْيِ وَسَبَبٌ لِتَضْيِيعِ أوامِرِ اللهِ وَسَبَبٌ لِلْإِسْرافِ والطُّغْيانِ وَسَبَبٌ لِتَسَلُّطِ الأَعْداءِ
اللهم لا تَجْعَلِ الدُّنْيا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَأسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّ رَبِي غَفُورٌ رَحِيمٌ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيَكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشَانِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيراً أَمَّا بَعْدُ فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ واحْرِصُوا عَلَى الْقَنَاعَةِ وَالرِّضَا بِمَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ مِنَ الْأَرْزَاقِ
قال ﷺ ( انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ فَوْقَكُمْ فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ )
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيّكُمْ مُحَمَّدٍ ﷺ فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ فقالَ سُبِحَانَهُ قَولاً كَرِيمًا (( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ))
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِ بَيْتِهِ الطَّيبِين الطَّاهِرِين وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِين وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ وَالتَّابِعِينَ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَاْمَ وَانْصُرِ الْمُسْلِمِينَ وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينَ وَاجْعَلْ بِلَادَنَا آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً رَخَاءً سَخَاءً وَسَاْئِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ اللَّهُمَّ احْفَظْ وليَّ أَمْرَنَا خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ ووفِّقْهُمَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى ولِمَا فِيهِ خَيرٍ للِبِلَادِ والعِبَادِ اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا غَيِّثًا مُبَارَكا تُغِيثُ بِهِ البِلَادَ والعِبَادَ وتَجْعَلُهُ بَلَاغًا للِحَاضِرِ والبَادِ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار ) عِبَادَ اللهِ اذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (( وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ))
المرفقات
1729795984_خطبة الجمعة 22 ربيع الآخر 1446هـ.pdf
1729796059_خطبة الجمعة 22 ربيع الآخر 1446هـ.docx