الدعوة الكافية
عبدالرزاق المضياني
الخطبة الأولى:(الدعوة الكافية)17/12/1441هـ
أيها الناس:هل تدرون ما أعظم النعم وما أوسع العطايا بعد نعمة الإسلام والإيمان؟
لولاها لتكدرت الحياة ولما استقامت ولفسدت! لن يشعر الإنسان بالسعادة إذا فقدها،ولن يستمتع بالمال دونها،ولن يفرح بالمنصب والجاه إلا بها!
أهنأ لِباس يَلبَسُه الإنسان،وأطيَب طعام يتذوَّقه الإنسان،وأهدَأ نومَة يَنامها الإنسان!
إنها العافية يا قوم!
لو نظَرنا إلى المنهج النَّبوي الشريف،وجدنا أنه من حينَ يصبِح وحتى يمسي لا يَفتر لسانُه عن السؤال،ويَخصُّ العافيةَ بمزيد اهتِمامٍ عليه الصلاة والسلام، :(إذا استيقظ أحدُكم فليقل: الحمد لله الذي رَدَّ عليَّ روحي،وعافاني في جسَدي،وأذِن لي بذِكرِه)،وخلالَ يومه:(اللهمَّ عافِني في بدَني، اللهمَّ عافِني في سَمعي،اللهمَّ عافني في بصري،لا إله إلا أنت)،(اللهمَّ إنِّي أسألك العفوَ والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي)،حتى إذا أوى إلى فراشه قال:(اللهمَّ أنت خلَقتَ نفسي،وأنت توفَّاها،لك مماتُها ومَحياها،إن أحيَيْتَها فاحفظها، وإن أمَتَّها فاغفِر لها، اللهمَّ إني أسألك العافية).
وروى البزار في كشف الأستار وصححه الألباني من حديث أنس بن مالك: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِقَوْمٍ مُبْتَلَينَ، فَقَالَ: «أَمَا كَانَ هَؤُلاءِ يَسْأَلُونَ اللهَ الْعَافِيَةَ؟!»،قال الشوكانيُّ: (في الحديثِ دليلٌ على أنَّ سُؤالَ اللهِ سُبحانَهُ وتعالى العافيةَ يَدْفَعُ كُلَّ بليَّةٍ، ويَرْفَعُ كُلَّ مِحْنةٍ،ولهذا جاءَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بهذا الاستفهامِ بمعنى الاستنكارِ،فَكَأَنهُ قالَ لَهُم:كيفَ تتركون أنفسكُم في هذه المحنةِ والابتلاءِ؟وأنتم تجدُونَ الدَّواءَ الحاسم لَها .. وَهُوَ الدُّعَاءُ بالعافيةِ،واستدفاعُ هذهِ الْمِحْنةِ النازِلَةِ بكم بهذهِ الدعوةِ الكافيةِ،وفي هذا ما يَزِيدُ النُّفوسَ نشاطاً والقلوبَ بصيرةً باستعمالِ هذا الدَّوَاءِ عندَ عُرُوضِ كُلِّ داءٍ، ومَسَاسِ كُلِّ مِحْنةٍ، ونُزولَ كُلِّ بليَّةٍ) انتهى.
قال ابن الجزري:"من أُعطِيَ العافية فازَ بما يرجُوه ويُحبُّه قلبًا وقالَبًا، ودينًا ودُنيا، ووُقِيَ ما يُخافُه في الدارَيْن".
عباد الله:إنه لا يُدرِكُ قيمةَ العافية إلا من فقَدَها في دينه أو دُنياه؛ فالعافيةُ إذا دامَت جُهِلَت،وإذا فُقِدَت عُرِفَت، وثوبُ العافية من أجمل لباس الدنيا والدين،وفيهما تلذُّ الحياةُ الدنيا ويحسُن المآلُ في الأخرى. بارك الله لي ولكم،،،،
الخطبة الثانية:
أيها الناس:كلنا يرى ويسمع اهتمامَ عموم الناس بعافية البدن؛ إذ يُعطُونَ في تحصيلِ هذه النعمة الوقتَ والجُهدَ والتذكيرَ والدعاءَ، إلا أن أعداداً ليست بالقليلة يغفُلُون عن قيمةِ العافيةِ في الدين وسلامته من الآفات والابتلاءات والشهوات والشبهات؛لأن فتنَ الدين تُوهِنُ الأفرادَ الذين هم مجموعُ المُجتمعات.
ومتى ما فرَّطَ المرءُ في تحصيلِ العافيةِ في دينه فقد آذَنَ نفسَه بهلاكٍ وضياع، ويشتدُّ الهلاكُ والخُسران حينما يُجاهِرُ المرءُ بما بُلِيَ به من معصيةِ ربِّه؛ فيستُرُه اللهُ ثم هو يفضحُ نفسَه. ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قد صحَّ عنه أنه قال: «كلُّ أُمَّتي مُعافَى إلا المُجاهِرين».
إن من أعظم فُقدان العافية في الدين: أن يكون المرءُ مُفسِدًا لا مُصلِحًا، مُستهزِئًا لا جادًّا،لا تجِده إلا في مظانِّ الاستِهزاءِ، أو سنِّ ما يخدُشُ الدينَ والفِطرة التي فطَرَ الله الناسَ عليها؛ ليحمِلَ وِزرَه ووِزرَ من عملَ بسُنَّته إلى يوم القيامة.
عباد الله : صلوا وسلموا،،،،