الدعاوى الكيدية-8-7-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخين يوسف العوض وحسان العماري
محمد بن سامر
الدعاوى الكيدية-8-7-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخين يوسف العوض وحسان العماري
الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:
إنَّ عَاقِبَةَ الظُّلمِ وَخِيمَةٌ، عَن النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فِيمَا رَوَى عَن اللهِ-تَبَارَكَ وَتَعَالَى-أَنَّهُ قَالَ: "يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا".
وبَعْضُ ضِعَافِ النُّفُوسِ هَمُّه تَحْصِيلُ الْمَالِ بِأَيِّ طَرِيقٍ، وَلَو بِجَرِّ النَّاسِ إلَى الْمَحَاكِم بِغَيْرِ وَجْهِ حَقّ، وَبَعْضُهُمْ لَا يُرِيدُ تَحْصِيلَ الْمَالِ، وَإِنَّمَا يريدُ التَّنْفِيسَ عَنْ حِقْدِه الدَّفِينِ تُجَاه هَذَا أَوْ ذَاكَ، حَتَّى أَصْبَحْت الْمُرَافَعَةُ عِنْدَهم ِصَّنْعَةً أو وظيفةً، ومَنْ الظَّوَاهِرِ الَّتِي تَكثُرُ فِي الْمَحَاكِم والتِي لَا تَلِيقُ وَلَا تَحِلُّ بِالْمُسْلِمِ الـمُؤْمِنِ، أَنْ يَستغلَ قَدرتَه فِي المطالَبةِ، وفِي إجادةِ الِادِّعَاءِ فيدَّعِي الدَّعَاوَى الْكَاذِبَةَ، الَّتِي لَا حقيقةَ لَهَا، بَلْ هِيَ دَعَاوَى بِالْبَاطِل والزُّور، وهي ظُلمٌ صَريحٌ مُحرمٌ قَالَ-جَلَّ وَعَلَا-: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ )، وَقَالَ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنِ ادَّعى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ منَّا، وليتبَوَّأْ مقعدَه مِن النارِ".
ومن عَاقبةِ الدَّعَاوى الكَيديةِ ما رُوِيَ أنَّ سعِيدَ بنَ زَيْدِ بْنِ عمْرو بْنِ نُفَيْلِ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-خَاصَمتْهُ أرْوَى بِنْتُ أوْسٍ إلى مَرْوَانَ بْنِ الحَكَم، وَادَّعَتْ أنَّهُ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ أرْضِهَا، فَقَالَ سَعِيدٌ: أنَا كُنْتُ آخُذُ مِنْ أرْضِها شَيْئًا بعْدَ الذي سمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟! قَالَ: ومَاذا سمِعْتَ مِنْهُ؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يقُولُ: "مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأرْضِ ظُلْمًا، طُوِّقَهُ إلى سبْعِ أرضينَ".
فَقَالَ لَهُ مرْوَانٌ: لا أسْأَلُكَ بَيِّنَةً بعْد هذا، فَقَال سعيدٌ: اللَّهُمَّ إنْ كانَتْ كاذبِةً، فَأَعْمِ بصرهَا، وَاقْتُلْهَا في أرْضِهَا، فَمَا ماتَتْ حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُهَا، وبيْنَما هِي تمْشي في أرْضِهَا إذ وَقَعَتْ في حُفْرةٍ فَمَاتتْ.
قالَ أَبُو بَكر بنُ حَزْمٍ-رحمه الله-: "فَكُنَّا وَنَحنُ غِلمَانٌ نَسمَعُ الإِنسَانَ يَقُولُ للإِنسَانِ: أَعمَاكَ اللهُ كَمَا أَعمَى أَروَى".
وَلا عَجَبَ في ذَلِكَ، لأنَّ رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يَقُول: "اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ".
ومن عَاقبةِ الدَّعاوَى الكَيديةِ أنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ شَكَوْا أميرَهم أبا إسحاقَ سَعْدَ بن أبي وقاصٍ إِلَى عُمَرَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ الصلاةَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ، إِنَّ هَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لَا تُحْسِنُ تُصَلِّي، قَالَ سعدٌ: أَمَّا أَنَا واللهِ فَإِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أُصَلِّي صَلَاةَ الْعِشَاءِ فَأَرْكُدُ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَأُخِفُّ فِي الْأُخْرَيَيْنِ-أُطَوِّلُ الركعتينِ الأولى والثانيةِ، وأخففُ الركعتينِ الثالثةِ والرابعةِ-قَالَ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ.
فَأَرْسَلَ مَعَهُ رَجُلاً أَوْ رِجَالًا إِلَى الْكُوفَةِ، فَسَأَلَ عَنْهُ أَهْلَ الْكُوفَةِ، وَلَمْ يَدَعْ مَسْجِدًا إِلَّا سَأَلَ عَنْهُ، فيُثْنُونَ عليهِ خيرًا، حَتَّى دَخَلَ مَسْجِدًا لِبَنِي عَبْسٍ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، يُقَالُ لَهُ أُسَامَةُ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: أَمَّا إِذْ نَشَدْتَنَا فَإِنَّ سَعْدًا كَانَ لَا يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ، وَلَا يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، وَلَا يَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّةِ-يعني أنه جبانٌ محابٍ ظالمٌ-.
قَالَ سَعْدٌ: أَمَا واللهِ لَأَدْعُوَنَّ عليك بِثَلَاثٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً فَأَطِلْ عُمْرَهُ، وَأَطِلْ فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ بِالْفِتَنِ، ثمَّ رؤيَ بَعْد ذلكَ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِن الْكِبَرِ، وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ، فإِذَا سُئِلَ عن ذلكَ يَقُولُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ، أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ.
أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فَالْمُؤْمِنُ يُحاسِبُ نَفْسَهُ وَيَتَّقِي رَبِّه، فَلَا يَظْلِمُ أحدًا مِنْ النَّاسِ، لَا مِنْ قَرِيبٍ وَلَا مِنْ بَعِيدٍ، لَا فِي نَفْسٍ وَلَا فِي مَالٍ وَلَا فِي عَرْضٍ، ولا يدَّعي مَا ليسَ لهُ، فيَقعُ في عَواقبَ وخيمةٍ لا تُحمدُ عُقباها.
فاحذروا من الخصوماتِ والفجورِ فيها، وراقبوا اللهَ في أعمالِكم وأقوالِكم، وتَطَلَّعوا إلى ما عندَ اللهِ من أجرٍ وثوابٍ، لمن صَفَتْ قلوبـُهم، وحَسُنتْ سريرتـُهم، واستقامتْ نفوسُهم، واعلموا أن الخصوماتِ في الدنيا ستعرضُ مرةً ثانيةً يومَ القيامةِ أمام اللهِ، ويُطْلَبُ منك أنْ تُعِيدَ الكلامَ نفسَه الذي قلتَه في الدنيا، فإنْ كانَ حقًا نجوتَ، وإنْ كانَ باطلًا هلكتَ؛ ولنْ تجدَ حُجَةً أو عملًا تدفعُ به غضبَ اللهِ وسخطَه وعقابَه.
"لما نزل قوله-تعالى-: (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ)، قالَ الزبيرُ-رضيَ اللهُ عنهُ-: يا رسولَ اللهِ أَتُكَرَرُ علينا الخصومةُ يومَ القيامةِ، بعدَ الذي كانَ بينَنا في الدنيا؟ قال: نعم، قال: إنَّ الأمرَ إذًا لشديدٌ.
وقالَ ابنُ عباسٍ-رضي الله عنهما-لما نزلت هذه الآيةُ: "يخاصمُ الصادقُ الكاذبَ، والمظلومُ الظالمَ، والمهتدي الضالَ، والضعيفُ القويَ، حتى تختصمَ الروحُ مع الجسدِ، فتقولُ الروحُ للجسدِ: أنتَ فعلتَ، ويقولُ الجسدُ للروحِ: أنتِ أمرتِ".
فإياكم والفجورَ في الخصومةِ، فإنَّ الدنيا زائلةٌ، وعندَ اللهِ يجتمعُ الخُصومُ.
اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.
اللَّهُمَّ ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.
اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.
اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبإخوانِنِا المستضعفينَ في غزةَ وبلادِ الشامِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ، الطفْ بنا وبهم على كلِ حالٍ، وبلغنا وإياهم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.
اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.
اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.
اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.
اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.
اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.
المرفقات
1705653297_الدعاوى الكيدية-8-7-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخين يوسف العوض وحسان العماري.docx
1705653298_الدعاوى الكيدية-8-7-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخين يوسف العوض وحسان العماري.pdf