( الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ ) 24 ربيع الأول

مبارك العشوان
1438/03/23 - 2016/12/22 08:02AM
إنَّ الحَمْدَ لِلهِ... أمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ ... مُسْلِمُون.
عِبَادَ اللهِ: عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ ) ثُمَّ قَـرَأَ: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }غافر 60 أخرجه الترمذي وابن حبان وصححه الألباني.
الدُّعَاءُ رَحِمَكُمُ اللهُ عِبَادَةٌ جَلِيْلَةٌ؛ رَفِيْعَةُ المَنْزِلَةِ، عَظِيْمَةُ الفَضْلِ عَمِيْمَةُ النَّفْعِ، أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِهَا، وَأَثْنَى عَلَى أَهْلِهَا، وَوَعَدَهُمُ الإِجَابَةَ عَلَيْهَا: { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ، وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } الأعراف 55ـ 56،: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } البقرة 186
وَفِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ يَأمُرُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِدُعَائِهِ لِيَسْتَجِيْبَ لَهُمْ: ( يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ، إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ، إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ... ) الخ رواه مسلم.
ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى الدُّعَاءَ عَنْ أنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ، عَلَيْهِمْ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ؛ فِي مَوَاضِعَ كَثِيْرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ، يَذْكُرُ تَعَالَى لُجُوءَهُمْ إِلَيَهِ وَاسْتِجَابَتَهُ سُبْحَانَهُ لَهُمْ؛ { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ، وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ، وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ، وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ، وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِيـنَ } الأنبياء 83 – 90 كُذِّبَ نُوحٌ وَسُخِرَ مِنْهُ وَرُمِيَ بِالجُنُونِ: { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ، فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ، وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ، وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ، تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ } القمر 10- - 14 دعا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: { رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ ... } فَجَعَلَهُ اللهُ كَذَلِكَ: { أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } القصص 57 دَعَا يُوسُفُ عَلَيهِ السَّلَامُ رَبَّهُ أنْ يَصْرِفَ عَنْهُ كَيْدَ النِّسْوَةِ: {... فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } يوسف 34، 35 دَعَا مُوسَى عَلَيهِ السَّلَامُ عَلَى الطَّاغِيَةِ فِرْعَونَ: {... رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ، قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } يونس 88ـ 89
وَهَكَذَا عِبَادَ اللهِ كَانَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ يَقُولُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثُ مِئَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَـلَّ: { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُرْدِفِينَ } فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالْمَلاَئِكَةِ. ) رواه مسلم.
عباد الله: وَهَكَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ الكِرَامُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ؛ كَانُوا كَثِيراً مَا يَسْأَلُونَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (عَلِّمْنِي شَيْئًا أَدْعُو بِهِ ) ( عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي ) ( عَلِّمْنِي دُعَاءً أَنْتَفِعُ بِهِ ). عَلِمُوا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مَنْزِلَةَ الدُّعَاءِ فَحَرِصُوا عَلَيهِ وَالْتَزَمُوه، فَرَضِيَ اللهُ عَنْهُم وَأرْضَاهُم.
بَارَكَ اللهُ... وَأقُولُ مَا تَسْمَعُونَ...

الخطبة الثانية:

الحَمْدُ لِلهِ... أمَّا بَعْدُ: فَعَلَيْكُم عِبَادَ اللهِ بِهَذِهِ العِبَادَةِ العَظِيْمَةِ، عَلَيكَ أخِي المُسلِمُ بِالدُّعَاءِ فِي يُسْرِكَ وَعُسْرِكَ، فِي غِنَاكَ وَفَقْرِكَ، فِي صِحَّتِكَ وَمَرَضِكَ، فِي سِلْمِكَ وَحَرْبِكَ.
أيُّهَا المَهْمُومُ أينَ أنْتَ مِنَ الدُّعَاءِ؟! أيُّهَا المَظْلُومُ أينَ أنْتَ مِنَ الدُّعَاءِ؟!
عباد الله: يَنْبَغِي الحِرْصُ عَلَى الدُّعَاء وَالاجْتِهَادُ فِيْهِ، فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ؛ وَيَتَأَكَّدُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الظُّرُوفُ الَّتِي تَمُرُّ بِهَا الأُمَّةُ، فَكَمْ بِهِمْ مِنَ الشَّدَائِدِ، وَكَمْ تُحِيطُ بِهِمْ مِنَ النَّوَازِلِ، وَكَمْ لَهُمْ مِنَ الحَوَائِجِ؛ وَلَيْسَ لَهُمْ إلَّا اللهُ، يَرْفَعُ الضَّرَاءَ وَيَكْشِفُ البَلَاءَ، وَيُعْطِي الجَزِيلَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ } النمل62
عباد الله: يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى.) رواه مسلم.
مَصَائِبُ إِخْوَانِنَا فِي الشَّامِ وَالعِرَاقِ وَاليَمَنِ وَغَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ المُسْلِمِيْنَ مَصَائِبُنَا. وَدُعَاؤُنَا لَهُمْ مُسْتَجَابٌ بِإِذْنِ رَبِّنَا، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيْرٍ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ ). رواه مسلم .
ألَا فَادْعُوا اللهَ رَحِمَكُمُ اللهُ، وَأخْلِصُوا لَهُ دُعَاءَكُم، وَأَلِحُّوا فِيهِ، بِقُلُوبٍ حَاضِرَةٍ مُوْقِنَةٍ بِالإِجَابَةِ.
وَإيَّاكُمْ أنْ تَعْجَلُوا فَيَقُولُ أحَدُكُمْ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي.
تَحَرُّوا مَوَاطِنَ الإِجَابَةِ، أطِيْبُوا مَآكِلَكُم وَمَشَارِبَكُمْ وَمَلَابِسَكُمْ.
ثم صَلُّوا رَحِمَكُمُ اللهُ... اللهُمَّ أعِزَّ الإسْلَامَ... اللهُمَّ انصُر إخْوَانَنَا... اللهُمَّ ارحَمْ ضَعْفَهُم، وَاجْبُرْ كَسْرَهُم، اللهمَّ فَرِّجْ كُرُوبَهُم، واغْفِرْ ذُنُوبَهُم، وَاكْشِفِ الضُّرَ عَنْهُم يَا أرْحَمَ الرَّاحِمين.
اللهمَّ آمِنْ رَوْعَتَهُمْ وَآنِسْ وَحْشَتَهُم، وَانْصُرْهُم عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِم ، اللهمَّ اشْفِ مَرْضَاهُم وَارْحَمْ مَوتَاهُم .
اللهمَّ وَعَلَيكَ بِكُلَّ ظَالِمٍ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيز....
عِبَادَ اللهِ: اذْكُرُوا اللهَ...
المشاهدات 1229 | التعليقات 0