الدعاء سلاحنا المُعطّل

مريزيق بن فليح السواط
1434/09/11 - 2013/07/19 04:15AM
ان الحمد لله....
أيها المسلمون:

الدعاء أساس العبودية وروحها، وعنوان التذلل إلى الله، والانكسار بين يدية، لأهميته حصر النبي صلى الله عليه وسلم العبادة فيه فقال عليه الصلاة والسلام: "الدعاء هو العبادة" ثم قرأ قول الله تعالى: "وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين" .
الدعاء له منزلة سامية، وشأن عظيم، ومكانة عالية، لما يصاحب الداعي من الخضوع لله، والخوف منه، وخشيته ومحبته، وهي من أجل أعمال القلوب وأعلاها قدرا، وأعمظها في ترسيخ التوحيد، وتمكين الإيمان في القلب قال تعالى" "ادعو ربكم تضرُّعاً وخُفيه إنه لا يحب المعتدين. ولا تُفسدوا في الارض بعد إصلاحها وادعوه خوفاً وطمعاً إن رحمة الله قريب من المحسنين" .
الدعاء ندب الله إليه، وحث الناس عليه، وتكفل لهم بالإجابة فقال سبحانه: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريبٌ أُجيبُ دعوة الداعِ إذا دعان فليستجيبوا لي وليُؤمنوا بي لعلهم يَرشدون"
الدعاء ليس له وقت محدود، ولا مكان معلوم، ولا يحتاج إلى هيئة خاصة، ولا إلى طريقة معينة، بل يدعوا الإنسان ربه، ويطلب منه حاجته، فليس للعبد غنى عن ربه طرفة عين، وحاجاته كلها عنده سبحانه: "وإن من شيءٍ الا عندنا خزائنه وما ننزلهُ ألا بقدرٍ معلوم".
الدعاء لعظم مكانته عند الله، وعلو شأنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس شيءٌ أكرم على الله تعالى من الدعاء" وبين صلوات ربي وسلامه عليه أن غضب الله ومقته حاصلة لمن استغنى عن ربه ولم يُنزل حاجته به فقال عليه الصلاة والسلام: "من لم يسأل الله يغضب عليه".
أيها الصائمون:
الدعاء علم فضله الأنبياء الكرام، والرسل عليهم السلام، فكانت ألسنتهم تلهج بالدعاء إلى ربهم، والتوجه له، وسؤاله في كل شؤنهم، وقضاء حوائجهم، وانتصارهم على عدوهم، فهذا الخليل عليه السلام يمتثل أمر الله تعالى، ويقْدُمْ بزوجته هاجر وابنه إسماعيل، ويضعهم بمكان موحش، لا أنيس فيه ولا ماء، ثم يتركهم ويتوجه الى الشام توكلا على الله، وثقة بوعده، واعتمادا على حفظه، ينصرف إلى الشام ويترك زوجته وفلذة كبده، ويدعو لهم بدعاء عظيم " ربنا إني اسكنت من ذريتي بواد غيرِ ذي زرعٍ عند بيتك المحرم ربنا ليُقيموا الصلاةَ فاجعل أفئدةً من الناسِ تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون. ربنا إنك تعلمُ ما نُخفي وما نُعلن وما يخفى على الله من شيءٍ في الأرضِ ولا في السماء". فاستجاب الله دعائه، وحفظ أهله، وأعلى شأنه، بأن بنى بيته، واجعل أفئدة الناس تهوي إليه من كل فج عميق.
وهذا زكريا عليه السلام تشتاقُ نفسه للولد بعد أن بلغ من الكِبَر عتيا، وزوجته عاقر لا تلد، لكن ثقته بربه أنه لا يرد من دعى، ومن توجه اليه لا يشقى، فيسأل ربه قائلا: "رب هب لي من لدنك ذريةً طيبةً إنك سميعُ الدعاء" فوهب الله له يحيي "مُصدقا بكلمةٍ من اللهِ وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين".
ونوح عليه السلام لما بلغ كفرُ قومِه مداه، وأصروا واستكبروا عن إتباع الحق، والإيمان بما جاء به "فدعا ربَّهُ أني مغلوبٌ فأنتصر" فأغرق الله أهل الأرض كلِّهم ولم ينج إلا من كان على السفينة معه.
ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم يردُّ أهل الطائف دعوتَه، ويُغرونَ سفائهم به، فيرمونه بالحجارة حتى أدموا عقبه الشريفة، فيتوجه إلى مكة، وينزل عليه ملَك الجبال ليأمره بما شاء في قومه، فيدعوا له "بل أرجوا أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا" فكانت الثمرة اسلامهم بعد ذلك، ونصرة دينه منذ زمانه وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
أيها الصائمون:
حاجاتنا كثيرة، ورغبتنا متنوعة، تنزل بنا الفتن، وتغشى بلادنا المحن، فلا يكشفها إلا الله، يمكر الأعداء بإخواننا في مشارق الأرض ومغاربها، ويؤذوننا في أهلنا قتلاً وتشريدا، وطردا وتجويعاً، وارهابا وتخويفا، فنُقصّر في عونهم، ويضعُف نصرنا لهم، فلا نملك غير دعوات صالحات، ترفعها أكف طاهرات، بالنصر لهم، وتمكينهم في الأرض، وبطلان كيد أعدائهم، وزوال مكرهم، فيسأل ربه أن يُعينهم ولا يُعين عليهم، ويمكر لهم ولا يمكر بهم، ويجعل دائرة السوْء تدورُ على من خانهم وظلمهم، وبغى عليهم.
كل واحد منا لديه هموم يريد زوالها، وديون يرجوا قضائها، وهو واجدٌ ذلك اذا توجه بالدعاء إلى ربه، وأنزل حاجته به سبحانه، كم من سقيم طريح الفراش، ومريض أضناه التعب، لو توجه إلى ربه لشفاه، ومن المرض عافاه، كم منا من يُعاني عقوق الأبناء، وفساد الأولاد، ونشوز النساء، فيسعى لإصلاحهم ويبذل وسعه في استقامتهم، ويلهج بالدعاء لهم: "ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قُرّةَ أعين واجعلنا للمتقين إماما".
كم من مسلم فقد أحبة له، غيبهم الموت، وأخذهم هادم اللذات، من أباء وأمهات، وأخوة وأخوات، وأصدقاء وأصحاب، يتمنى أن يبرهم بشيء، وأن يُحسن لهم بمعروف، وليس أصدق من دعوة صالحة يصل ثوابها لهم، وتزيد في حسناتهم "اذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث" وذكر منها "او ولد صالح يدعوا له"
الدعاء بسببه تفرّج الشِّدّائد، وتُنفّسُ الكُروب، فكم سمعنا عمن أُغلقت في وجهه الأبواب، وضاقت عليه السبل، فلما طَـرَقَ باب مسبب الأسباب، وألحّ على الله في الدعـاء، ورفع إليه الشكوى، فُتِحَتْ له الأبواب، وذهب ماحل به من الصعاب، وفي قصة أولئك الثلاثة الذين دخلوا غـاراً فسدت عليهـم الباب صخـرةٌ عظيمة، فما كان منهم إلا أن دعوا الله بصالح أعمالِهم وأخلصِها، فانفرجت الصخرةُ وخرجوا يمشون.


الحمد لله على إحسانه.....
عباد الله:
أننا نعيش في زمن ضعف فيه توجه الناس إلى ربهم وتدافعوا على أبواب الخلق وازدحموا عليها، غافلين أو متغافلين عن باب ذي الجلال والإكرام ، منصرفين عن باب الجواد ذي الفضل والإنعام، لجوء إلى الأسباب المادية ، وإلى الخلق - دون قرع باب مسبب الأسباب، ومن بيده قلوب العباد، وإليه الرُّجعى والمعاد فكان من حالهم ما قال عليه الصلاة والسلام: "مَنْ نَزَلَتْ به فاقة فأنزلها بالناس لم تُسَدّ فاقته"
أيها الصائمون:
لما ذُكر الله الصيامَ وأحكامه في كتابه العزيز ناسب المقـام أن يُذكرَ بعده شأن الدعاء، إذ الصيام يقترن بالقيام فهما صنوان، والقيام يتضمن الدعاء، قال تعالى: "وإِذا سألك عِبادي عَنِّي فَإِني قَرِيبٌ أُجِيبُ دعوَةَ الدَّاعِ إِذَا دعانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لعلَّهُمْ يَرْشُدُونَ".
فاجعلوا من هذا الشهر موسما عظيما للتوجه إلى ربكم، ودعائه لقضاء حاجاتكم، ونصر أمتكم، وخذلان عدوكم، استكثروا وأبشروا وأملوا فقد قال نبيكم صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يدعوا بدعوة ليس فيها أثم ولا قطيعة رحم، ألا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: أما أن يُعجّل دعوته، وإما أن يدْخرها له في الأخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثَلها" فقال الصحابة إذا نكثر يا رسول الله فقال: "الله أكثر".
عباد الله:
العطاء من الله، وارزاقنا عنده، وصحتنا منه، ونصرنا بيده، وهدايتنا من فضله، ومغفرة ذنوبنا من رحمته، وصلاح أولادنا بأمره، فعلاما نتوجه لمخلوق ضعيف مهما علت منزلته، وعظم أمره!!!
فاتقوا الله أيها الصائمون عودوا إلى ربكم وأخلصوا العبادة له، واصدقوا معه، وتوجهوا بصالح الدعاء له، وتيقنوا بالإجابة فإن الله كريم حيي يستحي من عبده أن يرفع يديه إليه ويردهما صفرا.
المشاهدات 2784 | التعليقات 3

[جزاك الله خير وبارك فيك


شكرا لمرورك أخي الكريم، تقبل الله منا ومنك وغفر لنا ولك


خطبة جميلة وعنوانها أجمل نعم فالدعاء سلاح لا أقول لمن لا سلاح له بل وسلا من له سلاح وهذا السلاح لا يتعطل ولا ينتهي ولا ينقطع ما لم يعطله صاحبه بورك فيك شيخ أبا عمر ونفع بك .
ملحوظة:
كنا يا شيخ أبا عمر طلبنا منكم تكرما أن تعدل بياناتك حتى نعدل اسمك إلى خطيب ووعدتنا بذلك وما زالت كنيتك باقية كما هي !!!!