( الدعاء بصلاح الأولاد ) ألقيت في: 16 / 2 / 1445 هـ
د. عبدالله بن حسن الحبجر
الدعاء بصلاح الأولاد
-----------------------
الحمد لله جل شانا وعظم سلطانا وتقدس ذاتا وصفاتا وعلا قدرا ومكانا، سبحانه لا شيء كمثله عنت الوجوه له ذلا وإذعانا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له توحيدا وبيانا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أكمل خلق الله إيمانا صلى الله وسلم وبارك على وعلى من تبعه آلا وأصحابا وإخوانا أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله فالتقوى مسلك الفوز بجنات النعيم:
﴿إِنَّ لِلۡمُتَّقِینَ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِیمِ﴾
عباد الله:
أولادنا من البنين والبنات هم قرة عيوننا، وبهجة نفوسنا، وثمرة حياتنا، هم زينة الحياة، ونعمة الإله؛ كما قال جل في علاه: {المال والبنون زينة الحياة}.
ولا يسعد الإنسان مهما كان عنده من أسباب السعادة إلا أن يرى أولاده سعداء صالحين، مطيعين لربهم، نافعين لأنفسهم ودينهم وللمسلمين، بل وللعالمين .
وما أكثر ما عد الناصحون والمربون من وسائل وذكروا من أسباب تعين على صلاح الأولاد وفلاحهم فيها خير عظيم غير أن ثمة سببا عظيما حقه إن ذكر أن يكون الأول فبه فلاح الدنيا والآخرة ونغفل عنه كثيرا وهو الأهم ذكرا والأعظم قدرا وأثرا.
إنه ( الدعاء) يا عباد الله:
للدعاء أثر كبير في حياة المسلم عموما، وفي صلاح الأبناء خصوصا، ذلك أن دعوة الوالد لولده مستجابة.. قال عليه الصلاة والسلام:
[ثلاث دعوات مستجابات: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الولد لولده]
(رواه ابن ماجة والترمذي وحسنه).
كم من دعوة صادقة ردت شاردا، وقربت بعيدا، وأصلحت فاسدا، وهدت ضالا.
بل كم من دعوة كانت سببا في صلاح هذه الذرية من أصلها، وحلول البركة فيها.
وهذا كتاب الله يعلمنا ويبين لنا ويدلنا على هذا السبيل، وكيف أنه سبيل الأنبياء وهم أصلح الناس وأهداهم وأقدرهم على تربية أولادهم، ولكنهم يلجؤون إلى الله ويسألونه صلاح ذريتهم.
هذا إبراهيم خليل الله يدعو لذريته قبل أن يكونوا شيئا:
{رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِين}
ولم يتوقف عن الدعاء لهم بل ظل يسأل الله لهم الخير والإيمان في مواطن متعددة سجلت له في القرآن:
{رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ}
{رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء}
{رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ}
وهذا نبي الله زكريا يدعو ربه لذريته فيقول:
{رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ}
ويكرر الدعاء:
{فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا. يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا}
فاستجاب الله دعاءه ووهبه يحيى الذي جمع الله له النبوة والبر والتقوى والحكمة على حداثة سنه:
{يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً ۖ وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا}
وهكذا هم عباد الرحمن في سائر الأزمان لا يفترون عن الدعاء لذرياتهم يسألون ربهم وإليه يتوسلون فيقولون:
﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾
ولقد كان من هديِ نبينا صلى الله عليه وسلم الدعاء لأبنائه وأحفاده الحسن والحسين، وأبناء الصحابة الكرام، رضي الله عنهم أجمعين؛ ففي الصحيح عن أسامة بن زيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:
(أنه كان يأخذه والحسن ويقول: اللهم إني أُحِبُهما فأحِبهما)
وفي الصحيح عن ابن عباس قال:
((ضمَّني رسول الله، وقال: اللهم علِّمْهُ الكتاب))
وكان المسلمون يأتونه بأبنائهم فيحنكهم ويسميهم ويدعو لهم بالبركة.
فأكثروا من الدعاء لأولادكم، وألحوا على ربكم بأن يهبهم الصلاح في الدنيا والفلاح في الآخرة.
اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا، واجعلهم قرة عين لنا في الدنيا والآخرة، وردَّهم إليك ردًّا جميلًا، اللهم اغفر ذنوبهم وطهر قلوبهم وحصن فروجهم ،
اللهم اذهب عنهم السوء والفحشاء واجعلهم من عبادك المخلصين .
اللهم اعصمهم من مضلات الفتن ، ما ظهر منها وما بطن يا ذالجلال والإكرام .
وصلى الله على النبي محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده ثم أما بعد:
أيها المباركون:
أسمِعوا أولادكم بعض ما تدعون فرادى ومجتمعين وضمنوها ما يحبون، من حسنة الدنيا والآخرة،
سلوا الله لهم صلاحا ورشدا وفلاحا وثباتا سلوا الله لهم النجاة من مضلات الفتن سلوا الله أن يصرف عنهم السوء والفحشاء ويجعلهم من عباده المخلَصين المباركين.
واحذروا رحمكم الله من الدعاء عليهم، مهما أساؤوا وأخطأوا؛ فرُبَّ دعوة أفسدت
وأهلكت، ثم يكون الندم بعد ذلك، ولقد نهى النبي صلي الله عليه وسلم عن ذلك؛ فقد روى مسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه أن النبي قال:
((لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خَدَمِكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقون من الله تعالى ساعةَ نيلٍ، فيها عطاءٌ، فيستجيب لكم)) .
عوذوهم كما كان النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يعوِّذُ الحسنَ، والحُسَيْنَ، يقولُ: أَعوذ بِكَلماتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، من كلِّ شيطانٍ وَهامَّةٍ، ومن كلِّ عينٍ لامَّةٍ، قالَ: وَكانَ أبونا إبراهيمُ يعوِّذُ بِها إسماعيلَ، وإسحاقَ أو قالَ: إسماعيلَ، ويعقوبَ .
ثم صلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية وأزكى البشرية محمد بن عبد الله صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر.
فقد حثكم ربكم على ذلك فقال عز من قائل عليما:
﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰۤىِٕكَتَهُۥ یُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِیِّۚ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَیۡهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمًا﴾
وقالَ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ : «مَنْ صلَّى عليَّ واحدةً صلَّى اللهُ عليه بها عشرًا» ، اللهُمَّ صَلِّ على محمَّدٍ وعلى آلِ محمَّدٍ ، كما صَلَّيْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ ، وباركْ على محمَّدٍ وعلى آل محمَّدٍ كما باركْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ ، وارضَ اللهُمَّ عن الخلفاءِ الراشدين الأئِمَّةِ المهديينَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ ، وارضَ اللهُمَّ عن الصحابةِ أجمعين وعن التابعينَ ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعَنَّا معهم بمنِّك وكرمِك وإحسانِك يا أكرمَ الأكرمينَ . اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ وأذلَّ الشركَ والمشركينَ ، ودمِّر أعداءَ الدينِ ، واحمِ حوزةَ الدينِ يا ربَّ العالمينَ ، اللهم آمِنَّا في أوطاننا ، وأصلحْ أَئِمَّتَنَا وولاةَ أمورِنا ، واجعلْ وُلَايَتَنا فيمنْ خافَك واتَّقاك واتَّبعَ رضاك يا ربَّ العالمينَ ، اللهُمَّ وَفِّقْ وليَّ أمرِنا لهداكَ ، واجعلْ عَمَلَه في رضاكَ ، وارزقْه البطانَةَ الناصحَةَ الصالحةَ ، ووفِّقْ جميعَ ولاةِ المسلمين لما تحبُّ وترضى . اللهُمَّ آتِ نفوسَنا تقواها ، وزَكِّها أنت خيرُ مَنْ زكَّاها ، أنت وليُّها ومولاها ، اللهُمَّ أصلحْ ذات بينِنِا ، وألِّفْ بين قلوبِنا ، واهدِنا سُبُلَ السلامِ ، وأخرجْنا من الظلماتِ إلى النورِ ، وباركْ لنا في أسماعِنا وأبصارِنا وأزواجِنا وذرِّيّاتِنا ، واجعلْنا مبارَكين أينما كُنَّا ، اللهُمَّ أصلحْ لنا شأنَنَا كلَّه يا ذا الجلالِ والإكرامِ ، اللهُمَّ اغفرْ لنا ذنبَنَا كلَّه دِقَّه وجِلَّه أوَّله وآخرَه ، سِرَّه وعَلَنَه ، اللهُمَّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وللمسلمينَ والمسلماتِ والمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهم والأمواتِ ، ربَّنا آتِنا في الدنيا حسنَةً وفي الآخِرَةِ حسَنَةً وقِنا عذابَ النارِ . وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
تركي العتيبي
خطبة مباركة ومفيدة
تعديل التعليق