الدعاء

فهد عبدالله الصالح
1432/02/30 - 2011/02/03 20:42PM
عباد الله، حينما تضيق بالمسلم السبل وتحل بساحته المحن وتضيق عليه الأرض بما رحبت ،أو يقع الظلم على أحد أقاربه أو أحبابه أو أمته فلا يستطيع الانتصار لنفسه، ولا الثأر لإخوانه المظلومين، ولا يقدر على التخلص من الظلم الواقع عليه أو على غيره، تفتح له السماء أبوابها، وتأتيه منافذ الفرج، ويتنزل عليه المدد، إنه مدد السماء، من رب الأرباب، وخالق الأسباب، مهلك الجبابرة، وقاصم القياصرة، الذي أهلك عاداً الأولى، وثمود فما أبقى، وقوم نوح من قبل، إنهم كانوا هم أظلم وأطغى.
مدد السماء ليقول له الرب: ((مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ)).
أمة الإسلام، إن رحمة الله تبارك وتعالى، تتجلى في هذا السلاح الفتاك الذي منحه الله للمظلومين والمقهورين، والذي ينال به الإنسان من الذين ظلموه بقهره نفسيا أو جحد ماله أو إحراجه،بل إن الأمم الظالمة الطاغية مهما بلغت في الطغيان، والتجبر قد تسقط بالدعاء.
هذا فرعون الذي بلغ من الطغيان والجبروت ما بلغ، حتى إنه استعبد أهل مصر كلهم، وبلغ به من صلفه وغروره ما قاله في الله جل وعلا ، فدعا عليه نبي الله موسى عليه السلام: وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ ءاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلاَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوٰلِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلاْلِيمَ قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَٱسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَانّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ
وقال تعالى عن طالوت وجنوده لما برزوا لجالوت وجنوده قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا وَٱنصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَـٰفِرِينَ فكانت النتيجة كما قال الله فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ
وذكر أهل السير أن كسرى لما بعث له رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة يدعوه فيها إلى الإسلام، مزقها، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وعلى وسلم قال:(اللهم مزق ملكه)ثم قال:(اذهبوا إلى صاحبكم فأخبروه أن ربي قد قتل ربه الليلة) يعني كسرى
وفي الصحيحين عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ رضي الله عنه أَنَّ أَرْوَى بنت أويس خَاصَمَتْهُ فِي بَعْضِ دَارِهِ فَقَالَ: دَعُوهَا وَإِيَّاهَا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ طُوِّقَهُ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))، اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَأَعْمِ بَصَرَهَا وَاجْعَلْ قَبْرَهَا فِي دَارِهَا قَالَ: فَرَأَيْتُهَا عَمْيَاءَ تَلْتَمِسُ الْجُدُرَ تَقُولُ: أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، فَبَيْنَمَا هي تَمْشِي فِي الدَّارِ مَرَّتْ عَلَى بِئْرٍ فِي الدَّارِ فَوَقَعَتْ فِيهَا فَكَانَتْ قَبْرَهَا.
واقرؤوا تاريخ الأمة المجيد لتروا العجب العجاب من أثر الدعاء وأنه سبب رئيس للنصر والتمكين، فعله صلى الله عليه وسلم ليلة معركة بدر،و ذلك في قيامه وتضرعه وابتهاله إلى ربه.
ولقد قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا يدعو على أحياء من العرب، وفي غزوة الخندق لما حاصر الأحزاب المسلمين في المدينة، واشتغل النبي صلى الله عليه وسلم وبعض أصحابه في مدافعة المشركين، قال بعد ذلك: ((شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس، ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً))
وفي يوم نهاوند قال النعمان بن مقرن رضي الله عنه: (اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح يكون فيه عز الإسلام وذل يذل به الكفار ثم اقبضني إليك بعد ذلك على الشهادة قال: أمّنوا رحمكم الله قال جبير: فأمّنا وبكينا ثم حمل فكان أول صريع).
عباد الله، لقد وردت أحاديث كثيرة تؤكد أن دعوة المظلوم من الدعوات المستجابة، منها ما في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن، وأوصاه، قال له في آخر وصيته: ((واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينه وبين الله حجاب)).
وعند الترمذي وأبي داود والإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ)).
بل إن النبي كان يستعيذ من دعوة المظلوم، كما في صحيح مسلم في دعاء السفر.
وعن خزيمة بن ثابت قال: قال رسول الله : ((اتقوا دعوة المظلوم، فإنها تُحمل على الغمام، يقول الله: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين)).
أما والله إن الظلـم شـؤم ومازال المسيء هو الظلوم
إلى ديان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصـوم
أيها المؤمنون، الدعاء على الظالم أمر مشروع، لا سيما إذا كان الظلم واقعاً على المسلمين، وتزداد هذه المشروعية إذا كان الظالم كافراً،كحال الكيان الصهيوني الغاشم قال الله جل وعلا: لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوء مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً
يقول ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها: (لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد، إلا أن يكون مظلوماً، فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، وإن صبر فهو خير له).
أمة الإسلام، قال بعض البلغاء: أقرب الأشياء صرعة الظلوم، وأنفذ السهام دعوة المظلوم.
ومن شعر الإمام الشافعي رحمنا الله وإياه
أتهزأ بالدعــاء وتزدريه ولاتدري بما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطي، ولكن لها أمد، وللأمـد انقضاء
قال بعض الأمراء: دعوتان أرجو إحداهما بقدر ما أخاف الأخرى، دعوة مظلوم أعنتُه، ودعوة ضعيف ظلمتُه.
، فارفع يديك يا عبد الله آناء الليل وأطراف النهار، والزم قرع باب الملك الوهاب، فما خاب والله من أمله، وما خاب من أنزل به حوائجه وصدق في الطلب وألح في السؤال، وتمسكن بين يديه وأظهر فقرك وحاجتك إلى ربك، فباب الذل والانكسار أوسع الأبواب، ولا مزاحم فيه ،
فما الظن يا عباد الله بمن هو أرحم بعباده من الوالدة بولدها. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً خائبتين)
وفي التنزيل (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ )
بارك الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية
- إن الدعاء في حد ذاته عبادة عظيمة، بل هو لب العبادة وروحها، ولذا ثبت في الحديث الصحيح عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ) وَقَرَأَ: وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰخِرِينَ
في الدعاء يتمثل التوحيد في أنقى صوره وأسمى معانيه، ولهذا فقد أخبر القرآن الكريم عن جميع الناس أنهم في النوازل والنوائب لا يدعون أحداً إلاّ الله، بَلْ إِيَّـٰهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ
والدعاء يحقّق استحضار العبد صفاتِ الله تعالى وزيادة الإيمان بها والشعور بعظمتها وجلالتها, فهو إقرار من المؤمن بأنّ القوة لله جميعاً، وأنّ العزة لله جميعاً، وأنّ الله خالق كل شيء, ورازق كل دابّة، وأنّ الناصر هو الله والقاهر هو الله, والضار والنافع هو الله, والآمر الناهي هو الله, والظاهر الباطن هو الله, يعزّ من يشاء ويذلً من يشاء بيده الخير وهو على كلّ شيء قدير والإحساس بهذه المعاني هو الذي يقود المسلمين إلى امتثال أمر الله تعالى: فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ .
ويعلمون أن ميزان القوى الحقيقي هو أَنَّ ٱلْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ، فتصغر في عيونهم كل قوة مهما عظمت إذا هم استمدوا قوتهم من الله رب العالمين.
والدعاء على أعداء الدين بشتى أنواعهم ـ يا عباد الله ـ تعبيرٌ صادقٌ عن عقيدة الولاء والبراء التي هي الرحى الذي تدور عليه عقيدة التوحيد ((أوثق عُرى الإيمان الحبُّ في الله والبغض في الله)), والدعاء إذكاءٌ لروح اليقين في حياة المسلمين, ليعلموا أنّ الأمر كله لله (وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم) فتمتلئ قلوبهم بمعية الله, فلا يشكّون في نصره ولا يخالجهم تردّدٌ في صدق وعده وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَـٰلِبُونَ
والدعاء على من اعتدى على المسلمين، وبغى عليهم، علامةٌ ظاهرةٌ على إيمان العبد وتضامنه مع إخوانه المسلمين وفي الأحاديث يقول صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ويقول (لا يُؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه) ويقول ((مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم, مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمى)).
أيها الإخوة المؤمنون، لا يظن ظان أننا حينما نتحدث عن الدعاء وأثره في الانتصار للمظلومين من الظالمين، أن ذلك يعني أن نكف عن أي عمل آخر غير الدعاء، ولكننا نذكر بالدعاء لأنه أول وآخر ما يلجأ إليه، ولا ينبغي أن يترك بحال من الأحوال، وحتى لا يتذرع متذرع بالعجز عن الاستنصار لهذا الدين وأهله، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام)) بل هنالك أمور عملية لنصرة الحق ورد المظالم بحسب نوع المظلمة فإن كانت من زوج على زوجه يكون بالضغط عليه من جماعته أو رفع أمره للقاضي وإن كانت حقوقا مادية أو جسدية بالرفع للجهات القضائية والحقوقية ونشر المظالم والمفاسد في وسائل الإعلام بعد التثبت منها مما يثير القضية ويساعد في حلها
ولا تنس أخي المسلم أمورا هامة من شروط إجابة
من ذلك إطابة المأكل، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك)).
والأمر الثاني: هو الأمر بالمعروف والنهي عن االمنكر فهذا من أعظم أسباب إجابة الدعاء ولأن تركه موجب لرد الدعاء وعدم الإجابة، فعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده لتأمرن ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه فتدعونه فلا يستجاب لكم)).
وأمر ثالث ينبغي استحضاره عند الدعاء وهو الصلاة والسلام على رسول صلى الله عليه وسلم
ققال أبو سليمان الداراني رحمه الله: "من أراد أن يسأل الله حاجته فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأله حاجته ثم ييختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله عز وجل يقبل ااالصلاتين وهو أكرم من أن يرد بينهما".
اللم صل على محمد ...
المشاهدات 2216 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا وأجاب صالح دعائك ودعاء كل مسلم ...


جزاك الله خير الجزاء خطبة رائعة أستفدت منها الكثير في خطبتى هذا الأسبوع الله ينفع بك الإسلام والمسلمين