الدرع الحصين والتحرز من كورونا (1442/6/23ه)مناسبة للتعميم

يوسف العوض
1442/06/21 - 2021/02/03 04:33AM
الخطبة الأولى

  أيُّها المسلمون: أَذكَارُ الصَّباحِ والمسَاءِ أَشَدُّ مِن سُورِ يَأجوجَ ومَأجُوجَ في التَّحصُّنِ لِمَنْ قالَهَا بحضُورِ قَلبٍ، ونحنُ مَغبونون جداً عِنْدَمَا نتجاهلُ أذكارَنا ونَعْتَقِدُ أَنَّهَا شَيْءٌ غَيْرُ مُهِمٍ وَنَنْسَى أَنَّهَا تحفظنا ،وَرُبَّمَا تَقلبُ الْأَقْدَارَ ، يَقُولُ ابْنُ الْقَيِّمِ : حَاجَةُ الْعَبْدِ للمعوذاتٍ أشدُ مِن حاجته لِلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَاللِّبَاسِ ! الدَاوَمُ عَلَى الأذكار تُدرك مَعْنَى احْفَظ اللَّهَ يَحْفَظُك، ومنَ الأذكارِ المهمةِ والتي نحتاجُ الوقوفَ معها ونحنُ ابتلينا بأمراضِ العصرِ كجائحةَ كورونا ذكرٌ جاءَ في سُننِ أبي داودَ وصحَّحه الألبانِي من حديثِ عبدِالرحمن بنِ أبي بكرةَ قالَ : يا أَبتِ، إنِّي أَسمَعُك تَدْعو كلَّ غَداةٍ: اللَّهمَّ عافِني في بَدَني، اللَّهمَّ عافِني في سَمْعي، اللَّهمَّ عافِني في بَصَري، لا إلهَ إلَّا أنتَ؛ تُعيدُها ثلاثًا حينَ تُصبِحُ، وثَلاثًا حينَ تُمسي؟ فَقال: إنِّي سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يَدْعو بِهنَّ، فأَنا أُحِبُّ أن أَستَنَّ بِسُنَّتِه. قال عبَّاسٌ فيهِ: وتَقولُ: اللَّهمَّ إنِّي أَعوذُ بكَ منَ الكُفرِ والفَقرِ، اللَّهمَّ إنِّي أَعوذُ بِكَ مِن عَذابِ القَبرِ، لا إلهَ إلَّا أنتَ، تُعيدُها ثَلاثًا حينَ تُصبِح، وثَلاثًا حينَ تُمسي، فتَدْعو بهِنَّ، فأُحِبُّ أن أَستَنَّ بِسُنَّتِه.  

أيُّها المسلمون: كان الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم يَحرِصونَ كلَّ الحِرصِ على اتِّباعِ سُنَّةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهَدْيِه، وكانوا يَحرِصون كذلك على تَعليمِها لِمَن بَعدَهم ، وفي هذا الحَديثِ يَحكِي عبدُ الرَّحمنِ بنُ أبي بَكْرَةَ أنَّه قال لأبيه: (يا أبتِ، إنِّي أسمَعُك تَدعو كلَّ غَداةٍ) أي: كلُّ يومٍ في وقْتِ الصُّبحِ، (اللَّهمَّ عافني في بدَني) أي: من الأمْراضِ والأسْقامِ لِأقوَى على الطَّاعةِ ، (اللَّهمَّ عافِني في سَمْعي، اللَّهمَّ عافِني في بَصَري)، أي: يَطلُب أنْ يُعافيَه اللهُ تعالى ممَّا قد يُصيبُه بالضَّعفِ، فلا يُدرِكُ نِعمَ اللهِ تعالى التي تُدرَكُ بتِلك الحاستَينِ، (لا إلَهَ إلَّا أنتَ) أي: لا مَعبودَ بحقٍّ إلَّا اللهُ عزَّ وجلَّ.
قال: (تُعيدُها ثلاثًا) ، أي: تُكرِّرُها ثلاثَ مرَّاتٍ، (حين تُصبِحُ) أي: في الصَّباحِ بعد طُلوعِ الفجْرِ، (وثلاثًا حين تُمْسي) ، أي: تكرِّرُها ثلاثَ مرَّاتٍ في المَساءِ يعني وقت العشي الذي بعد الزوال ،(فقال أبو بكْرَةَ رضِيَ اللهُ عنهُ: إنِّي سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، يَدعو بهِنَّ) أي: بهؤلاءِ الكلِماتِ المذكوراتِ ، (فأنا أُحِبُّ أن أستَنَّ بسُنَّتِه) أي: أتَّبِعَ طريقَتَه ونهْجَه؛ فأَوْضَحَ أنَّ سَببَ قولِه لهذا الدُّعاءِ هو اتِّباعُ سُنَّةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
وتقولُ: (اللَّهمَّ إنِّي أَعوذُ بِكَ) أي: ألْتجئُ وأعتَصِمُ بك، (منَ الكُفْرِ) بعدَ الإيمانِ، (والفقْرِ) في النَّفسِ والمالِ، (اللَّهمَّ إنِّي أَعوذُ بكَ مِن عذابِ القَبرِ) أي: من الأسْبابِ الَّتي تؤدِّي إلى التَّعذيبِ في القَبْرِ،(لا إلَهَ إلَّا أنتَ) تُعيدُها ثلاثًا حين تُصبِحُ، وثلاثًا حِين تُمْسي؛ فأُحِبُّ أنْ أسْتَنَّ بسُنَّتِه

أيُّها المسلمون : إذا وجدتَم مِن أنفسِكَم محافظةً على الأذكارِ، خُصوصاً أذكارَ طَرَفِي النهارِ فاعْلَمْوا أنَّ هذا فَتْحٌ مِنَ اللهِ عَليكَم ، وخيرٌ لكم واللهِ مِن كُنوزِ الدنيا؛ فحَافِظْوا عليهِ والْزَمْوهُا، وإنْ كُنتَ مُقصِّرين أو مُفرِّطين ، فاعْلَمْوا أنَّ ذلك نوعاً مِنَ الحِرمانِ، ينبغِي أنْ تُراجِعَوا فيهِ أنَفسَكَم، وأَنْ تَتلمَّسَوا الأَسبابَ التي أدَّتْ بِكَم إلى ذلكَ، وصَحِّحِوا المسَارَ، إلى أَنْ تَجعلَوا هذِهِ العِبادةَ جُزءًا مُهِمًّا مِن يَومِكَم ولَيلَتِكَم .  

الخطبة الثانية  

  أيُّها المسلمون: في كَثيٍر مِن نُصُوصِ هذه الأذكارِ تَجدُونَ أنَّها تَنُصُّ على أنَّ قَائلهَا يُحفَظُ ويُعانُ، كقولِهِ صلى الله عليه وسلم: "حُفِظَ يَومَهُ ذلكَ كُلَّهُ". أو كقولِهِ: "لَمْ  يَضُرَّه شيءٌ" أو كقولِهِ: "تَكفِيكَ مِن كلِّ شَيءٍ"وإذَا تَأمَّلْنَا في قَولِه صلى الله عليه وسلم: "تَكفِيكَ مِن كُلِّ شَيءٍ، أو لَم يَضُرَّهُ شَيءٌ"، فهذه ألفاظٌ عَامَّةٌ، يَعنِي بها: أنَّها تَحفَظُ المُسلِمَ مِن شَرِّ وأذى كلِّ مَا خَلقَ مِن الجِنِّ والإنسِ، فيكفِيكَ سبحانَه مِن كلِّ شَيء يَخطُرُ على بالِكَ مِن هُمومٍ نَفسِيَّةٍ، أو أَخطارٍ بَدنيَّةٍ، أو حَوادِثَ كَونيَّةٍ، أَو غيرَ ذلكَ مما يَهتمُّ له الإنسانُ، ويَخشاهُ ويَخافُهُ، فأنتَ لجأتَ إلى القُوةِ العُظمَى، لجأتَ إلى الله جَلَّ وعَلا، فإذا كانَ اللهُ لا يُعجِزُهُ حِفظُ السماواتِ والأرضِ، فهل يُعجِزُهُ حِفظُ عِبادِهِ الصّالحينَ المتقينَ؟ وهل يُعجِزُهُ مَنِ التَجَأَ إليهِ؟! ِ

أَيّهَا الْمُسْلِمُونَ : نُذكرُ أَنْفُسَنَا جَمِيعًا بِضَرُورَةِ الْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْحِسيَّةِ والتوخي وَالْحَذَرِ والحيطةِ وَالِاحْتِرَاز وَالتَّعَاوُنِ جميعا لِدَفْع الْجَائِحَةِ الْعَامَّة كورونا بِكُلِّ مَا أُوتِينَا مِنْ قُوَّةِ وَهْمِةٍ وَاسْتِعَانَةٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ



.

المشاهدات 2168 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا