الدِّراسةُ عن قُرْبٍ افتِراضِيٍّ ( مشكول بالمقدمة والدعاء)
راشد بن عبد الرحمن البداح
الحمدُ للهِ الذيْ لا خيرَ إلا مِنهُ، ولا فَضْلَ إلا مِن لَدُنْهُ. وأَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ له الحَقُ المُبِيْنُ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُوْلُهُ اَلأمِينُ. صَلَّى اللهُ وسلَّمَ علَيهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ البَرَرَةِ المُتَّقِينَ. أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا {اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ}.
أَلَا مَا أَعْظَمَ عَوْنَ اللهِ ولُطْفَهُ بِنَا بِرَغْمِ أَزْمَةِ كُورُونَا. وَإِنَّهَا لِبُطولَاتٌ يُسَجِّلُهَا مَنْ يَنْتَمِي لِهَذَا الْبَلَدِ الْكَرِيمِ، فَمِنْ بُطولَاتِ أُسُودِ الْحُدُودِ، وتَعْرِيجًا عَلَى أَبْطَالِ الصِّحَّةِ، ثُمَّ وُقُوفًا أيَّامَنَا الْقَادِمَةَ الْحَافِلَةَ عَلَى بُطولَاتِ مَشَاعِل التَّعْلِيمِ، الَّذِينَ أَظَهَرُوا مُبَادَرَاتٍ إِيجَابِيَّةً مُنْذُ بَدْءِ الأَزْمَةِ. فَلَئِنْ أَغْلَقَتِ الْمَدَارِسِ أَبْوَابَهَا دُونَ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهَا طُلَاَّبُهَا، فَإِنَّ اللهَ أَنْعَمَ بِهَذِهِ التَّقْنِيَةِ الَّتِي وَفَّرَتْ وَقْتًا وَجُهْدًا وَمَالًا: مُعَلِّمُونَ مِنْ وَرَاءِ الشَّاشَاتِ، وشُرُوحاتٌ كُلَّمَا طَلَبْتَهَا حَصَّلَتِهَا، وَكُتُبٌ وَرَقِيَّةٌ وَإلِكْتُرونِيَّةٌ مَجَّانِيَّةٌ.
أَيُّهَا الْآبَاءُ: تَوفَّرَتْ عَلَيْكُمْ تَكَاليفُ لَوَازِمِ الدِّرَاسَةِ، ومُشْتَرَيَاتُها ؛ أَفَلَا تَشْكُرُونَ؟!
أَيُّهَا الْمُعَلِّمُونَ وَالْمُعَلِّمَاتُ: أليْسَتْ نِعْمَةً أنَّكمْ تُبَاشِرُونَ العَمَلِيَّةَ التَّعْلِيْمِيَّةَ التَّرْبَوِيَّةَ، أَفَلَا تَشْكُرُونَ؟! {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}[النحل53]
أَيُّهَا الطُّلَاَّبُ وَالطَّالِبَاتُ: دَوْلَتُكُمْ تَصْرِفُ الْمِلْيَارَاتِ لِتَعْوِيضِ الْقُرْبِ الحِسِّيِّ بِالْقُرْبِ التِّقَنِيِّ؛ لِيَكُونُ مُقَارِبًا لِلْوَاقِعِ الْاِفْتِرَاضِيِّ. أَفَلَا تَشْكُرُونَ؟!
نَعَمْ ؛ الدِّرَاسَةُ عَنْ بُعْدٍ، لَكِنَّ هَاجِسَ رُبَّانِ التَّعْلِيمِ وَرِجَالَاَتِهِ عَنْ قُرْبٍ، فَقَدْ صَمَدَ وَأَصْدَرَ قَرَارَاتٍ شجَاعَةً، وَوَفَّرَ الْبَدَائِلَ الْمُتَاحَةَ، وَاسْتَلْهَمَ مِنْ تَوْجِيهَاتِ مَلِيكِهِ وَوَلِيِّ عَهْدِهِ أَنَّ مُسْتَقْبَلَ فَلَذَاتِ الْأَكْبَادِ يُسْتَرْخَصُ لِأَجَلِهِ غَالِي الْأَثْمَانِ.
وقَدْ عَالَجُوا فِي التَّخْطِيْطِ لهَذَا الأَمْرِ شِدَّةً، وَعَانَوا فِي تَحْضِيرِهِ صَعَدًا، فَبَرَّحَتْ بِهمْ كَثْرَةُ اللِّقَاءَاتِ؛ لِتَذْليلِ الصُّعُوبَاتِ، وَرَكِبُوا فِي إِنْجَازِ مَنَصَّةِ مَدْرَسَتِي أَكْتَافَ الشَّدَائِدِ، فَأَمَّا نُقَاطُ الضَّعْفِ فَحَسَرُوها، وَأَمَّا نُقَاطُ الْقُوَّةِ فَعَزَّزُوهَا، وَمَا كَانَ مِنْ تَهْدِيدَاتٍ فَاحْتَرَزُوهَا، وَمَا كَانَ مَنْ فُرَصٍ تِقَنِيَّةٍ فَطَوَّرُوهَا.
فَسَدَّدَ اللهُ وَزِيرَ التَّعْلِيمِ وَوُكَلَاَءَه وَمُدِيرِيهِ عَلَى الْهَبَّةِ الشُّجَاعَةِ، وَعَلَى هَذَا الْحِسِّ التَّرْبَوِيِّ الْفَرِيدَ، وَالْحِرْصِ التَّعْلِيمِيِّ الْفَائِقِ، حَيْثُ ارتَقَوْا عَقَبَةً كَؤُودًا، فجاوَزُوها، بِعَوْنٍ مِنَ اللهِ وتَسْدِيْدٍ.
أَيُّهَا الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ: ارْبِطُوا الأَحْزِمَةَ بَلْ شُدُّوهَا، فَالْفَتْرَةُ الْقَادِمَةُ تَسْتَدْعِيْ تَفَرُّغًا وجُهودًا مُضَاعَفَةَ مُضْنِيَةَ، فَأَنْتُمْ قَائِدُ الْمَدْرَسَةِ، وَأَنْتُمْ وَكِيلُهَا وَمُرْشِدُهَا، وَأَنْتُمْ مُسَاعِدُو مُعَلِّمِيهَا ؛ وَحِينَها سَتُشْعِرُونَ بِحَجْمِ الْأمَانَةِ الْمُلْقَاةِ عَلَى الْمُعَلِّمِينَ وَكَادَرِ التَّعْلِيْمِ – وَفَّقَهُمِ اللهُ – فَاقْدُرُوا لهمْ قَدْرَهُمْ، ولابُدَّ أَنْ تَعِيْشُوا دَوْرَهُمْ، وَتُقَارِبُوا الْوَاقِعَ الْاِفْتِرَاضِيَّ لِلْحَيَاةِ الْمَدْرَسِيَّةِ الْجَادَّةِ وَالْمُجَدْوَلَةِ، مِنْ إيقَاظٍ، وَإِفْطَارٍ، وَتَفَقُّدِ اِتِّصَالِ النِّتِّ، وَطَرْدِ النَّوْمِ، وَتُعَاهُدِ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُتَطَلَّبَاتِ، وَإنَّ جِدَّكُمْ يُعْطِي لِأَوْلَاَدِكُمْ مُؤَشِّرًا قُوَيًا لِحرْصِكُمْ، وَحُسْنِ تَعَامُلِكُمْ مَعَ الْأَحْدَاثِ الطَّارِئَةِ: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا(5)إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}.
وَمُرُوا أَوَلَادَكُمْ بِالصَّلَاَةِ فِي أَوْقَاتِهَا، لَا سِيَما طُلَاَّبَ الْاِبْتِدَائِيَّ، حَيْثُ سَيَدْرُسُونَ زَمَنَ صَلَاَةِ الْعَصْرِ.
أَيُّهَا الطُّلَاَّبُ والطَّالِبَاتُ: اُقْدُرُوا لِهَذِهِ الْبَدَائِلِ التِّقْنِيَّةِ قَدْرَهَا، وَاشْكُرُوا اللهَ عَلَيْهَا، وَدَعُوَا الْانْهِمَاكَ فِي السِّنابَاتِ وَنَحْوِهَا، وَأَعِينُوا وَالِدِيْكُمْ عَلَى أَنَفْسِكُمْ، وَلَا تَزِيدُوهُمْ رَهَقًا، وَلَقَدْ قَضَيْتُم أَطْوَلَ إجَازَةٍ، وَانْتَهَى زَمَنُ النَّوْمِ، فَإِيَّاكُمْ وَالسَّهَرَ؛ لِأَنَّهُ يُضَيِّعُ نَهَارَكُمْ وَدِرَاسَتَكُمْ، بَلْ وَصْلَاتَكُمْ – وَهِيَ الأَهَمُّ-.
أَيُّهَا الْمُعَلِّمُونَ: التَّعَلُّمُ عَنْ بُعْدِ يُفْقِدُ كثِيرًا مِنَ الْإِيجَابِيَّاتِ، فَلَتُضَاعِفُوا الْجُهْدَ فِي الْبَحْثِ عَنْ مُشَوِّقَاتٍ، ومُحَفِّزَاتٍ تُعَوِّضُ مَا نَقَصَ، وَأَنْتُمْ عَلَى ذَلِكَ قَادِرُونَ، بَلْ وَمُبَادِرُونَ. فألْلهَ ألْلهَ فِي جِيلِ الْمُسْتَقْبَلِ، فَلتجْعَلُوا سَنَتَهُمْ هَذِهِ أَكْثَرَ تَمَيُّزًا، والله يُوَفِّقُكُمْ وَيَفْقِّهُكُمْ.
الحمدُ للهِ رَبِّ العالمِينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى خيرِ خَلْقِ اللهِ أجمَعِيْنَ، ورضيَ اللهُ عَنْ صَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ، أما بعدُ: فَهَنِيْئاً ثُمَّ هَنِيْئاً لمَنْ حَقَّقَ أُمْنِيَةَ نَبِيْهِ e، فَأَصْبَحَ صَائِمًا مُتَّبِعًا قَوْلَهُ: لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ([1]).
وَفِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ يَظْهَرُ صِدْقُ الْاِتِّبَاعِ بِتَحْقِيقِ الْاِقْتِدَاءِ بِالنَّبِيِّe.
ثُمَّ أَنْتَ يَا مَنْ فَاتَهُ صِيَامُ هَذَا الْيَوْمِ لَا يَفُتْكَ تَكْفيرُ خَطَايَا سَنَةٍ مَضَتْ، وَذَلِكَ بِصِيَامِ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ غَدًا، فَمَا زَالَ فِي الْأَمْرِ فُرْصَةٌ، فَاقْتَنِصْهَا وَاحْذَرْ فَوْتَهَا، بَلْ حُثَّ أَطْفَالَكَ، وَضْعَ لهمْ الْجَوَائِزَ إِنْ هُمْ صَامُوهُ.
وَتَأَمَّلْ رَحْمَةَ اللهِ وَفَضْلَهُ وَجُودَهُ وَإحْسَانَهُ إِلَى خَلْقِهِ، فَصِيَامُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَاعَةً يُكَفِّرُ خَطَايَا سَنَةٍ كَامِلَةٍ! ولَا تَتَعَجَّبُوا! فَهَذَا فَضْلُ اللهِ أكْرَمِ الْأكْرَمِينَ، لَكِنَّ الْعَجَبَ فَيَمَنَ يُفَرِّطُ بِهَذَا الْفَضْلِ.
وَبُشْرَى لِمَنْ أَقْعَدَهُ الْمَرَضُ عَنِ الصِّيَامِ: فَإِنْ كُنْتَ مِمَّنْ يَصُومُ سَالِفَ الْأَعْوَامِ فَقَدْ قَالَ نَبِيُّكَ e: إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا([2]).
فَبُشْرَى لِمَنْ يَغْتَنِمُ زَمَنَ الصِّحَّةِ وَالْاِسْتِقْرَارِ، بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ المِدْرَارِ؛ لِيَجِدَ أُجُورَهُ جَارِيَةً لَهُ زَمَنَ الأمْرَاضِ والأسْفارْ.
- اللّهُمّ أَنْتَ ثِقَتُنا، وَأَنْتَ رَجَاؤنَا. عَزّ جَارُكَ، وَجَلّ ثَنَاؤُكَ، وَلَا إلَهَ غَيْرُكَ.
- اللّهُمّ بِكَ انْتَشَرْنا وَإِلَيْكَ تَوَجّهْنا، وَبِكَ اعْتَصَمْنا، وَعَلَيْكَ تَوَكّلْنا.
- اللّهُمّ اكْفِنا مَا أَهَمّنا، وَمَا لَا نهْتَمُّ لَهُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنّا. وَوَجِّهْنا لِلْخَيْرِ أَيْنَمَا تَوَجّهْنا.
- اللهم احفظْ دينَنا وأمنَنا وتعليمَنا. اللهم احفَظْ ثرواتِنا وثمراتِنا، واقتصادَنا وعتادَنا.
- اللهم وفَّقْ وليَّ أمرِنا ووليَّ عهدِه لما تحبُّ وترضَى، وخُذْ بناصيتِهِما للبرِّ والتقوى. واجزهم خيرًا على ما يبذلون لمصلحة الإسلام، ولخدمة المسلمين.
- اللهم ثبِّت أسودَ الحدودِ وأبطالَ الصحةِ، ومَشاعِلَ التعليمِ وأيِّدْهُم بتأييدِكَ.
- اللهم وفقْ طلابَنا وطالباتِنا، ويسِّرْ على كل والدٍ تعليمَ أولادهم، واجعلْ عامَنا خيرَ عامٍ.
- اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ. وأقمِ الصلاةَ إنَّ الصلاةَ تَنهَى عنِ الفحشاءِ والمنكرِ، ولَذِكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعونَ.
المرفقات
الدارسة-عن-قُرب-افتراضي
الدارسة-عن-قُرب-افتراضي
الدارسة-عن-قُرب-افتراضي-2
الدارسة-عن-قُرب-افتراضي-2