الداعية والفقيه السوري "عثمان ضميرية" في ذمة الله- زياد الشامي
احمد ابوبكر
لا شك أن فقد العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء إلى يوم القيامة وأن قبض العلماء والدعاة والمفكرين هو نذير قبض العلم وذهابه وارتفاعه من الأمة كما ورد في الحديث الصحيح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رضي الله عنهما أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ ....... ) صحيح البخاري برقم/100
وإذا كان مصاب الأمة بفقد أحد علمائها فاجعة كبيرة ومصابا أليما وخطبا جللا فإن كون المفقود عالما من علماء بلاد الشام وداعية سوريا وفقيها وأصوليا من أرض الياسمين وعاصمة الأمويين....يضفي على الحدث ألما إضافيا و وجعا آخر ويزيد في جراح الأمة جرحا جديدا نظرا لما تعانيه تلك الأرض المباركة من محنة عظيمة وما يقاسيه أهلها من كرب وشدة وآلام جسام .
يكفي ملاحظة تزامن وفاة الداعية السوري والفقيه الأصولي عثمان جمعة ضميرية منذ أيام في بلاد الحرمين وتحديدا في الطائف مع ما تتعرض له مدن وبلدات ريف دمشق - التي ينحدر من واحدة منها – من قصف وتدمير وقتل وتشريد بمختلف الأسلحة الفتاكة المحرمة دوليا .
قد يكون عزاء أهل وذوي الشيخ وأحبابه في قضاء الراحل شطرا كبيرا من حياته بعيدا عن مسقط رأسه ومهوى فؤاده "دمشق" ومن ثَمّ وفاته ودفنه في غير المكان والأرض التي ولد وترعرع ونشأ فيها هو الأجر والثواب الذي وعد به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من مات في غير الأرض التي ولد فيها , ففي الحديث عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : مَاتَ رَجُلٌ بِالْمَدِينَةِ مِمَّنْ وُلِدَ بِهَا، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ : ( يَا لَيْتَهُ مَاتَ بِغَيْرِ مَوْلِدِهِ )، قَالُوا: وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ : ( إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَاتَ بِغَيْرِ مَوْلِدِهِ، قِيسَ لَهُ مِنْ مَوْلِدِهِ إِلَى مُنْقَطَعِ أَثَرِهِ فِي الْجَنَّةِ ) رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه و حسنه الألباني .
مولد الشيخ الراحل ونشأته
ولد الشيخ الدكتور عثمان جمعة ضميرية عام 1949م في "رنكوس" إحدى بلدات الريف الدمشقي وتلقى فيها تعليمه الابتدائي ، ثم درس في الثانوية الشرعية بدمشق وتخرج منها ، ليتلقى تعليمه الجامعي في كليتي الشريعة والتربية بجامعة دمشق .
نال درجة الماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، ثم نال بعد ذلك درجة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية تخصص السياسة الشرعية من جامعة الأزهر أيضا .
عمله في التدريس
انتقل الشيخ رحمه الله إلى بلاد الحرمين الشريفين للإقامة والتدريس حيث عاش فيها أكثر من ثلاثة عقود درس خلالها في عدد من الجامعات والمعاهد العلمية ، سافر إلى الإمارات واشتغل بتدريس الفقه وأصوله في جامعة الشارقة بضع سنين، ليعود بعدها إلى بلاد الحرمين مرة أخرى حيث استقر في مدينة الطائف .
آثاره العلمية
ترك الشيخ رحمه الله أثرا علميا واضحا عبر ما يقرب من الثلاثين كتابا بين تأليف وتحقيق، فضلا عن البحوث المطبوعة والمقالات المنشورة ، فقد شارك في تحقيق كتاب: قواعد الأحكام الكبرى للعز ابن عبد السلام، وفي تحقيق معالم التنزيل وهو تفسير البغوي، وحقق حجة الله البالغة للشاه ولي الله الدهلوي، وهداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى لابن القيم، وتحفة المودود بأحكام المولود لابن القيم، وتبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام لابن فرحون.
وللفقيه الراحل مؤلفات عديدة منها : التصور الإسلامي للكون والحياة والإنسان، والإسلام وعلاقته بالشرائع الأخرى , القانون الدولي العام مقارنة بالشريعة الإسلامية , الإرهاب: دراسة لغوية وشرعية وقانونية مقارنة , وسطية الإسلام والأمة المسلمة في عصر العولمة , دور الدولة في المجال الاقتصادي والاستثماري , أثر العقيدة الإسلامية في اختفاء الجريمة , ومنهج الإسلام في الحرب والسلام ....
وفاته
توفي الشيخ رحمه الله - بعد معاناة مع المرض- في مدينة الطائف مساء يوم الجمعة الماضي عن عمر يناهز التاسعة والستين , للشيخ رحمه الله اثنين من الأبناء أنس وعبد الله كما تتلمذ على يديه مئات المشايخ وطلاب العلم ، ومن أشهر تلاميذه : الشيخ الشريف حاتم العوني .
العديد من تلامذة الشيخ وأصدقاؤه وأحبابه نعوا الشيخ الراحل على صفحاتهم بوسائل التواصل الاجتماعي معبرين عن حزنهم لفقده ومنوهين إلى شيء من مناقبه وأخلاقه .
الدكتور السعودي حاتم العوني أحد أبرز تلاميذ الشيخ كتب ليلة السبت في صفحته على "فيسبوك" : توفي الليلة أستاذي وشيخي الفاضل الدكتور عثمان جمعة ضُمَيريّة بمدينة الطائف بعد معاناة مع المرض رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وأحسن عزاء أهله وعزاء تلامذته والمسلمين فيه .
وأضاف العوني : كان الراحل خطيبا للجمعة في أحد أكبر جوامع الطائف لفترة طويلة وكنا نحن ووالدي وجدي أبو والدتي لا نكاد نصلى الجمعة إلا في جامعه , ولا أنسى فضله عليّ ولا مواقف له كريمة دفع فيها عني في بعض المجالس تجاه من كان يحاول النيل مني، عدة مرات.
أما الشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي فقد كتب ناعياً الشيخ : " رحم الله الدكتور عثمان جمعة ضميرية ونفعه الله بما قدم للعلم الشرعي من كتب وتحقيقات أسأل الله أن تكون له عملا صالحاً متصلاً بعد وفاته .... كم جلسنا معه في الطائف أنا وشقيقي الأخ طاهر وعدد من الأحبة اللهم اجمعنا به وبالأحبة في جنتك".
صديق الراحل د . محمد العبدة نعى رفيق دربه على صفحته على الفيس بوك قائلا : فقدنا أمس العالم الداعية والصديق الصدوق الشيخ عثمان جمعة ضميرية عليه الرحمة والرضوان وأسكنه فسيح جنانه ، رحم الله أبا حسان كم كان متواضعاً لا يحب الظهور مع أن له من التآليف والبحوث الشيء الكثير....... إنا لله وإنا إليه راجعون وعزاؤنا لأبنائه وإخوانه .
أما تلميذته د. نور العتيبي فقد علقت على نبأ وفاته قائلة: " كان لا يحب الظهور... حاولت إقناعه مراراً أن ينشئ له حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي كي يتواصل مع الناس . كان يرفض قائلا : "هذه مضيعه للعمر وقاتلة للوقت إذا بارك الله العلم أوصله للناس شئنا أم أبينا".
رحم الله الداعية الفقيه الراحل "عثمان جمعة ضميرية" وأحسن عزاء أهله وأحبابه فيه وعوض الأمة الإسلامية خلفا له . آمين
المصدر: المسلم