الدَّابَّةُ تُكَلِّمُهُمْ 1444/3/25هـ

يوسف العوض
1444/03/23 - 2022/10/19 12:48PM

الخطبة الأولى

عباد الله: إنَّ الإيمانَ بالسَّاعةِ وأشراطِها، ومعرفةِ علاماتِها، ينطوي تحتَ رُكْنٍ في الدِّينِ عظيم، وهو الإيمانُ باليومِ الآخرِ، الذي قَرَنَهُ الله عزَّ وجلَّ في غيرِ مَوْضِعٍ في كتابهِ الحكيمِ بتوحيدهِ والإيمانِ بهِ، ولَمَّا كانَ أمرُ الساعةِ شديداً، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ لذا كان الاهتمامُ بالساعةِ وأشراطِها كبيراً، فلقد تحدَّثَ اللهُ تباركَ وتعالى ورسولُه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عن الساعةِ وأشراطِها، صغيرِها وكبيرِها، وعمَّا سيقعُ بينَ يديها من الفتنِ ، قال البرزنجيُّ رحمه الله: (لذا كان حقَّاً على كُلِّ عالِمٍ أنْ يُشِيعَ أشراطَهَا، ويَبُثَّ الأحاديثَ والأخبار الواردةِ فيها بينَ الأنامِ، ويَسْرُدَهَا مرَّةً بعدَ أُخرى على العَوَامِّ، فعَسَى أنْ يَنْتَهُوا عنْ بعضِ الذُّنوبِ، ويَلِينَ منهم بعضُ القُلُوبِ، ويَنتبهُوا مِنْ سِنَةِ الغَفْلَةِ، ويَغْتَنِمُوا الْمُهْلةَ قبلَ الوَهْلَة) ..

عباد الله: قال الله تعالى:" وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ" وعَن حُذَيفةَ بنِ أُسَيدٍ الغِفاريِّ رَضِيَ الله عَنه قال: اطَّلَعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلينا ونَحنُ نَتَذاكَرُ. فقال: "ما تَذاكَرونَ؟" قالوا: نَذكُرُ السَّاعةَ. قال: "إنَّها لَن تَقومَ حَتَّى تَرَوا قَبلَها عَشْرَ آياتٍ". فذَكَر: "الدُّخانَ، والدَّجَّالَ، والدَّابَّةَ، وطُلوعَ الشَّمسِ من مَغرِبِها، ونُزولَ عيسى بن مَريَمَ، ويَأجوجَ ومَأجوجَ، وثَلاثةَ خُسوفٍ: خَسْفٌ بالمَشرِقِ، وخَسْفٌ بالمَغرِبِ، وخَسْفٌ بجَزيرةِ العَرَبِ، وآخِرُ ذلك نارٌ تَطْرُدُ النَّاسَ إلى مَحْشَرِهم  " ، يقولُ ابنُ كثيرٍ: (هَذِه الدَّابَّةُ تَخرُجُ في آخِرِ الزَّمانِ، عِندَ فسادِ النَّاسِ وتَركِهم أوامِرَ الله، وتَبديلِهم الدِّينَ الحَقَّ، يُخرِجُ اللهُ لَهم دابَّةٌ مِنَ الأرضِ -قيل: من مَكَّةَ. وقيلَ: من غَيرِها) ، ويقولُ ابنُ عُثَيمين: (الدَّابَّةُ لُغةً: كُلُّ ما دَبَّ على الأرضِ، والمُرادُ بها هنا الدَّابَّةُ الَّتي يُخرِجُها اللهُ قُرْبَ قيامِ السَّاعةِ، وخُروجُها ثابِتٌ بالقُرآنِ والسُّنةِ. قال اللهُ تعالى:” وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ” . وقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (إنَّها لَن تَقومَ السَّاعةُ حَتَّى تَرَوا قَبلَها عَشْرَ آياتٍ، وذَكَرَ مِنها الدَّابَّةَ) أخرجه مُسْلِمٌ . ولَيسَ في القُرآنِ والسُّنةِ الصَّحيحةِ ما يَدُلُّ على مَكانِ خُروجِ هَذِه الدَّابَّةِ وصِفَتِها، وإنَّما ورَدَت في ذلك أحاديثُ في صِحَّتِها نَظَرٌ، وظاهِرُ القُرآنِ أنَّها دابَّةٌ تُنذِرُ النَّاسَ بقُربِ العَذابِ والهَلاكِ. واللهُ أعلَمُ) .

عباد الله: ويقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:" تَخْرُجُ الدَّابَّةُ ، فَتَسِمُ الناسَ على خَرَاطِيمِهِمْ ، ثُمَّ يَغْمُرُونَ فيكُمْ حتى يَشْتَرِيَ الرجلُ البَعِيرَ ، فيقولُ مِمَّنْ اشْتَرَيْتَهُ ؟ فيقولُ : اشْتَرَيْتُهُ من أَحَدِ المُخَطَّمِينَ"صَحَّحه الألبَانِي ، فمِن عَلاماتِ الساعةِ الكُبرى الواقعةِ: خُروجُ الدَّابَّةِ التي أخبَرَ اللهُ عنها أنَّها تُكلِّمُ الناسَ، وحِينَها لا يَنفَعُ نفْسًا إيمانُها لم تكُنْ آمنَتْ مِن قبْلُ ، ففي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "تَخرُجُ الدابَّةُ"، أي: تَظهَرُ دابَّةُ الأرضِ على شَكلٍ غَريبٍ غيرِ مأْلوفٍ، ومُخاطبتُها الناسَ، ووسْمُها إيَّاهم بالإيمانِ أو الكفرِ؛ خارجٌ عن مَجاري العاداتِ، وذلك أوَّلُ الآياتِ الأرضيَّةِ، قيل: إنَّ خُروجَها مِن مكَّةَ، وقيل: مِن غيرِها، "فتَسِمُ الناسَ"، أي: تضَعُ علاماتٍ على الناسِ، وهم الكفَّارُ في هذا الموضعِ، وتَجعَلُ لكلٍّ منهم علامةً، وهذه العلامةُ تكونُ "على خَراطيمِهم" وهو جمْعُ خُرطومٍ، والمعنى: على أُنوفِهم، فيُصبِحُ للمُؤمنِ سِمةٌ، وللكافرِ سِمةٌ، "ثمَّ يغمرون فيكم"، أي: يَظَلُّون فيكم وبيْن أظهُرِكم، ويُمَدُّ في أعمارِهم، "حتى يَشترِيَ الرجُلُ الدابَّةَ"، أي: يَذهَبَ الرجُلُ فيَشتريَ مِن أخيه دابَّةً، "فيُقالُ: ممَّن اشترَيْتَ"، أي: هذه الدابَّةَ "فيقولُ: مِن الرَّجلِ المُخْطَمِ"، أي: أحدِ المَخْطُومِينَ، والمعنى: اشترَيْتُها مِن الرجُلِ الذي وُسِمَ على أنْفِه، وهذا تأكيدٌ لِحُصولِ هذا الأمْرِ حتى تُصبِحَ علامةً عليهم.

أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ،،

الخطبة الثانية

عباد الله: إنَّ الإيمان بما ستقومُ بهِ الدَّابَّةُ من كلامِ الناسِ ووَسْمِها لَهُم، وشهادتِها عليهم أنهم كانوا بآياتِ اللهِ لا يُوقنون، تذكيرٌ لِما سيكونُ في عَرَصاتِ يومِ القيامةِ مِن شهادَةِ كُلِّ شيءٍ عليكَ بذنوبكَ ومعاصيك، فلسانُكَ سَيَشْهَد، وبَصَرُكَ سَيَشْهَد، وسَمْعُكَ سَيَشْهَد، وجِلْدُكَ سَيَشْهَد، ويَدُكَ سَتَشْهَد، وقَدَمُكَ سَيَشْهَد، والأرضُ سَيَشْهَد، والصُّحُفُ التي كُتِبَت فيها أعمالُكَ وأقوالُكَ سَيَشْهَد، ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾ ، ﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ ، و(عنْ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها قالتْ: إذا خَرَجَ أَوَّلُ الآياتِ طُرِحَتِ الأقلامُ، وحُبِسَتِ الحَفَظَةُ، وشَهِدَتِ الأجْسَادُ على الأعمالِ) رواه الطَّبَريُّ وصحَّحَ إسنادَهُ ابنُ حَجَرٍ وقال: (وهوَ وإنْ كانَ مَوْقُوفاً فَحُكْمُهُ الرَّفْعُ).

اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار،،

المرفقات

1666172879_الدابة.pdf

المشاهدات 810 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا