الداء والدواء والأجر والثواب.

الداء والدواء والأجر والثواب.
خطبة جمعة.
الخطبة الأولى.
الحَمْدُ للهِ الَّذِي شَرَعَ لِلإِنْسَانِ مَا يَحْـفَظ صِحَّـتَهُ، وَيَصُونُ قُوَّتَهُ، وَيَقِيهِ سَقَمَهُ وعِلَّتَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، بِيَدِهِ الضُّرُّ وَالبَلاءُ، وَالنَّفْعُ وَالشِّفَاءُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَكْـثَرُ النَّاسِ حِرْصًا عَلَى مَا يَحْمِيهِ، وَأَبْعَدُهُمْ عَمَّا يَضُرُّهُ وَيُؤْذِيهِ، صلى الله عليه وسلم وَعَلَى آلِهِ وَأصْحَابِهِ الطَّيِّبِينِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، فـ " اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " ، وَاعلَمُوا أَنَّ الصِّحَّةَ فَتِيلُ نَشَاطِ الإِنْسَانِ وَمَنْبَعُ قُوَّتِهِ، بَلْ هِي قِوَامُ الحَيَاةِ، وَلاَ تَقُومُ حَضَارَاتُ الأَرْضِ إِنْ كَانَتْ شُعُوبُهَا عَلَى عِلَلٍ، وَلاَ تَستَقِيمُ نِعَمُ الدُّنْيَا مَعَ مَرَضٍ مُقْعِدٍ أَو وَبَاءٍ قَاتِلٍ، وَلِذَا وَهَبَ لَهَا الإِسْلاَمُ اهتِمَامَه، وَمَنَحَهَا رِعَايَتَهُ، فَجَعَلَ مِنْ ضَرُورَاتِ الدِّينِ المُحَافَظَةَ عَلَى النَّفْسِ البَشَرِيَّةِ، وَشَرَعَ مِنَ التَّشْرِيعَاتِ المُتَعَلِّقَةِ بِحُرْمَتِهَا وَصِيَانَتِهَا مَا يَضْمَنُ لَهَا البَقَاءَ، لِيُحَافِظَ عَلَى قُوَّتِهَا وَفُتُوَّتِهَا، وَيُبْعِدُهَا عَنْ كُلِّ مَا مِنْ شَأْنِهِ الإِضْرَارُ بِهَا أَوِ التَّعَدِّي عَلَيْهَا، وَمِنْ أَهَمِّ القَوَاعِدِ المُتَعَلِّقَةِ بِذَلِكَ المُحَافَظَةُ عَلَى النَّظَافَةِ العَامَّةِ وَالخَاصَّةِ، وَالتِزَامُ القَوَاعِدِ الصِّحِّـيَّةِ السَّـلِيمَةِ، فَالمُتَطَهِّرُونَ أَحْـبَابُ الرَّحْمَنِ، يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ: " فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ " وَتَأَمَّـلُوا قَوْلَ المُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم: ((الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ))، كَمَا أَنَّ الصَّلاةَ عَمُودَ الدِّينِ تَقُومُ عَلَى الوُضُوءِ الَّذِي مِنْ مَعَانِيهِ النَّظَافَةُ وَالطَّهَارَةُ، قَالَ صلى الله عليه وسلم: ((لاَ صَلاةَ لِمَنْ لا وُضُوءَ لَهُ))، كَمَا شُرِعَتِ الاغْسَال الوَاجِبَةُ وَالمُستَحَبَّةُ لِتَحْـقِيقِ هَذَا الهَدَفِ العَظِيمِ.
إِخْوَةَ الإِيمَانِ:
مَنْ يَتَتَبَّعِ الإِرشَادَاتِ النَّبَوِيَّةَ يَجِدْهَا وَاضِحَةً جَلِيَّةً فِي الوِقَايَةِ وَالتَّحْصِينِ مِنَ الأَمْرَاضِ فَقَدْ جَاءَ الأمْرُ بِعَزْلِ المَرِيْضِ عَنِ الأصِّحَّاءِ عِنْدَ انتِشَارِ الوَبَاءِ، يَقُولُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم فِي الطَّاعُونِ: ((فَإذَا سَمِعْـتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلا تَدْخُلُوا عَلَيْهِ، وَإذَا وَقَعَ فِي أرْضٍ فَلا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ))، وَالحَدِيثُ يُقَرِّرُ مَا يُسَمَّى الآنَ بِالحَجْرِ الصِّحِّيِّ أوِ العَزْلِ عِنْدَ انْتِشَارِ الوَبَاءِ، كَمَا جَاءَ النَّهْيُّ عَنْ قَضَاءِ الحَاجَةِ فِي المَاءِ الَّذِي يَسْـتَعْمِلُهُ النَّاسُ فِي وُضُوئِهِمْ وَاغْتِسَالِهِمْ وَسَائِرِ شُؤُونِهِمْ حِرْصًا عَلَى السَّلامَةِ العَامَّةِ، يَقُولُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم : (( اتَّقُوا المَلاعِنَ الثَّلاثَ : البَرَازَ فِي المَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَالظِّلِ ))، وَلِلْمُحَافَظَةِ علَىَ الصِّحَّةِ الشَّخْصِيَّةِ جَعَلَ الإسْلامُ مِنَ الآدَابِ الضَّرُورِيَّةِ غَسْـلَ اليَدَيْنِ قَبْـلَ النَّوْمِ وبَعْدَهُ، وَقَبْـلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ نَامَ وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ [أيْ دَسَمٌ] وَلَمْ يَغْسِلْهُ فَأصَابَهُ شَيءٌ فَلا يَلُومَنَّ إلاَّ نَفْسَهُ))، وَقَالَ - علَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: ((إِذَا اسْـتَيْـقَظَ أحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاثًا، فَإنَّهُ لا يَدْرِي أيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ))، واهْـتَمَّ الإسْلامُ كَذلِكَ بِالغِذَاءِ بِاعْتبَارِهِ العُنْصُرَ الفَعَّالَ فِي نُمُوِّ الجِسْمِ وَقُوَّتِهِ، وَالطّاقَةَ المُحَرِّكَةَ الَّتِي تُمَكِّنُهُ مِنْ أدَاءِ وَظَائِفِهِ، فَأحَلَّ اللهُ كُلَّ طَيِّبٍ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ، قَالَ تعَالَى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ " ، لَقَدْ أجْمَعَ العُلَمَاءُ وَالأطِبَّاءُ قَدِيمًا وَحَدِيـثًا عَلَى أَنَّ المَعِدَةَ بَيْتُ الدَّاءِ، وَأنَّ الحِمْيَةَ رَأْسُ كُلِّ دَوَاءٍ، وَأنَّ الوِقَايَةَ خَيْرٌ مِنَ العِلاجِ، وَأنَّ الدَّوَاءَ قَلَّمَا يَنْفَعُ مَعَ عَدَمِ الوِقَايَةِ وَالحِمْـيَةِ، وَقَدْ سَبَقَ القُرْآنُ الكَرِيْمُ التَّشْرِيعَاتِ الحَدِيثَةَ فِي تَقْرِيرِ القَوَاعِد الصِّحِّـيَّةِ الكُبْرَى، وَأنْزَلَ آيَةً قُرْآنِيَّةً جَمَعَ فِيهَا أكْثَرَ عِلْمِ الصِّحَّةِ وَالاقْتِصَادِ فقَالَ: " وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" ويَقُولُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم : ((مَا مَلأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإنْ كَانَ لا مَحَالَةَ، فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ)).
عِبَادَ اللهِ :
لا يَزَالُ الطِّبُّ يَكْـتَشِفُ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ الآثَارَ الإيجَابِيَّةَ وَالنَتَائِجَ البَاهِرَةَ لِهَذِهِ القَوَاعِدِ الصِّحِّيَّةِ الرَّبَّانِيَّةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الإسْلامُ لِلْمُحَافَظَةِ علَى الصِّحَّةِ وَالوِقَايَةِ مِنَ الأمْرَاضِ البَدَنِيَّةِ، فالمُسْـلِمُ حِينَ يَلْتَزِمُ نِظَامًا مُعتَدِلاً فِي غِذَائِهِ وَنَوْمِهِ وَعِبَادَتِهِ، وَيُحْسِنُ التَّحَكُّمَ فِي غَرَائِزِهِ وَشَهَواتِهِ، يَكُونُ قَدَ عَمِلَ بِأَسْبَابِ الصِّحَّةِ، إِنَّ مِنْ حِرْصِ الإِسْلامِ عَلَى الصِّحَّةِ تَرْبِيةَ أَتْبَاعِهِ عَلَى التَّحَكُّمِ فِي شَهَواتِهِمْ وَغَرَائِزِهِمْ، وَنَهْيَهُمْ عَنْ تَعَاطِي كُلِّ مَا يُضِرُّ بِعَافِيَتِهِمْ، وَيُهَدِّدُ سَلامَةَ بِنْيَتِهِمْ، فَحَرَّمَ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ جَمِيعَهَا، فِي الوَقْتِ الذِي فَتَحَ بَابَا مِنَ البَدَائِلِ الطَّيِّبَةِ التِي بَثَّهَا فِي الأَرْضِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: " وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ " إنَّ اخْتِلالَ النِّظَامِ الغِذَائِيِّ وَالوِقَائِيِّ فِي حَيَاةِ بَعْضِ النَّاسِ، يُؤَثِّرُ فِي النِّظَامِ الجَسَدِيِّ وَالتَّوَازُنِ فِيهِ، فَيَحْدُثُ المَرَضُ، فَإِذَا وَقَعَ لِسَبَبٍ وَاضِحٍ أَو لِحِكْمَةٍ إِلَهِيَّةٍ خَفِيَّةٍ، فَعَلَى الإِنْسَانِ أَنْ يَسْعَى إِلَى العِلاجِ وَالتَّدَاوِي عَمَلاً بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : ((تَدَاوَوْا عِبَادَ اللهِ؛ فَإِنَّ اللهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلاَّ جَعَلَ لَهُ دَوَاءً))، وَالتَّدَاوِي إِنَّمَا يَكُونُ بِاستِشَارَةِ طَبِيبٍ حَاذِقٍ، وَالأَخْذِ بِالنَّصَائِحِ وَالقَوَاعِدِ الصِّحِّيَّةِ وَالطِّبِّـيَّةِ المُقَرَّرَةِ عِنْدَ المُخْتَصِّينَ.
وَلتَعلمْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ: بأن الابْتِلاءَاتُ سُنَّةٌ ربَّانِيَّةٌ! وَهِيَ مِن حِكْمَةِ اللهِ وَعَدْلِهِ، أَلَمْ يَقُلِ اللهُ تَعَالَى: (وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ). قَالَ ابنُ عباسٍ رضيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَي نَبتَلِيكُم بالشِّدَّةِ والرَّخاءِ، والصِّحَّةِ والسَّقَمِ, والغِنَى والفَقْرِ, والحَلالِ والحَرَامِ, والطَّاعَةِ والْمَعْصِيَةِ وَالهُدَى وَالضَّلالَةِ.!
عِبَادَ اللهِ: والبَلاءُ بِالْمَرضُ قَدَرٌ مِنَ اللهِ تَعَالى وَهُوَ لِلمُؤْمِنِ نِعمَةٌ وَأَجْرٌ إنْ صَبَرَ وَاحْتَسَبَ. وَصَدَقَ اللهُ القَائِلُ: (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا). وَالْمُؤْمِنُ بِحَمْدِ اللهِ أَمْرُهُ كُلُّهُ إلى خَيْرٍ قالَ رَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ». ألا تَعْلَمُونَ أنَّ البَلاءَ عُنوانُ مَحَبَّةِ اللهِ لِلعَبْدِ، وطَريقٌ لِجَنَّةِ اللهِ تَعَالَى، يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ». ولا يَعْنِي ذَلِكَ أَنْ نَتَمَنَّى الأَسْقَامَ وَالبَلايَا؟ كَلاَّ فَالعَافِيَةُ لا يُعادِلُها شَيءٌ, فَقَدْ قَالَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «سَلُوا اللهَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ، فَإنَّ أَحَداً لَم يُعْطَ بَعْدَ اليَقِينِ خَيراً مِن العَافِيَة».
أيُّهَا الْمُؤمِنُ: وَفِي الْمَرَضِ: رَفعٌ لِلدَّرَجَاتِ وَحَطٌّ لِلسَّيئَاتِ, قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ فَمَا سِوَاهُ إِلاَّ حَطَّ اللَّهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا». وَفِي مَرَضِ الْمُؤمِنِ زِيادَةٌ لإِيمَانِهِ, وحُسنِ تَوَكُّلِهِ على رَبِّهِ, وَحُسْنِ ظَنِّهِ بِمَولاهُ، وَهَذا أعْظَمُ عِلاجٍ لِكِبْرِ النَّفْسِ, والغَفلَةِ والغُرُورِ!أيُّهَا الْمُسلِمُ، لا شَافِيَ إلاَّ اللهُ، ولا رافِعَ لِلْبَلْوَى سِواهُ سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ، والرَّاقِي والطَّبيبُ والدَّواءُ أَسبَابٌ شَرعيَّةٌ يُيَسِّرُ اللهُ بها الشِّفَاءَ، فَافعَلِ الأَسبَابَ وَتَدَاوى بِالْمُبَاحِ, ولا تُقْبِلْ على الطَّبيبِ بِقَلبِكَ! فهو بَشَرٌ لا يَملِكُ نَفعاً ولا ضَرَّاً، وقُلْ: ( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ). وَخُذْ بِوَصِيَّةِ رَسُولِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَكَ حِينَ قَالَ: «وإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ, وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ».
 وَأَنْفَعُ الأَدْوِيَةِ: الرُّقيَةُ بالقُرآنِ وبِمَا صَحَّ مِنَ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ.
عِبَادَ اللهِ: وَبِكَثْرَةِ الاسْتِغْفَارِ تَزُولُ الأَمْرَاضُ وَيضْعُفُ أَثَرُها يقُولُ الْمَوْلَى: (وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ).
و «مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ». والعَسلُ لَمْ يُخلق لَنَا شَيءٌ أَفْضَلَ مِنهُ! والْحِجَامَةُ خيرُ الأَدوِيَةِ كما قالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ أَوْ هُوَ مِنْ أَمْثَلِ دَوَائِكُمْ». وفي الحَبَّةِ السَّودَاءِ شِفَاءٌ من الأَسقَامِ كُلِّها، قَالَتْ عَائِشَةُ رضيَ اللهُ عنها سَمِعَتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ هَذِهِ الْحَبَّةَ السَّوْدَاءَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلاَّ مِنَ السَّامِ قُلْتُ وَمَا السَّامُ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ الْمَوْتُ». وعندَنا بِحمدِ اللهِ مَاءٌ مُبَارَكٌ ! قَالَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «زَمْزَمُ طَعَامُ طُعْمٍ وَشِفَاءُ سَقَمٍ». تِلكَ أدوِيَةٌ نَبَوِيَّةٌ نَافِعَةٌ شَافِيَةٌ لِمَن تَلَقَّاها بِالقَبُولِ والرِّضا، فاللهمَّ إنَّا نسألك العفوَ والعَافِيَةَ في الدِّينِ والدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. أَقُولُ قَولِي هَذا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُم مِنْ كُلِّ ذَنبٍّ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ جَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً, عَلِمَهُ من عَلِمَهُ، وَجهِلَهُ من جَهِلَهُ, أُشهد أَنْ لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ رَبُّ الأَرْضِ وَالسَّماءِ، وَأُشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عبدُ الله ورسولُهُ أَخْلَصُ النَّاسِ بالعبادَةِ والدُّعاءِ، صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ, وعلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإحْسَانٍ إلى يَومِ اللِّقَاءِ. أَمَّا بعدُ: عبادَ اللهِ، أُوصِيكُم وَنفْسِي بِتقَوى اللهِ تَعَالَى، فَمن اتَّقى اللهَ وَقَاهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عليهِ كَفَاهُ.
 أيُّها الكِرامُ: الأَدْوِيَةُ ثَلاثَةٌ: دَواءٌ مَشْرُوع ٌمُستَحبٌّ كالرُّقيَةِ والعَسَلِ وَزمزمِ، وَدَوَاءٌ مُباحٌ كالأدوِيَةِ والعَقَاقِيرِ التي لَم يُحرِّمْهَا الشَّارِعُ الحَكِيمُ، وأَدْوِيَةٌ مُحرَّمَةٌ لا يَجُوزُ التَّدَاوِيَ بِهَا، وهي كُلُّ ما حُرِّمَ عَلَينَا اسْتِخْدَامُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ, فإنَّ اللهَ تعالى لَمْ يَجْعَلْ شِفَائَنَا فِيمَا حرَّمَ عَلَينَا. وَقَدَ قَالَ رَسُولُ اللهَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:(عِبَادَ اللهِ تَدَاوَوْا وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ).
 وَالوْقَايَةُ خَيرٌ بِإذْنِ اللهِ مِنَ الْعِلاجِ, وَمِنْ سُبُلِ الْوِقَايَةِ فِي زَمَنِنَا أَخْذُ لَقَاحِ الأَنْفِلْوَنَزَا الْمَوسِمِيَّةِ مَنْعًا بِإذْنِ اللهِ مِنِ انْتِشَارِهَا, وَتَخْفِيفًا مِنْ حِدَّتِهَا.
ثمَّ لِنحذر مِنَ التَّسَخُّطِ فَهُو يُنَافِي الصَّبْرَ والاحِتِسَابَ! وَإذَا أَرَدَتَّ أنْ تَعْرِفَ نِعَمَ اللهِ عَليكَ فَانْظُرْ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْكَ ألَمَاً وَأَكْثَرُ خَطَرًا (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ).
يَا صَاحِبَ الهَمِّ إنَّ الهَمَّ مُنْفَرِجٌ
 أَبْشِرْ بـِخَيرٍ فَإنَّ الفَارِجَ اللهُ.
اليَأْسُ يَقْطَعُ أَحْيَانَاً بِصَاحِبِهِ *
 لا تَيأَسَنَّ فَإِنَّ الكَافِيَ اللهُ.
إذا بُليتَ فَثِقْ بِاللهِ وَارْضَ بِهِ
 إنَّ الذي يَكشِفَ البَلْوَى هُوَ اللهُ.
واللهِ مالـَكَ غَيرُ اللهِ مِن أَحَدٍ
 فَحَسبُكَ اللهُ في كُلٍّ لَكَ اللهُ.
اللهم إنا نسألك أن تصلي على الرحمة المهداة الذي جعلته سبباً في عافيتنا في ديننا ودنيانا وأبداننا.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد.
الَّلهُمَّ إنَّا نَسألُكَ العَفوَ والعَافِيَة في دِينِنَا ودُنْيَانَا وَأَهلِينا وأَموالِنا, واحفظنا مِن بينِ أَيدِينا وَمن خَلفِنَا، وعن أَيمَانِنا وعن شَمَائِلِنا، ومِن فَوقِنَا، ونَعوذُ بِكَ أنْ نُغتَالَ مِن تَحتِنا. اللهمَّ إنَّا نَسأَلُكَ صِحَّةً في إِيمَانٍ، وإيمَانَاً في حُسنٍ خُلُقٍ وعَمَلٍ، اللهمَّ اشفِ مَرضَانَا ومَرْضَى الْمُسلِمِينَ وعافِ مُبتَلانَا، اللهم وفق ولي أمرنا واشفه وعافه وقوه على كل خير وسدد ولي عهده واحفظنا والْمُسْلِمِينَ من كل شر وسوء يا أرحم الراحمين.
اللَّهُمَّ إِنِّا نعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ، وَالْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَمِنْ سَيِّئِ الأَسْقَامِ.
اللهم متعنا بالصحة والعافية وطول العمر على الطاعة والخير.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
 
المرفقات

1729180838_الداء والدواء والأجر والثواب_241017_185828.pdf

المشاهدات 814 | التعليقات 0