(الخوف من الضلالة ..) خطبة الشيخ د.صالح العصيمي الجمعة القادمة 27/2/1436 هـ بإذن الله

أبوبصير الحازمي
1436/02/25 - 2014/12/17 15:52PM
الخطبة الأولى
إنَّ الْحَمْدَ للهِ،نَحْمَدُهُ،وَنَسْتَعِينُهُ،وَنَسْتَغْفِرُهُ،وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا،مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ،وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ،وأشهدُ ألَّا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ،تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ،وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ،وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ،وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا . أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى؛واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ،وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثُاتُهَا،وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ،وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ،وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ .
عِبَادَ اللهِ،مَا أَقْبَحَ أَنْ يَبِيعَ إِنْسَانٌ الْهُدَى،وَيَشْتَرِيَ الضَّلَالَةَ! فَتِلْكَ -وَرَبِّي- التِّجَارَةُ الْكَاسِدَةُ،وَالْخَسَارَةُ الْفَادِحَةُ،قَالَ تَعَالَى:(أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ)،فَلَيْسَ هُنَاكَ أَحْمَقُ مِنْهُمْ؛حَيْثُ بَاعُوا الحَسَنَ لِيَشتَرُوا القَبِيحَ،فَأَنَّى لِهَذِهِ التِّجَارَةِ أَنْ تَرْبَحَ؟ فَيَا لَلْعَجَبِ! يَنْتَقِلُونَ مِنَ النُّورِ الواضِحِ؛إِلَى الظلَامِ الدَّامسِ،وَمِنَ الْحَقِّ الأبْلَجِ؛ إِلَى الضَّلَالِ الأَعمَى،لَقَدْ كَانَ الخِيارُ بَينَ أيدِيهِمْ، والهُدَى مَبذُولًا لَهُمْ؛فَلَا تِجَارةَ أَخْسَرُ مِنْ هَذِهِ التِّجَارَةِ،خَسَارَةٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرِانُ الْمُبِينَ .
وَقَالَ اللهُ تَعَالَى:( أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ)،فَلَا صَفْقَةَ أَخْسَرُ مِنْ هَذِهِ الصَّفْقَةِ؛فَلَقَدْ بَاعُوا الْجَنَّةَ وَاِشْتَرَوا النَّارَ،وَبَاعُوا يَوْمَ الْمَزِيدِ،وَالنَّظَرِ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَمُجَاوَرَةَ الرَّسُولِ الْكَرِيمِ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،وَالنَّعِيمَ الْمُقِيمَ؛وَاِشْتَرَوا بَدَلًا مِنْهُ الْعَذَابَ المُقِيمَ،ومُجَاوَرَةَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ،فِي نَارِ الجَحِيمِ،عَجَبًا لَهُمْ! كَيْفَ يُؤْثِرُونَ الْعَذَابَ عَلَى الْمَغْفِرَةِ ؟! فَمَا أَخْسَرَهَا مِنْ صَفْقَةٍ ! وَمَا أَكْسَدَهَا مِنْ سِلْعَةٍ !وَيَالِسُوءِ مَا اِخْتَارُوا،وَمَا اِبْتَاعُوا! فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ الَّتِي اِخْتَارُوهَا،وَعَلَى الْجَنَّةِ آثَرُوهَا،فَهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ. وَقَالَ تَعَالَى:( إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
إِنَّ الإِيمَانَ،وَالْبُعْدَ عَنِ الضَّلَالِ؛هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُهْتَدَى إِلَيهِ؛ فَاللهَ تَعَالَى أَلَهُمْ كُلَّ نَفْسٍ فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا؛فَالإِيمَانُ ظَاهِرٌ لِطَالِبِ الْحَقِّ،فَإِذَا فَتْحَ قَلْبَهُ لِلْعَمَى،فَقَدْ بَاعَ أَغْلَى شَيْءٍ،وَهُوَ الْإِيمَانُ،بِأَحْقَرِ شَيْءٍ،وَهُوَ الضَّلَالُ،فَحَالُهُ حَالُ مَنْ يَكُونُ فِي يَدِهِ أَجْوَدُ بِضاعَةٍ، وَيَبِيعُهَا بِثَمَنٍ بَخْسٍ.
إِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَاجَرُوا بِإِيمَانِهِمْ،وَجَعَلُوهُ سِلْعَةً؛مَغَبَّةُ فِعْلِهِمْ عَلَيهِمْ وَحْدَهُمْ،وَلَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيئًا،وَقَالَ اللهِ تَعَالَى:( اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) .لَقَدْ بَاعُوا الْهُدَى،وَالنُّورَ،وَالْحَقَّ بِعَرَضٍ مِنْ أَعْرَاضِ الدُّنْيَا زَائِلٍ قَلِيلٍ؛ فَخَسِرُوا رِضَا اللهِ وَجَنَّاتِهِ وَنَعِيمَهَا،وَاِسْتَحَقُّوا عَذَابَهُ .
عِبَادَ اللهِ،إِذَا كُنَّا نَأْسَى عَلَى مَنْ لَمْ يَهْتَدِ أَصْلًا،وَلَمْ يُوَفَّقُ لِلْهُدَى أَسَاسًا؛فَإِنَّ الْأَسَى أَشَدُّ عَلَى مَنْ كَانُوا يَمْلِكُونَ الْهُدَى فِي الْأَسَاسِ،ثُمَّ خَسِرُوهُ،أَوْ ضَعُفَ إِيمَانُهُمْ وَنَقَصَ؛وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ !
عِبَادَ اللهِ،عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِاللهِ مِنْ أَنْ يَضِلَّ بَعْدَ الْهُدَى، وَقَدْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ الْحَاثُّةُ عَلَى ذَلِكَ؛ حَيْثُ كَانَ مِنْ دُعَائِهِ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،:(اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذُ بِكَ أن أَضِلَّ أو أُضَلَّ، أو أَظْلِمَ أو أُظلَمَ،أو أجهَل أو يُجْهَل عَلىَّ )، رَوَاهُ أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، فَالرَّسُولُ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،يُرْشِدُ الْأُمَّةَ إِلَى هَذَا الدُّعَاءِ الْعَظِيمِ النَّافِعِ،الَّذِي يَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهِ عِظَمَ هَذَا الدِّينِ،وَالْخَوْفَ مِنَ التَّفْرِيطِ فِيهِ وَضَيَاعِهِ،وَالْخَوْفَ مِنْ أَنْ يُضِلَّ الْمُسْلِمُ نَفْسَهُ،أَوْ أَنْ يَكُونَ لَهُ دَوْرٌ فِي إِضْلَالِ غَيْرِهِ .
عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ هُنَاكَ مَنْ يَكُونُ عَلَى خَيْرٍ عَظِيمٍ،سَائِرًا عَلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، وَلَكِنَّهُ اُبْتُلِيَ بِمَنْ يُوقِعُهُ فِي الْفِتَنِ وَالشَّهْوَاتِ؛كَمَنْ يَتَلَقَّى رَسَائِلَ عَبْرَ أَجْهِزَتِهِ الْمُتَعَدِّدَةِ تَحْمِلُ كَلاَمًا فَاحِشًا،أَوْ صُوَرًا مَاجِنَةً،أَوْ مَقَاطِعَ خَلِيعَةً ؛ فَيَقَعُ ضَحِيَّةَ هَذَا الْمُضَلِّلِ،وَقَدْ يُغْرِيهِ بِالسَّفَرِ الْمُحَرَّمِ،وَتَعَاطِي الْمُخَدِّرَاتِ وَالْمُسْكِرَاتِ .
عِبَادَ اللَّهِ،وَإذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ ضَلَّ بِالشَّهَوَاتِ؛فَهُنَاكَ مَنْ هُوَ أَشَدُّ؛أُولَئِكَ الَّذِينَ ضَلُّوا بِالشُّبُهَاتِ؛فَكَمْ مِنْ أُنَاسٍ أُضِلُّوا بِالشُّبَهِ بَعْدَ الْهُدًى ! فَهُنَاكَ مَنْ يُتَابِعُ الْمَفْتُونِينَ الَّذِينَ لَا هَمَّ لَهُمْ إِلَّا سَبُّ أَصْحَابِ النَّبِيِّ،صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّمَ،وَأَزْوَاجِهِ،أَوْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَسْعَوْنَ لِنَشْرِ عَقَائِدِ الْخَوَارَجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ،وَتَسْهِيلِ التَّكْفِيرِ وَتَهْوِينِهُ،وَالْحَثِّ عَلَى الْخُرُوجِ إِلَى مَوَاطِنِ الْفِتَنِ، وَمُحَاوَلَةُ إِثَارَةِ الْقَلَاقِلِ وَالْفِتَنِ فِي بِلادِ الْحَرَمَيْنَ،فَلَا حَقَّقَ اللهُ لَهُمْ أَمَلًا، وَلَا أَنْجَزَ لَهُمْ مُبْتَغًى،وَلَا بَارَكَ لَهُمْ فِي مَسْعًى. وَهُنَاكَ مَنْ يَسْعَوْنَ لإِفْسَادِ دِينِ وَأَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَظْهَرُونَ أَمَامَ النَّاسِ بِصُوَرِ الْمُخْلِصِينَ النَّاصِحِينَ،وَهُمْ -وَرَبِّي- الْمَخْذُولُونَ الْمَفْتُونُونَ. فَكَيْفَ يُفْلِحُ مَنْ يَسْعَى لإِثَارَةِ الشُّبَهِ عَلَى الْعَفِيفَةِ الصَّالِحَةِ،وَيَسْعَى لإِفْسَادِهَا وَنَزْعِ جِلْبَابِهَا،وَيَسْعَى لِنَزْعِ لِبَاسِ الْعِفَّةِ عَنْهَا. فَلَا هَمَّ عِنْدَ بَعْضِ الْمَفْتُونِينَ،وَلَا مُقْلِقَ لَهًمْ؛إِلَّا تَحَجُّبُ الْمُؤْمِنَاتِ،وَاجْتِنَابُ الْمُسْلِمِينَ الْمَعَازِفَ وَالأْغَانِي الْمَاجِنَاتِ،وَمُحَافَظَتُهُمْ عَلَى الْجُمَعِ وَالْجَمَاعَاتِ. لَقَدْ أَزْعَجَ الْمَفْتُونِينَ هَذَا الطُّهْرُ وَالْعِفَّةُ،وَمُحَافَظَةُ النَّاسِ عَلَى صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ؛ فَسَعَوا جَاهِدَيْنَ إِلَى حَثِّ النَّاسِ عَلَى السَّفُّورِ،وَالْاِخْتِلاطِ الْمُحَرَّمِ،وَالتَّهْوِينِ مِنْ حُضُورِهِمْ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ، فَلَا أَنْجَحَ اللهُ مَسْعَاهُمْ،وَلَا بَارَكَ فِي أَقْوَالِهِمْ وَلَا أَفْعَالِهِمْ ! فَهُمْ -وَرَبِّي- يَتَّبِعُونَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ،وَالْعَجِيبُ أَنَّهُمْ يَدْعُونَ لِنَزْعِ الْحِجَابِ،وُمُخَالَفَةِ مَا عَلَيْهِ السُّنَّةُ وَالْكِتَابُ؛ بِدَعْوَى حِرْصِهِمْ عَلَى الصَّلَاحِ والْإِصْلَاحِ،وَلَا عَجَبَ؛فَأَهْلُ النِّفَاقِ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَهْلُ إِصْلَاحٍ بَيْنَمَا هُمْ أَهْلُ الْإِفْسَادِ،قَالَ تَعَالَى:(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ) .
عِبَادَ اللَّهِ،إِنَّ هَؤُلَاءِ يَصْدُقُ عَلَيْهِمْ قَوْلُ الْحَقِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ)،فَهُمْ- وَرَبِّي- يَتَّبِعُونَ الْمُتَشَابِهَ وَيَدَعُونَ الْمُحْكَمَ؛اِبْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ،بَلْ وَصَلَتْ جُرْأَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى الْإِضْلَالِ أَنْ يَقُولَ للنَّاسِ: اِفْعَلُوا كَذَا وَكَذَا،وَوِزْرُكُمْ عَلَيَّ،وَذَنْبُكُمْ فِي رَقَبَتِي،وَمَا عَلِمَ الْمُضِلُّونَ أَنَّ اللهَ ذَمَّهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)،فَمَا قَالُوهُ كَذِبٌ وَإِدَّعَاءٌ،والْمُضَلِّلُ سَيَأْخُذُ كَإِثْمْ مَنْ أَضَلَّهُمْ،قَالَ تَعَالَى: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ)،أَوَ مَا عَلِمُوا بِأَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ سَيُحْشَرُ إِلَى رَبِّهِ فَرْدًا،وَيُؤَاخَذُ بِعَمَلِهِ،لَا يَحْمِلُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا؟! قَالَ تَعَالَى : (لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ)؛فَاللهُ يُحَاسِبُ النَّاسَ أَفْرَادًا،وَكُلُّ اِمْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ؛تِلْكَ حَقِيقَةٌ ثَابِتَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْإِيمَانِ.
عِبَادَ اللهِ،وَمِنْ صُوَرِ إِضْلَالِ الْغَيْرِ مَا يُبَثُّ فِي هَذَا الْفَضَاءِ الْوَاسِعِ الَّذِي عَجَّ بِالْكَثِيرِ مِنَ الْقِنْوَاتِ،الَّتِي تَبُثُّ الْعُرِيَّ،وَالْفِسْقَ وَالْمُجُونَ،وَالْأَفْلَامَ الْمَاجِنَةَ،يَخْسَرُ أَصْحَابُهَا الْمَلاَيِينَ نَشْرًا لِلْفَسَادِ . وَمِنْ صُوَرِ الْإِضْلَالِ مَا نُشَاهِدُهُ وَنَسْمَعُهُ مِنْ قِيَامِ بَعْضِ النَّاسِ بِإِرْسَالِ الْمَقَاطِعِ الْمُحَرَّمَةِ،أَوْ الْفَتَاوَى الْمُحَرِّضَةِ عَلَى الْفِتْنَةِ،أَوْ الرَّوَابِطِ الْمُضِرَّةِ بِدِينِ الْإِنْسَانِ وَخُلُقِهِ؛ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ !
عِبَادَ اللهِ،إِذَا كَانَ وُقُوعُ الْإِنْسَانِ فِي الضَّلَالَةِ بَعْدَ الْهُدَى بِفِعْلِ غَيْرِهِ مَذْمُومًا وَمُؤْلِمًا؛فَكَيْفَ بِمَنْ وَقَعَ فِي الضَّلَالَةِ بِنَفْسِهِ، وَأَوْرَدَهَا الْمَهَالِكَ بِاِخْتِيَارِهِ ؟
ثَبَّتَنَا اللهُ عَلَى دِينِهِ،وَحَمَانَا مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
نَفَعَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ .

=======================

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ،وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ،وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ،تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ،وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ،وَخَلِيلَهُ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ،وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ،وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ..
فَاِتَّقُوا اللهَ-عِبَادَ اللهِ-حَقَّ التَّقْوَى،وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى،وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى .
عِبَادَ اللهِ،إِنَّ نِعْمَةَ الْإِسْلَامِ،وَالثَّبَاتَ عَلَيْهِ؛لَا تَعْدِلُهَا نِعْمَةٌ؛وَلِمَ لَا ؟ وَهُوَ الثَّرْوَةُ الْحَقِيقِيَّةُ،وَالْمِنْحَةُ الْإِلَهِيَّةُ،وَقَدْ بَيَّنَ لَنَا،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،أَنَّ الْخَوْفَ كُلَّهُ أَنْ تَزُولَ عَنَّا هَذِهِ النِّعْمَةُ؛فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إِنَّ القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. وقال،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،: (وَإِنَّ عَافِيَةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ وَفِتَنٌ، يُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا،فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ، فَلْتُدْرِكْهُ مَنِيَّتُهُ، وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ . فَكُلُّ فِتْنَةٍ تُلَيِّنُ وَتُرَقِّقُ مَا قَبْلَهَا،وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ! وَلِذَا فَعَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَسْأَلَ اللهَ الثَّبَاتَ عَلَى دِينِهِ . وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَدِلَّةُ الْمُرْشِدَةُ إِلَى ذَلِكَ،قَالَ تَعَالَى حَاثًّا عَلَى دُعَائِهِ: (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ)،وكَانَ النَّبِيُّ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولَ: "يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ "رَواهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. وَكان ابْنُ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما يَقُولُ: "وَلَا تَنْزِعْ عَنَّا الْإِسْلَامَ بَعْدَ إِذْ أَعْطَيْتَنَا»( ). فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَّقِي اللهَ،وَيُجَنِّبُ نَفْسَهُ الْوقُوعَ فِي الْفِتَنِ،وَلَا يَهْدِمُ مَا بَنَاهُ فِي سَنَوَاتٍ،فِي ثَوَانٍ مَعْدُودَاتٍ؛فَيَكُونُ حَالُهُ كَحَالَةِ مَنْ حَكَى اللهُ عَنْهَا بِقَوْلِهِ:(وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً) . فَعَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَبْذُلَ كُلَّ مَا فِي وُسْعِهِ لِلثَّبَاتِ عَلَى دِينِ اللهِ،وَأَنْ يُجَدِّدَ إِيمَانَهُ بَيْنَ فَيْنَةٍ وَأُخْرَى،قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ الْخَلِقُ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُجَدِّدَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ»رَوَاهُ الْحَاكِمُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ .
وَالدِّينُ رَأْسُ الْمَالِ فَاِسْتَمْسِكْ بِهِ فَضَيَاعُهُ مِنْ أَعْظَمِ الْخُسْرِانِ
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ..
المرفقات

الخوف من الضلالة غير مشكولة.docx

الخوف من الضلالة غير مشكولة.docx

الخوف من الضلالة مشكولة.docx

الخوف من الضلالة مشكولة.docx

الخوف من الضلالة.pdf

الخوف من الضلالة.pdf

المشاهدات 3706 | التعليقات 3

جزاك الله خيرا


جزاكم الله خيرا وبارك ونفع بالشيخ صالح العصيمي وجميع مشايخنا الفضلاء


جزى الله خيرا الناقل والمنقول عنه ولا حرم ربي الأجر والمثوبة كل المشاركين أصحاب النفع والتجوال في هذا المنتدى المبارك.