الخوارج المفهوم والحقيقة

الخطيب المفوه
1433/05/28 - 2012/04/20 07:56AM
الخوارج
المفهوم والحقيقة
خطبة ألقيت في جامع أبي عبيدة بحي الشفا
ألقاها : د / سعد بن عبد العزيز الدريهم .
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمدَ لله ، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا . من يهده الله ؛ فلا مضلَّ له ، ومن يضللْ ؛ فلا هاديَ له ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعدُ : فإنَّ أصدق الحديث كتابُ الله ، وخيرَ الهدي هديُ محمد e، وشرَّ الأمور مُحـدثاتُها ، وكلَّ محـدثةٍ بدعــةٌ ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلَّ ضلالةٍ في النار .
الخوارج أيها الأحبة في الله ، قوم مفسدون ؛ إنهم قوم اشتروا الضلالة بالهدى والعذابَ بالمغفرة ؛ إنهم قوم يفسدون ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً. الخوارج أيها الجمع ، هم سبب كلِّ باقعة تصيب الأمة وتنال من كرامتها ، وهم كذلك سببٌ في تأخر الأمة وجعلها في مؤخر الأمم ؛ حتى أضحت في هذه الأزمان ذليلة مهانة يمتطيها كل أفاك أثيم ، لقد أثر الخوارج في شباب الأمة حتى صرفوهم عن كل أمر رشيد ، وجعلوهم يتعلقون ببنيات الطريق ؛ فأماتوا عندهم العلم وحشوا رؤوسهم بالجهل ، ومحوا من أفئدتهم الهمة العالية والحرصَ على الخير ؛ فغدوا أتباع كل ناعق حاقد لا يريد لأمتنا ألا البوارَ والخسار ..
الخوارج أيها الأحبة في الله ، مصطلح تلوكه ألسنتنا ، ونتلقفه عن وسائل الإعلام المختلفة ، ونصنِّف به من أردنا ، ونصرفه عن من أردنا ، ولو تمعنا وأنعمنا النظر لأدركنا من هم أصحاب هذا اللقب ، ومن هم الجديرون به . وهنا نحتاج أيها الأحبة ، أن نلبس هذا اللباس أهله ، ونجعلهم يتسربلون به ؛ حتى لا يبقى المجتمعُ في عماية عنهم وعن مكرهم؛ لأن مكرهم في هذه الأزمان قد استفحل حتى لتكاد تزول منه الجبال ، وأثرَهم أصبح يجتاح الجموح ؛ يريد صرفها عن دين الله الصالح ؛ ليركبهم غلواء الشطط والميل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
غير عازب عنكم أيها الأحبة في الله ، أن العلماء الربانيين ، هم أبعد الناس عن هذا الوصف وصف الخوارج ؛ لأن العلم يأخذ بأيديهم حتى يجعلهم على جادة الصواب والخير ، وكلما رأى العلمُ الذي يسكن بين جنوبهم ميلاً منهم أخذ بهم تقويماً ؛ حتى يعيدهم إلى جادة الصواب ، وبطول المراس من العلماء وبالصبر على التلقي استقامت حياتهم ، وكذلك استقامت حياة أتباعهم ؛ لذا فعلماؤنا الربانيون في هذا البلد رحم الله الأموات منهم وثبت الأحياء ، على سبيل عريضة من الوسطية ، والأخذ بالاعتدال والبعد عن الغلو والتطرف ، وكذلك مجتمعنا هذا الذي نسكنه على نهج قويم في دينه وأخلاقه وعقائده ، وكل ذلك بعد الله وتسديده بأثر من هؤلاء العلماء الربانيين ، فبلدنا هذا علماءُ وعامة على الدين الذي ارتضاه الله ، وهم أهل السنة والجماعة ؛ فنسأل الله أن يثبتنا وإياهم على هذا النهج القويم حتى نلقاه .
لكن أيها الأحبة في الله ، ثمة خوارج عن هذا الإجماع ، وهم قوم تخطفتهم الشياطين ذات اليمين وذات الشمال ، وهم ضحايا شبهات تسربت إلى قلوبهم ، فنالت قبولاً في أفئدتهم ؛ حتى صرفتهم عن الدين الحق وعن السبيل القويم الذي جاءنا عن نبينا محمد r ؛ وهم في هذا ضحايا الجهل والبعدِ عن حوزة الدين والعلماء الصالحين ، وجعلوا من خواطرهم وعقولهم الفارغة دليلاً لهم وقائداً ؛ فأوردتهم حمأة الضلال والفسوق والعصيان ؛ نسأل الله العافية والسلامة ..
والخوارج أيها الأحبة في الله ، لو تأملنا لوجدناهم قوماً أفرطوا أو فرطوا ، فهم بين تارك للدين ومنتجع للأفكار المنحرفة الضالة وساعٍ في نشرها بين قومه ، وبين غالٍ في الدين ومتعمقٍ فيه لكن ليس على هدي من ربه أو رسوله r ، لكنها الأوهام ، وكلا الفريقين خطرٌ على الأمة وعلى أفرادها وواجب على الأمة مكافحته والقضاء عليه دون هوادة أو مهادنة ؛ لأن كلا الفريقين يسعى لإطفاء نور الله بعلم أو بجهل ، وبنية حسنة أو مقصد سيء ، لكن النتيجة واحدة ، وهي غياب الدين الحق .
ولو تأملنا أيها الأحبة في الله ، لوجدنا أ الفريق المنحرف ، وهم المفرِّطون هم الخطر الأول والأعظم على دين الله ؛ لأنهم قوم مكنوا من وسائل إسماع الكلمة ، والمجتمع لا زال في تعاطٍ معهم ولا زال يأخذ منهم بعض ما يتلفظون به ، كما أن الدعم ينهال عليهم من قبل أسيادهم ؛ لذا فهم بين تحطيم لقيم المجتمع وتمييع لقضاياه ، كما أنهم والغون في أعراض العلماء تشويهاً لهم وحطاً من مكانتهم ، وقد ترقى بهم الحال حتى نالوا من الصحابة رضوان الله عليهم ، وبعضهم ارتقى مرتقى صعباً فنال من الذات النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ، وغير خاف عليكم أن بعض المنحرفين الكفرة قد قال في الله قولاً عظيماً تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً ؛ فهذا الفريق من الخوارج ، وإن كانت وسائل الإعلام لا تسميهم بذلك ، ماضون في إجرامهم ونيلهم من مكانة أمتهم ، ولن يقر لهم قرار حتى يروا من جزيرة العرب مثالاً من أمثلة البغي والفساد ، لا مكن الله لهم، فحري بنا أيها الجمع ، محاربة هؤلاء الخوارج والقضاءُ عليهم ، فهم والله من بني جلدتنا كما قال النبي r ويتكلمون بلغتنا ، ولكنهم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها ؛ فاحذروهم أيها الجمع ، واقعدوا لهم كل مرصد حتى يذلهم الله ، وهم والله مقدم فلول الدجال أذله الله ، ومكرهم لو تأملنا شهواني بهيمي ؛ يريد للأمة أن ترتع في الخبال ، لا مكن الله لهم ؛ نسأل الله أن يخزيهم ويذلهم إنه على ذلك قادر ..
أقول قولي هذا ، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الحمد لله على إحسانه ، والشكرُ له على توفيقه وامتنانه ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه ، وأشهدُ أنّ محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين ، وسلّم تسليمًا كثيرًا .
أما بعد ُ:
فالفريق الآخر من الخوارج أيها الأحبة في الله ، هم من انتجعوا موجة الإفراط ، حيث يمموا النصوص المقدسة من كتاب وسنة ؛ فقرؤوها قراءة اجتهادية دون علم سابق ، ودون أخذ بالقواعد المرعية في تناول نصوص الوعد والوعيد ؛ فركزوا على الوعيد ، ولم يلتفوا لمحترزاته ، وخلاصة الأمر أن فهم الخوارج لم يكن له نصيب من العلم ؛ لذا تجد فيهم نبرة التكفير والتفسيق طاغية ، كما أن الدماء لا وزن لها في ميزانهم ؛ ففي سبيل إهلاك واحد لا بأس عندهم لو أحرقوا الأخضر واليابس وقتلوا العشرات ، والمنطق منهم في ذلك معوج ، فكم يتموا وكم رملوا وكم أفسدوا ، وكم أخروا انتشار الإسلام ؟! وكم قضوا على أعمال الخير ومؤسساته ؟!
هؤلاء الغلاة الخوارج أيها الأحبة في الله ، لهم امتداد عريض ، وكلما خرج قرن منهم قطع ؛ حتى إنكم سترون آخرهم مع فلول الدجال كما قال النبي r ، وأنتم أيها الجمع الكريم ، لكم اطلاع على فعالهم بنا في هذا البلد الكريم ، حتى إن بلد الله الحرام قد ناله بعض من شرهم ؛ وإنك لتلحظ أيها المحب ، أن العدو قد سلم من شرهم بينما من كان مسالماً قد ناله سفههم ؛ فياليت شعري ما ذنب ذلك الرجل الذي اختار الغربة لتمثيل بلده ؛ حتى يجعل منه أداة للمساومة ضد بلد لم يعهد عنه الاستسلام لطلب مساوم في القديم والحديث ؛ إنها والله ضحالة الرؤية وكسافة التفكير ، ويدل على إفلاس في المواجهة . إنه لم يعد بريق القاعدة يستهوي الأغرار فكيف بأصحاب العقول ؛ إن الناس في بلدي ـ أزعم ـ أنهم أصبحوا في حصانة من ذلك البريق الزائف ، لقد استبان لهم أن القاعدة ما هي إلا أداة للرافضة لتنفيذ أجندة مشبوهة ضد بلدكم ، وكم من إنسان أحمق ـ لو تدبرنا ـ وضع يده في يد الشيطان للتنفيس عن حقده ، لقد خابوا وخسروا . فهذه الجزيرة أخلصت للإسلام ، وهي مأرز الإسلام عند انقباضه في آخر الزمان ، ولن يجتمع دينان في جزيرة العرب ، فالإسلام الصحيح لمتزن هو قدر بلدنا هذا فاربعوا على أنفسكم أيها الخوارج ، لن تنالوا خيراً ، والله أسأل أن يعصمنا ويعصم بلادنا وحكامنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن .
المرفقات

139.doc

140.doc

141.doc

الحوارج المفهوم والحقيقة.doc

الحوارج المفهوم والحقيقة.doc

المشاهدات 3372 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا