الخلافات الزوجية

سالم بن محمد الغيلي
1441/02/15 - 2019/10/14 23:49PM

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ما سُجد للرحمن وما تلى القرآن وما طلع النيران وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان .

    • }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ{ ]سورة آل عمران: 102[

    • }يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ 1رَقِيبًا{ ]سورة النساء:1[

    • }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا{ ]سورة الأحزاب:70[

    عباد الله:

    يقول الحق تبارك وتعالى : }وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ]سورة الروم:21[ , خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا غليها وجعل بينكم مودة ورحمة, الحياة الزوجية من آيات الله ومن اكبر نعم الله ميثاق غليظ ورابط قوي ومع ذلك ومن الطبيعي أن تقع الخلافات والمفارقات.

    وخطبة اليوم عن الخلافات الزوجية التي ما سلم منها بيت النبي صلى الله عليه وسلم , وما سلم منها بيوت الصحابة رضي الله عنهم, فالرسول صلى الله عليه وسلم اكمل الخلق وآدب الناس ومع ذلك وقع له مع زوجاته خلافات لكنه صلى الله عليه وسلم يتعامل معها بأجمل ما يكون, كان صلى الله عليه وسلم جميل العشرة دائم البِشْر يداعب أهله ويتلطف معهم ويوسع عليهم في النفقة , (عن عائشةَ رضيَ اللَّهُ عنها، أنَّها كانَت معَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في سفَرٍ قالت: فسابقتُهُ فسبقتُهُ على رجليَّ، فلمَّا حَملتُ اللَّحمَ سابقتُهُ فسبقَني فقالَ: هذِهِ بتلكَ السَّبقةِ ) صحيح ابي داود للالباني, وفي البخاري عن أنس رضي الله عنه (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فأرْسَلَتْ إحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتي النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بَيْتِهَا يَدَ الخَادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمع النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الذي كانَ في الصَّحْفَةِ، ويقولُ: غَارَتْ أُمُّكُمْ ....الحديث) , فلا بد من الخلاف والاختلاف هكذا الإنسان هكذا الحياة هكذا طبيعة البشر , ولكن المحذوروالمخيف إذا زادت الخلافات الزوجية عن المعقول وعن الشيء الطبيعي , وعند ذلك عندما تشتد وتزيد عن المألوف يجب الإنتباه ويجب البحث عن الأسباب ثم علاجها ؛ليبقى البيت هادئاً مترابطاً تسوده السكينة والألفة, حفاظاً على سلوك ونفسيات الأجيال وحفاظاً على عش الزوجية .

    الخلافات الزوجية إذا زادت عن المألوف فإن هذا دليل مُتَيَقَّن أن وراءها اسباباً غيرت طبيعتها, ولعلي أذكر بعضها بإختصار واستغفر الله عن التقصير:

    والحديث أولاً عن الزوجين الذين كتب الله بينهم ألفة ومحبة وتقارب وتفاهم وعاطفة  وسارت حياتهم على الاكمل والاجمل , ثم طرأت عليها الخلافات والمنازعات , ومن اسباب ذلك:

      • وجود معصية في المنزل والمعصية في المنزل من أهم اسباب الخلافات ومن اهم اسباب خروج السعادة والألفة من المنزل, فإذا بين الزوجين أو أحدهما تقصير في الصلاة أو وجود قنوات سيئة ومسلسلات واختلاطات وتهاون في الحجاب , وغيبة ونميمة , ومزامير الشيطان الأغاني , أو التعدي على حرمات الآخرين خاصة من الزوج أو أذية الجيران , فإن ذلك أو تلك المعاصي كفيلة بتخريب الحياة الزوجية واشعال النار في المنزل.

      • ومن الاسباب: الأمور المالية.. فقد يكون الزوج مُقتراً بخيلاً على أهله على زوجته ولديه سعة في الرزق ويستطيع الإنفاق لكنه بخيل وشحيح ومُقتر وهذه مصيبة وطبع مكروه وتصرف ليس فيه بركة نعوذ بالله من البخل فقد استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم , واخبرنا عليه الصلاة والسلام أن الانفاق على الأهل اعظم أجراً قال صلى الله عليه وسلم: (دِينارٌ أنْفَقْتَهُ في سَبيلِ اللهِ ودِينارٌ أنْفَقْتَهُ في رَقَبَةٍ، ودِينارٌ تَصَدَّقْتَ به علَى مِسْكِينٍ، ودِينارٌ أنْفَقْتَهُ علَى أهْلِكَ، أعْظَمُها أجْرًا الذي أنْفَقْتَهُ علَى أهْلِكَ.) صحيح مسلم من حديث ابي هريرة رضي الله عنه, وقال صلى الله علي وسلم: (أَفْضَلُ دِينارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ، دِينارٌ يُنْفِقُهُ علَى عِيالِهِ ...الحديث) صحيح مسلم, وفي حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم:(.. .. وإنَّكَلَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بهَا وجْهَ اللَّهِ إلَّا أُجِرْتَ بهَا، حتَّى ما تَجْعَلُ في فِي امْرَأَتِكَ ...الحديث) صحيح البخاري, ونفقة الزوجة على زوجها حتى لو كانت موظفة إلا أن تعفيه منها أو تشاركه فيها , ونفقة الزوجة التي تعمل أو موظفة أقل من نفقة الزوجة التي لاتعمل كما يقول أهل العلم وفي ذلك تفصيل, وراتب الزوجة حق لها لايجوز للزوج ولا لغيره من أب أو أخ أو أم التصرف في مالها وتعبها, وهذا مجال غرق فيه كثير من الأزواج والآباء والامهات استخراج قروض وشراء سيارات وبيوت وعقارات باسم الزوجة الموظفة , هي التي تسدد وقد يكون ذلك من باب الحياء أو الحيلة أو المكر وكم سمعنا من المآسي والاختلافات والطلاق بسبب التخاصم على راتب الزوجة, وبعض الأزواج الكوارث... تشتري الزوجة أرضاً وتستخرج قرضاً وتبني بيتاً ثم يذهب يأتي بزوجة أخرى ويسكنها في الطابق الأسفل ... مكافأة مابعدها.

           ومن اسباب الخلافات بين الزوجين:

        • الشك : عدم الثقة.. الاتهام .. تُبنى هذه المنقصات على مجرد الظن والاحتمالات والتوقعات وهذه مصيبة وذنب عظيم أمام الله تعالى, إذا وجدت أمور بينة واضحة لا لبس فيها تستدعي الشك فلا بأس ولها علاجات, أما مجرد الظن أو التوقع فإن ذلك من المحرمات , وللشك أسباب من أهمها: أن الزوج له فلتات وتعديات وربما خيانات فيظن ويشك أن زوجته مثله أو ربما تفعل فعله والعياذ بالله.

        • ومن الاسباب: سوء الخلق, التَّجَهُم ,التعالي ,التفاخر, عدم التغاضي , يتجهم على زوجته ويتقوى عليها, ويستأسد, ينطق بالقبيحة يشتم ويلعن ويُعير ويسب الأهل , أو هي كذلك تعير وتستقل وتسترجل وهكذا يسوء الخلق ويتعكر صفو البيت .

        • ومن الأسباب: المقارنة, الزوج يرى ويتلفت ويسافر ويتابع المسرحيات والقنوات ويرى ثم يقارن , والزوجة كذلك تتابع وتتلفت.. والمشهورين والمشهورات وتقارن, وهنا لا يستلذ أحد بالآخر, حرمان ونكد وعدم قناعة وخلافات }جَزَاءً وِفَاقًا { ]سورة النبإ:26[

        • ومن الاسباب: الجفاف العاطفي: يمنعهم الكبر وضعف الإيمان وعدم الاحتساب والبعد عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم أن يلين كل منهما للآخر بكلمة طيبة , كلمة حب , كلمة شوق , رسالة غرام هذا إذا بينهم محبة , جفاف العاطفة , غياب الكلمات الجميلة, الثناء الجميل , الاعتراف بالمعروف , الشكر على التعب والجهد, التركيز في الاغلب على الأخطاء والتقصير.. كالذباب لايقع إلا على الجرح النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (.... والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ.... الحديث) اخرجه البخاري ومسلم, }وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ..{ ]سورة الإسراء:53[

        • ومن الاسباب: تهديد الزوج بالطلاق والزواج , يهدد ويتوعد مما ينشأ عنه الخوف والقلق والمرض النفسي لدى الزوجة , والزوج المحترم .. لا طلق ولا تزوج ولا سكت.

        • ومن الاسباب: انعدام جلسات الحوار الهادف, جلسات المصارحة والمناصحة حل المشكلات , كل يريد الحق له فقط لا يوجد انصاف من النفس , غياب الصدق والحرص على الألفة وردم الخلافات.

        • ومن الاسباب: نشدان الكمال وهذا من المحال الكل مجبول على النقص , فلا كمال في أحد من الناس.. في أحد من الزوجين.

        جبلت على كدر وأنت تريدها         صفواً من الأقذاء والأقذار

        اللهم اصلح بيوت المسلمين ألف بين قلوب الأزواج واصلح ذات بينهم وأعذنا واياهم من الشيطان الرجيم.

        اقول ماتسمعون.. 

        الخطبة الثانية

        الحمدلله حمداً كثيراً طيباً مُباركاً فيه كما يُحب ربنا ويرضى..

        عباد الله:

        ومن اسباب اختلاف الزوجين:

        *  عدم مراعاة الحالات النفسية والظروف التي يمر بها كل منهما , فالمرأة ضعيفة يعتريها التعب والغضب والإجهاد وضيق الأفق والحساسية الزائدة, والرجل يتعب ويغضب ويتعامل مع الناس باختلافاتهم واصنافهم, فإذا غابت المراعاة والتماس الاعذار والتغاضي فإن ذلك مصيبة تحل في البيوت.

        * ومن الاسباب: الغيرة القاتلة , الغيرة لا تأتي إلا من المحبة وهي مسلك طبيعي لكنها أحياناً تزيد حتى تتبخر معها سعادة البيت وسكينته , واقصد بهذه الغيرة التي يريد بها كل من الزوجين الاستحواذ والاستيلاء على الاخر , أما الغيرة على المحارم والخوف عليهم وصيانتهم وحفظهم فإن ذلك مطلب وواجب أن يغار المسلم على محارمه ومن لا غيرة فيه فإن فيه نوع من الدياثة وقلة الرجولة, فالرجل الشهم الغيور لايرضى لمحارمه بالاختلاط أو التسيب أو التكشف.

        * ومن اسباب الخلافات الزوجية : إخراج أسرار البيت فإن لكل بيت أسرار وخصوصية لا يجوز أن يطلع عليها أحد لا قريب ولا بعيد.

        ومن الاسباب: التدخلات الخارجية وإفساد علاقة الزوجين سواء من الأهل أو الأقارب أو الزملاء والزميلات.

        ومن الاسباب: عدم وجود الولد وهنا لا داعي للخلاف فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان , والمطلوب بذل السبب والعلاج بعد الإلحاح على الله تعالى في ذلك فإنه على كل شيء قدير.

        * ومن الاسباب : أن الزوجة دائماً لا تلد إلا البنات وهذه ارادة الله وحده لا يتصرف فيها إلا الله تبارك وتعالى , }لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ , أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ{ ]سورة الشورى:49,50[  

        ومن الاسباب: عدم الاهتمام بالنفس الإهمال في الزينة في اللباس في النظافة في التزين كل منهما للآخر.

        * ومن الاسباب: الميل من بعض المُعددين وهذه ظاهرة ومصيبة واثم وذنب وتعاسة لاتظلم أيها الزوج لا تفرض واحدةً على واحدة, لا تلزم واحدةً بأخرى , لا تذكر واحدةً عند الأخرى ولا تمدحها ولا تراسل ولا تتصل إلا أن يكون ذلك هنا وهناك وإلا فلا.

        ومن الاسباب :وهذا من أهمها ويغفل عنه الكثيرون فقد يكون هناك حسد أو عين أو مس أو سحر وهذه تمزق البيوت والأسر , وعلاجها في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

        فالله الله أيها الناس عالجوا هذه الاسباب و أبعدوها من البيوت حتى تسود السعادة والألفة والأُنس , حتى ينشأ الصغار في أمان وترابط وحياة كريمة سوية.

        وصلوا وسلموا..

        والله اعلم

        1441/2/12هـ

        المشاهدات 1197 | التعليقات 0