الخطبة الأخيرة من رمضان للشيخ أحمد بن عبد الله الحزيمي

الفريق العلمي
1436/09/25 - 2015/07/12 09:00AM
[align=justify]الحمد لله الخلاَّقِ العليم؛ خلق الزمان، وكوَّر الليل على النهار، وكُلُّ شيءٍ عنده بمقدار، نحمده على إدراك هذا الشهر الكريم، ونشكره على ما حبانا فيه من الخير العظيم، ونسأله -سبحانه- صلاح نياتنا، وقبول أعمالنا، واستقامتنا على أمره، واستمرارنا على عهده، وإعانتنا على ما يرضيه، واجتنابنا لما يسخطه؛ . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ دبر خلقه بعلمه وقدرته، وسيرهم على مراده وحكمته، ودلهم على ما يرضيه؛ فقطع معذرتهم، وأقام الحجة عليهم، وهو العزيز الحكيم.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ كان يصوم حتى يقول القائل: لا يفطر، ويفطر حتى يقول القائل: لا يصوم، وصلى من الليل كله، وكان يتهجد بالقرآن، فيطيل القيام، ويرتل القرآن، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله -تعالى- وأطيعوه، وأحسنوا ختام شهركم بخير عملكم، وألزموا أنفسكم بعهدكم، والاستمرار على طاعة ربكم، وأكثروا من الاستغفار؛ فإنه مرقِّعٌ لما تخرَّق من صيامكم، والهجوا لله -تعالى- بالحمد والشكر على رحمته بكم، وفضله عليكم؛ فلقد أدركتم رمضان صحاحًا معافين مسلمين، فصمتم وقمتم وقرأتم وتصدقتم، وفعلتم من الخير ما دُوِّن في صحائفكم، وأتيتم من البر ما لم يوفق له غيركم؛ وذلك محض فضل الله -تعالى- عليكم: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ)

من فضل الله عليكم أيها المؤمنون بالله واليوم والآخر أن اعتدتم في هذا الشهر الكريم على عبادات جليلة، وطاعات عظيمة، بل إنكم ما إن تفرغوا من عبادة إلا، وتنظركم عبادة أخرى، حسنات يزاحم بعضها بعضا، صلاة وصيام، وذكر وقيام، وتلاوة كلام الرحمن ، وإنفاق وإحسان، بيوت الله، عمرت بالذاكرين، وبقاء التالين لكلام رب العالمين ، لاإله إلا الله، كم من الأجور قد سجلت في موازين حسناتكم ، وكم من السيئات قد محيت عنكم ، وهذا فضل الله وتوفيقه لكم.
ونحن يا عباد الله في أواخر هذا الشهر الكريم، ألا يمكن أن نفكر قليلاً، في الإجابة على هذه التساؤلات، ألا يمكن أن نستمر على هذا العطاء ، وعلى هذا الخير بعد فراغ شهر الخير ، ألا يمكن أن نستمر في الصيام مثلاً، ولو لثلاثة أيام من كل شهر، حتى نحوز أجر صيام الدهر كما قال صلى الله عليه وسلم(صيام ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله)كما في الحديث المتفق عليه

ألا يمكن أن نحافظ على صلاة الوتر سواء كان بعد صلاة العشاء أو قبل النوم، ولو لركعة واحدة فهي صلاة ليست حكرا على رمضان بل تشرع كل ليلة من ليال العام، حيث لم يدعها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضر ولا سفر. قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد أمدكم بصلاة هي، خير لكم من حمر النعم، وهي الوتر فصلوها فيما بين العشاء، إلى طلوع الفجر رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني

ألا يمكن أن نختم القرآن ولو في كل شهرين مرة، ألا يمكن أن نعود أنفسنا على الجلوس ولو لدقائق معدودة, بعد أدبار الصلوات كصلاة العصر مثلا لنقرأ حزبنا اليومي من القرآن الكريم, ألا يمكن أن نتعاهد بيتاً من بيوت المسلمين ممن قصرت عليهم النفقة وأعوزتهم الحاجة بالمؤونة والرعاية، ألا يمكن أن يستمر صبرنا عما يغضب ربنا إلى ما بعد رمضان سواء كان من غثاء الفضاء أو قيح الألسن، أو صخب الأسماع المحرمة،

أخي الكريم الا يمكن ونحن نوشك على توديع أيام هذا الشهر الجميل أن يظهر أثر الصيام، وإن من أعظم آثاره ، التقوى كما قال سبحانه(ياأيها الذين آموا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) إننا لوحزنا هذا الأثر العظيم لأمكن أن تنقلب حياتنا رأساً على عقب، نعم تنقلب إلى حياة يحبها الله ورسوله.
إن من الناس من ينتظر بفارغ الصبر خروج هذا الشهر ليرجع إلى عادته الأولى وطريقته السفلى

ربما أن هذا الشهر الذي زعموا عبادته يشتكي تقصيرهم ويأن من تفريطهم ومع هذا الخلل الكبير في عبادتهم يمنون على الله في ذلك. إنني لن أتحدث عن أولئك المفرطون للشهر المضيعون للعمر الذين ربما عبدوا ربهم قليلاً في شهر وضيعوه أشهرا لكني أتحدث إليكم معشر المؤمنين بالله واليوم والآخر أتحدث إليكم يا من عرفتم أن رمضان فرصة للاستزادة من الطاعة ، والتقرب إلى الله، والترقي في درجات الجنة إليكم أتحدث فأقول يا عبد الله :عاهد نفسك وأنت في آخر هذا الشهر الكريم، أن تستمر على طاعة ربك، أدع الله بكل إخلاص وتجرد وإلحاح أن يديم عليك نعمة الطاعة ، وأن يرزقك حبها وأن تكون أحب إليك من مما سواها من متع الدنيا الفانية، وبعد رمضان واسمع جيداً وفي أول أيام شهر شوال لا تقطع ذلك الحبل الذي مددته، ولا ذلك الخير الذي رسمته، بل واصل العطاء مع الله، واستعن بالله في ذلك وضع نصب عينيك قول الله تعالى ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) استغل قوة الدعاء في الأوقات الفاضلة التي ستمر عليك فيما بقي من أيام هذا الشهر العظيمة ، ادع الله بإلحاح أن يجعلك من عباده الصالحين من عباده المتقين وأن يمن عليك بما منَّ عليهم ثم انظر بعد ذلك إلى عطاء الرب عليك ، انظر إلى هبات الكريم إليك، انشراح الصدر، وسعة البال، وسكون النفس، الغنى عما في أيدي الناس، هذا بعض من عطاء الدنيا، أما في الآخرة فشيء يعجز الواصفون وصفه بل هي ( جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر) بل إنك ستقول، نعم إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة
عباد الله هذا النعيم والله لا يدرك بالنعيم ولا بالتواكل ولا التمني والتسويف

بل إنّ من ذاق لذّةَ الطاعةِ على الحقيقة لا يسأم العبادةَ ولا يملّها، اسمَع لقول الله تعالى : مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحًا مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ فالحياة الطيّبة هي لذّة المناجاة لله، قوّة الاتّصال بالله والثّقة بالله والاعتمادُ على الله والأُنس بطاعةِ الله والرّاحة بالقيام بما أوجَب الله.

أيها المسلمون ما أعظم الليالي المتبقية من هذا الشهر الكريم فإن منها الليلة التي يرجى أن تكو ليلة القدر فإن هذه الليلة العظيمة ليلة القدر من الليالي العظيمة المباركة، فهي فرصة العمر، وغُرة الشهر،

من فضائل هذه الليلة أن قيامها إيمانا واحتسابا ليس كألف شهر، بل أفضل من ألف شهر ( ليلة القدر خير من ألف شهر)

ووعد الله وهو أصدق الصادقين بأن يغفر لمن قامها إيماناً واحتساباً ما تقدم من ذنبه ، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) متفق عليه ويستحب تحري هذه الليلة في أوتار العشر من هذا الشهر الكريم لحديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر ) رواه البخاري وهي في ليلة سبع وعشرين أرجى ما تكون ، فعن معاوية بن أبي سفيان عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ليلة القدر ليلة سبع وعشرين * ( صححه الألباني وكونها ليلة سبع وعشرين هو مذهب أكثر الصحابة وعدد من العلماء ، حتى أبيّ بن كعب رضي الله عنه كان يحلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين رواه مسلم

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.


الخطبة الثانية:

الحمد لله، أرشَدَ النفوس إلى هُداها، وحذَّرها من رداها، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا أحمده سبحانه وأشكره على نِعمٍ لا تُحصَى وآلاء لا تتناهَى، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له رضينا به ربًّا وإلهًا، وأشهد أنّ سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله أعلى الخلقِ منزلة وأعظمُهم عند الله جاهًا، صلى الله وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ما طلعت شمس بضحاها، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين، وسلّم تسليمًا كثيرًا.

ومما يبغي التذكير به في ختام هذا الشهر صدقة الفطر وهي فريضة فرضها الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته شرعت هذه الزكاة لتكون طهرة للصائم مما عسى أن يكون وقع فيه من اللغو والرفث، وتكون جابرة ما فيه من قصور، فإن الحسنات يذهبن السيئات، ولتكون عوناً للفقراء، والمعوزين
وتجب هذه الزكاة على كل مسلم فضُل له يوم العيد وليلته عن قوته وقوت عياله وحوائجه الأصلية، لا فرق بين ذكر وأنثى ولا بين صغير وكبير، بل لا فرق بين غني وفقير ، ولا بين ولا بين صائم وغير صائم.

ويجب إخراجها عمن تلزمه مؤونته من زوجة أو قريب إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم، فإن استطاعوا فالأولى أن يخرجوها عن أنفسهم ، لأنهم المخاطبون بها أصلاً.

وأما الجنين في بطن أمه إذا أكمل أربعة أشهر استحب بعض أهل العلم أن يخرج عنه زكاة الفطر تطوعاً من غير وجوب والواجب في صدقة الفطر صاع، والمراد بالصاع: الصاع النبوي ، وصاع المدنية ، وهو ما يساوي بالكيلو في زماننا الحاضر كيلوين وأربعين جراماً من البر الجيد وأما الرز وما أشبه ذلك من الأطعمة الثقيلة فيزيد وزنه، والوزن المعتدل ثلاث كيلو تقريباً.

فاعتبار الصاع هو الأساس وهو الأحوط في الأحوال والأطمعة كلها، خروجاً من الخلاف واتباعاً للنص الثابت بيقين.

ولايجزئ إخراجها من الدراهم والفرش واللباس وأقوات البهائم والأمتعة وغيرها لأن ذلك خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم،

وأما زمن إخراجها فله وقتان : وقت فضيلة، ووقت جواز.

فأما وقت الفضيلة : فهو صباح العيد قبل الصلاة، "

ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد ، فإن أخَّرها عن صلاة العيد بلا عذر لم تُقبل منه.

وأما مكان دفعها فتدفع إلى فقراء المكان الذي تقيم فيه.

عباد الله:

أحسنوا يا عباد الله ختام شهركم فإن الأمال بالخواتيم

هذا وصلوا وسلموا
[/align]
المشاهدات 1296 | التعليقات 0