الخروج على ولاة الأمر هو أول طريق العذاب

حسين بن حمزة حسين
1438/05/15 - 2017/02/12 06:56AM
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين .... والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ..
إخوة الإيمان : كثُرت الفتن ، وحلَّت البلايا والمحن الجسام بأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، الحروب في كل مكان ، الدم والدمار والحرب شعار أرض المسلمين ، القتلى بالملايين ، المعاقين بالملايين ، المهجرين بعشرات الملايين حتى نبذهم القريب والبعيد ، العدو والصديق ، حتى ماتوا وسط البحار وشردوا في القفار ، لا فرق ، أطفالهم ونساؤهم شبابهم وشيوخهم ، كل ذلك هرباً من الجحيم الذي حلّ في أوطانهم ، والعذاب الذي نالهم ، وما كان ليكون ذلك لو فقه أهل الإسلام دينهم واتبعوا شرع ربهم ، ولكن حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوّة إلا بالله .
إخوة الإيمان : الناظر بأحوال بلاد المسلمين المشتعلة حربا ونارا ً ، يرى كوضوح الشمس أن أعظم بداية شرر اشتعال نار العذاب وبدء القتل والتدمير والتخريب في الديار الخروج على ولاة أمور المسلمين والاختلاف عليهم ، ومنابذتهم ومقاتلتهم وإسقاط الرئاسة منهم ، والإسلام بريء ممن يفعل ذلك ، بريءٌ مما يحدث على أرض قومه ، حذّر الله تعالى عباده مغبّة ذلك في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، ما ذنب الإسلام إن قومُه أبعدوه بل وحاربوه ، لم يجعلوه بينهم حَكَماً وحُكْما ، لم يرجعوا إليه وينتصروا به ، فآلَ حالُهم إلى الشقاق والخلاف ، إلى التشتت والضياع ، تفشّت مدمرات ومهلكات الأمم فيهم ، تفشى القتل والدمار والفقر والجهل والخوف وتسلط الجبابرة من الأمم الكافرة ، وما كان ليكون ذاك إلا لبعد أهل الإسلام عن مكمن حفظهم وعزهم ونصرتهم ، ابتعدوا عن كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان حالُهم كما نرى ، وقد قال صلى الله عليه وسلم(تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي) .
إخوة الإيمان : إن من أُصول الدين السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين في غير معصية الله ، وولاة الأمر هم الأمراء والعلماء ومن في حكمهم القائمين على أنظمتهم في إدارة شؤون الناس ، فطاعتهم واجبة استجابة لأمر الله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) ، فأمر الناس لا يستقيم في دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم ، طاعةً لله ، ورغبةً فيما عند الله ، بشرط أن لا يأمروا بمعصية الله ، فإن أمروا بمعصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من أطاعني فقد أطاع الله، ومن يعصني فقد عصا الله، ومن يطع أميري فقد أطاعني، ومن يعص أميري فقد عصاني ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك) ، فطاعة الله ورسوله واجبة على كل أحد , وطاعة ولاة الأمور واجبة لأمر الله بطاعتهم .
عباد الله : وإن مما أمرنا الله تعالى به نبذ التفرق والخلاف والاعتصام بدين الله ، قال تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) ، وقال تعالى: ( وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) ، عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاَءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ هَذِهِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ، وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَر)).
إخوة الإيمان : جاء الأمر بالطاعة لولي الأمر عادلاً كان أم جائراً ، وإن ظهر منه معصية وإنْ حصل منه تقصيراً أو ظلماً ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( أَلَا مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ) ، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم التحذير من خطر الخروج على الحاكم فقال عليه الصلاة والسلام ( مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ) ، وقال صلى الله عليه وسلم (إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برىء ، ومن أنكر فقد سلم ، ولكن من رضي وتابع ، قالوا : يا رسول الله ، ألا نقاتلهم؟ قال: لا ، ما أقاموا فيكم الصلاة ) رواه مسلم ، فتجب لهم السمع والطاعة ولو كان الأمير ظالماً جائراً ، قال صلى الله عليه وسلم ( سَتَكُونُ أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا ) قالوا: يا رسول الله، كيف تأمر مَن أدرك منا ذلك؟ قال ( تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ ) فتجب الطاعة وإن كان المتولي ظالماً ، فيُعطى حقه من الطاعة ولا يخرج عليه ولا يخلع ، بل يتضرع إلى الله تعالى في كشف أذاه ، ودفع شره وإصلاحه، وما ذاك إلا لأن الخروج على الولاة يسبب فسادًا كبيرًا، وشرًّا عظيمًا، والواقع والتاريخ أكبر شاهد ، جاء رجل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، قال : يا نبي الله !! أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألوننا حقهم ويمنعوننا حقنا فما تأمرنا؟ فأعرض عنه ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله في الثالثة فجذبه الأشعث بن قيس، فقال صلى الله عليه وسلم ( اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم ) يعني : أن الله تعالى كلف الولاة العدل وحسن الرعاية، وكلف الله الرعية عليهم الطاعة وحسن النصيحة ، فإن عصى الأمراء الله فيكم ولم يقوموا بحقوقكم , فلا تعصوا الله انتم فيهم وقوموا بحقوقهم، فإن الله مجاز كل واحد من الفريقين بما عمل ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس ) قال حذيفة : كيف أصنع يا رسول الله ؟ إن أدركت ذلك ؟ قال ( تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك , فاسمع وأطع ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( من كره من أميره شيئاً فليصبر عليه, فإنه ليس من أحد من الناس يخرج من السلطان شبراً فمات عليه , إلا مات ميتة جاهلية) ، وكان السلف الصالح لا يخرجون على حكامهم مهما كان الأمر إلا أن يروا كفرا بواحا عندهم فيه من الله سلطان ، فقد اجتمع فقهاء بغداد في عهد الواثق إلى الإمام أحمد بن حنبل ، وقالوا له : إن الأمر قد تفاقم وفشى -يعنون إظهار القول بخلق القرآن وغير ذلك- ولا نرضى بإمرته ولا سلطانه ، فمنعهم الإمام أحمد من ذلك وقال: عليكم بالإنكار بقلوبكم ولا تخلعوا يدا من طاعة ولا تشقوا عصا المسلمين ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم وانظروا في عاقبة أمركم واصبروا حتى يستريح برٌّ أو يُستراح من فاجر ، نعم – يا عباد الله – لا يجوز الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ، ولا ننزع يدا من طاعة ، فإن طاعتهم من طاعة الله وندعو لهم بالصلاح والمعافاة.
فاتقوا الله – عباد الله – وأطيعوا من أمركم الله بطاعته، يؤتكم الله أجورًا عظيمًا في الدنيا والآخرة.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
إخوة الإيمان : انتصر الأفغان على الروس بعد قتال دام عشر سنين قدم خلالها الأفغان مليون وثلاثماءة ألف شهيد فصار الأمر للأفغان بعد نصر الله لهم ، فوقع الفراق والاختلاف والقتال على رئيسهم، فحذرهم العلماء مغبّة الخروج ، ومن أولئك العلماء الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله حتى راسل القادة الخارجين بالأسماء واحدا واحدا . حيث قال : كما أن الواجب على دولة رئيس مجلس الوزراء "حكمتيار" وعلى "دستم" وعلى غيرهما تقوى الله، وترك القتال وشق العصا، وحل المشاكل بالطرق السلمية لا بالقتال وسفك الدماء، عملاً بقول الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا[1]، وقوله عز وجل: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ[2]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق:(من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يفرق جماعتكم فاقتلوه)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من رأى من أميره شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة ومات فميتته ميتة جاهلية)، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. فوصيتي لجميع المجاهدين تقوى الله عز وجل، وحل المشاكل بالتفاهم والوسائل السليمة، مع وجوب المبادرة بترك القتال، والتحاكم إلى الشرع المطهر فيما أشكل على الجميع.إهـ
أخوة الإيمان : هل توقف القتل والدم في أفغانستان ، منذ ثلاثين سنة يصطلي الأفغان نار الألم ، ويذوقون ويلات الخروج على حاكمهم ، لم يستتب لهم أمن ويستقر لهم حال ، نار الحرب لم تُخمد يوما واحدا بل تتجدد قرنا بعد قرن ، تتناوب عليهم الفرق والجماعات وتتنوع ، القاعدة ثم طالبان ..الخ ، ولن يستتب الأمر حتى يرجع الناس لأمر الله ، ويسود أمر الله بطاعة الله ورسوله وطاعة ولي الأمر في السمع والطاعة في غير معصية الله ، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (من أكرم سلطان الله أكرمه الله ، ومن أهان سلطان الله أهانه الله)) وهو حَديْث حَسَنٌ .
وعن أنس بن مالك قال: نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ((لا تسبوا أمراءكم، ولا تغشوهم، ولا تبغضوهم، واتقوا الله واصبروا، فإن الأمر قريب) ، وقال أبو الدرداء : إياكم ولعن الولاة ، فإنَّ لعنهم الحالقة، وبغضهم العاقرة" قيل: يا أبا الدرداء ، فكيف نصنع إذا رأينا منهم ما لا نحب؟ قال: "اصبروا ، فإن الله إذا رأى ذلك منهم حبسهم عنكم بالموت" رواه ابن أبي عاصم في السنة وسنده صحيح .

ألا وصلوا عباد الله على خير خلق الله محمد بن عبدالله سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين ، صلولات الله وسلامه وبركاته عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلّم تسليما كثيرا ...
المشاهدات 1070 | التعليقات 0