الحَياة كَنزٌ.. وفي العشرِ تِجارة 1 ــ 12 ــ 1445هـ
عبدالعزيز بن محمد
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أَيُّها المُسْلِمُون: حازَ الكُنُوزَ وغَنِمْها، ومَلَكَ الأَمْوَالَ وَحَوَاهَا.. مُتَعُ الحَياةِ تَعْرِضُ بَيْنَ يَدَيْه، ورَغَباتُها لا تَتَعَسَّرُ عليه. يَرَاهُ النَّاسُ ذَا حَظٍّ عَرِيْض، يَرَاهُ النَّاسُ مَوْفُورَ المُنَى. مَا مَدَّ نَحْوَ رَغْبَةٍ كَفّاً فَكُفَّتْ. ومَا بَسَطَ نَحْوَها يَداً فَرُدَّتْ. مَحْسودٌ بِما نَال، مَحْسُودٌ بما مَلَك. كُلُّ مُقِلٍّ مِنَ النَّاسِ يَتَمَنَّى نَوالَه.
مَنْ مَلَكَ المَالَ تَرَبَّعَ على عَرُوْشِ مُناهُ. مَنْ مَلَكَ المَالَ.. أَدْرَكَ مِنْ الدُّنْيا مُشْتَهاه. كذا يُبْصِرُ النَّاسُ مُلَّاكَ الكُنُوز. كذا يَظُنُّ النَّاسُ أَرْبَابَ الثَراءِ {فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}
كُلُّ كَنْزٍ في الحَياةِ ــ وإِنْ عَظُمَ ــ فَمَرَدُّهُ إِلى فَناءَ. كُلُّ ثَراءٍ في الحَياةِ ــ وإِن اتَّسَعَ ــ فَنهايَتُهُ إِلى زَوال. كُنُوزُ الأَموالِ في النَّاسِ ودَائِعٌ.. وكَمْ سُلِبَتْ مِنْ ثَرِيٍّ وَدائِعُه.
ومَا المرءُ إلَّا كالشِّهابِ وَضَوئِهِ ** يَحُوْرُ رَمَاداً بَعدَ إذْ هوَ سَاطِعُ
وَمَا المالُ والأَهْلُونَ إِلا وَديعَةٌ ** ولا بُدَّ يَوماً أنْ تُردَّ الوَدائِعُ
* تَعَدَّدَتِ الكُنُوزُ وتُنَوَّعَتْ. وأَجَلُّ كَنْزٍ يُمْنَحُ المَرْءُ مَفاتِحَهُ.. كَنْزُ الحَياةِ التِيْ تُشْتَرَى بِها مَنازِلُ الآخِرَة. مَنْ اسْتَثْمَرَ كَنْزَ الحَياةِ التي يَعِشُها اليَومَ.. رَبِحَ سَعْيُهُ، وتَضاعَفَ كَسْبُهُ، وعَظُمَتْ تِجارَتُه.
لَحَظاتُ الحَياةِ كَنْزٌ.. وَصَحائِفُ الأَعْمَالِ حِسَاباتٌ جَارِيَةٌ.. يُودِعُ المَرْءُ فيها ما يَرْجُو نَوالَه في الآخِرَة. فَمَنْ شاءَ فَلْيُقِلَّ، ومَنْ شاءَ فَلْيُكْثِرْ {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} * كُلُّ عَمَلٍ يُقَدِّمُهُ المرءُ في الحَياةِ.. مَرْصُودٌ لَهُ في الآخِرَةِ ومُدَّخَر. فَلا يُحْجَبُ الحَيُّ عَنْ عَمَلٍ، ولا يُمْنَعُ مِنْ زِيادَة. صَحائِفُ الأَعمالِ قَدْ نُشِرَتْ، والعَبْدُ يُجْزَى بِما قَدْ خَطَّهُ القَلَمُ {مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ عَبَّاسِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذلكَ، فمَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بها فَعَمِلَها، كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَناتٍ، إِلى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، إلى أضْعافٍ كَثِيرَةٍ، ومَن هَمَّ بسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، فإنْ هو هَمَّ بها فَعَمِلَها، كَتَبَها اللَّهُ له سَيِّئَةً واحِدَةً) رواه البخاري
الحَياةُ كَنْزٌ.. أَفْلَحَ مَنْ بالصَّالحاتِ اسْتَثْمَرَها. الحَياةُ كَنْزٌ.. ومَعَ خُرُوجِ الرُّوحِ يُسْلَبُ، ومَعَ خُرُوجِ الرُّوحِ يُدْرِكُ المرءُ كَمْ فَرَّطَ فيه {حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ}
* الحَياةُ كَنْزٌ.. فاغْتَنِمْ كَنْزك َقَبْلَ أَنْ يُسْلَب (اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ، شَبابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِناكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وحَياتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ) اْغْتَنِمْها فإِنها حَتْماً سَتَزُول.
* مَنْ اغْتَنَمَ وَقْتَهُ بالطَّاعَةِ فَهُو في الكَنْزِ يُتاجِر. ومَنْ قَضَى وَقْتَهُ بالغَفْلَةِ فَهُو في الكَنِزِ مُفَرِّطٌ، ومَنْ قَضَى وَقْتَهُ بالمَعْصِيَةِ فَهُو في التِجارَةِ خَاسِر {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا}
* رَبِحَ كَنْزَ الحَياةِ.. مَنْ تَفَطَّنَ أَنَّ العُمُرَ قَلِيْلٌ وأَنَّ الحَياةَ قَصِيْرَةٌ، وأَنَّ المُهْلَةَ قائِمَةٌ وأَنَّ الحَياةَ لَنْ تَتَكَرر. * رَبِحَ الكَنْزَ مَنْ أَدْرَكَ أَنَّ الحَياةَ الحَقَّ.. هِيَ حَياةُ الآخِرَة، وأَنَّ هَذِهِ الحَياةَ ظَلٌّ زَائِل. {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ} {..يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}
* رَبِحَ كَنْزَ الحَياةِ.. مَنْ أَبْصَرَ الدُّنْيا على حَقِيْقَتِها فَصَدَقَ في طَلَبِ الآخِرَة {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا} أَطْوارٌ يَتَقَلَّبُ المرَءُ فيها حَتَى يَبْلُغَ في الحَياةِ مَنْتَهاه. لَعِبٌ في الطُفُولَةِ ثُمَّ لَهْوٌ في الشَّبَابِ.. ثُمَّ زِيْنَةٌ في الفُتُوَّةِ، ثُمَّ تَفَاخُرٌ في الكُهُولَةِ، ثُمَّ تَكاثُرٌ في الشَّيْخُوخَة.. ثُمَّ تَتَلاشَى كُلُّ تِلْكَ المَفَاتِنِ وتَصِيْرُ إِلى تَباب {وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}
* رَبِحَ كَنْزَ الحَياةِ.. مَنْ أَدْرَكَ أَنَّهُ يُمَتَّعُ في أَوْقاتٍ.. يَتَمَنَّى أَهْلُ القُبُورِ لَوْ مَنِحُوا أَقَلَّها.. لِيَتَدارَكُوا التَّقْصِيْرَ وليَعْمَلُوا الخَيْرَ فيها {وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ* وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} وفي الحديثِ قَالَ رَسُولُ صلى الله عليه سلم: (..إنَّهُ إِذَا مَاتَ أحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وإنَّه لا يَزِيدُ المُؤْمِنَ عُمْرُهُ إلَّا خَيْرًا) روا مسلم
* رَبِحَ كَنْزَ الحَياةِ.. مَنْ لَهُ نَفْسٌ إِلى الفَوزِ تَوَّاقَة. وهِمَّةٌ إِلى العُلا سَبَّاقَة، يَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ لَمْ تَحْمِلُهُ إِلى المَكارِمِ قَدَمُهُ فَإِنَّ قَدَماً أُخْرَى لَنْ تَحْمِله {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ* ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ}
* رَبِحَ كَنْزَ الحَياةِ.. مَنْ لَحِقَ بِزُمَرِ المُقَرَّبِيْن.. قَائِمٌ بِالفَرائِضِ مُتِمٌّ للواجِبات، مُسْتَزِيْدٌ مِن النَوافِلِ مُسْتَكْثِرٌ مِنَ الصَّالحات، مُتَطَهِّرٌ مِنَ الآثامِ مُقْلِعٌ عَنْ السَيِّئات. سَابِقٌ بالخَيْرَاتِ لاحِقٌ بالرَّكْبِ الَكَرِيم {..مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا} {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}
* رَبِحَ كَنْزَ الحَياةِ.. مَنْ تَفَكَّرَ فأَبصَر، ودُعِيَ فأَقْبَل، وأُرْشِدَ فأَفَاق {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} بارك الله لي ولكم..
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً أما بعد: فاتقوا الله عباد الله لعلكم ترحمون
أيها المسلمون: الحَياةُ كَنْزٌ.. تَتَهاوَى أَمامَهُ كُلُّ الكُنُوز. وِعاءٌ تُودَعُ فيهِ أَعْمالٌ تُلازِمُ صاحِبَها حَتَى يُصِيْرُ إِلى مُنْتَهاه. أَعْمالُ المَرءِ في الحَياةِ.. زَادٌ لَهُ في قَبْرِهِ، زَادٌ لَهُ في حَشْرِه. فَأَكْرِمْ بِمَنْ كانَتِ التَقْوَى لَه زَاد {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}
عَنْ أَنَسِ بنِ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: (يَتْبَعُ المَيِّتَ ثَلاثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنانِ ويَبْقَى معهُ واحِدٌ: يَتْبَعُهُ أهْلُهُ ومالُهُ وعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أهْلُهُ ومالُهُ، ويَبْقَى عَمَلُهُ) متفق عليه
* وفي مَواسِمِ الفَضْلِ.. تُضاعَفُ للمُحْسِن الحَسَنات. وأَيامُ العَشْرِ الأُولى مِنْ ذِيْ الحِجَّةِ أَعْظَمُ أَيَامِ الدُّنْيا. والعَمَلُ الصَّالِحُ فيها.. أَكْرَمُ جَزاءً وأَوْفَرُ أَجْراً.
أَيَّامُ العَشْرِ الأُولى مِنْ ذِي الحِجَةِ.. لَيْسَ أَيَّامٌ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيا تُوازِيْها، عَنْ عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: (مَا مِنْ أَيامٍ العَمَلُ الصَّالحُ فِيها أَحَبُّ إِلى اللَّهِ مِنْ هذِهِ الأَيَّامِ ــ يعني: أَيامَ العشرِ ــ قالوا: يَا رسولَ اللَّهِ وَلا الجهادُ في سبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلاَ الجهادُ فِي سبِيلِ اللَّهِ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرجَ بِنَفْسِهِ، وَمَالِهِ فَلَم يَرجِعْ منْ ذَلِكَ بِشَيءٍ) رواه البخاري
وها هِيَ أَيَّامُ العَشْرِ قَدْ فاءَ فَيْؤُها.. فَهِيْئاً لَمَنْ في الظِلالِ تَفَيَّأَ. أَيْقِظْ عَزائِمَ هِمَّةٍ.. لا تَنْزَوِيْ نَحُو الكَسَل، فَالعُمْرُ يَمْضِيْ مُسْرِعاً والمَوْتُ يَدْنُو في عَجَل.
أَسْوأَ العِبادِ خُلُقاً.. مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ رَبِهِ كَرُمٌ فأَبَاه، ومُدَّتْ لَهُ مَواسِمُ مُضاعَفَةٍ فَأَعْرَضَ عَنْها (مَا مِنْ أَيامٍ العَمَلُ الصَّالحُ فِيها أَحَبُّ إِلى اللَّهِ مِنْ هذِهِ الأَيَّامِ) فاضْرِبْ لَكَ في كُلِّ عَمَلٍ صالحٍ سهماً رابِحاً، فأَبْوابُ الأَعْمالِ لَيْسَ لَها حَصْرٌ.
وأَعَظَمُ عَمَلِ المرءِ.. قِيامُهُ بِما افْتَرَضَهُ اللهُ عليه. فَمَنْ فَرَّطَ في الفَرائِضِ فَقَدْ فَرَّطَ في رأَسِ المالِ. ومَنْ فَرَّطَ في رَأَسُ المالِ أَنَّى لَهُ أَنْ يَرْبَح. أَداءٌ لِلْفَرَائِضِ وقِيامٌ بالواجِبات.. ثُمَّ مُسابَقَةٌ في النوافِلِ والسُّنَنِ والمُسْتَحَبّات. والكَفُّ عَنِ المُحَرَّماتِ مِنْ أَوجَبِ الواجِبات.
وأَعظَمُ ما اخْتُصَّتْ بِهِ هذهِ أَيامُ العَشْرُ مِنْ أَعْمال.. حَجُّ بَيْتِ اللهِ الحَرام. حَرامٌ على المُسْتَطِيْعِ أَنْ يُفَرِّطَ في أَداءِ ما افْتُرِضَ عليه {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} و «مَنْ حَجَّ، فلَمْ يَرْفُثْ، وَلم يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمَ وَلَدْتُهُ أُمُّهُ»متفق عليه «والحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ»متفق عليه
يَجْتَهدُ المُسْلِمُ أَنْ يُؤَدِيْ فَرِيْضَةَ الحَجِّ على أَكْمَلِ وَجْهٍ. يَقْتَدِيْ فيها بِسُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وبِهَدْيِهِ يَهْتَدِي. يَتَفَقَهُ في العِبادَةِ، ويَحذَرُ المُخالَفَةَ، ويسأَلُ عَما جَهِل.
ومَنْ حَجَّ.. فَليأَخذْ بأَسبابِ الوِقايَةِ مِنْ الأَضْرارِ.. فإِنَّ الأَخذُ بالأَسبابِ المَشروعَةِ عِبَادَة. يَتَوَقَّى الحَاجُ مَواقِعَ الزِحامِ ما أَمْكَنَه، ويَسْتَظِلُّ مِنْ أَشِعَةِ الشَّمْسِ ما اسْتَطاع، ولا يُهْمِلُ نَظافَةَ ثَوبِهِ ومَكانِهِ وبَدَنِه، ويُكثِرُ مِنْ شُرْبِ الماءِ، ولا يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لأَيِّ خَطَر. بِذاكَ أَوْصَى أَهْل النُصْحِ والاخْتِصاص.
* والأُضْحِيةُ سُنَّةٌ مِن آكَدِ السُّنَنِ لِغَيْرِ الحاجِّ.. وهِيَ مِن أَعظَمِ الأَعْمَالِ الصَّالحَةِ، وفي الحَدِيثِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ) رواه مسلم
* وتَكِبِيْرُ اللهِ وذِكْرُهُ في هذهِ الأَيامِ مِنْ أَجَلِّ القُرُبات {لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} وأَيامُ العَشْرِ هِي الأَيامُ المَعْلومات.
ومَنْ لَمْ يَكُنِ اللهِ لَهُ مُعِيْنٌ.. فَلَنْ يُسدَّدَ في سَعيٍ، ولَنْ يُوَفَّقَ لِفَضِيْلَة {إِيَّاكَ نَعْبدُ وإِياكَ نَسْتَعين}
اللهم اهدنا صراك المستقيم، وأعِنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك يا أرحم الراحمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرةِ حسنة وقنا عذاب النار
المرفقات
1717671928_الحَياةُ كَنزٌ.. وفي العَشرِ تِجارة 1 ـ 12 ـ 1445هـ.docx