الحياة الزوجية السعيدة
أنشر تؤجر
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد :
فأُوصيكم ونفسي بتقوى الله عزَّ وجل ، فاتقوا الله رحمكم الله ، ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) [النساء: 1].
أيها المسلمون: الأسرةُ أسَاسُ المجتمع ، ونَوَاةُ بِنَائها الزوجان ، قال الله تعالى :( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ ) [الحجرات:13].
وفي الزوَاجِ عَمَارُ الكون ، وسَكَنُ النَّفْس ؛ وبقِيَامِهِ تَنْتَظِمُ الحياةُ ، ويَتَحقَّقُ العَفَافُ والإحصان.. يَجْمَعُ اللهُ بالنكاحِ الأرحامَ المُتباعِدَة ، والأنسابَ المُتفرِّقَة.. وهو عَلَاقةٌ وثيقةٌ بين أُسْرَتين ، ومِيثاقٌ غَلِيظٌ بين زَوْجين :( وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ) [النساء: 21].
وميزانُ النجاحِ والسَّعادةِ في الاختِيار: هو توجيهُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بقولِه :" تُنكَحُ المرأةُ لأربعٍ : لمالِها ، ولحَسَبها ، ولجمالِها ، ولدِينِها ، فاظفَرْ بذاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يدَاك " متفق عليه.
وفي توجيهِ المرأةِ ووليِّها ، قال عليه الصلاة والسلام :" إذا أتاكُم مَن ترضَونَ دينَهُ وخُلُقَهُ فزوِّجوه ، إلَّا تفعَلوا تكُنْ فتنةٌ في الأرضِ وفسَادٌ كبير" رواه الترمذي وابن ماجه.
ومعَ أنَّ الزواجَ وتكوينَ الأُسرةِ ضرورةُ حياة ، وجِبِلَّةٌ وفِطرةٌ ، إلا أنه أيضًا رِباطٌ يمتدُّ إلى اليومِ الآخر :( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ) [الرعد: 23].
وَعَدَ اللهُ فيه بالغِنى والسَّعَةِ في الرزق ، ولا خُلْفَ لِوَعدِ الله :( إِنْ يَكُونُواْ فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ) [النور:32].
وبحُسْنِ العِشْرةِ وطِيْبِ المودَّة ؛ تُبَدَّدُ الهُموم ، ويَحْصُلُ الاطمئنان ،( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) [النساء:19].
وإذا أَصْلَحَ الزَّوجَانِ ما بينَهُما وبينَ الله ؛ أَصْلَحَ اللهُ بينَهما ، فكَمْ مِن مَعصيةٍ شتَّتَتْ أُسَرًا سعيدةً ، وكم ذَنْبٍ أحالَها حياةً مريرة :( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) [الشورى: 30].
عباد الله : إننا نعلم جميعا أن الكمال عزيز ، وأن الاختلاف من طبيعة البشر ، لذا فقد تَهُبُ عواصِفُ الخلافِ على بعضِ الأُسر ، وقد يختلف الزوجان ؛ ولم يسلم بيتٌ حتى بيتُ النبوةِ على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ، فهذه سنة الله في الحياة ، لكن البيتَ الصالحَ والذي عرف فيه كلا الزوجان ما لهما وما عليهما ، فإنه لا يتأثر بأي خلاف بل يزيده تماسكا وتباتا ، ويكسبهُ وعيا وإدراك ، فيصلح الخطأ وتسد أبواب الشر ؛ ومن القواعد المهمة في الحياة الزوجية ، التي ينبغي أن يتذكرها كلا الزوجان ؛ قول النبي صلى الله عليه وسلم :" لا يفرك مؤمن مؤمنة ، إن كره منها خلقا ، رضي منها خلقا آخر ".
ويا أيها الزَّوج المبارك : إنَّ عليكَ النَّفَقَةَ والسُّكنَى ، وألَّا تُضيِّعَ مَنْ تَعُول ، واستحضِرْ قولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم :" دِينارٌ أنفقتَه في سبيلِ الله ، ودِينارٌ أنفقتَه في رقبةٍ ، ودِينارٌ تصدَّقتَ به على مِسكين ، ودِينارٌ أنفقتَه على أهلِك. أعظمُها أجرًا : الذي أنفقتَهُ على أهلِك " رواه مسلم.
وكن وسطاً في إنفاقِكَ يُبارِكْ لكَ اللهُ في رِزقِك :( وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ) [الإسراء: 29].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .. أقول قولي هذا ، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المُسلمين من كل ذنبٍ ، فاستغفِروه . فيا فوز المستغفرين.
الحمدُ لله على إحسانِه ، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانِه ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنِه ، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه ، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه ، وسلَّم تسليمًا مزيدًا.. أما بعدُ : أيها المسلمون :
إن الرحمة والرفق والشفقة على أهلِ البيتِ ؛ شُموخٌ في الرُّجولَة ، فقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا رأى ابنتَهُ فاطمةَ قالَ لها :" مرحبًا بابنتي"، ثم أَجْلَسَها عن يمينهِ أو شِماله . رواه مسلم .
والنِّعْمَةُ – يا عباد الله - لا تُقابلُ بالمعصية ، ولَيلةُ زَفَافِ الزوجَةِ إلى زَوجِها مِن نِعَم اللهِ العظيمة ، والابتهاجُ والفرح بها لا يكونُ بالمُنكرَاتِ والمُخالَفات ، والتَّبذيرِ والمُبالَغات.. فأيُّ بَركةٍ تُرجَى مِن زَوَاجٍ يُستفتَحُ بمعصيَةِ الله ، وهو وحدَهُ الذي بيدِه التوفيق ؟!.
ألاَ فاتقوا الله رحمكم الله ، واستعينوا بهِ سبحانه على صَلاحِ بُيوتِكم ، وهِدَايةِ أولادِكم .. عاشِروا زَوجاتِكم بالمعروف ، واستوصوا بهنَّ خيرا ، واسألوا اللهَ تعالى من فضله .
اللهم وفِّق المُتزوِّجين والرَّاغِبين في النِّكاح ، اللهم أسعِدهم وبارِك لهم وبارِك عليهم ، واجمَع بينهم في خيرٍ ، وارزُقهم الذريَّة الصالِحة .
اللهم وفِّق شبابَ المُسلمين وفَتَيَاتهم ، وجنِّبْهُمُ الفواحِشَ والفِتَن ، وحصِّنهم بالإيمان والعفافِ ، يا رب العالمين .
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبيك محمد ، صاحب الوجه الأنور ، والجبين الأزهر ، والخلق الأكمل ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين ، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين ، وعن الصحابة أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، واحم حوزة الدين ، وانصر عبادك المؤمنين .
اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا بتوفيقك ، اللهم وفّقه وولي عهده ، وأعزّهم بطاعتك، وأعل بهم كلمتك ، وانصر بهم دينك ، اللهم وفقهم وولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وبسنة نبيك محمدٍ r واجعلهم رحمة بعبادك المؤمنين ، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين .
اللَّهُمَّ اُنْصُر جُنُودَنا الْمُرابطينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا ، اللهم اِرْبِطْ عَلَى قُلُوبِـهِمْ ، وَثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ ، وَاخْلُفْهُمْ فِي أَهْلِيهِمْ بِخَيْرٍ يا رب العالمين .
للهم إنّا نعوذ بك من الغلاء والوباء ، والربا والزنا ، والزلازل والمحن ، ما ظهر منها وما بطن..
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201]، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23].
سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .
المرفقات
1722525917_الحياة الزوجية السعيدة.docx