الحياء-19-2-1446هـ
محمد محمد
إذا لم تستح فاصنع ما شئت-19-2-1446هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري
الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:
قَالَ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسَ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ"، مَا أَجمَلَهَا مِن كَلِمَاتٍ، مِن بَقَايَا تُراثِ النُّبوَاتِ، فَكُلُّ الشَّرائعِ والأَديانِ تَتَابَعتْ عَلى الوَصيَّةِ بَالحَياءِ، حَتى أَصبحَ شِعَارًا وخُلُقًا لدِينِ خَاتَمِ الأَنبياءِ، قَالَ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "إنَّ لِكُلِّ دينٍ خُلُقًا، وإنَّ خُلُقَ الإسلامِ الحياءُ".
"إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ"، هَل المعنى مدحٌ وثناءٌ؛ أَنَّ الفِعلَ إذا لَم يَكُنْ يُستَحيا مِنهُ أَمَامَ اللهِ-تَعالى-وَخَلقِهِ، فَافعلُهُ فَإنَّهُ جَائزٌ، وَأَما الذي يُستَحيا مِنهُ فَاتركهُ فَإنَّهُ حَرامٌ، فَالضَابطُ في مَعرِفَةِ الحلالِ والحرامِ هُوَ الحيَاءُ؟ قالَ الشَّاعِرُ:
وَرُبَّ قَبِيْحَةٍ مَا حَالَ بَينِي*
وَبَيْنَ رُكُوْبِهَا إِلَّا الحَيَاءُ
فَكَانَ هُوَ الدَّوَاءَ لَهَا وَلَكِنْ*
إِذَا ذَهَبَ الحَيَاءُ فَلَا دَوَاءُ
أَو أنَّ المَعنى تـهديدٌ ووعيدٌ؛ أَنَّهُ إذا لَم يَكُنْ لَكَ حَياءٌ يَمنَعُكَ مِنَ القَبَائحِ، فَافعَلْ مَا شِئتَ فَإنَّكَ مَحَاسبٌ عَليهَا يَومَ تُظهرُ الفَضَائحُ، قال-تَعَالى-: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، وقالَ-سُبحَانَهُ-: (فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ)، يَعني: فَسَوفُ تُحَاسبُونَ عَلى الشِّركِ والعَملِ السيءِ يَومَ القِيامةِ.
وَهَذا المَعنى كَأَنَّهُ الأَقربُ بَلْ هُو مَا نَراهُ في الوَاقعِ، فَإنَّ الحَياءَ إذا ذَهَبَ نُزِعَتْ الأَقنِعَةُ، وظَهَرَتْ حقائقُ مَعَادِنُ النَّاسِ، وَبَانَ مَا كَانَ يَسترُهُ الحَيَاءُ مِنَهم، عِندَهَا لا تَسلْ عَن فَسَادِ الأَفرادِ والمُجتَمَعاتِ، فَيَكونُ القَبرُ خَيرًا مِن تِلكَ السَّنَواتِ الخَدَّاعَاتِ، وَصَدَقَ القَائلُ:
إذَا لَمْ تَخْـــشَ عَاقِبَةَ اللَّيَالِي*
وَلَمْ تَسْـــتَحِ فَــاصْنَعْ مَــا تَشَاءُ
فَلَا وَاَللَّهِ مَا فِـي الْعَيْشِ خَـــيْرٌ*
وَلَا الدُّنْيَـا إذَا ذَهَـبَ الْحَيَـاءُ
يَعِيشُ الْمَرْءُ مَا اسْــتَحْيَا بِخَــيْرٍ*
وَيَبْقَى الْعُـودُ مَا بَقِيَ اللِّحَاءُ
"إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ"، وتَكَلَّمْ فِي المَجَالسِ بِمَا تَشَاءُ، مِن كَذِبٍ وغِيبةٍ واستِهزَاءٍ، وافضَحْ مَا سَتَرَهُ اللهُ عَليكَ في ظُلمَةِ اللَّيالي، وأطلِقْ لِلسَانِكَ العِنانَ لِيَقولَ مَا شَاءَ ولا تُبالِ، فَإذا لَم يَمنَعْكَ دِينٌ ولا حَياءٌ، فَمَا هِيَ حُدودُكَ الحَمراءِ؟! قَالَ مُعاذٌ-رَضِيَ اللهُ عَنهُ-: "يَا نَبيَّ اللهِ، إِنَّا لمؤاخَذونَ بِمَا نَتَكلَّمُ بِه؟، فقَالَ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: ثَكِلَتكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ عَلَى وجُوهِهِم، أَو عَلَى مَنَاخِرِهم، إلَّا حَصَائدُ أَلسِنَتِهم".
إذَا رُزِقَ الفَتَى وَجهًا وَقَاحًا*
تَقَلَّبَ في الأُمُورِ كَمَا يَشَاءُ
"إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ"، فَانظُرْ مَا شِئتَ، واسمَعْ مَا شِئتَ، وافعَلْ مَا شِئتَ، واظلِم مَن شِئتَ، واكسِبْ مَالَكَ مِن حَيثُ شِئت، واصرِفْ مَالَكَ فِيما شِئتَ، وَمَا لَم تَستحِ مِنهُ اليَومَ فَستَجِدُهُ في كِتابٍ، عِندَمَا يُعرَضُ النَّاسُ في يومِ الحِسابِ، (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا).
أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
"إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ"، فَصَوِّرْ مَا شِئتَ، وانشُرْ مَا شِئتَ، ومِنْ أَجلِ الاشتهارِ بالخزيِ والرذيلةِ، وجمعِ الأَموالٍ بالمهانةِ والذِلةِ، ظَهَرَتْ عَورَاتٌ كَانتْ مَصونَةً، وأَسرارٌ كَانتْ مَدفونَةً، وأَصبَحَ التَّصويرُ يَصِلُ إلى كُلِّ مَكانٍ في البيتِ دُونَ استثناءِ، وَصَارَ كُلُّ شيءٍ قَابلًا للتَّصويرِ دُونَ تَحَفُّظٍ أو حَياءٍ، والعَجيبُ أَنَّ المُتَابعينَ لَهم بالآلافِ بَل بالمَلايينِ، فِي ضَياعٍ للأَوقاتِ والأَخلاقِ والدِّينِ، وَكَأنَّ حَالَ الزَّمَانِ يَقُولُ: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ).
إذا لم تَصُنْ عِرْضًا وَلَم تَخشَ خَالِقًا*
وَتَستَحِ مَخلوقًا فَمَا شِئتَ فَاصنَعِ
"إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ"، والبَسْ مَا شِئتَ، وَقَلِّدْ مَن شِئتَ، فَهَذا قَصيرٌ يَكشِفُ أَفخَاذَ الرِّجَالِ، وَتِلكَ أَسَاورُ ورَبطَاتُ شَعرٍ وَسِلسَالٌ، فِي تَقليدٍ لُكُلِّ كَافرٍ وَفَاسقٍ وَضَالٍ، فَهَلْ هَذا ما يَتَربى عَليهِ الأجيَالُ؟ وَقَد مَضَى زَمَانٌ إذا لَم يَمنعِ الإنسانَ دِينٌ مَنَعَهُ الحَياءُ، وإنِّي لأخشَى زَمَانًا لا يَمنعُ فيهِ مِن العَارِ دِينٌ ولا حَياءٌ، وإذا ذَهَبَ الحَياءُ ذَهبَ الخَيرُ كُلُّهُ، قَالَ-عليه الصلاةُ والسلامُ: "الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَا بِخَيْرٍ".
إذا قَلَّ مَاءُ الوَجهِ قَلَّ حَياؤُهُ*
وَلا خَيرَ في وَجهٍ إذا قَلَّ مَاؤُهُ
حَيَاؤُكَ فَاحفَظْهُ عَليكَ فَإنَّمَا*
يَدُلُّ عَلى وَجهِ الكَريمِ حَياؤُهُ
اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.
سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ.
اللَّهُمَّ اغفرْ لنا وللمسلمينَ، وارحمْنا وارزقْنا.
اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.
اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبإخوانِنِا المستضعفينَ في غزةَ وبلادِ الشامِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ، الطفْ بنا وبهم على كلِ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.
اللَّهُمَّ اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه.
اللَّهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ وعليكَ بالظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ، حسبُنا اللهُ ونِعْمَ الوكيلُ، لا إلهَ إلَّا هوَ عليهِ توكلنا وهو ربُّ العرشِ العظيمِ.
اللَّهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم.
اللَّهُمَّ إنَّا والمسلمينَ مستضعفونَ فانتصرْ لنا يا قويُ يا عزيزُ.
اللَّهُمَّ انصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.
اللَّهُمَّ يا شافي اِشْفِنا وأهلَنا والمسلمينَ والمسالِمين.
اللَّهُمَّ ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.
اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.
اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.
اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.
اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.
اللَّهُمَّ (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).
اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.
المرفقات
1724406823_إذا لم تستح فاصنع ما شئت-19-2-1446هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx
1724406823_إذا لم تستح فاصنع ما شئت-19-2-1446هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf