الحياءُ كُلُّهُ خيرٌ
خالد الكناني
الحياءُ كُلُّهُ خيرٌ
إن الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن محمدًا عبده ورسوله ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أما بعدُ : عبادَ الله : اتقوا الله حق التقوى، قال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) }
أيها المسلمون :
خلق كريم لا يمتلكه إلا أهل المروءات، وتخلا عنه البعض من الناس ، لكثرة المؤثرات والمغريات .
إنه خلق خير كله ، ولا يأتي إلا بخير ، من تجمل به حسن وكمل ومن تخلى عنه ذم ونقص ، إنه خلق الحياء .
أيها المسلمون :
للمؤمنين صفات يتصفون بها وقيم يتحلون بها ، ومنها خلق الحياء وهو من شعب الإيمان
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ - أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ - شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ» صحيح مسلم (1/ 63)
الحياء: خُلُق يبعث على فعل كل مليح وترك كل قبيح؛ فهو من صفات النفس المحمودة التي تستلزم الانصراف عن القبائح وتركها، وهو من أفضل صفات النفس وأجلّها، وهو من خُلُق الكرام وسمة أهل المروءة والفضل
إن الحياء أيها الكرام علامة تدل على ما في النفس من الخير، وهو أمارة صادقة على طبيعة الإنسان، فيكشف عن مقدار إيمانه وأدبه؛ فحينما ترى إنسانًا يشمئز ويتحرج من فعل ما لا ينبغي فاعلم أن فيه خيرًا وإيمانًا بقدر ما فيه من ترك للقبائح
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ، وَالإِيمَانُ فِي الجَنَّةِ، وَالبَذَاءُ مِنَ الجَفَاءِ، وَالجَفَاءُ فِي النَّارِ.
وعن سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الحَيَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْهُ فَإِنَّ الحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ» أي يعاتبه؛ لأنه أضر به .
الحياء أيها الكرام خلق كله خير وهو جامع لخصال الخير
عن عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ، أَوْ قَالَ: الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ " و قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ»
والتفلت من الحياء نذير شؤم .... ومن سلب الحياء قبح وقل إيمانه فليس له زاجر يمنعه من الوقوع في القبيح ويمنعه من المحظور فلا رادع له ولا خشية مذمة ، القبيح مسلك الجهلة والسفهاء
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ، إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ»
إذَا لَمْ تَصُنْ عِرْضًا وَلَمْ تَخْشَ خَالِقًا ... وَلَمْ تَرْعَ مَخْلُوقًا فَمَا شِئْت فَاصْنَعْ
الحياء سجية الأنبياء وميزة الأصفياء، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الحياء مزيته وصفته وخلق كريم أتصف به .
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا»
وهكذا أهل الحياء من النساء
قال تعالى : { فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ } أي : مَشْيَ الْحَرَائِر ، كَمَا رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَتْ مُسْتَتِرَةً بِكُمِّ دِرْعِهَا ، جَاءَتْ تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَائِلَةً بِثَوْبِهَا على وجهها، ليست بسلفع من النساء دلاجة ولاجة خراجة ، تفسير ابن كثير ط العلمية (6/ 205)
قبل ذلك سألهم موسى عليه السلام ، { قَالَ مَا خَطْبُكُمَا }
فأجابتا باستحياء وآدب شديد
{ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ }
قالَتا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ أَيْ لَا يَحْصُلُ لَنَا سَقْيٌ إِلَّا بَعْدَ فَرَاغِ هَؤُلَاءِ ، هذا هو الحياء والحشمة والوقار لا نخالط الرجال ولا نزاحمهم .
أيها الأباء اغرسوا في أولادكم خلق الحياء والحشمة والعفة والستر .
أيها المسلمون :
إن من الحياء اجتناب الفواحش والكبائر فهذا يوسف عليه السلام لما دعته امرأة العزيز وغلقت الأبواب { وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ } وقالت { هَيْتَ لَكَ } ، قال عليه السلام { مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } ، {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ} أي: أعوذ بالله أن أفعل هذا الفعل القبيح، لأنه مما يسخط الله ويبعد منه، ولأنه خيانة في حق سيدي الذي أكرم مثواي ] تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 396) ، كل ذلك، حياء من الله وحياء من سيده .
ومن الحياء ، الحياء من الوالدين ، قال تعالى : { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا }
والحياء من الأقارب ومن الجار ومن الكبار ومن كل من له حق عليك
ومن الحياء اداء الحقوق إلى أهلها ، والعكس بالعكس
ومن الحياء الا يتعدى على الناس بالسب والشتم والغيبة والنميمة والطيش .
ومن الحياء الا يفضح المسلم نفسه ويجاهر بالمعصية ، إن كل من يجاهر بالمعصية قل حياؤه وذلك بسبب ضعف إيمانه .
أن أبا هُرَيْرَةَ،رضي الله عنه يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا المُجَاهِرِينَ ))
وهذ دليل السفه ومزع الحياء
إذَا قَلَّ مَاءُ الْوَجْهِ قَلَّ حَيَاؤُهُ ... وَلَا خَيْرَ فِي وَجْهٍ إذَا قَلَّ مَاؤُهُ
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آلة وأصحابه وَسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا
أمَّا بَعدُ ، أيها المسلمون : اعلموا أن الحياء الحقيقي هو الحياء من الله تعالى والحياء من الله تعظيم أمره واجتناب نهيه وتقديم محابه واجتناب مساخطه
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ. قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ.
أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى :
أن يحفظ السمع فلا يسمع ما يسخط الله حياء من الله
وأن يحفظ البصر فلا يرى ما حرم الله حياء من الله
وأن يحفظ لسانه فلا يتكلم بما يسخط الله حياء من الله
وهكذا مع جميع الحواس التي احتواها الرأس
وأن تحفظ وَالبَطْنَ وَمَا حَوَى : حفظ الجوف من أكل الحرام وشرب الحرام ، حياء من الله .
وَلْتَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا : تذكر الموت والوقوف بين يدي الله تعالى { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}
وأن لا ينشغل بالدنيا وفتنها وزخرفها ، وأن يكون مرادك من أعمالك وجه الله تعالى .
قال تعالى : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) } الإسراء
هذا وصلوا على من أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيم
المرفقات
1673544748_الحياءُ كُلُّهُ خيرٌ.pdf