الحَيَاءُ خُلُقُ العُظماءْ - الحلقة الثالثة
خالد علي أبا الخيل
الحَيَاءُ خُلُقُ العُظماءْ - الحلقة الثالثة
التاريخ: الجمعة: 1 –رجب-1440 هـ
الحمد لله، الحمد لله العلي الأعلى له الأسماء الحسنى والصفات العليا وفَّق من شاء لخُلق الحياء فاستحيا من الناس ومن ربه الأعلى، وأشهد أن لا إله إلا الله جعل الحياء الذروة الأسمى في الخُلق الأعلى، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صاحب الخُلق العظيم والحياء الأوفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه لاسيما العشرة وخُص منهم الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وسائر الصحبة البررة، والتابعين لهم بإحسانٍ وحياةً طيبة.
أما بعد...
فيا أيها المسلمون:
عَلَيْكُم بِتَقْوَى اللهِ لاَ تَتْرُكُوْنَهَا |
|
فإنَّ التُّقَى أَقْوَى وأَوْلَى وأَعْدَلُ |
لِبَاسُ التُّقَى خَيْرُ الملابِسِ كُلِّهَا |
|
وأَبْهَى لِبَاسًا في الوُجُودِ وأَجْمَلُ |
فَمَا أَحْسَنَ التَّقْوَى وأَهْدَى سَبِيْلَهَا |
|
بِهَا يَنْفَعُ الإِنسَانَ مَا كَانَ يَعْمَلُ |
فَيَا أَيُّهَا الإِنسانُ بادِرْ إِلى التُّقَى |
|
وَسَارِْع إِلى الخَيْرَاتِ مَا دُمْتَ مُمْهلُ |
وَأَكْثِرْ مِن التَّقْوَى لِتَحْمِدَ غِبَّهَا |
|
بِدَارِ الجَزَاء دَارٍ بها سَوْفَ تَنْزِلُ |
عباد الله: مضى معنا في حلقتين وجُمعتين متتاليتين عن خُلقٍ عظيم، وأدبٍ كريم، وهو الحياء خُلق العظماء، ومعنا في هذه الجمعة الحلقة الثالثة صور الحياء ونماذجه، ومواقف أهله المشرقة علَّها تكون من أعظم الدوافع للتخلق بهذا الخُلق الجامع، ومعرفة ما عليه الرعيل الأول من الحياء والإجلال لمن له الكمال والجمال، فإليكم بعض النماذج التي تُعبِّر عن موقفها وعن أهلها، وتُعطي الدروس لغيرها، فنستفيد من ذِكرها ونسير على منوالها، فالحياء شُعبةٌ من شُعب الإيمان وهو خيرٌ كله للإنسان.
ومن هذه النماذج: حياء الأنبياء والمرسلين عليهم صلوات رب العالمين، فهذا حياء أبينا آدم وأُمنا حواء إن الحياء خاصيةٌ من الخصائص التي حبا الله بها الإنسان؛ ليبتعد عن مزاولة الذنوب والمعاصي والشهوات، وحينما أكل آدم وحواء من الشجرة التي نهاهما الله عن الأكل منها بدت لهما سوآتهما، فأسرعا يأخذان من أوراق الجنة؛ ليسترا عورتهما، فتحدث القرآن عن ذلك بقوله سبحانه: (فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) (الأعراف:22) وهذا يدل على أن الإنسان مفطورٌ على الحياء، وأما قِلة الحياء فهي منافيةٌ للفطرة، بل من اتباع الشيطان.
وهذا حياء نبي الله موسى عليه السلام، جاء في وصف موسى أنه كان حييًا سِتيرًا، حتى كان يستر بدنه ويستحي أن يظهر مما تحت الثياب شيئًا حتى مما ليس بعورة، وبسبب تستره الزائد آذاه بعض بني إسرائيل في أقوالهم، فقالوا: ما يُبالغ في سِتر نفسه إلا من عيبٍ في جسمه أو من أُدرةٍ هو مصابٌ بها.
فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: (إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا، لاَ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ، فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالُوا: مَا يَسْتَتِرُ هَذَا التَّسَتُّرَ، إِلَّا مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ: إِمَّا بَرَصٌ وَإِمَّا أُدْرَةٌ، وَإِمَّا آفَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا لِمُوسَى، فَخَلاَ يَوْمًا وَحْدَهُ، فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى الحَجَرِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ إِلَى ثِيَابِهِ لِيَأْخُذَهَا، وَإِنَّ الحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ، فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ وَطَلَبَ الحَجَرَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: ثَوْبِي حَجَرُ، ثَوْبِي حَجَرُ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلَأٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ، وَأَبْرَأَهُ مِمَّا يَقُولُونَ، وَقَامَ الحَجَرُ، فَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَلَبِسَهُ، وَطَفِقَ بِالحَجَرِ ضَرْبًا بِعَصَاهُ، فَوَاللَّهِ إِنَّ بِالحَجَرِ لَنَدَبًا مِنْ أَثَرِ ضَرْبِهِ، ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا) (الأحزاب:69)). رواه البخاري.
ومن حياء الأمم السابقة: حياء تلك المرأة الصالحة، قال سبحانه: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (القصص:25).
وهذه الآية تتحدث عن حياء الابنة حين جاءت إلى موسى عليه السلام تدعوه إلى أبيها؛ ليجزيه على صنيعه، فجاءت إليه تمشي على استحياء، قال عمر –رضي الله عنه-: فأقبلت إليه ليست بسلفعٍ من النساء ولا خرَّاجةٍ ولا ولَّاجةٍ، واضعةً ثوبها على وجهها.
ومن النماذج الحية: حياء العرب في الجاهلية، كان أهل الجاهلية يتحرَّجون من بعض القبائح بدافع الحياء، فها هو هرقل يسأل أبا سفيان عن رسول الله ﷺ، فيقول أبو سفيان: فوالله لولا الحياء من أن يأثروا عليّ كذبًا لكذبت عنه.
فمنعه الحياء من الافتراء على رسول الله ﷺ؛ لئلا يُوصَف بالكذب ويُشاع عنه ذلك.
قال عنترة:
وأَغُضُّ طَرفي إن بَدَت لي جَارَتي |
|
حَتَّى يواري جارَتي مأواها |
وهذا سيد الخلق أعظم من اتصف بهذا الخُلق، فكان عليه الصلاة والسلام أشد الناس حياءً، فعن أبي سعيدٍ الخدري –رضي الله عنه- قال: كان رسول الله ﷺ أشد حياءً من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئًا عرفه الصحابة في وجهه (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (الأحزاب:21).
ومن مظاهر حيائه ﷺ: حياؤه من خالقه سبحانه وتعالى، وذلك لما طلب موسى عليه السلام من نبينا ﷺ في ليلة الإسراء أن يُراجع ربه في تخفيف فرض الصلاة، قال النبي ﷺ لموسى عليه السلام: (استحييت من ربي).
ومن مظاهر حيائه عليه الصلاة والسلام: حياؤه من الناس، فعن عائشة رضي الله عنها: أن امرأة سألت النبي ﷺ عن غُسلها من المحيض، فأمرها كيف تغتسل، ثم قال: (خُذِي فِرْصَةً مِنْ مَسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا) قالت: كيف أتطهر بها؟ قالت: فستر وجهه بطرف ثوبه، وقال: (سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِي بِهَا) قالت عائشة: فاجتذبت المرأة، فقلت: تتبعي بها أثر الدم.
ومن صور حيائه ﷺ: ما جاء عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- حيث قال: بُني على النبي ﷺ بزينب ابنة جحشٍ بخبزٍ ولحمٍ، فأُرسِلت على الطعام داعيًّا فيجيء قومٌ فيأكلون ويخرجون، ثم يجيء قومٌ فيأكلون ويخرجون، فدعوت حتى ما أجد أحدًا أدعوه، فقلت: يا رسول الله ما أجد أحدًا أدعوه، قال: (ارْفَعُوا طَعَامَكُمْ) وبقي ثلاثة رهطٍ يتحدثون في البيت، فخرج النبي ﷺ فانطلق إلى حجرة عائشة رضي الله عنها، فقال: (السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته) قالت: وعليك السلام ورحمة الله، كيف وجدت أهلك يا رسول الله؟ بارك الله لك، فتقرى حُجر نسائه كلهن يقول لهن كما يقول لعائشة، ويقلن له كما قالت عائشة، ثم رجع النبي ﷺ، فإذا ثلاثة رهطٍ في البيت يتحدثون، وكان النبي ﷺ شديد الحياء، فخرج منطلقًا نحو حجرة عائشة، فما أدري أخبرته أم أُخبِر أن القوم خرجوا؟ فرجع، حتى إذا وضع رجله في أسكفة الباب داخله والأخرى خارجه أرخى السِّتر بيني وبينه، ونزلت آية الحجاب. رواه البخاري من حديث أنس.
ومن مظاهر حيائه: التعامل مع من بلغ عنه شيءٌ ﷺ، فعن عائشة رضي الله عنها قال: كان النبي ﷺ إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل: ما بال فلان، ولكن يقول: (مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا؟).
ومن صور الحياء: عن الصحابة الكرماء حياء أبي بكرٍ الصديق –رضي الله عنه- خطب الصديق الناس يومًا، فقال: يا معشر المسلمين استحيوا من الله، فوالذي نفسي بيده إني لأظل حين أذهب الغائط في الفضاء متقنِّعًا بثوبي استحياءً من ربي عزَّ وجلَّ.
وحياء عثمان بن عفان –رضي الله عنه- فقد عُرِف عثمان –رضي الله عنه- بشدة الحياء؛ حتى أن الملائكة كانت تستحي منه، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله ﷺ مضطجعًا في بيتي كاشفًا عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكرٍ فأُذِن له وهو على تلك الحال، فتحدث، ثم استأذن عمر فأُذِن له وهو كذلك، فتحدث، ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله ﷺ وسوى ثيابه، قال محمد: ولا أقول ذلك في يومٍ واحد، فدخل فتحدث، فلما خرج، قالت عائشة: دخل أبو بكرٍ فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك، فقال: (أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ).
وهذا علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- يقول: كنت رجلًا مذاءً، استحي أن أسأل رسول الله ﷺ لمكان ابنته، فأمرت المقداد فسأله، فقال: (يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ).
وأما حياء عائشة رضي الله عنها: فقد قالت: كنت أدخل بيتي الذي دُفِن فيه رسول الله ﷺ وأبي، فأضع ثوبي، فأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما دُفِن عمر معهم، فوالله ما دخلت إلا وأنا مشدودةٌ عليّ ثيابي؛ حياءً من عمر.
وهذه فاطمة بنت عُتبة رضي الله عنها من صور حيائها: ما قالته عائشة رضي الله عنها، قالت: جاءت فاطمة بنت عُتبة بن ربيعة تُبايع النبي ﷺ، فأخذ عليها ألا يشركن بالله شيئًا، ولا يزنين... الآية، قالت: فوضعت يدها على رأسها حياءً، فأُعجِب رسول الله ﷺ ما رأى منها، فقالت عائشة: أقري أيتها المرأة، فوالله ما بايعنا إلا على هذا، قالت: فنعم إذًا، فبايعها بالآية. رواه أحمد وغيره.
هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله وسبحان الله وبحمده، ورضا نفسه، ومداد كلماته.
ومن نماذج الحياء عند السلف: ما جاء عن الشعبي قال: سمع عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- امرأةً تقول:
دَعَتْنِي النَّفْسُ بَعْدَ خُروجِ عَمْرٍو |
|
إِلَى اللَّذَّاتِ فَاطَّلَعَ التِّلاعَا |
فَقُلْتُ لَهَا: عَجِلْتِ فَلَنْ تُطَاعِي |
|
وَلَوْ طَالَتْ إِقَامَتُهُ رِبَاعًا |
أُحَاذِرُ إِنْ أُطِيعُكِ سَبَّ نَفْسِي |
|
وَمَخْزَاةً تُجَلِّلُنِي قِنَاعًا |
فقال لها عمر: ما الذي منعك من ذلك؟ قالت: الحياء وإكرام زوجي، فقال عمر: إن في الحياء لهنات ذات ألوان من استحيا اختفى، ومن اختفى اتقى، ومن اتقى وُقي.
وقال الجراح الحكمي: تركتُ الذنوب حياءً أربعين سنة، ثم أدركني الورع.
وروي عن عمرو بن عُتبة بن فرقد كان يُصلي ذات ليلة فسمعوا صوت الأسد فهرب من كان حوله وهو قائمٌ يصلِّي فلم ينصرف، فقالوا له: أما خفت الأسد؟ فقال: إنِّي لأستحي مِن الله أن أخاف شيئًا سواه.
وقال جعفر الصَّانع: كان في جيران أبي عبد الله أحمد بن محمَّد بن حنبل، رجلٌ ممن يمارس المعاصي والقاذورات، فجاء يومًا إلى مجلس أحمد يسلِّم عليه، فكان أحمد لم يرد عليه ردًّا تامًّا وانقبض منه، فقال له: يا أبا عبد الله لم تنقبض مني؟ فإني قد انتقلت عمَّا كنت تعهدني برؤيا رأيتها، قال: وأيُّ شيء رأيت؟ قال: رأيت النَّبيَّ ﷺ في النوم كأنه على علوٍّ من الأرض، وناسٌ كثيرٌ أسفل جلوس، قال: فيقوم رجلٌ رجلٌ منهم إليه، فيقول: ادعُ لي، فيدعو له حتى لم يبق مِن القوم غيري، قال: فأردت أن أقوم فاستحييت مِن قبيح ما كنت عليه، قال لي: يا فلان، لم لا تقوم إليّ فتسألني أدعو لك؟ قال: قلت: يا رسول الله يقطعني الحياء؛ لقبيح ما أنا عليه، فقال: إن كان يقطعك الحياء فقُم فسلني أدعُ لك فإنك لا تسب أحدًا مِن أصحابي، قال: فقمت، فدعا لي، فانتبهت وقد بغَّض الله إليَّ ما كنت عليه، قال: فقال لنا أبو عبد الله أحمد بن حنبل: يا جعفر، يا فلان، حدِّثوا بهذا واحفظوه فإنه ينفع.
وكان الرَّبيع بن خُثيم من شدة غضه لبصره وإطراقه يظُن بعض الناس أنه أعمى، وكان يختلف إلى منزل ابن مسعودٍ عشرين سنة، فإذا رأته جاريته، قالت لابن مسعود: صديقك الأعمى قد جاء، فكان يضحك ابن مسعود من قولها، وكان إذا دقَّ الباب تخرج الجارية إليه فتراه مطرقًا غاضًّا بصره.
ولما احتُضر الأسود بن يزيد بكى، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: ما لي لا أجزع؟ ومَن أحقُّ مني بذلك؟ والله لو أُتيت بالمغفرة مِن الله لأهمني الحياء منه مما قد صنعت، وإن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير، فيعفو عنه، ولا يزال مستحييًا منه.
والحياء جاء في واحة الشعر:
إِذا لم تَخْشَ عاقـبـةَ الـلَّيَـالِي |
|
ولَمْ تَسْـتَحِْ فَاصْـنَعْ ما تشـاءُ |
فلا والـلَّهِ ما في الـعَـيْشِ خيرٌ |
|
ولا الدُّنـيا إِذا ذَهَـبَ الحَـيَـاءُ |
يَعِيشُ المَـرْءُ ما اسْتَحْيَـا بِخَـيْرٍ |
|
ويَبْقَى العُـودُ ما بَقِيَ اللِّحَـاءُ |
وقال أمية بن أبي الصلت يمدح ابن جُدعان بالحياء:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني |
|
حياؤك إن شيمتك الحياء |
إذا أثنى عليك المرء يومًا |
|
كفاه من تعرضك الثناء |
وقال الآخر:
إذا قَلَّ ماءُ الوَجهِ قَلَّ حَياؤهُ |
|
فلا خَيرَ في وَجهٍ إذا قل ماؤهُ |
حَياؤُكَ فاحفَظهُ عَليكَ فإنَّما |
|
يَدُلُّ على فضل الكَريمِ حَياؤهُ |
ويقول الآخر:
كَريمٌ يَغُضُّ الطَرفَ فَضلَ حَيائِهِ |
|
وَيَدنو وَأَطرافُ الرِماحِ دَوانِ |
وَكَالسَيفِ إِن لايَنتَهُ لانَ مَتنُهُ |
|
وَحَدّاهُ إِن خاشَنتَهُ خَشِنانِ |
وقال الآخر:
إِذَا حَرَّمَ الْمَرْءُ الْحَيَاءَ فَإِنَّهُ |
|
بِكُلِّ قَبِيحٍ مِنْهُ كَانَ جَدِير |
وقال الآخر:
مَا أَنْ دَعَانِيَ الْهَوَى لِفَاحِشَةٍ |
|
إِلا نَهَانِي الْحَيَاءُ وَالْكَرَمُِ |
فَلا إِلَى فَاحِشٍ مَدَدْتُ يَدِي |
|
وَلا مَشَتْ بِي لِرِيبَةٍ قَدَمُ |
فتخلَّقوا –أيها المسلمون- بخُلق الحياء تفوزوا بالدنيا والأخرى، فما تقلصت المعاصي وذهبت إلا بالحياء، وما انتشرت القيم والشيم إلا بالحياء، وما استقامت الأحوال وصلح العيال إلا بالحياء، فتحلى أيها المُعلِّم، والمربي، والوالد، والموظف، والتاجر، والعامل بالحياء فهو خُلق الأوفياء، والرجال والأبطال الأجلاء، ولتكن قدوةً لغيرك، ومعلمًا لولدك من خلال حيائك.
هذا ما تم إيراده، وحصل مراده في حلقاته الثلاثة في جُمعٍ متتالية وشعاره الحياء خُلق العظماء.