الحمــدُ لله
أحمد عبدالله صالح
خطـبــــة جمـعــــة بعـنــــوان :
الحمــدُ لله
اما بعد :
ضمن سلسلةِ الأذكارِ الفاضلة موعدنا اليوم مع كلمةٍ ترفع لصاحبها الدرجات وتضاعف له الحسنات وتكفرُ له السيئات والخطيئات ..
كلمةُ اليوم تختصرُ كلماتَ الثناءِ والشكر، وتختصر عباراتَ التعظيمِ والصبر ..
وما أحسنها من كلمة وهي تخرجُ من قلبٍ صابر،
أو لسانٍ ذاكرٍ ، أو عبدٍ شاكر ..
إنّها من أطيبِ ما تعطّرت بلفظهِ الأفواه، واستراحت به النفوس، وكَثُرت به الأجور، وارتفعت به المنزلةُ عند الله ربِّ العالمين، إنّها { الحمـدُ لله }
كلمةٌ من أحسنِ الكلمات التي يُعمّر بها الجَنان، ويَنطقُ بها اللسان، وتسمعها الأُذنان، وتخطُّها للحقِّ البَنان.
ما أحسنها من كلمة، وما ألذها من عبارة، وما أرقاها من عبادة، وما أطيبها من لفظةٍ وهي تخرج من بين شفاة القلوب قبل شفاةِ الاسنان ..
تكرَّرَت كلمة الحمدُ لله في ثلاثةٍ وعشرين موضعاً في القرآن الكريم، وافتتحَ اللهُ تعالى بها خمسَ سُوَرٍ، واختتم بها خمسَ سُوَرٍ كذلك ..
هي أولُ الكلامِ ونهايتُه، وأولُ الخلقِ وخاتمتُه :
﴿ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الزمر: 75].
( الحمد ) من أعظمِ ما مدحَ اللهُ عزوجل به نفسه، فقال سبحانه : ﴿ وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 70].
والكونُ كلُّه ناطِقٌ بحمد الله تعالى، قائِمٌ بحمده،
وكلُّ مَوْجُودٍ شاهِدٌ بحمده، إرسالُه رسولَه بحمده، إنزالُه كتُبَه بحمده، الجنةُ عَمُرتْ بأهلها بحمده، النارُ عَمُرتْ بأهلها بحمده، وما أُطيع إلاَّ بحمده،
ولا تتحرَّكُ في الكونِ ذرةٌ إلاَّ بحمده، وهو المحمود لذاته وإنْ لم يحمدْه العباد، فله الحمدُ كلُّه، وله المُلكُ كلُّه، وبيده الخيرُ كلُّه، وإليه يُرجَعُ الأمرُ كلُّه.
الحمدُ لله نطقَ بها الأنبياءُ والرسلِ الكرام عليهم أفضلُ الصلاةِ والسلام، قال الله تعالى عن نوحٍ عليه السلام :( فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) المؤمنون 28
وقال تعالى على لسانِ إبراهيم عليه السلام :
( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ) إبراهيم 39
وعن داود وسليمان عليهما السلام :
( وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالاَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍمِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ)النمل 15
وقالها سبحانه لسيدِ المرسلين محمد بن عبدالله :
( وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ) الاسراء 111
وقال له : ( قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ ۗ) النمل : ٥٩
امّـا ملائكتُة المقربون، فقال جل وعلا عنهم :
( وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الزمر : ٧٥
وقال عنهم :( والملاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الأَرْضِ ).
( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِححَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ).
الحمدُ لله كلمة من احسنِ الكلمات وأجلِّ العبارات كلمةٌ ينبغي على الإطلاقِ ان لا تفارق لسان الواحد منا في كل شئونِ حياته وفي كل أحواله مقتدياً مهتدياً برسوله صلى عليه وسلم :
- فإذا أوى إلى فراشه قال ما كان يقوله رسوله :
الحمد لله الذي كفانا وآوانا فكم ممّن لا كافي له ولا مؤوى ..
- وإذا وفقه الله لقيامِ الليل او التهجد في ثلثه الاخير قال ماكان يقوله عليه الصلاة والسلام :
( اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ ،وَوَعْدُكَ الحَقُّ ، وَقَوْلُكَ الحَقُّ ، وَلِقَاؤُكَ الحَقُّ ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ ، وَالنَّارُ حَقٌّ ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ )..
- وعند الاستيقاظِ من النوم قال: الحمدُ لله الذي ردّ عليّ روحي .. الحمدُ لله الذي احيانا بعدما أماتنا وإليه النشور .
- وإذا عطسَ قال : الحمد لله ..
- وإذا استجدَ ثوباً ليلبسه قال : الحمدُ لله أنت كسوتنيه، اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك من خيره وخير ما صنع له.
- وإذا فرغَ من الطعام قال : الحمدُ لله الذي اطعمني هذا ورزقنيه من غير حولٍ مني ولا قوة .
او قال : الحمد لله الذي أطعم وسقى، وسوغه وجعل له مخرجا ..
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كماجاء لمسلم : ( إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا ، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا ).
- وإذا ركبَ وسيلة نقل قال : الحمدُ لله، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله....
- وإذا رأى مبتلىً قال : الحمدُ لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضّلني على كثيرٍ ممّن خُلقَ تفضيلاً ..
حتى في الصلاةِ والحجِّ كلمة الحمد لله لا تغيب عنهما :
ففي الصلاة نجد حمد الله تعالى من جملةِ أدعية الاستفتاح : ( الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا ).رواه مسلم.
وعند الرفع من الركوع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا قال الإمام : سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد ) متفق عليه..
وفي روايه : اللهم ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد..)
وفي الحجّ كذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبي فيقول : ( لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إنّ الحمد والنعمةَ لك والملك لا شريك لك ) .
فردد هذه الكلمة من اعماقك ، إهتف بها من أحاسيسك ومشاعرك ، قلها بروحانيةٍ مع خفقان قلبك ..
• تتجدد لك نعمةٌ ظاهرة / قل الحمد لله.
قال ﷺ: ما أنعم الله على عبد نعمة فحمد الله. عليها إلا كان ذلك الحمد أفضل من تلك النعمة "
• يدفعُ اللهُ عنك محنةً او نقمة / قل الحمد لله
• يرزقكَ اللهُ مالاً / قل الحمد لله.
• يرزقُكَ الله بمولود / قل الحمد لله.
• تأكل،تشرب،تتحرك بدون منغصات / قل الحمدلله
• تنام في طمأنينة وراحة بال / قل الحمد لله.
• يشفيك الله من مرض / قل الحمد لله.
• انت راضي بما قسمة الله لك / قل الحمد لله.
• في اليسر قل / الحمد لله• في العسرقل الحمد لله
• في الرخاء /قل الحمدلله,في الشدة /قل الحمد لله
• في مكروةٍاصابك او مصيبةنزلت بك/قل الحمدلله
الحمدلله على نعمة الصحة والعافية، على نعمة الحياة، على نعمة الإيمان،على نعمة الاسلام، على نعمة السمع ، على نعمة العقل، على نعمة البصر ، على نعمة الكلام، على نعمة الأولاد، على نعمة الوالدين، على نعمة الكلام، على نعمة التذوق.
الحمد لله على كل نعم الله التي لاتعد ولا تحصى .!
اجعل هذة الكلمة على لسانك في كل وقتٍ وفي كل حين ،قلها بقلبك وقالبِك وتلذذ بها اليوم وانت في الدنيا ليستمر تلذذك وتنعمك بها وانت في جنّةِ ربكَ سبحانه وتعالى..
﴿ وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 70].
وممّا تحمده سبحانه وانت في جنّتة :
حمدك له سبحانه على إذهابِ الحَزَنَ عنك :
قال تعالى : ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 34].
ومما تحمده وانت في جنّتة جل وعلا :
نعمةَ تحقق وعده لك بدخولِ الجنّةِ والنّجاةِ من النّار، قال تعالى : ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [الزمر: 74].
أمّـا حينما تنالَ النّعيم في كلِّ موطنٍ في الجنّة سيكون حينها الحمدُ آخِـرُ دعائك؛ شكراً لله تعالى على ما مكنك في الجنّة من ذلك النّعيم، حتى يصير التحميد كالنّفَسِ منك هناك كما قال عليه الصلاة والسلام : ( إنّ أهلَ الجنّةِ يُلهمون التسبيحَ والتحميدَ كما يُلهمون النّفس ).
﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾يونس:10
فمن كان من أهلِ الحمد في الدنيا فإنّه يوم القيامة من أعظـمِ الناس فضلاً، وأكثرهم أجرا ..
اخرج الطبراني عن عمران بن حصين رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إنّ أفضل عباد الله يوم القيامة : الحامدون ) وقيل ( الحمَّادون ).
اللهــم اجعلنا من الحامدين الشاكرين الذاكرين. اللهــم اعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادك ..
اقــــول ما سمعتم واستغفروا الله لي ولكم
إنّه هو الغفور الرحيم ..
الخطبة الثانية :
اما بعـد :
احدثكم اليوم عن كلمةٍ عالية غالية ومنزلةٍ عظيمةٍ من منازل إياكَ نعبدُ وإياكَ نستعين ( الحمد لله )
قال صلى الله عليه وسلم كما صحح ذلك الالباني عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه :
إذا قال العبدُ الحمدُ لله كثيراً .
قال الله تعالى : اكتبوا لعبدي رحمتي كثيراً.
لا اله الا الله كلمات يسيرات، وجمل قصيرات، وعبارات بسيطات ..
ما أسهل القول، وما أسهل الفعل، وما أسهل هذا العمل !! وما أعظم الأجر، وما أعظم الثواب، وما أعظم الجزاء من ربٍّ كريمٍ يمنُّ على عباده فيقول :
( خذوا بلا حساب )
فأين العاملون ؟ وأين المشمّرون ؟
أين الذاكرون الله كثيراً والذاكرات ؟
اين المتنافسون ؟ اين المتسابقون ؟
الذين لايستابقون اليوم الا على الدنيا وفتاتها وسرابها .
يقول ﷺ لأبي أمامة معلماً إياه فضل الحمد،
( ألا أدلك يا أمامة على ما هو أكثر من ذكرك الله الليل مع النهار ؟
تقول : الحمدُ لله عدد ما خلق، الحمدُ لله عدد ما في السموات وما في الأرض، الحمدُ لله عدد ما أحصى كتابه، والحمدُ لله عدد كل شيء، والحمدُ لله ملء كل شيء، وتُسبحُ الله مثلهن ".
احبتي الكــرام :
كفى بالحمدِ فضيلةً أنّ الملائكة تُسارع إلى تسجيله، وتبادر إلى تدوينه وكتابته ورفعه ..!
فحينما صلى رسـول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بأصحابه ورفع رأسه من الركوع وقال : " سمعَ اللهُ لمن حمده " ..
قال رجل كان يصلي وراءه : ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، فلما انصرف قال صلى الله عليه وسلم من المتكلم؟ قال الرجل : أنا يارسول الله ..قال عليه الصلاة والسلام : لقد رأيت بضعةً وثلاثين ملكاً يبتدرونها - أي يتسابقون إليها - أيهم يكتبها أول ".
تتنافس الملائكةُ لِتسجيلها في صحائفك البيضاء؛ لِعِظَمِ قَدْرِ هذه الكلمات، وعظيمِ ثوابها، ورِفعةِ درجة صاحِبِها ..
وفي رواية لمسلم : " لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا أَوَّلا " .
فالحمدُ لله أولاً وآخراً ،والحمدُ لله ظاهراً وباطناً ..
والحمدُ لله عدد كل شيء، والحمدُ لله ملءُ كل شيء، والحمدُ لله عدد ما في السموات وما في الأرض، والحمدُ لله على كلِ حال، والحمدُ لله على كل نعمك وعلى كل نعمةٍ أنعمت بها علينا ..
اللهــم اجعلنا من الحامدين الشاكرين، اللهــم اعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ..
اللهــم اجعلنا من الذاكرين لك آناء الليل وأطراف النهار ..
(( إنَّ اللّهَ وملائِكتَه يُصلونَ على النَّبي يا أيَّها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ))....