الحمد لله وأهميتها في حياة المسلم

د. محمود بن أحمد الدوسري
1441/03/06 - 2019/11/03 04:17AM
                                                            "الحمد لله" وأهميتها في حياة المسلم
                                                                   د. محمود بن أحمد الدوسري
      الحمد لله في الدنيا والآخرة {هُوَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ} [القصص: 70]؛ والحمد لله في كلِّ مكانٍ وزمان {لَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 18]. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]؛ أمَّا بعد: فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا إنَّ الله - جَلَّ ثناؤُه - هو المُستحِقُّ للحمد على الإطلاق؛ كما قال سبحانه - عن نفسه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]. تكرَّرَت هذه الآيةُ "بلفظها" في "ستةِ مواضِعَ" من القرآن الكريم. وتكرَّرَت كلمةُ "الحمد لله" في القرآن في "ثلاثةٍ وعشرين موضعاً". وافتتح اللهُ تعالى بها "خمسةَ سُوَرٍ", واختتم بها أيضاً "خمسةَ سُوَرٍ" من كتابه العظيم.
      والألف واللام في "الْحَمْدُ" للاستغراق, أي: هو الذي له جَمِيعُ المَحامِدِ بأسْرِها, وليس ذلك لأحدٍ إلاَّ لله تعالى, ولا نُحْصِي ثناءً عليه, هو كما أثنى على نفسه, فالله تعالى هو الحميد في ذاته, وفي صفاتِه, وفي أسمائه, وفي أفعالِه.
      معشر الأحبة .. "الحمد لله" هي كلمةُ كُلِّ شاكر: قال نوحٌ - عليه السلام: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [المؤمنون: 28]؛ وقال إبراهيمُ - عليه السلام: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [إبراهيم: 39]؛ وقال داودُ وسليمانُ - عليهما السلام: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} [النمل: 15].
     وأهل الجنة يقولون فيها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} [فاطر: 34] نسأل اللهَ تعالى أنْ نكونَ منهم؛ ويقولون: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43]؛ ويقول تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10].
     و"الحمد لله" على كلِّ حالٍ, وفي كلِّ مكانٍ وزمان؛ في الشِّدة والرخاء, والعُسر واليُسر, وفيما نُحِبُّ ونكره؛ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَأَى مَا يُحِبُّ؛ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ». وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ؛ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ» حسن - رواه ابن ماجه. كيف لا! وهو العليم الحكيم, الفعَّال لما يُريد, المُختار لما يشاء, فمهما يقضي ويُقدِّر؛ فهو المُوَافِقُ للحكمةِ البالغة, والعلمِ التام.
       نعم .. "الحمد لله" في السراء والضراء - فهل أنت يا عبدَ الله تُكْثِرُ منها, وتُرَطِّب لسانَك بها؟ فإنَّ المكثرين من الحَمْد هم أفضلُ عِبادِ اللهِ يومَ القيامة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أفْضَلَ عِبادِ اللَّهِ يَوْمَ القيَامَةِ الحَمَّادُونَ» صحيح - رواه الطبراني في "الكبير".
      وقال النبي صلى الله عليه وسلم - في فضلِ الحَمْدِ على النِّعَم: «مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً, فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. إِلاَّ كَانَ الَّذِي أَعْطَاهُ أَفْضَلَ مِمَّا أَخَذَ» صحيح - رواه ابن ماجه. أي: كان إِلهامُ اللهِ له من الحمد والشُّكر؛ أفضلَ مِمَّا أخَذَ من النِّعمة.
       وقال النبي صلى الله عليه وسلم - مُبيِّناً عِظَمَ حَمْدِ الله تبارك وتعالى: «الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ, وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ. وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ - أَوْ تَمْلأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ» رواه مسلم.
       وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول - إذا قام من الليل يتهجَّد: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ, وَلَكَ الْحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ... » رواه البخاري.
    وفي كلِّ ركعةٍ يقرأُ المُصلِّي: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}, وتُفتَتح بها خُطَبُ الجمعة, والدروسُ العلمية, وغيرها: عن جَابِرٍ - رضي الله عنه - قال: «كَانَتْ خُطْبَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ» رواه مسلم.
      وإذا حَمِدْتَ اللهَ تعالى في الصلاة, تنافَسَت الملائكةُ لِتسجيلها في صحائفك البيضاء؛ لِعِظَمِ قَدْرِ هذه الكلمات, وعظيمِ ثوابها, ورِفعةِ درجة صاحِبِها[1]؛ فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُصلِّي بأصحابه فرفع رأسَه من الركوع, فقال: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ». قَالَ رَجُلٌ - وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «مَنِ الْمُتَكَلِّمُ». قَالَ: أَنَا. قَالَ: «رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاَثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا، أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ» رواه البخاري ومسلم.
       وإذا وُفِّقْتَ للصَّواب, فاحمَدِ اللهَ؛ فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم - لَمَّا خُيِّرَ بين قَدَحَي الخَمْرِ واللَّبن؛ أَخَذَ اللَّبَنَ؛ فقَالَ جِبْرِيلُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ، لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ» رواه البخاري ومسلم.
       وإذا رأيتَ رؤيا تُحِبُّها؛ فاحمدِ اللهَ, وحَدِّث بها مَنْ تُحبُّ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ اللَّهِ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا، وَلْيُحَدِّثْ بِهَا» رواه البخاري.
      وإذا لَبِستَ جديداً؛ فاحْمَدِ اللهَ؛ فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاهُ بِاسْمِهِ؛ عِمَامَةً, أَوْ قَمِيصًا, أَوْ رِدَاءً, ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ؛ أَسْأَلُكَ خَيْرَهُ وَخَيْرَ مَا صُنِعَ لَهُ, وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ» صحيح - رواه الترمذي. وعند العطاس تقول: «الْحَمْدُ لِلَّهِ» رواه البخاري. 
      وإذا أسلم الكافرُ نحمد الله تعالى؛ فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم - لَمَّا عاد الغلامَ اليهوديَّ في مرضه - ودعاه للإسلام فأسلم؛ قال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ» رواه البخاري.
       وأخبر صلى الله عليه وسلم - أنَّ حَمْدَ اللهِ تعالى من أسباب رِضاهُ عن العبد؛ كما في قوله: «إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ؛ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا, أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا» رواه مسلم.
       وأخبر صلى الله عليه وسلم - أنَّ حمدَ اللهِ تعالى تَمْنَعُ إصابةَ البلاء, فقال: «مَنْ رَأَى مُبْتَلًى, فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلاَكَ بِهِ, وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلاً؛ لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ الْبَلاَءُ» صحيح - رواه الترمذي.
                                                                                     الخطبة الثانية
      الحمد لله ... أيها المسلمون .. مَنْ حَمِدَ اللهَ تعالى - عند طعامه ولِباسِه؛ غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه؛ لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَكَلَ طَعَامًا ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا الطَّعَامَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلاَ قُوَّةٍ؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ, وَمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلاَ قُوَّةٍ؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» حسن - رواه أبو داود والترمذي.
      ومَرَّ النبيُّ صلى الله بِشَجَرَةٍ يَابِسَةِ الْوَرَقِ, فَضَرَبَهَا بِعَصَاهُ فَتَنَاثَرَ الْوَرَقُ, فَقَالَ: «إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ, وَسُبْحَانَ اللَّهِ, وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ, وَاللَّهُ أَكْبَرُ, لَتُسَاقِطُ مِنْ ذُنُوبِ الْعَبْدِ؛ كَمَا تَسَاقَطَ وَرَقُ هَذِهِ الشَّجَرَةِ» حسن - رواه الترمذي.
       وإذا أويتَ إلى فِراشك فاحمَدِ اللهَ؛ فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم - كان إذا أَوَى إلى فِراشِه قال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا, وَكَفَانَا وَآوَانَا, فَكَمْ مِمَّنْ لاَ كَافِيَ لَهُ, وَلاَ مُؤْوِيَ[2]» رواه مسلم. وَبعد الاستيقاظ تقول: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا, وَإِلَيْهِ النُّشُورُ» رواه البخاري ومسلم. أو تقول: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي, وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي, وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ» حسن -رواه الترمذي.
       أيها الإخوة الكرام .. الكونُ كلُّه ناطِقٌ بحمد الله تعالى, وقائِمٌ بحمده, وكلُّ مَوْجُودٍ شاهِدٌ بحمده, وإرسالُه رسولَه بحمده, وإنزالُه كتُبَه بحمده, والجنةُ عَمُرتْ بأهلها بحمده, والنارُ عَمُرتْ بأهلها بحمده, وما أُطيع إلاَّ بحمده, ولا يتحرَّكُ في الكونِ ذرةٌ إلاَّ بحمده, وهو المحمود لذاته - وإنْ لم يحمدْه العباد, فله الحمدُ كلُّه, وله المُلك كلُّه, وبيده الخيرُ كلُّه, وإليه يُرجَعُ الأمرُ كلُّه[3].
هـو الحَمِيدُ فَكُلُّ حَمْدٍ واقِعٍ ... أو كـان مَفْرُوضاً مَدَى الأَزْمانِ
مَلأَ الوُجودَ جَمِيعُه ونَظِيرُه ... مِــنْ غَيـرِ مَــا عَـــدٍّ ولا حُـــسْبانِ
هُـوَ أَهْـُـله سُـبحانه وبِـحَمْدِهِ ... كُلُّ المَحامِدِ وَصْفُ ذِي الإِحْسانِ[4]
 
[1] انظر: المنتقى شرح موطأ مالك, (1/494)؛ مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح, (3/416).
[2] (فَكَمْ مِمَّنْ لاَ كَافِيَ لَهُ, وَلاَ مُؤْوِيَ): أي: لا راحِمَ ولا عاطِفَ عليه. وقيل: لا وطَنَ له, ولا سكَنَ يأوِي إليه.
[3] انظر: مدارج السالكين, (2/215).
[4] الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية (نونية ابن القيم), (ص 709).
المرفقات

لله-وأهميتها-في-حياة-المسلم

لله-وأهميتها-في-حياة-المسلم

المشاهدات 820 | التعليقات 0