الحكمة في مناسك الحج والعمرة
حسين عامر
1432/11/27 - 2011/10/25 04:04AM
الحكمة في مناسك الحج والعمرة
في هذه الأيام يستعد المسلمون لأداء فريضة الحج المباركة، الواجبة على كلمستطيع،استجابة للنداء الإلهي : ( وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَـٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَـاٰلَمِينَ آل عمران:97.)
ويشكل الحج مؤتمرا عالميا يجتمع فيه المسلمون في مكان واحد و يؤدون شعائر إلهية عظيمة تجمعهم وحدة الشعائر والمشاعر .
ونحاول في السطور القادمة الإطلالة على الحكمة في بعض مناسك الحج
بداية ينبغي أن نعلم أن جميع الأعمال التعبدية لا تخلو من حكمة ، وأنها قد تكون في بعض العبادات ظاهرة، وقد تكون في بعضها خفية ، وعدم إطلاعنا على الحكمة لا ينفي وجودها، لأن أمر الله منزه عن اللعب والعبث، ثم إن هناك حكمة عامة في سائر التكاليف الشرعية وهي اختبار المكلفين بما يُظهر مدى طاعتهم له تعالى، ومقدار إذعانهم لأمره عز وجل ونهيه .
الكعبة
الكعبة رمز توحيد الله على وجه الأرض وهي في الوقت نفسه رمز وحدة المسلمين.
وعن الحكمة من تعظيمها يقول الشيخ حسن البنا – رحمه الله - : (بتصرف )
(ويقول الذين لا يعلمون: إن هذه الكعبة والحجر الأسود بقية من وثنية الجاهلية أقرها الإسلام!!!
ونقول لهؤلاء: إنما جاء الإسلام ليحطم الوثنية في كل صورها، وليقضي على عبادة الأوثان والأصنام، وإن كل موقف من مواقف الحج إنما هو تقرير لهذه الوحدانية، وإسلام الوجوه والقلوب لله وحده .
وإنما مَثَل الكعبة والحجر الأسود كمثل هذا العلم تنصبه الدول رمزًا لمجدها، وشعارًا لوطنها، فتخفق له القلوب، وتهتز لاهتزازه الأفئدة لا لذاته، ولكن لما يشير إليه من معنى عظيم، وشعور كريم.
ولقد أراد الله الحكيم العليم أن تكون الكعبة هكذا عَلَمًا مركوزًا على الأرض؛ تتجسم به الوحدة العالمية، ويرمز إلى هذه الأخوة الإنسانية )
ولقد أراد الله الحكيم العليم أن تكون الكعبة هكذا عَلَمًا مركوزًا على الأرض؛ تتجسم به الوحدة العالمية، ويرمز إلى هذه الأخوة الإنسانية )
وسبحان الله يا إخواني لما وقع بصري على الكعبة لأول مرة داخلني شعور بالهيبة والجلال لهذا البناء الشامخ العتيق وسرت قشعريرة في بدني لهذه الهالة القدسية التي أحاطت بالكعبة ، وغمرتني فرحة كبيرة أن شرفني الله بهذه الزيارة وشعرت بقلبي يرقص طربا وفرحا ، وقلت وقتها يا الله كل هذه المشاعر ما بين الهيبة والتقديس والفرحة والخشوع عند رؤية الكعبة التي أفاض الله عليها هالة من القداسة والجلال فما بالنا غدا بالنظر إلى وجه الله الكريم !!!
اللهم لا تحرمنا لذة النظر إلى وجهك الكريم .
الحكمة في الإحرام:
وفي الحج تتحقق المساواة بين المسلمين بصورة عملية واضحة "وتتجسد تجسداً تراه العين وتلمسه اليد فقد يظل الناس في الصلاة متمايزين بما يلبسون من أنواع الثياب التي تختلف باختلاف الأقوام أو البلدان، أو الطبقات أما في الحج فإن شعيرة الإحرام تفرض على الحجاج والمعتمرين، أن يتجردوا من ملابسهم العادية ويلبسون ثياباً بيضاء لم يدخلها التكلف والتصنع والتفصيل، أشبه ما تكون بأكفان الموتى يستوي فيها القادر والعاجز، والغني والفقير، ثم ينطلق الجميع ملبين بهتاف واحد(لبيك اللهم لبيك) مبتهلين إلى رب واحد طائفين ببيت الله الحرام، معظمين لشعائره لا فرق بين سيد ومسود ولا بين آمر ومأمور.
وفي ملابس الإحرام لفت نظر المحرم ليتذكر يوم وفاته حيث يُجرد من ملابسه العادية ويلف بقطع الكفن الثلاث المعهودة غير المخيطة ....
وذلك يزيده خضوعاً لله وخشوعاً بين يديه وزهداً في زخارف هذه الحياة الزائلة وزينتها الفانية ....ويقترن هذا الملبس بمنع العطر والطيب وقص الأظافر والشعر ،وكل هذا فيه التجرد لله والانكسار بين يديه ، وتذكر هذا المعنى السابق .
فكل ذلك كي يتذكر الناس جميعًا العري التام يوم القيامة، وهي الصورة التي نكون عليها يوم الحساب...
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ.. يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؟! فَقَالَ: الأمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَاكِ"رواه البخاري ومسلم
ويأتي النطق بصيغة التلبية ليكون تعبيراً عن الاستعداد النفسي لتلبية كل نداء إلهي يوجه إليه ويتضمن طلب فعل أو ترك عمل وتتمثل هذه التلبية والإجابة العملية بامتثاله التكاليف الشرعية الموجهة إليه سواءً في الحج أو خارجه.
حكمة الطواف
الطواف حول البيت الحرام سبعة أشواط بدءاً من الحجر الأسود و انتهاءً به ،وهذا الطواف يتم في عكس عقارب الساعة ، و هو نفس اتجاه الدوران الذي تتم به حركة الكون من أدق دقائقه إلى أكبر وحداته ، فالإلكترون يدور حول نفسه ، ثم يدور حول نواة الذرة في نفس اتجاه الطواف عكس عقارب الساعة ،و الذرات في داخل السوائل المختلفة تتحرك حركة موجبة .
حتى في داخل كل خلية حية تتحرك حركة دائرية ، البروتوبلازم يتحرك حركة دائرية في نفس الاتجاه ، الأرض تدور حول الشمس ، و القمر يدور حول الأرض ، والمجموعات الشمسية تدور حول مركز المجرة ، و المجرة تدور حول مركز تجمع مجري ،و التجمع المجري يدور حول مركز الكون لا يعلمه إلا الله عكس عقارب الساعة.
البيت المعمور
ولا يتوقف الأمر عند ذلك بل إن حركة الطواف في الأرض يتوافق معها حركة الطواف في السماء بالبيت المعمور الذي أقسم الله تعالى به في سورة الطور :
فقال { وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) }
وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث الإسراء - بعد مجاوزته إلى السماء السابعة -: ( ثم رفع بي إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألفا لا يعودون إليه آخر ما عليهم)
يعني: يتعبدون فيه ويطوفون، كما يطوف أهل الأرض بكعبتهم
وعن قتادة قال : ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه :
(هل تدرون ما البيت المعمور ؟ قالوا الله ورسوله أعلم .
قال : فإنه مسجد في السماء ، تحته الكعبة ، لو خر لخر عليها ).صححه الألباني.
فسبحان من تسبح له الأرض والسماوات ومن فيهن .
نظرة في المسعى
هذا المسعى بين الصفا والمروة شرع لترسيخ عقيدة التوكل على الله، فمن قرون خلت كانت هذه البقعة يسودها صمت الوحشة والانقطاع، لا أنيس هنالك ولا عمران، جاءها إبراهيم عليه السلام بامرأته وابنه الرضيع، ثم قال: للأم: سأتركك هنا..!
وتساءلت هاجر في دهشة: تتركنا هنا أنا وإسماعيل؟ حيث لا زرع ولا ضرع، ولا دار ولا ديار؟ قال: نعم، قالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذن لا يضعينا!!
وانصرف الأب لا يدري ماذا سيقع له ولا ما سيقع لأسرته، لقد نفَّذ ما أوحي إليه به وحسب!
ونفد الزاد والماء من هاجر، وجاءت الساعة الحرجة، وانطلقت الأم بين الجبلين تسعى باحثة عن غوث للرضيع الذي يوشك أن يهلك.
وبعد سبعة أشواط تتردد فيها بين الصفا والمروة وقلبها ممتلئ يقينا بأن الله لن يضيعها ، جاء جبريل بأمر الله وفجر بئر زمزم،ومن العجب أن الله يجعل في هذا الماء الإرواء من عطش والإشباع من جوع ، وهو ما تحتاجه الأم طعام وشراب
إن ثقة هاجر في الله أثمرت الخير، ولم يخذلها الله بعدما آوت إليه...
والتوكل على الله ـ مع ضعف الأسباب أو انعدامها ـ زاد يحتاج إليه المسلمون في كل زمان ومكان .
الوقوف في عرفات:يعد الوقوف في عرفات أروع وأبرزمنسك من مناسك الحج، وذلك لما لهذه الوقفة من معان وآثار عظيمةمنها:في الحج إعلان عملي لمبدأ المساواة بين الناس ؛ تتجلى المساواة بأسمى صورها الواقعية في الحج، وذلك في صعيد عرفات حينما يقف الناس موقفاً واحداً لا تفاضل بينهم في أي عرض من أعراض الدنيا الزائلة بل التفاضل والفوز والفلاح بالتقى، يقول الحق تبارك وتعالى مؤكداً هذا المنهج السامي في الإسلام( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاـٰكُمْ )الحجرات:13
وفي هذا المشهد تذكرة بيوم لقاء الله ؛ في جوٍّ أشبه ما يكون بيوم القيامة، الكلُّ يشعر بهذا المعنى، والأمة كلها تعيش هذه المعاني مع الحجيج.....
الناس جميعًا يتركون الدنيا وراء ظهورهم، ولا ينشغلون بغير الذكر والدعاء والاستغفار والتضرع إلى الله عز وجل، والناس جميعًا واقفون في زحام شديد، وفي مكان واحد، وهكذا يُحشر الناس يوم القيامة في مكان واحد، وينادي عليهم المنادي: هلموا إلى ربكم ، فيقوم الناس جميعًا لربّ العالمين: "يومئذٍ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسًا".. كلّ الناس في الحج وقوف، وكل الناس يوم القيامة وقوف أيضًا : "يوم يقوم الناس لرب العالمين " المطففين آية 6
الناس في الحج في حرٍّ وعرق, وكذلك يوم القيامة يعرق الناس حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعًا، كما في الحديث الصحيح، في البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِي الْأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا, وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ"
فالأمر إذن ليس ساعة أو ساعتين، لا.. الأمر شاق وطويل...
وإذا كان الحج هو العبادة الوحيدة التي يفرّغ لها المسلم أيامًا متتالية، فكذلك يوم القيامة يوم طويل: "إنا نخاف من ربنا يومًا عبوسًا قمطريرًا" وكما جاء في بعض التفسيرات أن اليوم القمطرير هو اليوم الطويل.
وبعد كل ما رأينا من العلاقة بين مشهد الحجيج في عرفات ويوم القيامة نستطيع أن نفهم ونتدبر لماذا بدأ الله تعالى سورة الحج بالتذكير بيوم القيامة: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ . يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ"
كنت أعجب كثيرًا عندما أقرأ سورة الحج وأتساءل: لماذا بدأ الله عز وجل سورة الحج بالتذكير بيوم القيامة بدلًا من التذكير بأهمية الحج؟!
لكن بعد تدبر هذا المعنى العظيم وهو أن الله عز وجل جعل الحج تذكيرًا للناس بيوم القيامة - تلاشى هذا العجب...
فليس الهدف من الحج - إذن - إرهاق الناس وتكليفهم فوق طاقتهم: "مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ" ولكن الهدف هو تحقيق المنفعة للناس في الدنيا والآخرة.
رمي الجمار:
يتذكر الحجاج ظهور الشيطان لإبراهيم عليه السلام في ثلاثة مواضع اعترض الشيطان فيها إبراهيم لما ترك أسرته بالوادي المقفر، يقول له: كيف تنفذ أمرا فيه هلاك أهلك ؟
ولكنه مضى لأمر ربه وزجره بحصيات فارتد خاسئاً ، فكانت تلك سنة رمي الجمار فيما بعد!
يذكر الحاج ذلك ليرد وسوسة الشيطان ويزجره دائماً كما زجره إبراهيم عليه السلام .
والله جل جلاله يريدنا أن نلتفت إلى أننا في الحج انتصرنا علىالشيطان .. بأن امتنعنا عن كل ما نهى الله عنه .. ليس امتناعا يشمل ما حرم الله فيالأوقات العادية .. ولكن التحريم امتد إلى بعض ما كان مباحا .. فكأن التحريم زادورغم ذلك قدرنا عليه .. وقضينا مناسك الحج في ذكر الله و الانشغال بالعبادة والدعاء .. بمعنى أننا لسنا قادرين فقط على طاعة المنهج .. بل إننا قادرون على طاعات أكبروأكثر.أراد الله سبحانه وتعالى بقصة إبراهيم وإسماعيل مع إبليس أن يعلمنابعد أن وقفنا بعرفات وغفر لنا ذنوبنا .. لكي نحافظ على هذه التوبة ، لا بد أن نرجمالشيطان في أنفسنا رجما معنويا فلا نجعل له فيها مدخلا , إذا حاول أن يوسوس لنابمعصية فلا نستمع إليه .. وإنما نرجمه بعصياننا لنزغاته حتى يبتعد عنا ويتركنا ولايكون له علينا سلطان .
أنت إذا أصغيت إلى الشيطان مجرد إصغاء . . فهذه أول خطوة منخطوات المعصية .. أنه يريد أن يستميلك لتستمع إليه .. فلا تترك له هذه الفرصة .. ولا تستمع لإغوائه .. بل ارجمه على الفور بالعصيان .
ومن اللفتات العجيبة تسمية هذه الحجارة بالجمرات فرغم أنها حجارة صغيرة كحبة الحمص إلا أنها تسمت بالجمرات والجمرة هي قطعة اللهب المشتعلة التي وصلت إلى حد الاحمرار فهي إشارة رمزية إلى أنها ليست مجرد حصاة بل هي جمرة
والحديث عن مناسك الحج يطول ويطول ولعل فيما ذكرناه كفاية إن شاء الله
نسأل الله أن يرزقنا حج بيته الحرام اللهم آمين .
المشاهدات 3225 | التعليقات 2
للرفع
حسين عامر
للرفع
تعديل التعليق