الحقيقة المسكوت عنها

الحقيقة... المسكوت عنها (1)
لم أنتبه إلى السّرعة الزمنيّة التي تطوي مراحل حياتي طيّا.. و تنقلني بسرعة إلى نهايتي المحتومة.. تسير بي إلى الفناء.. إلى الموت.. أحببت أم كرهت.. لاحظت ذلك و أنا بصدد استقبال سنة إدارية جديدة.. و تذكّرت كيف كنت قبل أيام أرقب نهاية سنة قد أدبرت و ولّت و لا أحسبها قد تظهر من جديد على هذا العالم المجنون.. و اليوم أحسب ما مضى من شهر قد عانق أهمّ الأحداث التي عرفها تاريخ تونس المعاصر..
و ليس الموت شبحا مخيفا لي، و لكنّه دافع رادع، و محرّك أساسيّ للعمل و الاجتهاد فلا أطمع في تمديد و تمطيط عمري، و لا حتّى السّاعات و اللّحظات يقول الحقّ تبارك و تعالى: " فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون ".. و لكن كانت رغبة جامحة في حسن توظيف الزمن لأتمكن من تربية زينة حياتي، وهي أمانة غالية حباني بها الحقّ تبارك و تعالى، التربية المناسبة.. فأنا محاسب على الزمن.. محاسب على كلّ لحظة تمرّ في حياتي و حياة أبنائي حتى يبلغا سن التكليف..
و كنت ألوم ولداي إن جنحا، و أنسى أنّ جنوحهما قد يكون نتاج جنوحنا أنا و أمّهما بالدرجة الأولى..
إنّه جنـوح...
و كان لابدّ من لحظة صدق مع نفسي..
إذا كانت زوجتي، في مرحلة الحمل المسؤولة الوحيدة في المحافظة على البيت الأوّل للأولاد.. وهو الرّحم، عبر العناية به و توفير المناخ الصحّي المعافى الذي سيتشكّل الجنين داخله.. فإنّ البيت الثاني، الحاضن للطّفل بعد ولادته.. المنزل، هو مسؤولية مشتركة على قدم المساواة بيني و بين زوجتي.. معا..
و من غير المجدي زعمنا نحن الرّجال، بأنّ تربية الأبناء و السويّة الأخلاقية لهم و سلوكهم الاجتماعي، طوال حياتهم داخل أسرهم، هي مسؤولية الأمّ وحدها، تحت ذريعة أنّنا – الآباء – مشغولون في أعمالنا، خارج منازلنا، و في تحصيل الرّزق لعائلاتنا.. في حين أنّ زوجاتنا ( و غير العاملات منهنّ بالخصوص ) يعشن مع أبنائنا منذ تكونهم في أرحامهنّ و حتّى زواجهم و خروجهم من الدّار، و الانتقال للعيش في استقلاليّة تامّة..
...الأوليـاء
الذريعة منطقية في ظاهرها.. و لكنّها مخالفة للواقع المعاش في باطنها، و ذات طابع ذكوري إذا ما أردنا الحقيقة.. لأنّ الرجال – و أنا أوّلهم - يتنصّلون عبر هذه الذريعة من مسؤولياتهم.. أو بتعبير أدقّ، من دورهم و تأثير أخلاقهم و سلوكهم في حيويات و نفسيات الزوجة و الأبناء معا.. في المناخ العام الذي ستتنفّس الأسرة من هوائه، و تعيش في كنفه..
لنتّفق أنّ لنشأة الأسرة، و تماسكها و استمرار سلامتها، حجري أساس " و ليس حجرا واحدا " هما الأب والأمّ.. الأب و الأمّ لا في اقتسام المسؤولية و الدّور بينهما بالحجم ذاته " مثل إبرام عقد ملكية أو اقتسام مسؤولية مشروع تجاري أو معمل صناعي بين شريكين " و إنّما في التفاعل الحيّ بينهما.. في نوعية العلاقة الجامعة لهما.. في الرؤية المشتركة التي يحملانها.. و من ثمّ في التعاون " لا التقاسم " الخصب المثمر بينهما، على غرار ذراعين في جسد واحد..
الشيخ محمّد الشاذلي شلبي
الإمام الخطيب
تونس
المشاهدات 1601 | التعليقات 0