الحَــافِــظُ الحَفِيظُ -جل جلاله- د عبدالله بن مشبب القحطاني
الفريق العلمي
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللَّهِ: جَاءَ فِي الصَّحِيحِ: أَنَّ عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ وَأَرْبَدَ بْنَ قَيْسٍ كَادَا لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَسَعَيَا فِي قَتْلِهِ؛ فَدَعَا عَلَيْهِمَا؛ فَأَمَّا عَامَرُ بْنُ الطُّفَيْلِ؛ فَأُصِيبَ بِغُدَّةٍ فِي نَحْرِهِ، وَهُوَ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي سَلُولٍ، فَوَثَبَ عَلَى فَرَسِهِ، وَأَخَذَ رُمْحَهُ، وَأَقْبَلَ عَلَى فَرَسِهِ وَهُوَ يَقُولُ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَعِيرِ، وَمَوْتٌ فِي بَيْتِ سَلُولِيَّةٍ؛ فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ حَالَهُ حَتَّى سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ مَيْتًا.
وَأَمَّا أَرْبَدُ بْنُ قَيْسٍ؛ فَخَرَجَ مَعَهُ جَمَلٌ يَبِيعُهُ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى جَمَلِهِ صَاعِقَةً فَأَحْرَقَتْهُمَا؛ (قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)[يُوسُفَ: 64]؛ نَقِفُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ (الْحَافِظِ الْحَفِيظِ) -عَزَّ جَاهُهُ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ-.
رَبُّنَا الْحَافِظُ يَحْفَظُ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا فِيهِمَا، وَيَدُومُ بَقَاؤُهُمَا بِقُدْرَتِهِ؛ فَلَا يَزُولَانِ وَلَا يَحِيدَانِ، وَلَا يُعْجِزَهُ حَمْلُهُمَا؛ لِكَمَالِ قُدْرَتِهِ وَقُوَّتِهِ، أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُ -تَعَالَى-: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)[فَاطِرٍ: 41].
وَرَبُّنَا الْحَفِيظُ يَحْفَظُ عَلَى خَلْقِهِ مَا يَعْمَلُونَ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، فِي سِرٍّ وَعَلَنٍ، وَصَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، قَدْ أَحْصَى أَقْوَالَهُمْ، وَعَلِمَ نِيَّاتِهِمْ؛ فَلَا تَغِيبُ عَنْهُ غَائِبَةٌ؛ (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ)[ق: 4]، (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ)[الِانْفِطَارَ: 10-11]، (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ)[الطَّارِقِ: 4]؛ فَيُجَازِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَهُوَ الَّذِي لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرِّةٍ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ الْعُلَا؛ (إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ)[هُودٍ: 57].
وَهُوَ الْحَافِظُ الَّذِي يَحْفَظُ عَبْدَهُ مِنَ الْمَهَالِكِ وَالْمَعَاطِبِ، وَمَصَارِعِ السُّوءِ، جَعَلَ لَهُ حَفَظَةً مِنَ الْمَلَائِكَةِ هُمْ: الْمُعَقِّبَاتِ بِأَمْرِهِ، قَالَ -تَعَالَى-: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ)[الرَّعْدِ: 11].
وَحِفْظُ اللَّهِ لِخَلْقِهِ نَوْعَانِ:
عَامٌّ، وَهُوَ؛ حِفْظُهُ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ؛ بِأَنْ يُيَسِّرَ لَهَا مَصَالِحَهَا، قَالَ -تَعَالَى-: (إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ)[هُودٍ: 57].
وَحِفْظٌ خَاصٌّ -وَهُوَ أَشْرَفُ النَّوْعَيْنِ-، وَهُوَ؛ حِفْظُهُ لِأَوْلِيَائِهِ فِي مَصَالِحِ دِنْيَاهُمْ، وَفِي أَبْدَانِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ وَمَالِهِمْ؛ فَجَعَلَ لَهُمْ مُعَقِّبَاتٍ تَحْفَظُهُمْ، وَحَفِظَ لَهُمْ دِينَهُمْ مِنَ الشُّبُهَاتِ وَالشَّهَوَاتِ، وَمِنْ أَعْدَائِهِمْ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، ثُمَّ يَتَوَفَّاهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ، قَالَ -تَعَالَى-: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ)[الرَّعْدِ: 11].
وَرَبُّنَا الَّذِي تَكَفَّلَ بِحِفْظِ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ؛ مِنَ التَّحْرِيفِ وَالتَّغْيِيرِ عَلَى مَرِّ الْعُصُورِ وَالدُّهُورِ؛ (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الْحِجْرِ: 9].
وَحَفِظَ الْكَعْبَةَ مِنَ الزَّوَالِ؛ مَعَ أَنَّهُ بَيْتٌ مِنْ حِجَارَةٍ فِي وَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ؛ لِتَبْقَى شَاهِدَةً عَلَى جَلِيلِ حِفْظِهِ وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ وَقُوَّتِهِ.
يَجْتَمِعُ كُفَّارُ قُرَيْشٍ حَوْلَ غَارٍ فِيهِ رَجُلَانِ: مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يُرِيدُونَ قَتْلَهُمَا، فَيَتَسَلَّلُ الْخَوْفُ إِلَى فُؤَادِ أَبِي بَكْرٍ، فَيَنْظُرُ إِلَيْهِ صَاحِبُهُ الْعَظِيمُ وَيَقُولُ لَهُ: "مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا"(أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).
وَإِذَا الْعِنَايَةُ لَاحَظَتْكَ عُيُونُهَا *** نَمْ فَالْمَخَاوِفُ كُلُّهُنَّ أَمَانُ
إِنَّهُ اللَّهُ الْحَافِظُ لِأَوْلِيَائِهِ؛ الَّذِي قَالَ لِلْنَّارِ عِنْدَمَا أُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ فِيهَا: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 69]؛ يُطْفِئُ النَّارَ، يُنْجِي مِنَ الْيَمِّ، يُلِينُ الْحَدِيدَ، يَحْفَظُ فِي السَّمَاءِ وَفِي الْبِحَارِ وَفِي الْأَرْضِ؛ إِنَّهُ اللَّهُ الْحَافِظُ؛ (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)[يُوسُفَ: 64].
كَمْ نَطْلُبُ اللَّهَ فِي ضُرٍّ يَحِلُّ بِنَا *** فَإِنْ تَوَلَّتْ بَلَايَانَا نَسِينَاهُ
نَدْعُوهُ فِي الْبَحْرِ أَنْ يُنْجِي سَفِينَتَنَا *** فَإِنْ رَجَعْنَا إِلَى الشَّاطِي عَصَيْنَاهُ
وَنَرْكَبُ الْجَوَّ فِي أَمْنٍ وَفِي دَعَةٍ *** فَمَا سَقَطْنَا لِأَنَّ الْحَافِظَ اللَّهُ
يَكِيدُ الطَّغَاةُ لِلْأَوْلِيَاءِ؛ فَيَحْفَظُ اللَّهُ أَوْلِيَاءَهُ، فَهَذَا مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- يَقُولُ: (قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)[طه: 45-46]؛ فَبَشَّرَهُ اللَّهُ، وَحَفِظَهُ، وَنَصَرَهُ عَلَى عَدُوِّهِ.
يَحْفَظُ الْحَافِظُ ذِرَّيَةَ أَوْلِيَائِهِ؛ سَوَاءٌ فِي حَيَاتِهِمْ أَوْ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ؛ فَهَذَا يَعْقُوبُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- يَرُدُّ اللَّهُ إِلَيْهِ حَبِيبَهُ يُوسُفَ بَعْدَ سِنِينَ طِوَالٍ، وَهُوَ الْقَائِلُ: (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)[يُوسُفَ: 64].
وَفِي خَبَرِ مُوسَى وَالْخَضِرِ عِنْدَمَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ فَاسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا؛ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا، فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ الْخَضِرُ؛ (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا)[الْكَهْفِ: 82].
يَمُوتُ الْخَلِيفَةُ الْعَادِلُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سَبْعَةٍ مِنَ الذُّكُورِ وَسَبْعٍ مِنَ الْإِنَاثِ، وَلَمْ يُخْلِّفْ لَهُمْ شَيْئًا إِلَّا اللَّهَ -سُبْحَانَهُ-؛ فَيَحْفَظُ اللَّهُ الْأَوْلَادَ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَكَانَ أَبْنَاؤُهُ مِنْ أَغْنَى الْأَغْنِيَاءِ فِي النَّاسِ.
يُوصِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: "يَا غُلَامُ! إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ"(حَدِيثٌ صَحِيحٌ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).
وَلَمَّا قِيلَ لِمُحِبِّ الدِّينِ الطَّبَرِيِّ -وَهُوَ إِمَامٌ شَافِعِيٌّ كَبِيرٌ-: "قَفَزْتَ مِنَ السَّفِينَةِ وَأَنْتَ شَيْخٌ كَبِيرٌ؟ فَقَالَ -كَلِمَةً خُلِّدَتْ فِي التَّارِيخِ!-: هَذِهِ أَعْضَاءٌ حَفِظْنَاهَا فِي الصِّغَرِ؛ فَحَفِظَهَا اللَّهُ لَنَا فِي الْكِبَرِ"؛ (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)[يُوسُفَ: 64].
قَالَ الْعُلَمَاءُ: احْفَظْ أَوَامِرَ اللَّهَ بِالِامْتِثَالِ، وَنَوَاهِيَهُ بِالِاجْتِنَابِ، وَحُدُودَهُ بِعَدَمِ تَعَدِّيهَا؛ يَحْفَظْكَ فِي نَفْسِكَ وَدِينِكَ وَمَالِكَ وَوَلَدِكَ، وَفِي جَمِيعِ مَا آتَاكَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فِي الدُّنْيَا، قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ! احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ"(حَدِيثٌ صَحِيحٌ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).
وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ؛ فَقَدْ بَشَّرَهُمُ اللَّهُ بِالْفَوْزِ الْعَظِيمِ، فَاسْمَعْ -يَا رَعَاكَ اللَّهُ-؛ (وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)[التَّوْبَةِ: 112]، (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ)[ق: 31].
وَعَلَى قَدْرِ حِفْظِكَ لِحُدُودِ اللَّهَ يَكُونُ قَدْرُ الْوِلَايَةِ، وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ حِفْظِ اللَّهَ لِلْعَبْدِ: حِفْظَ الْعَبْدِ لِحُدُودِ اللَّهَ؛ (وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)[التَّوْبَةِ: 112].
وَيَدْخُلُ فِي هَذَا:
حِفْظُ التَّوْحِيدِ، وَحِفْظُ شَعَائِرِ الدِّينِ؛ وَلَا سِيَّمَا الصَّلَاةَ؛ (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)[الْبَقَرَةِ: 238].
وَحِفْظُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْفُؤَادِ؛ (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)[الْإِسْرَاءِ: 36]، (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)[النِّسَاءَ: 34].
وَحِفْظُ الْفَرْجِ: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ)[الْمُؤْمِنُونَ: 5].
وَحِفْظُ الْأَيْمَانِ: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ)[الْمَائِدَةِ: 89].
اللَّهُمَّ يَا حَافِظُ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ وَارْعَنَا بِرِعَايَتِكَ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ
عِبَادَ اللَّهِ: صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو: "اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ مِنْ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي"(حَدِيثٌ صَحِيحٌ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ)، وَإِذَا أَرَادَ النَّوْمَ طَلَبَ مِنَ اللَّهِ الْحِفْظَ.
إِنَّ الْعَبْدَ الصَّالِحَ إِذَا اسْتَوْدَعَ اللَّهَ شَيْئًا حَفِظَهُ؛ كَمَا جَاءَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: "أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ الَّذِي لَا تَضِيعُ وَدَائِعُهُ"(حَدِيثٌ صَحِيحٌ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ]، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ إِذَا اسْتُودِعَ شَيْئًا حَفِظَهُ"(حَدِيثٌ صَحِيحٌ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى ).
اللَّهُمَّ! إِنَّا نَسْتَوْدِعُكَ أَنْفُسَنَا وَوَالِدِينَا وَأَبْنَاءَنَا وَكُلَّ نِعْمَةٍ أَنْعَمْتَ بِهَا عَلَيْنَا.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعِفَّةَ وَالْغِنَى، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَأَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لَنَا خَيْرًا
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَأَخْرِجْنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّاتِنَا، وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّتِنَا وَأَمْوَالِنَا، وَاجْعَلْنَا مُبَارَكِينَ أَيْنَمَا كُنَّا.
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.