الحضن المجاني ( Free Hug )

الحمدُ للهِ الملكِ القدُّوسِ السلام،نشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له،خصَّنا بالإسلام والسَّلامِ،ونشهد أنَّ محمداَ عبدُ اللهِ ورسولُه اصطفاه ربُّه على الأنامِ،صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ والتَّابعينَ لهم بإحسانٍ.
عبادَ الله:اتِّقوا ربَّكم على الدَّوامِ,وخُذُوا بما يَنشُر المودةَ والوئام,تَدخُلوا الجنة بِسَلامٍ
إخوة الإيمان والعقيدة ... ألا وإنَّ من أعظمِ ما شَرَعَهُ اللهُ واختَارَهُ لنا من بينِ الأنامِ,إفشاءُ السَّلام،تحيةُ أهلِ الإسلام، وَتَحيَّةُ الْملائِكَةِ الكرامِ،تَحيَّةُ أهلِ الجنةِ يومَ يَلقَون رَبَّهم بسَلامٌ،
حَدَّثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ قَالَ:لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ،انْجَفَلَ النَّاسُ قِبَلَهُ،أي خَرَجُوا لانتظارِهِ, فَجِئْتُ فِي النَّاسِ،لِأَنْظُرَ،فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ،عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ،فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ،أَنْ قَالَ ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ،وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ،وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ،وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ ).
أيُّها المؤمنونَ ... لقد أمرَ الله المؤمنينَ بالسَّلام فَقَالَ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) وقالَ ( فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً )
بل إنَّ الرَّسولَ عليه الصلاة والسلام عَدَّ السَّلام على الْمُسلِمِ عند مُلاقَاتِهِ حَقَّاً من حُقُوقِهِ عليكَ، قالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ ) وذكر منها ( إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْه )
فَلتَفْخَروا يا مُسلمونَ بِهذهِ الشَّعِيرَةِ العَظيمةِ،ولْتَعتَزُّوا بِها،فإنَّها مِنْ خَصَائِصِنا أهلَ الإسلامِ!ولِذَا فإنَّ اليهودَ يَحسُدُونَنَا عليهِ، قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَا حَسَدَكُمُ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ مَا حَسَدُوكُمْ عَلَى السَّلَامِ وَالتَّأْمِينِ ).
حقَّاً يَكفِي لَنَا فَخرَاً أنَّ السَّلامَ من أسمَاءِ اللهِ تعالى!فَذَاتُهُ سُبحانهُ سَلِمَتْ عن كُلِّ عَيبٍ,وصفاتُه سَلِمَتْ عن كُلِّ نَقصٍ,وأفعالُه سَلِمَتْ عن كُلِّ شَرٍّ, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى،وَضَعَهُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ، فَأَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ ).
والسَّلامُ - عبادَ اللهِ - أَمنٌ وأَمَانٌ,ودُعاءٌ بالرَّحمَةِ والرِّضوانِ،ولهذا كان إفشاؤُهُ مَشروعَاً على الصَّغيرِ والكَبِيرِ,حتى تَشِيعَ المَحَبَّةُ والإكرَامُ بينَ المؤمنينَ!
السَّلامُ - عبادَ اللهِ - قولٌ كَريمٌ يَصدُرُ منكَ لأَخِيكَ مُؤَيَّدَاً بِخيرِ الأَقوَالِ وأَحسَنِ الفِعَالِ وهو دليلٌ على صِدقِ الإسلامِ وَكَمَالِ الإيمانِ،سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ,أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ ( تُطْعِمُ الطَّعَامَ،وَتَقْرَأُ السَّلَامَ، عَلَى مَنْ عَرَفْتَ، وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ ).
فيا مؤمنونَ ... أَفشُوا السَّلامَ بَينَكُم وانشُرُوهُ بينَ أَهلِيكُم وإخوَانِكم وَذَويكمْ، فقد كان من هدي نَبِيَّنَا أنَّه إذا دَخَلَ بَيتَهُ ابتدأَ أهلَهُ بالسَّلامِ بل حثَّ على نَشرِهِ! كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ:«أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ،وَكُونُوا إِخْوَانًا،كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ»وقال ( أَفْشُوا السَّلَامَ تَسْلَمُوا،وَالْأَشَرَةُ شَرُّ ) يعني الكِبْرُ والبَطرُ شَرٌّ! وقال ( أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ تَحَابُّوا ).
أيُّها المؤمنون ... إفشَاءُ السَّلامِ مِفتَاحُ القُلُوبِ،ومُزِيلُ الضَّغائِنِ والإِحَنِ, وإذا أردتَ طَرِيقَاً من طُرُقِ الجَنَّةِ,فعليكَ بكَثرَةِ السِّلامِ على إخوانِكَ,والبشَاشَةِ في وُجُوهِهِم، قَال رَسُولُ اللَّهِ ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ ) يَكفِي شَرَفَاً أنَّ السَّلامَ تَحِيَّةُ أَهلِ الجِنَانِ,يقولُ الرَّحيمُ الرحمانُ ( تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ ) وقالَ سبحانَهُ ( لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلامًا ).
اعلموا – يا مسلمون - أنَّ السَّلامَ والمُصَافَحَةَ سَبَبَانِ لِمغفِرَةِ الذُّنُوبِ,وَحَتِّ الخَطايا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ،إِلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا ).
أخي الكَرِيمِ .. احذر أنْ تَكُونَ بَخِيلاً بالسَّلامِ، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( إِنَّ أَبْخَلَ النَّاسِ مَنْ بَخِلَ بِالسَّلَامِ،وَالْمَغْبُونُ مَنْ لَمْ يَرُدَّ،وَإِنْ حَالَتْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَخِيكَ شَجَرَةٌ، فَاسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْدَأَهُ بِالسَّلَامِ فَافْعَلْ ).
فليُسَّلِّمَ الرَّاكبُ على الماشي،والماشي على القَاعِدِ،والصَّغيرُ على الكبيرِ،والقليلُ على الكثيرِ.
واعلموا رَحِمَني اللهُ وإيَّاكُم ... أنَّ ابتدَاءَ السَّلامِ سُنَّةٌ مُؤكَّدَةٌ والمُسَلَّمُ عليهِ أنْ يُجِيبَ جَهراً بِتَحيةٍ أحسنَ مِنها أو مِثلِهَا قالَ تعالى ( وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً ) فاللهم اهدنِا لأحسنِ الأخلاقِ والأقوالِ والأعمالِ لا يهدي لأحسَنِها إلا أنت,واصرف عنَّا سيئَها لا يَصرِفُ عنَّا سيئَها إلا أنت. اللهم زيِّنا بزينة التقوى والإيمان.
أقول ما تسمعون، ,استغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.



الحمدُ للهِ على إحسَانِهِ،نَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ،الدَّاعِي إلى رِضوانِهِ, ونشهدُ أنَّ مُحمَّدَاً عبدُ اللهِ ورسولُهُ,صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وأَصحابِهِ وأتباعِهِ وأحبَابِهِ وأعوانِهِ.
معاشر المؤمنين ... ديننا دين الرحمة ،والحب ،والرأفة ،فالتكامل نهج رباني لا يدع الإسلام شاردة ولا واردة إلا تقصاها. ظهرت عبارة في لوحة باللغة الانجليزية بمعنى ( الحضن المجاني ) انتشرت في مختلف دول العالم. وقبل أيام قام شاب سعودي، في العشرينات من عمره، بممارستها في مدينة الرياض، مستغلاً تحسّن الأجواء، بهدف تغيير الروتين، قام برفع اللوحة ويحتضن المارة من الرجال في إحدى شوارع الرياض، ونحسبه والله حسيبه أن نيته نشر المحبة والمودة وأنه يريد الخير لكنه ما أصاب.
إن "الحضن المجاني" لم يظهر لدى الغرب إلا في العشر سنوات الأخيرة حيث خرج عجوز مصاب بالإكتئاب بهذه اللوحة Free Hug وأصبح لا يقدم الحنان بل يبحث هو عنه لدى المارة ،ولكم أن تتخيلوا ذاك المجتمع ببروده وجفافه وعلاقة الجفاء بين الآباء والأبناء ،وقطيعة الأرحام ،كيف سيكون الأمر صعبًا بالفعل على نفس ذلك العجوز؟! فلم يقرأ ابنه في يوم من الأيام ( وبالوالدين إحسانا) ولم يردد معه صغيرا ( واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ).
وإن كان الأمر من هذه الممارسة إظهارا لسماحة الإسلام ورأفته فلنرجع لهدي الإسلام في ذلك فقد كان الصحابة ( كانوا إذا التقوا تصافحوا وإذا قدموا من سفر تعانقوا ) فالاحتضان والمعانقة مقيدة في حالات خاصة، أما عند اللقاء المعتاد فهناك الجائزة العظمى والتي زهد فيها الزاهدون وهي المصافحة – كما ذكرنا في الخطبة الأولى - وفيه ما فيه من الأجر. لقد احتضن نبينا صلى الله عليه وسلم واعتنق الجذع حين سمع منه خنين كخنين الصبي لشدة حزنه بعدما اتخذ النبي -صلى الله عليه وسلم - منبرا له وترك الخطبة عليه .
وعن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رجل : يا رسول الله ! الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه ، أينحني له ؟ قال ( لا ) قال : أفيلتزمه ويقبله ؟ قال ( لا ) قال : أفيأخذ بيده ويصافحه ؟ قال ( نعم ). فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن بالالتزام وهو المعانقة والاحتضان، إنما المأذون فيه عند التوديع والقدوم من السفر وطول العهد بالصاحب ، لفعل النبي عليه الصلاة والسلام، لما قدِم جعفر بن أبي طالب من هجرة الحبشة تلقاه النبي -صلى الله عليه وسلم- فعانقه وقبل ما بين عينيه.
فيا عباد الله ... تمسكوا بهدي نبيكم صلى الله عليه وسلم، واحذروا من اتباع سنن من كان قبلنا .
فاللهم وَفِّقنَا جَمِيعاً لِفِعلِ الخَيراتِ واغتِنَامِ الصَّالِحَاتِ واكفِنَا شَرَّ أَنفُسِنَا والشَّيطَانِ. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ,اللهم ضَعفَ إخوانَنا المُستَضعفِينَ في كلِّ مكانٍ وكن لهم ناصِراً ومعيناً.
اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحبُّ وترضى وأعنهم على البرِّ والتقوى واجعلهم هداةً مهتدين غير ضالين ولا مضلين وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة ياربَّ العالمين.
المشاهدات 2650 | التعليقات 2

بارك الله فيك ياشيخ خطبة موفقة نفع الله بكم الإسلام و المسلمين.


فعلا الحضن المجاني ولقد كان من أهم وأوائل ما دعا إليه النبي عليه الصلاة والسلام فإذا تعانقت الأجساد تصافت القلوب وحينها يشكلون قوة وسياجا لا يقدر الغير والعدو على تجاوزه وتخطيه وبالتالي سيتحملون الأثقال ويتجاوزون الصعاب.

جزيت خيرا شيخ إبراهيم وجعل ما كتبته صدقة جارية لك.