الحر ... وحديث السبعة الذين يظلهم الله في ظلّه
محمد الأحمد
1434/08/26 - 2013/07/05 07:42AM
الحر وحديث السبعة الذين يظلهم الله
19/8/1434هــ[align=justify]الحمد لله الذي جعل في اختِلافِ اللَّيل والنّهار عِبرٌ، وفي تَقلُّبِ الزَّمان مدَّكر، {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَاب * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار} وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريكَ له وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ، صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومَنْ تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد/
ففي مثل هذه الأجواء الحارة، والشمس الحارقة، فإنَّ المؤمن الفطِن هو الذي يتفكّر في ذلك ، بل ويزيده إيماناً، { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان: 62].
أيها الأحبة/ يومُ القيامة : حرٌّ شديد، وحشرٌ عظيم، قبورٌ تُبعثَر، وبحارٌ تُسجّر، وكواكب تتناثر، والجبال العظيمة كالعهن المنفوش.. لا إله إلا الله/ (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيم * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد)
في هذا اليوم العظيم " تُدْنَى الشَّمْسُ..مِنَ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ...فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِى الْعَرَقِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا"
ولكن أيها الأحبة، هناك من المؤمنين مَنْ سيُكرِمهم الله ، بأن يُظلَّهم تحت ظلِّ عرشه، جزاءً على أعمالهم الصالحةَ في الدنيا، فمَن هم هؤلاء ؟ وما هي أعمالهم؟ أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِى ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ [وما أحسَن هذا الجزاء وهذه الكرامة، وقد قال الإمام ابنُ عبدالبر عن هذا الحديث: هذا أحسن حديث يرى في فضائل الأعمال وأعمِّها( )]
الأول: إِمَامٌ عَدْلٌ، "وَالْمُرَادُ بِهِ صَاحِبُ الْوِلَايَةِ الْعُظْمَى ، وَيَلْتَحِقُ بِهِ كُلُّ مَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَعَدَلَ فِيهِ ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ (إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِى حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا)، والْعَادِلُ هو الَّذِي يَتَّبِعُ أَمْرَ اللَّهِ بِوَضْعِ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَوْضِعِهِ" ( ) ويخشى الظلمَ وعاقبتَه.
الثاني: وَشَابٌّ نَشَأَ فِى عِبَادَةِ اللَّهِ، "ملازماً للعبادة متلبساً بها، ملاصقاً لها"( ) قد تذوّق حلاوة مناجاة الله ومناجاته في بيت من بيوته، وخصَّ الشاب بذلك، لأنه مظنة الطيش واتباع الهوى، فملازمةُ العبادة مع الشباب دليلٌ على غلبة التقوى عليه، ومغالبته لداعي الشيطان.
الثالث: وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِى الْمَسَاجِدِ ، "شَدِيدُ الْحُبِّ للمساجد وَالْمُلَازَمَةِ لِلْجَمَاعَةِ فِيهَا"( )، فلا يخرج منه إلا ويحبُّ العوْد إليه، يُقبل إلى المسجد لحضور الصلاة بحبٍّ، ولا يخرج من المسجد إلا وينتظر الفرض الآخر لأداء الصلاة. حريصٌ على الخروج للمسجد مع الأذان، حريص على انتظار الصلاة لتستغفر له الملائكة، حريصٌ على تكبير الإحرام.
الرابع: وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِى اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، فمحبتهم لأجل ما اجتمعا عليه من الدين ، ولم يقطع محبَّتَهم عارضٌ دنيوي، والحب في الله هو أوثق عُرى الإيمان.
الخامس: وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ، فلم ينتهك محارم الله أو يرتكب الموبقات، ولو زادت المغريات والفتن، بل أمر الله إليه أحب، ومعصية الله أثقل من الجبال على نفسه الطاهرة.
السادس: وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وهذا من المبالغ في الإسرار والإخفاء، والمقصود هو إخفاء صدقة التطوع، وقد طهّرها من شائبة الرياء والسمعة( )، وهذا الرجل قد تغلّب على فتنتيْن( ): الأولى: فتنة وغريزة الشح والبخل، والثانية: فتنة الظهور وثناء الناس.
السابع: وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، إما متذكراً بقلبه أو ذاكراً بلسانه، في مكانٍ خالٍ، خَالِيًا مِنَ الِالْتِفَاتِ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ ، ففاضت عيناه من خشية الله تعالى.
وطاعة السر يا إخواني يكتمل فيها الإخلاص وداعي الرجاءِ والخوف.
أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المقبولين وأن يظلنا في ظله، وأن يغفر لنا ولجميع المسلمين، إنه سميع مجيب
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، وأشهَد أن لاَ إلهَ إلا الله "غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِير"، وأشهَد أنَّ نَبِيَّنا محَمّدًا عَبده ورسولُه، اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعَلَى آلِه وأصحابِه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
كم نحن بحاجةٍ في زَمَن الحَرِّ أن يتذكَّر المؤمِنُ شِدَّةَ حرِّ النّارِ غيرِ المتَناهي أبَدَ الآبدين، فيُقبِل حينئذٍ بكلِّيتِه على العزيز الغفَّار ويَفِرّ من سَخَط الجبَّار{وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُون}.
أيها الأحبة ذكرنا في الخطبة مَن هم السبعةُ الذين يظلّهم الله في ظلِّ عرشه، والمقصود: سبعةُ أصناف، وليس سبعةُ أشخاص، وقد جاءت أحاديثُ أُخَر تبيّن أعمالاً أخرى يستحقُّ أصحابهم أن يستظلوا في ظلّه سبحانه، كما في صحيح مسلمٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِى ظِلِّهِ" وهناك أعمالٌ أخرى، يستظلُّ المسلم عند عملها بظل الرحمن( ).
فحريٌّ بالمؤمن أن يُسارع في الخيرات، وأن يبادر بالأعمال الصالحة قبل الممات، وأن يعمل في دار العمل قبل أن يعضَّ يديه على الفوات.
اللهم ارحمنا برحمتك ، وأسبغ علينا واسع فضلك.. اللهم قِنا حر الدنيا ، وحر الآخرة ..
اللهم ارزقنا قبل الموت توبةً نصوحاً ، واجعل خير أعمالنا آخرها، ونور علينا قبورنا ، واهدنا في الدنيا والآخرة ، اللهم أظلنا في ظلك يوم لا ظل إلا ظلك .. (إلخ الدعاء)[/align]
المرفقات
خطبتي عن الحر وحديث السبعة الذين يظلهم الله.doc
خطبتي عن الحر وحديث السبعة الذين يظلهم الله.doc