الحرب وضحايا اللجوء

احمد ابوبكر
1436/04/08 - 2015/01/28 04:57AM
[align=justify]وما الحرب إلا ماعلمتم وذقتم وما هو عنها بالحديث المرجّم
متى تبعثوها تبعثوها ذميمةً وتضر إذا ضريّتموها فتضرم
فتعرككم عرك الرحى بثفالها وتلقح كشافاً ثمّ تُنتج فتُتئِم

إن ويلات الحروب لم تخفَ يوماً، وآثارها على البشرية واضحةٌ جليةٌ،وهذا زهير بن أبي سلمى حكيم شعراء الجاهلية يصور الحرب –منذ أكثر من ألف عام – في صورة الرحى التي تطحن البشر إلى دقيق أو في صورة النار المتوقدة التي تلتهم الأخضر واليابس وأخيراً الناقة الّتي تلقح في العالم مرتين وتلد توأمين من صنوف الشر .

الحرب ظاهرة رافقت البشرية منذ نشوئها، إنّها تشكّل الحدث الأكبر في تاريخ المجتمعات، وهي حالة استثنائية عند الشعوب، حالة تَغيُّر مفاجئ لمسير الحضارة و نمط الحياة . خراب مادي وبشري خراب للبينة الإنسانيّة النفسيّة والماديّة الحضاريّة على حد سواء .

في ظل الحروب تتعرض الشعوب لأبشع أنواع الظروف الصادمة والضاغطة؛ قصف وترويع وعنف، تدمير وتشريد وتهجير، كيف يكون النشاط العقلي للإنسان داخل الحرب محاطا بالعنف ؟ كيف يكون أداء الناس في الأيام الصعبة مع الأحداث المضنية بقسوتها ؟
تتفاعل آليات واستجابات البقاء في الحرب - حيث استمرارية العيش والحياة هو الهدف الأسمى لدى الإنسان – ويغدو من الترف الحديث عن الأفكار والقيم . إن أعمال العنف تسبب فقدان الثقة والطمأنينة الوجودية، وتهدد الانتماء عند الأفراد؛ مما يؤدي إلى حالة من الانهيار الرّوحي، حيث ينتاب معظم الأهالي شعور بالعجز والوهم النفسي والاتكالية الذي يتجلّى بانخفاض الدافعية للعمل، وربّما للحياة، ويظهر ذلك من خلال سوء التكيّف الاجتماعي لدى أغلب النّاس، وانخفاض الحكم الأخلاقي لدى بعضهم .
أوضحت الدراسات الاجتماعية أنّ المراهقين الذين تعرضوا للعنف ينخفض لديهم الحكم الخلقي، ويرتفع السلوك المضاد للمجتمع أكثر من أقرانهم الذين لم يتعرضوا للعنف . إنّ ويلات الحروب، وما يعقبها من فقد وتهجير ومآسٍ تؤثّر في السلوك البشري الذي يصل إلى مستوى الحضيض بين طرفي الحرب، وتؤدي إلى نشوء طبقة من المجرمين يستغلون ظروف الحرب، ويقومون بعمليات سلب ونهب وتهريب و مخدرات ودعارة، وغيرها من الأنشطة التي تدمّر أخلاقيات الشعوب .

لابد أن تتسبب الحرب في تكثيف الأنانيّة والعدوانيّة المؤدية إلى شلل اجتماعي يهدد استمراريّة جهاز القيم، والخروج عن القانون والانحراف . وللحرب آثار على الممارسات الاجتماعية والثقافية، ولا يوجد أي مجال من العمل غريب عليها لذلك يمكن اعتبارها ( حدث اجتماعي شامل ) كما عرّفها مارسيل موس M.Mauss

إنّ مظاهر الحرب وآثارها قد تكون متطابقة في كل مكان، فالحرب تولّد ثقافة خاصّة تهيمن على كل الثقافات؛ مما دفع بعض المؤرخين إلى صياغة تعبير ( ثقافة الحرب ) من أجل التعبير عن التفاعل بين الحرب والمجتمع.
إذن هي ثقافة حرب، وليست ثقافة شعب، فلم تكن يوما السرقة والنهب أو التسوّل والبطالة أو الدعارة !
ثقافة اللبنانيين أو العراقيين أو السوريين - على سبيل المثال لا الحصر - أو أي شعب من الشعوب العربية أو الغربيّة التي تعرضّت للحرب، وعانت من خرابها وآثارها على المدى القريب والبعيد؛ ذلك أن ضياع الأمن الاجتماعي ضياع للمجتمع بأسره كبيره وصغيره. هذا الضياع يشكّل فوضى للأسر والأبناء والأحفاد قد يستمر طويلا .

الحروب تقلب المجتمعات رأسا على عقب، تعبث بطبقات المجتمع كافّة، وتحوّل أفراده إلى ضحايا حرب عبر الشهود المباشر للحرب – في موقع الحدث – أو غير المباشر، بعيدا عن موقع الحدث . ذلك أنّ وسائل الإعلام الحديثة تنقل المشاهد لموقع الحدث بشهود غير مباشر لا يفصل المشاهد إلّا المسافة الماديّة، أي أنّ المشاهد يعيش واقع الحرب، لكن عن بعد. إنَّ كل شاهد على الأحداث جريح في كبريائه الشخصي وكبريائه الاجتماعي، إن كل مواطن ينتمي إلى الوطن والأرض التي تجري عليها الحرب، وتسيل فيها الدماء هو مصاب وجريح نفسيّا .

يقول الدكتور مطاع بركات ( حتى مصطلح الصدمة النفسيّة المركبة لم يفسّر لي تماما ما الذي يحدث في أعماق الإنسان المصدوم بالحرب ) . إن الحرب تعني فقدان شعب لكل ما كان يملكه في السابق من مقومات الحياة الماديّة والمعنويّة والانغماس بشكل قسري في ظروف حياة بلا مقومات .

إن الأشخاص الناجين من الحرب استنفدوا طاقتهم على خوض أي جديد، حتى يستعيدوا أنفاسهم، وبذلك يحتاج الإنسان لوقت طويل حتى يبدأ بالتأقلم مع الحياة الجديدة، إنّ المساندة المجتمعيّة مهمّة جدا للمصابين نفسيّاً، وأبرز أهداف الدعم النفسي والمساندة الاجتماعيّة خلق روابط نفسيّة اجتماعيّة مع البيئة الجديدة، فالجو الإنساني في البيئة الجديدة أهم من البيئة الجغرافية .

فإذا ضاقت سبل الحياة بالجريح واحتمى بك من الحرب - التي لا تذر ولا تفرق بين طفل ومجرم - وأتى أرضك لائذاً محتمياً، فلا تتجهمه، ولا تقل (لاجئ)؛ فلهذه الكلمة وقع ووخز عميق في الروح والجسد، فهو لم يأتِ لاجئا يعوّل على اتفاقيّات وبروتوكولات الأمم المتحدّة والتي ( تمنح اللاجئين في جميع الأحوال حق الاحترام لأشخاصهم وشرفهم وحقوقهم العائليّة وعقائدهم الدينيّة وعاداتهم وتقاليدهم ) حسب ما ورد في اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيّين في وقت الحرب . هو لم يعوّل على إنسانية الغرب؛ ولكنه أتى يناشدك بمكارم الأخلاق، وشيم العرب، أتى يذكرك بإغاثة الملهوف، الخلق الذي كانت تفتخر به العرب ويتمدّحون به، وقد يظن بعضهم بالإغاثة الدّعم المادي فقط، ولكن الإغاثة المعنويّة والشعور بما يعانيه الملهوف؛ لا تقل أهميّة عن تلك الإغاثة المادية، وقد تفوقها .

أيها العربيّ المضيف قد يكون الملهوف عبئا، ولكن لا تنسَ واجبك الإنساني تجاهه، لاتدع سياسة أو حكماً جائرا يقيّد شهامتك وخلقك، لا تساعد في ترويج الإساءة لمن قصدك ودخل أرضك .
أتاك ملهوفاً فكيف تخذله ؟ تخشاه وتخشى الفقر الذي يحمله، تتوجس أفعاله وتتهمه، تخوض في خلقه وربما في عرضه !! واللائذ الملهوف يناشدك ولسان حاله يقول : إن لم تستطع أن تنصرني؛ فلا تظلمني، إن لم تقوني؛ فلا تضعفني، إن لم تساعدني على التعافي؛ فلا تزد جراحي .

وإن عزمت على محاكمتي؛ فتذكّر أني محمل بجراحي وواقعي المؤلم، وأجبني (هل في وسعك أن تكون طبيعياً في واقع غير طبيعي ؟ ) .

رشــا الـرز
[/align]
المشاهدات 1128 | التعليقات 0