الحرب على المخدرات

هلال الهاجري
1444/10/14 - 2023/05/04 05:54AM

الحمدُ للهِ حَمداً كَثيراً طَيباً مُباركاً فيهِ، مِلءَ السَّماواتِ ومِلءَ الأرضِ ومِلءَ مَا شاءَ مِن شَيءٍ بَعدُ، الحمدُ للهِ على نِعمِهِ الكثيرةِ، وعَطائِه الجَزيلِ، وفَضلِهِ العَمِيمِ، أَحمَدُهُ سُبحانَهُ حَمداً يَليقُ بِعظَمَتِهِ، ويُوافِي جُودَهُ وكَرَمَهُ، وأشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وَحدَهُ لاَ شَريكَ لَه المتَفَرِّدُ بالعَطَاءِ والكَرَمِ، وأَشهَدُ أَنَّ محمَّداً عَبدُهُ ورَسُولُهُ خَيرُ مَن شَكرَ اللهَ تعالى علَى نِعَمِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وعلَى آلهِ وصَحبِهِ وسَلَّمَ تَسليماً كثيراً .. أمَّا بَعدُ:

فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ، واشكُرُوهُ علَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، فمَنْ سِواهُ نَشْكُرُ، ومَن سِوَاهُ نَذكُرُ، ومَن سِواهُ نَتُوبُ إليهِ ونَستَغفِرُ، (أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ).

طَريقٌ مُظلِمٌ، ومُستَقبلٌ مُؤلمٌ، الداخلُ فيه مَفقودٌ، والخَارجُ مِنهُ مَولودٌ، مَن خَرجَ مِنهُ جَاءَ بالنَّذيرِ والتَّحذيرِ، وأَخبرَ بِأحداثٍ تُشبهُ الأَساطيرَ، كَمْ أَفقَرتْ مِن غِنىً، وأَذلَتْ مِن عِزٍّ، وَسَلَبَتْ مِن نِعمَةٍ، وجَلَبَتْ مِن نِقمَةٍ، كَمْ في البُيوتِ فِيهِ من أَخبارٍ حَزينةٍ، وكَم في الصُّدورِ فيه من أَسرارٍ دَفينةٍ، كَمْ ضَاعَ فيهِ مِن كِبارٍ وصِغارٍ وشَبابٍ وفَتياتٍ، وكَمْ تَحَولَّتْ فِيهِ أُسَرٌ من بَعدِ الاجتماعِ إلى الشَّتاتِ، إنَّها المُخدراتُ وما أدراكَ ما المُخدراتُ.

شابٌ مُطيعٌ لربِّهِ، بارٌّ بِوَالديهِ، مُتفوِّقٌ في دِرَاستِهِ، يَعيشُ حَياةً جَميلةً مَلِيئَةٌ بالأمانيِّ والأَحلامِ، تَعرَّفَ يَومَاً عَلى مَنْ ظَنَّهُ صَاحِباً، فَأعَطاهُ الثِّقةَ والصَّداقةَ، ولا يَعلمُ المسكينُ أَنَّهُ أَمامَ ذِئبٍ كَاسرٍ، في لِباسِ حَمْلٍ وديعٍ، وفي لَحظةِ ضَعفٍ أَعطَاهُ مَا أَوهَمَهُ بِأَنَّهُ عِلاجُ الغُمومِ ومِفتاحُ السَّعادةِ، فَكَانتْ هِيَ بِدايةُ النِّهايةِ، فَتَغيَّرتْ الحياةُ الجَميلةُ إلى لَيلِ أَشباحٍ، وانطفأَ بَعدَ الإضاءةِ الِمصبَاحُ، فَأصبحتْ الطَّاعةُ فُسوقَاً، وأَصبحَ البِرُّ عُقوقاً، فَمسكينةٌ تِلكَ الأمُ التَعِيسةُ، التي رُدُّتْ إلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، فَحُرِمتْ من ابنِها في وَقتٍ هِيَ أَشدُ الحَاجةِ إليه، فَهيَ أَسيرةُ المَرضِ والأَحزانِ، وَهوَ أَسيرٌ خَلفَ القُضبانِ، إنَّها المُخدِّراتُ، وما أدراكَ ما المخدِّراتُ.

فَتاةٌ كَانَتْ قُرةَ عَينِ أَبيها، وَشَمعةَ أَملِ أُمِّها، مِنْ أَجملِ البَناتِ خَلْقاً وخُلُقاً، دَخَلتْ الجَامعةَ، فَأَبى الحَاسداتُ أَنْ تُمدحَ فَتاةٌ بَيْنَهنَّ بِعِفَةٍ وأَدَبٍ، فَأتَينَ بِمَا مِنهُ الشَّيطانُ أَصَابَه العَجَبَ، فَوقَعَتْ المِسكينةُ في الشِّراكِ، وَأَصبحتْ أُلعوبةً في يَدِ كُلِّ مُخادعٍ وأفَّاكٍ، وَلَكم أَن تَتَخيلوا تِلكَ اللَّحظةَ وَقد استلمَهَا أَبوها مِنْ رِجالِ الأمنِ بعدما أُخبرَ عن قِصةِ تِلكَ السَّهرةِ الأثيمةِ، والحَقيقةِ الأليمةِ، فَلا يدري (أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ)، إنَّها المُخدِّراتُ، وما أدراكَ ما المخدِّراتُ.

ربُّ أسرةٍ، أَسعدُ لَحظاتِ زَوجتِه وأَولادِه عِندَمَا يَعودُ لهم من عَملِهِ، فَيَرتمونَ في أَحضانِهِ، فَيَشعُرونَ بذلك الدِّفءَ العَجيبَ، والأَمانَ الغَريبَ، فَليسَ لهم في الدُّنيا إلا هَذا الأبُ الحبيبُ، وبينَ عَشيَّةٍ وضُحَاها، انقَلبَ ذلك الأبُ الحَنونُ إلى وَحشٍ كَاسرٍ، فَسَكَنَ الخَوفُ مَعَهم في البيتِ، وإذا جَاءَ هَرَبَ مِنهُ كُلُّ شَيءٍ، وإذا خَرجَ عَاشوا في قَلقٍ لأنَّهم يَعلمونَ أَنَّهُ سَيَأتيهم بِغَيرِ الوَجهِ الذي خَرجَ بِهِ، مُؤثرٌ ذَلكَ المَنظرُ والأَطفالُ يَسألونَ ببراءةِ أُمَّهم المَكلومةَ: يَا أُمَّاهُ، أَينَ أَبونا الأولُ؟، إنَّها المُخدِّراتُ، ومَا أَدراكَ مَا المخدِّراتُ.

فيا شبابَ الإسلامَ: مَن مِنكُم يُريدُ أن يَكونَ ذلكَ الكَائنَ الذي لا يَعرفُ لِلحياةِ طَعماً، ولا لِلسَّعادةِ رَسماً، فَنَصيحةٌ من قلبي الدَّاميِ إلى قلوبِكم الطَيَّبةِ الصَّادقةِ، الإسلامُ يحتاجُ إليكم ليستعيدَ قوَّتَه، ووطنُكم يُريدُكم ليُحفظَ أمنَه وسعادتَه، ومجتمَعُكم يُناديكم ليبنيَ حضارتَه ونهضتَه، إن أيامَكُم غَاليةٌ فلا تُفرِّطوا منها ولو بِدقيقةٍ، فارفَعوا أنفُسَكُم بالصَّالحاتِ، واجعلوا بينَكُم وبينَ اللهِ طَاعاتٍ، واجعلوا بينَكُم وبينَه خَلواتٍ، واجعلوا بينَكُم وبينَه دعواتٍ، واجعلوا بينَكُم وبينَه دمعاتٍ، فلا هدايةَ إلا عن طريقِه، ولا توفيقَ في الدُّنيا والآخرةِ إلا بسببِه، وهو يحبُّ التَّوابينَ ويُحبُّ المُتَطهرينَ.

أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولجميعِ المسلمينَ من كُلِّ ذَنبٍ فاستغفروه، إنَّ ربي لغفورٌ رَحيمٌ.

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ له وَليُ الصالحينَ، وأَشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه إمامُ المتقينَ، صَلى اللهُ وسلمَ عليهِ وعلى آلِه وصحبِه ومن اهتدى بهديه إلى يومِ الدينِ، أَما بعدُ:

فإنَّ الأرقامَ المُخيفةَ التي تُعلنُ عنها الدَّولةُ في مَضبوطاتِ المُخدِراتِ، والطُرقُ الاحترافيةُ التي يتمُّ تهريبُها بها، يجعلُنا نشعرُ بأنَّ لَهَا سُوقاً رائجةً، وزبائنَ كَثيرةً، والأعظمُ مِنْ ذَلكَ أَنَّ خَلفَ هَذهِ المؤامرةِ أَعداءٌ للعَقيدةِ والدِّينِ، لا يُريدونَ لشبابِ الأمةِ خَيْراً ولا فَلاحاً، ولا لأبناءِ الوَطنِ نُهُوضاً ولا نَجَاحاً، فكَيفُ تُفلحُ أُمَّةٌ أو بِلادٌ وتَصِلُ إلى المُنافسةِ في التَّطَورِ والرُّقيِّ، وشَبَابُها الذينَ هُم أَملُها غَائبٌ عَن الوَعيِّ.

أيُّها الأحبَّةُ .. حَسنةٌ أُخرى تَحسَبُ لِهذهِ البِلادِ كَغيرِها مِن الحَسَناتِ، وهي هَذهِ الحَملةُ الوطنيةُ لِلقَضاءِ على المُخَدِّراتِ، يَربَحُ فِيها المُتَعاطي بِكَفِّهِ عَن إدمانِهِ، ويَربَحُ فِيها المَرَوِّجُ بِانتِشَالِهِ مِن ظُلمِهِ وشَيطانِهِ، ويَربحُ فِيها البَيتُ بِإعادَةِ استقرَارِهِ وأمَانِهِ، ويَربحُ فيهِ المَجتَمعُ بِرُجوعِ أَفرادِهِ إلى أَحضَانِهِ، فَالكُلُّ رَابحٌ، فشُكراً مِن القَلبِ لَكُم يَا رِجالَ الأمنِ، وشُكراً لَكم يا رِجالَ الجَماركِ، وشُكراً لِجميعِ الأجهزةِ المُشاركةِ، شُكراً لَكم من القَلبِ، تَسهرونَ وننَامُ، وتَتعبونَ ونَرتاحُ، وتَتَعرضونَ لِلَخطَرِ ونَحنُ في أمانٍ، حِمايةً لِشبابِ البلادِ والأوطانِ.

وحقيقٌ عَلينا جميعاً كمُواطِنينَ ومُقيمينَ أن نَشكرَهم، وأن نُساعدَهم، وأَنْ نَضعَ أَيدينا بأيديهم في الحَربِ على المُخَدِّراتِ، فَبَلِّغْ عَنهُم، لأجلِ مَصلَحةِ جَميعِ الفِئاتِ، وللوُصولِ إلى مُجتَمعٍ خَالٍ مِن المُخَدِّراتِ.  

اللَّهُمَّ أَعزَّ الإسلامَ والمُسلمينَ، وأَذلَّ الشِّركَ والمُشركينَ، ودَمِّرْ أَعداءَ الدينِ، واجعلْ هَذا البلدَ آمناً مُطمئناً وسَائرَ بِلادِ المسلمينَ، اللهمَّ احفَظنا مِن كُلِّ سُوءٍ ومَكروهٍ، ومِن كُلِّ شَرٍّ وفِتنةٍ، اللَّهُمَّ رُدَّ كَيدَ الكَائدينَ في نُحورِهم واكفِنَا شُرورَهم إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ، اللهم اهْدِ شَبَابَ الإسْلاَمَ وَالمُسْلِمِين، اللهم رُدَّهُمْ إِلَى دِينِكَ رَدَّا جَمِيلًا، اللّهُمَّ لا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينَنَا، وَلا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلا إِلَى النَّارِ مَصِيرِنَا، وَاجْعَلْ الجَنَّةَ هِيَ دَارَنَا، وَلا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا بِذُنُوبِنَا مَنْ لا يَخَافُكَ فِينَا وَلا يَرْحَمُنَا، الَّلهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالفَوْزَ بِالجَنَّةِ، وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ، اللَّهُمَّ أَصلحْ ولاةَ أُمورِنا، واجعلهم هُداةً مُهتدينَ غَيرَ ضَالينَ ولا مُضلينَ، اللَّهُمَّ أَعنهم عَلى نَصرِ الحَقِّ والقِيامِ به، (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

المرفقات

1683168843_الحرب على المخدرات.docx

1683168850_الحرب على المخدرات.pdf

المشاهدات 2015 | التعليقات 0