الحَذَرُ مِنْ الإسْرَافِ وَالهَدْرِ الْغِذَائِيِّ

محمد البدر
1445/03/13 - 2023/09/28 04:56AM

الْخُطْبَةُ الأُولَى:   

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾. أي لا تُسْرِفُوا فِي الْأَكْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَضَرَّةِ العقل والبدن،وَقَالَ تَعَالَى:﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾.فالأصلُ أنَّ اللهَ أَحَلَّ لَنا كُلَّ الطَّيِّبَاتِ وَحَرَّمَ عَلَينَا الخَبائِثَ،فَالتَّحْذِيرُ مِن الإسْرَافِ،لا يَعْنِي تَرْكَ المُبَاحِ؛ قَالَ تَعَالَى:﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله الَتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا﴾.قَالَ قَتَادَةُ:الإِسْرَافُ:النَّفَقَةُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ،وَالإِقْتَارُ:الإِمْسَاكُ عَنْ حَقِّ اللَّهِ.وَقَالَﷺ«كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالبَسُوا وَتَصَدَّقُوا، فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ»وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:كُلْ مَا شِئْتَ، وَالبَسْ مَا شِئْتَ، مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ: سَرَفٌ، أَوْ مَخِيلَةٌ»رَوَاهُ الْبُخَارِيِّ.وَقَالَﷺ«طَعَامُ الاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلاثَةِ، وَطَعَامُ الثَّلاَثَةِ كَافِي الأَرْبَعَةِ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وَقَالَﷺ«إِنَّ مِنْ شِرَارِ أُمَّتِي الَّذِينَ غُذُّوا بِالنَّعِيمِ ,وَنَبَتَتْ عَلَيْهِ أَجْسَامُهُمْ، الَّذِينَ يَأكُلُونَ أَلْوَانَ الطَّعَامِ، وَيَلْبَسُونَ أَلْوَانَ الثِّيَابِ، وَيَتَشَدَّقُونَ بِالْكَلامِ »صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

عِبَادَ اللَّهِ:لقد ظهرت في المجتمعِ عادات كثيرةٌ سيئة من الإسرافِ المنهيِّ عنه شرعًا والذي يُوقعُ صاحبَه في الإثمِ،ومن ذلك:التَّكلُّفُ في عَمَلِ والولائم للضيوف فتجده يذبح لأي شخص يدخل بيته ويتكلف في مد السفر ويضع عليها ما لذ وطاب من اصناف المأكولات وأنواع الفواكه والمشروبات،وما تبقى يرمي به في المزابل والطرقات كذلك وليمةِ العُرسِ يذبح فيها المفطحات بكميات كثيرة بالاضافة إلى أشكالٍ متنوعةٍ من الطَّعامِ والشَّرابِ والفواكهِ والحلوى، والتي يُهدرُ منها الكثيرُ، بلْ وربَّما تُلقَى في الزبالاتِ، والعياذُ باللهِ، كذلك البذخ والتفاخر في تقديم ولائم العزاء تفاخرا بين العشيرة، والأهل والأصدقاء، وهو في الواقع ما هو إلا ضخ غير طبيعي لمصاريف الأسرة وتبذير الكثير من المال وقد يستدين أهل الميت لتوفير الطعام للمعزين، وهذه النفقات تثقل كاهل أهل المتوفى لتلبية احتياجات الضيوف الذين يصرون على البقاء في بيت العزاء حتى يقدم أهل المتوفى لهم  العشاء(المفطحات)ولمدة ثلاثة أيام.

عِبَادَ اللَّهِ:نحن نسرف في الأكل والشرب ونتفاخر به في الزواجات والعزاء وكل المناسبات حتى فشا فينا الكثير من الأمراض مثل السكر وغيره ودب فينا الخمول والكسل قَالَﷺ:«مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ»رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.وَقَالَﷺ «المُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًي وَاحِدٍ، وَالكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.فنحن لا نملأ بطوننا فقط، بل نملأ حتى صناديق النفايات بنعمة الله وَوَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنِ هذه النَّعِيمِ قَالَ تَعَالَى:﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾.أقُولُ ما سَمعتُم وأسْتَغفِرُ اللهَ لي وَلَكُمْ مِن كُلِّ ذَنْبٍّ فاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

عِبَادَ اللَّهِ: اقْتَدَوْا  بِالنَّبِيِّ  الْمُجْتَبَى   وَالحَبِيبُ المُصْطَفَى ﷺفِي مَأْكَلِهِ فَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِﷺكَانَ إِذَا أَكَلَ طَعَامًا لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ،قَالَ:وَقَالَ:«إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الْأَذَى وَلْيَأْكُلْهَا، وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ»وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ، قَالَ:«فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمُ الْبَرَكَةُ»رَوَاهُ مُسْلِمُ.وَقَالَﷺ:«إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى وَلْيَأْكُلْهَا وَلاَ يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ وَلاَ يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِى فِي أَي طَعَامِهِ الْبَرَكَةُ»رَوَاهُ مُسْلِمُ.وإذا أردنَا أنْ تَدومَ نعمُ اللهِ علينا فينبغي أن لا نستهينَ بقليلِ الطعامِ ولو كانَ لقمةً واحدةً.قَالَ تَعَالَى:﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا(26)إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾.قَالَ تَعَالَى:﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾.فاتَّقوا اللهَ تعالى في نِعَمِه، وحافظوا عليها قَبْلَ أن تذهبَ عنَّا ولا ترجعُ، واقتصدوا في معاشِكم وجميعِ أمورِكم فما عالَ مَنْ اقْتصَدَ، وما خَسِرَ مَنْ شَكَرَ.

عِبَادَ اللهِ:إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ-مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ-وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ،وعن صحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.واحفظ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليّ أمرنا، اللّهمّ وهيّئ له البِطانة الصالحة التي تدلُّه على الخير وتعينُه عليه، واصرِف عنه بطانةَ السوء يا ربَّ العالمين، واللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.

عِبَادَ اللَّهِ:اذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ ، واشكروه على نعمه يزدكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.

 

 

المرفقات

1695866145_الحَذَرُ مِنْ الإسْرَافِ وَالهَدْرِ الْغِذَائِيِّ.pdf

المشاهدات 1486 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا