الحج ويوم عرفه
صالح العويد
1434/12/04 - 2013/10/09 06:14AM
الحمد لله المحمود بكل لسان المعبود في كل زمان المقصود من كل مكان يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن جعل عدة الشهور اثنا عشر شهرا في القرآن وخص بالفضل منها العشر الأول من ذي الحجة على كل الأزمان ليتنافس فيه المتنافسون من أهل الإيمان واشهد ألا اله إلا الله وحده لا شريك له الملك الديان
واشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المصطفى الهاشمي العدنان افصح من نطق بلسان واجمل ما رأت عينان وخيرمن صلى وصام وحج البيت الحرام وعلى آله والصحب الكرام ومن تبعهم بإحسان إلى آخرالزمان أمابعدعباد الله
ياأيهاالذين آمنوااتقواالله حق تقاته ولاتموتن إلاوأنتم مسلمون
فَأُوصِيكُم ـ أَيُّها النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عز وجل وَتَعظِيمِ حُرُمَاتِهِ وَشَعَائِرِهِ، ((ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيرٌ لَهُ عِندَ رَبِّهِ))،((ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ)).
عباد الله الحج رحلة عظيمة غالية يستمطر الحاج فيها رحمة الله وعفوه وغفرانه رحلة للطاعة وقصد للمنعم المتفضل وزيارة للبيت العتيق إنه سفر لمغفرة الذنوب وحط الأوزار (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنبه كيوم ولدته أمه).
الحج تجديد للعهد وخضوع بين يدي الله وانطراح لعلام الغيوب وغسل للقلوب من أدران الهوى والحقد والحسد والكراهية.
الحج فراق للديار وترك للأهل وبعد عن الأحبة.
الحج طرح للزينة وتذكير بالدار الآخرة فيه يتساوى الأمير والمأمور والغني والفقير.
الحج إعلان للمساواة وتوحيد للباس ودوران حول البيت على هيئة واحدة متناسقة.
الحج رجم للباطل وقذف للضلال ومنازلة للشيطان فما رؤي أصغر منه ولا أذل في يوم عرفة.
الحج تضامن مع الأنبياء واقتداء بأبينا إبراهيم واتباع لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
في الحج يتجلى التوحيد الخالص لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك لا وسائط ولا مظاهر بل اتصال بالحي القيوم من له الملك صاحب الخزائن التي لا تنفد [وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ]
عباد الله الكعبة المشرفة مركز للهداية والإرشاد ومشعل للإشعاع والنور والغذاء العاطفي لكل مسلم تقام حولها المناسك وتتحرك حولها المشاعر ويتجمع المحبون صوب وحدب وهذه ضريبة الحب الخالص.
يأتي إليه أعظم الزعماء وأجل العلماء وأغنى التجار وأشجع الناس وأزهد الخلق وأعبدهم الكل يأتي إليه طائعاً مختاراً من غير سوق من أحد بل هدف الجميع رضا الرحمن والاستجابة لنداء إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
تتحطم العصبيات وتذوب الفوارق وتتقازم الشعارات ويبقى شعار التوحيد معلنا لبيك اللهم لبيك كلهم يذبحون الهوى وينحرون الرذيلة ويلثمون الحجر ويصلون خلف المقام ويسعون بين الصفا والمروة فلله درهم لو رأيتهم وهم يتنقلون من موقع إلى موقع يحدوهم الشوق وتضللهم السكينة ويدفعهم الإخلاص فسلام على حجاج بيت الله الحرام وهم يحطمون الركاب عند البيت الطهور يسكبون العبرات ويسألون رب البريات ويتابعون بين الأشواط سلام عليهم وهم يقفون في صعيد عرفات يسألون الله مغفرة الذنوب وستر العيوب وحط الأوزار سلام عليهم وهم يرتدون ثياب الأكفان والقلوب وجلة والدموع نازلة والرؤس حاسرة والجوارح تتعبد لله الواحد القهار سلام عليهم وهم يذبحون قرابينهم لأنهم يعلمون أن أفضل الحج العج والثج سلام عليهم وهم ينصرفون إلى المزدلفة ليبقوا ليلة هادئة خالصة لعبادة الله سلام عليهم وهم يتعبدون برجم الحصى وحلق الرؤس فلله كم طعنوا إبليس بخناجر الطاعة وقتلوا المعصية بسهام الطاعة ذلت جباههم للعزيز الجبار
فارتفعت أقدارهم وعظمت أجورهم فبادر يا عبد الله لأداء ما افترض الله عليك فلا تدري أتبقى بعد هذا العام أمن يقف النفس ويفجأك هادم اللذات ومفرق الجماعات فكم ودعنا من شباب لم يحجوا ومن نساء لم يزرن البيت العتيق وصدق الله العظيم[وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ]
عباد الله اعلموا أن من أراد الحج ينبغي له أن يعمـل أموراً غفل عنها الكثير من الناس ومن أهمها.
أولاً: المبادرة إلى التوبة النصوح من جميع الذنوب والآثام لقوله تعالى [وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] وحقيقة التوبة الإقلاع عن الذنوب وتركها والندم على ما مضى منها والعزم على عدم العود فيها.
ثانياً: الاجتهاد في الخروج من مظالم الخلق وردها إلى أصحابها مهما كانت صغيرة أو كبيرة سواء كانت مظلمة مالية أو وقوعاً في عرض أخيه المسلم. لما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) رواه البخاري.
ثالثاً: الاجتهاد في قضاء الديون ورد الودائع والعواري وأداء حقوق الله من زكاة وكفارة ونذر مخافة أن تزول به قدم فتضيع حقوق الله وحقوق الناس.
رابعاً: كتابة وصيته قبل سفره وكتابة ماله وما عليه من الديون وخصوصاً التجار عليهم أن يسجلوا كل مالهم وما عليهم من حقوق.
خامساً:الاجتهاد في رضا والديه ومن يتوجب عليه بره وطاعته وكذا ينبغي أن يسترضي كل من بينه وبينهم تعامل سواء أقاربه أو غيرهم.
سادساً: النفقات في الحج يجب أن تكون طيبة من مال طيب حلال فإن الله عز وجل طيب لا يقبل إلا طيبا فالأموال التي تكتسب من الربا في البنوك وغيرها أو تأتي من المكاسب المحرمة كالدخان والمجلات الخبيثة أو الأشرطة السيئة أو تأتي من الغش والخداع والكذب والزور والبهتان والغصب والاحتيال هذه الأموال وغيرها من كل مال حرام لا يقبل الله منه زكاة ولا حجاً ولا صدقةً وإن كانت هذه العبادات تجزيء في ظاهر الحال إلا أنها تكون وبالاً على صاحبها عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا خرج الرجل حاجاً بنفقه طيبه ووضع رجله في الغرز فنادى لبيك اللهم لبيك ناداه مناد من السماء لبيك وسعديك زاد حلال وراحلتك حلال وحجك مبرور غير مأزور وإذا خرج الرجل بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز فنادى لبيك اللهم لبيك ناداه منادى من السماء لا لبيك ولا سعديك زادك حرام ونفقتك حرام وحجك غير مبرور).
سابعاً:إذا عزم المسلم على الحج فينبغي له أن يتعلم كيفيته وهذا فرض إذ لا تصح العبادة ممن لا يعرفها ويستحب له أن يأخذ معه كتاباً واضحاً جامعاً لأحكام المناسك ليستفيد منه مع رفقته في الطريق وأثناء المقام في المشاعر.
ثامنا: اختيار الرفقة الصالحة التي تعينه على الخير وتبعده عن الشر وإن تيسر أن يكون الرفيق من طلاب العلم فذلك حسن لإنه يعنيه على مبارَّ الحج ومكارم الأخلاق ويمنعه بعلمه وعمله من سوء ما يطرأ على المسافرين من مساوئ الأخلاق والتساهل بالأمورالشرعية وشغل الوقت بما لا ينفع وليحذر المسلم من مصاحبة الجهال والمجاهرين بالمعاصي قولاً وفعلاً لئلا يعود خاسراً والعياذ بالله
.تاسعاً: يجب على الحاج أن يقصد بحجه وجه الله والدار الآخرة والتقرب إلى الله بما يرضيه من الأقوال والأعمال في تلك البقاع الشريفة ويحذر كل الحذر من أن يقصد بحجه الدنيا وحطامها أو الرياء والسمعة والمفاخرة بذلك فإن ذلك من أقبح المقاصد ومن أسباب حبوط العمل وعدم قبوله والعياذ بالله.
عاشراً: مما ينبغي أن يُـعلم أن الإنابة في حج الفريضة لا تجوز إلا للمعذور العاجز عن الحج أو من مات ولم يحج لما ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة قالت: (يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال نعم وذلك في حجة الوداع وأما حج النافلة فمحل خلاف بين أهل العلم والذي يظهر جوازه إن شاء الله وعليه الفتوى شريطة أن يكون قصد النائب حسنا وحذار حذار من قصد الكسب فإن ذلك منذر بخطر عظيم. عباد الله قد تساهل الكثير في أمر النيابة فأصبحوا يبحثون عن الأكثر نقوداً وبهذا جعلوا الحج سلعة تعرض في السوق يطلبون الربح من ورائها كما أن البعض لا يبحث عن النائب عنه وينتقيه من أهل الصلاح والتقوى بل أحياناً يوكل شخصاً تظهر عليه آثار المعاصي ويتلبس بها من حين ذهابه من بيته إلى رجوعه إليه والأكمل له أن يختار شخصاً من أهل الصلاح والتقى الذين يعرفون أحكام الحج ولهم دراية تامة به ولقد قرر أهل العلم قاعدة شرعية وهي أنه لا يجوز أن يحج ليأخذ ويجوز أن يأخذ ليحج فمن كان له الرغبة في الحج لكنه لا يجد نفقته وقد حج عن نفسه فله أن يتوكل عن غيره وأما من قصد الحج لمجرد أخذ النقود فهذا غير جائز وليُعلم أن للنائب أن يأخذ ما يعطيه إياه من وكله ولو كان فاضلاً عن نفقه الحج مادام لم يشترط عليه ومادام أن غرضه هو الحج وليس التكسب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم [وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الأيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الحمد لله وكفى يجزي أهل الوفى بالتمام والوفى وسلام على عباده الذين اصطفى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأطهار الحنفاء أمابعد: عن طارق بن شهاب قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أميرالمؤمنين: آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا نزلت، معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال: وأي آية؟ قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ، فقال عمر: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه، والمكان الذي نزلت فيه، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة في يوم جمعة
يوم عرفة: يوم الإكثار من الدعاءوشهادة التوحيد:
فشهادة التوحيد هي أصل دين الإسلام الذي أكمله الله تعالى في يوم عرفة، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
الدعاء سلوى المحزونين، ونجوى المتقين، ودأب الصالحين، فإذا صدر عن قلب سليم ونفس صافية، وجوارح خاشعة، وجد إجابة كريمة من رب ودود رحيم فينبغي لكل مسلم عاقل أن يجتهد يوم عرفة المبارك فيكثر من الدعاء ويسأل الله تعالى من خيري الدنيا والآخرة، وليعلم أن الله يجيب دعوة عبده إذا أخلص في دعائه، قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ
يوم عرفة: يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار:
عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم أكثر من يُعتق الله
فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، إنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما
أراد هؤلاء؟». قال ابن عبد البر: (وهو يدل على أنهم مغفور لهم؛ لأنه لا يباهي بأهل الخطايا والذنوب، إلا بعد التوبـة والغفـران، والله أعلم)
وعن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده ، ففي هذا اليوم العظيم رخص سعر المغفرة ...... ومن ملك سمعه وبصره غفر له ، ولذا ما رؤي الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفه وما ذاك إلا أن الرحمة تتنزل فيه فيتجاوزالرب عن الذنوب العظام
فعظمواهذااليوم وصوموه وأكثروافيه من الدعاء والتكبيرفمن فجره يبدأالتكبيرالمقيدبأدبارالصلوات لغيرالحاج إِنَّ يَومَ عَرَفَةَ كَالمُقَدِّمَةِ لِعِيدِ النَّحرِ، إِذْ فِيهِ يَكُونُ الوُقُوفُ وَالتَّضَرُّعُ وَالدُّعَاءُ، وَفِيهِ التَّوبَةُ والابتِهَالُ وَالاستِقَالَةُ من الذنوب والآثام فَهُوَ كَالطُّهُورِ وَالاغتِسَالِ بَينَ يَدَي يَومِ النَّحرِ يَومُ الوِفَادَةِ وَالزِّيَارَةِ؛ وَلَذَا سُمِّيَ طَوَافُهُ طُوَافَ الزِّيَارَةِ؛ لأَنهم قَد طُهِّرُوا مِن ذُنُوبِهِم يَومَ عَرفَةَ، ثم أَذِنَ لهم رَبُّهُم يَومَ النَّحرِ بِزِيَارَتِهِ وَالدُّخُولِ إلى بَيتِهِ.طاهرين من الذنوب ممحصين إِنَّهُ يَومُ الحَجِّ الأَكَبرِ الذِي تَقَعُ فِيهِ أَكثَرُ أَعمَالِ الحَجِّ مِنَ الحُجَّاجِ، وَفِيهِ يَتَقَرَّبُ سَائِرُ أَهلِ الأَمصَارِ إِلى اللهِ بِالصَّلاةِ وَالنَّحرِ وَالذِّكرِ، وَهُوَ يَومٌ عِندَ اللهِ عَظِيمٌ، يَرَى بَعضُ أَهلِ العِلمِ أَنَّهُ أَفضَلُ أَيَّامُ السَّنَةِ، وَأَنَّهُ أَفضَلُ حتى مِن يَومِ عَرَفَةَ، لِمَا في السُّنَنِ عنه صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال: ((إِنَّ أَعظَمَ الأَيَّامِ عِندَ اللهِ يَومُ النَّحرِ ثم يَومُ القَرِّ)
وكِلَيهِمَا يَومَانِ فَاضِلانِ عَظِيمَانِ كَرِيمَانِ، وَاقِعَانِ في أَيَّامٍ عَظِيمَةٍ شَرِيفَةٍ، لا يَقدُرُهَا حَقَّ قَدرِهَا إِلاَّ المُوَفَّقُونَ الأَتقِيَاءُ، وَلا يُحرَمُ مِن فَضلِهَا إِلاَّ المحرومُونَ الأَشقِيَاءُ. وَعَن يَومِ عَرَفَةَ وَالعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشرِيقِ قَالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: ((يَومُ عَرَفَةَ وَيَومُ النَّحرِ وَأَيَّامُ التَّشرِيقِ عِيدُنَا أَهلَ الإِسلامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ)).
ماأعظم هذه الأيام الشَّرِيفُة التي يَقِفُ الحُجَّاجُ فِيهِا بِتِلكَ المَوَاقِفِ المُشَرَّفَةِ، وَيحظَونَ بِزِيَارَةِ تِلكَ البِقَاعِ المُطَهَّرَةِ، فَكَم مِن ضَارِعٍ بَينَهُم وَمُنكَسِرٍ! وَكَم مِن حَزِينٍ فِيهِم وَأَسِيفٍ! كَم مِن نَائِحٍ عَلَى ذُنُوبِهِ بَاكٍ عَلى عُيُوبِهِ! كَم مِن رَجُلٍ بَادَرَ اللهَ بِالتَّوبَةِ فَبَادَرَهُ بِالغُفرَانِ! وَخَطَّ بِدُمُوعِهِ كِتَابَ رُجُوعِهِ فَحَطَّ عَنهُ وِزرَ العِصيَانِ! لَيتَ شِعرِي، كَم يَنصَرِفُ ذَلِكَ اليَومَ مِنَ المَوقِفِ مِن رِجالٍ مَا عَلَيهِم مِنَ الأَوزَارِ مِثقَالُ ذَرَّةٍ! قَد مَلأَت قُلُوبَهُمُ الأَفرَاحُ وَعَلت وُجُوهَهُمُ المَسَرَّةُ!
فَيَا مَن رَأَى هَذِهِ الجُمُوعَ وَقَدِ استَدبَرَت دُنيَاهَا وَاستَقبَلَت أُخرَاهَا، وَاستَوحَشَت مِن الأَرضِ وَحَرِيقِها، وَطَمِعَت في الجِنَانِ وَرَحِيقِهَا، جَعَلَت مُنَاجاتَهَا طَرِيقًا إِلى نجَاتِهَا، وَعَبرَتَهَا سَبِيلاً إِلى عِبرَتِهَا، مِئاتُ الآلافِ تجأَرُ إلى اللهِ بِمُختَلِفِ اللُّغَاتِ، وَاللهُ سُبحَانَهُ سميعٌ بصيرٌ، لا تختَلِفُ عَلَيهِ الأَلسِنَةُ وَلا يَشغَلُهُ سُؤَالٌ عَن سُؤَالٍ.
أَيُّهَا الأحبة، لَئِن كَانَ بَعضُنا لم يَحظَ بِالحَجِّ وَأَدَاءِ المَنَاسِكِ فَإِنَّ اللهَ سُبحَانَهُ وَهُوَ الكَرِيمُ المَنَّانُ وَاسِعُ العَطَاءِ وَمُجزِلُ الإِحسَانِ قَد شَرَعَ لَنَا مِنَ العِبَادَاتِ وَالأَعمَالِ الصَّالحةِ في هَذِهِ الأَيَّامِ مَا تَقَرُّ بِهِ أَعينُ المُؤمِنِينَ وَتَسلُو بِهِ أَفئِدَةُ المُتَّقِينَ، فَمَن فَاتَهُ في هَذا العَامِ القِيَامُ بِعَرَفَةَ فَلْيَقُمْ للهِ بِالحَقِّ الذي عَرَفَهُ، وَمَن عَجَزَ عَنِ المَبِيتِ بِمُزدَلِفَةَ فَلْيُبَيِّتْ عَزمَهُ عَلى طَاعَةِ اللهِ الذي قَرَّبَهُ وَأَزلَفَهُ، وَمَن لم يَقدِرْ عَلى نَحرِ هَديِهِ بِمِنى فَلْيَذبَحْ هَوَاهُ هُنا، وَمَن لم يَصِلْ إِلى البَيتِ فَلْيَقصِدْ رَبَّ البَيتِ، وَلْيَتَّصِلْ بِخَالِقِ الكَونِ وَلْيُعظِمِ الرَّجاءَ فيه، فَإِنَّهُ سُبحانَهُ القَائِلُ: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَني فَإِني قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَليَستَجِيبُوا لي وَليُؤمِنُوا بي لَعَلَّهُم يَرشُدُونَ)).
هذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا – رَحِمَنِي اللهُ وَإِيّاكُم – على مَنْ أَمَرَ اللهُ باِلصّلاةِ والسّلامِ عَلَيْهِ ، فَقَال :} إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا{ [الأحزاب:56] وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى الله ُعَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) اللّهم صَلّي وَسَلّم على عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحمّد ، وعلى آلِه وَصَحْبهِ أَجْمَعِينَ ، وارضَ اللّهُمَّ عن الخلفاء الراشدينَ وعن بقيةِ صحابة رسولِكَ أجْمَعينَ ، وعَنِ التابعينَ وتابعيـهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين ، وعنّا مَعَهُم بِرحمتـكَ يا أرْحم الراحمين .
واشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المصطفى الهاشمي العدنان افصح من نطق بلسان واجمل ما رأت عينان وخيرمن صلى وصام وحج البيت الحرام وعلى آله والصحب الكرام ومن تبعهم بإحسان إلى آخرالزمان أمابعدعباد الله
ياأيهاالذين آمنوااتقواالله حق تقاته ولاتموتن إلاوأنتم مسلمون
فَأُوصِيكُم ـ أَيُّها النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عز وجل وَتَعظِيمِ حُرُمَاتِهِ وَشَعَائِرِهِ، ((ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيرٌ لَهُ عِندَ رَبِّهِ))،((ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ)).
عباد الله الحج رحلة عظيمة غالية يستمطر الحاج فيها رحمة الله وعفوه وغفرانه رحلة للطاعة وقصد للمنعم المتفضل وزيارة للبيت العتيق إنه سفر لمغفرة الذنوب وحط الأوزار (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنبه كيوم ولدته أمه).
الحج تجديد للعهد وخضوع بين يدي الله وانطراح لعلام الغيوب وغسل للقلوب من أدران الهوى والحقد والحسد والكراهية.
الحج فراق للديار وترك للأهل وبعد عن الأحبة.
الحج طرح للزينة وتذكير بالدار الآخرة فيه يتساوى الأمير والمأمور والغني والفقير.
الحج إعلان للمساواة وتوحيد للباس ودوران حول البيت على هيئة واحدة متناسقة.
الحج رجم للباطل وقذف للضلال ومنازلة للشيطان فما رؤي أصغر منه ولا أذل في يوم عرفة.
الحج تضامن مع الأنبياء واقتداء بأبينا إبراهيم واتباع لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
في الحج يتجلى التوحيد الخالص لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك لا وسائط ولا مظاهر بل اتصال بالحي القيوم من له الملك صاحب الخزائن التي لا تنفد [وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ]
عباد الله الكعبة المشرفة مركز للهداية والإرشاد ومشعل للإشعاع والنور والغذاء العاطفي لكل مسلم تقام حولها المناسك وتتحرك حولها المشاعر ويتجمع المحبون صوب وحدب وهذه ضريبة الحب الخالص.
يأتي إليه أعظم الزعماء وأجل العلماء وأغنى التجار وأشجع الناس وأزهد الخلق وأعبدهم الكل يأتي إليه طائعاً مختاراً من غير سوق من أحد بل هدف الجميع رضا الرحمن والاستجابة لنداء إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
تتحطم العصبيات وتذوب الفوارق وتتقازم الشعارات ويبقى شعار التوحيد معلنا لبيك اللهم لبيك كلهم يذبحون الهوى وينحرون الرذيلة ويلثمون الحجر ويصلون خلف المقام ويسعون بين الصفا والمروة فلله درهم لو رأيتهم وهم يتنقلون من موقع إلى موقع يحدوهم الشوق وتضللهم السكينة ويدفعهم الإخلاص فسلام على حجاج بيت الله الحرام وهم يحطمون الركاب عند البيت الطهور يسكبون العبرات ويسألون رب البريات ويتابعون بين الأشواط سلام عليهم وهم يقفون في صعيد عرفات يسألون الله مغفرة الذنوب وستر العيوب وحط الأوزار سلام عليهم وهم يرتدون ثياب الأكفان والقلوب وجلة والدموع نازلة والرؤس حاسرة والجوارح تتعبد لله الواحد القهار سلام عليهم وهم يذبحون قرابينهم لأنهم يعلمون أن أفضل الحج العج والثج سلام عليهم وهم ينصرفون إلى المزدلفة ليبقوا ليلة هادئة خالصة لعبادة الله سلام عليهم وهم يتعبدون برجم الحصى وحلق الرؤس فلله كم طعنوا إبليس بخناجر الطاعة وقتلوا المعصية بسهام الطاعة ذلت جباههم للعزيز الجبار
فارتفعت أقدارهم وعظمت أجورهم فبادر يا عبد الله لأداء ما افترض الله عليك فلا تدري أتبقى بعد هذا العام أمن يقف النفس ويفجأك هادم اللذات ومفرق الجماعات فكم ودعنا من شباب لم يحجوا ومن نساء لم يزرن البيت العتيق وصدق الله العظيم[وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ]
عباد الله اعلموا أن من أراد الحج ينبغي له أن يعمـل أموراً غفل عنها الكثير من الناس ومن أهمها.
أولاً: المبادرة إلى التوبة النصوح من جميع الذنوب والآثام لقوله تعالى [وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] وحقيقة التوبة الإقلاع عن الذنوب وتركها والندم على ما مضى منها والعزم على عدم العود فيها.
ثانياً: الاجتهاد في الخروج من مظالم الخلق وردها إلى أصحابها مهما كانت صغيرة أو كبيرة سواء كانت مظلمة مالية أو وقوعاً في عرض أخيه المسلم. لما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) رواه البخاري.
ثالثاً: الاجتهاد في قضاء الديون ورد الودائع والعواري وأداء حقوق الله من زكاة وكفارة ونذر مخافة أن تزول به قدم فتضيع حقوق الله وحقوق الناس.
رابعاً: كتابة وصيته قبل سفره وكتابة ماله وما عليه من الديون وخصوصاً التجار عليهم أن يسجلوا كل مالهم وما عليهم من حقوق.
خامساً:الاجتهاد في رضا والديه ومن يتوجب عليه بره وطاعته وكذا ينبغي أن يسترضي كل من بينه وبينهم تعامل سواء أقاربه أو غيرهم.
سادساً: النفقات في الحج يجب أن تكون طيبة من مال طيب حلال فإن الله عز وجل طيب لا يقبل إلا طيبا فالأموال التي تكتسب من الربا في البنوك وغيرها أو تأتي من المكاسب المحرمة كالدخان والمجلات الخبيثة أو الأشرطة السيئة أو تأتي من الغش والخداع والكذب والزور والبهتان والغصب والاحتيال هذه الأموال وغيرها من كل مال حرام لا يقبل الله منه زكاة ولا حجاً ولا صدقةً وإن كانت هذه العبادات تجزيء في ظاهر الحال إلا أنها تكون وبالاً على صاحبها عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا خرج الرجل حاجاً بنفقه طيبه ووضع رجله في الغرز فنادى لبيك اللهم لبيك ناداه مناد من السماء لبيك وسعديك زاد حلال وراحلتك حلال وحجك مبرور غير مأزور وإذا خرج الرجل بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز فنادى لبيك اللهم لبيك ناداه منادى من السماء لا لبيك ولا سعديك زادك حرام ونفقتك حرام وحجك غير مبرور).
سابعاً:إذا عزم المسلم على الحج فينبغي له أن يتعلم كيفيته وهذا فرض إذ لا تصح العبادة ممن لا يعرفها ويستحب له أن يأخذ معه كتاباً واضحاً جامعاً لأحكام المناسك ليستفيد منه مع رفقته في الطريق وأثناء المقام في المشاعر.
ثامنا: اختيار الرفقة الصالحة التي تعينه على الخير وتبعده عن الشر وإن تيسر أن يكون الرفيق من طلاب العلم فذلك حسن لإنه يعنيه على مبارَّ الحج ومكارم الأخلاق ويمنعه بعلمه وعمله من سوء ما يطرأ على المسافرين من مساوئ الأخلاق والتساهل بالأمورالشرعية وشغل الوقت بما لا ينفع وليحذر المسلم من مصاحبة الجهال والمجاهرين بالمعاصي قولاً وفعلاً لئلا يعود خاسراً والعياذ بالله
.تاسعاً: يجب على الحاج أن يقصد بحجه وجه الله والدار الآخرة والتقرب إلى الله بما يرضيه من الأقوال والأعمال في تلك البقاع الشريفة ويحذر كل الحذر من أن يقصد بحجه الدنيا وحطامها أو الرياء والسمعة والمفاخرة بذلك فإن ذلك من أقبح المقاصد ومن أسباب حبوط العمل وعدم قبوله والعياذ بالله.
عاشراً: مما ينبغي أن يُـعلم أن الإنابة في حج الفريضة لا تجوز إلا للمعذور العاجز عن الحج أو من مات ولم يحج لما ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة قالت: (يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال نعم وذلك في حجة الوداع وأما حج النافلة فمحل خلاف بين أهل العلم والذي يظهر جوازه إن شاء الله وعليه الفتوى شريطة أن يكون قصد النائب حسنا وحذار حذار من قصد الكسب فإن ذلك منذر بخطر عظيم. عباد الله قد تساهل الكثير في أمر النيابة فأصبحوا يبحثون عن الأكثر نقوداً وبهذا جعلوا الحج سلعة تعرض في السوق يطلبون الربح من ورائها كما أن البعض لا يبحث عن النائب عنه وينتقيه من أهل الصلاح والتقوى بل أحياناً يوكل شخصاً تظهر عليه آثار المعاصي ويتلبس بها من حين ذهابه من بيته إلى رجوعه إليه والأكمل له أن يختار شخصاً من أهل الصلاح والتقى الذين يعرفون أحكام الحج ولهم دراية تامة به ولقد قرر أهل العلم قاعدة شرعية وهي أنه لا يجوز أن يحج ليأخذ ويجوز أن يأخذ ليحج فمن كان له الرغبة في الحج لكنه لا يجد نفقته وقد حج عن نفسه فله أن يتوكل عن غيره وأما من قصد الحج لمجرد أخذ النقود فهذا غير جائز وليُعلم أن للنائب أن يأخذ ما يعطيه إياه من وكله ولو كان فاضلاً عن نفقه الحج مادام لم يشترط عليه ومادام أن غرضه هو الحج وليس التكسب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم [وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الأيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الحمد لله وكفى يجزي أهل الوفى بالتمام والوفى وسلام على عباده الذين اصطفى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأطهار الحنفاء أمابعد: عن طارق بن شهاب قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أميرالمؤمنين: آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا نزلت، معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال: وأي آية؟ قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ، فقال عمر: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه، والمكان الذي نزلت فيه، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة في يوم جمعة
يوم عرفة: يوم الإكثار من الدعاءوشهادة التوحيد:
فشهادة التوحيد هي أصل دين الإسلام الذي أكمله الله تعالى في يوم عرفة، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
الدعاء سلوى المحزونين، ونجوى المتقين، ودأب الصالحين، فإذا صدر عن قلب سليم ونفس صافية، وجوارح خاشعة، وجد إجابة كريمة من رب ودود رحيم فينبغي لكل مسلم عاقل أن يجتهد يوم عرفة المبارك فيكثر من الدعاء ويسأل الله تعالى من خيري الدنيا والآخرة، وليعلم أن الله يجيب دعوة عبده إذا أخلص في دعائه، قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ
يوم عرفة: يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار:
عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم أكثر من يُعتق الله
فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، إنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما
أراد هؤلاء؟». قال ابن عبد البر: (وهو يدل على أنهم مغفور لهم؛ لأنه لا يباهي بأهل الخطايا والذنوب، إلا بعد التوبـة والغفـران، والله أعلم)
وعن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده ، ففي هذا اليوم العظيم رخص سعر المغفرة ...... ومن ملك سمعه وبصره غفر له ، ولذا ما رؤي الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفه وما ذاك إلا أن الرحمة تتنزل فيه فيتجاوزالرب عن الذنوب العظام
فعظمواهذااليوم وصوموه وأكثروافيه من الدعاء والتكبيرفمن فجره يبدأالتكبيرالمقيدبأدبارالصلوات لغيرالحاج إِنَّ يَومَ عَرَفَةَ كَالمُقَدِّمَةِ لِعِيدِ النَّحرِ، إِذْ فِيهِ يَكُونُ الوُقُوفُ وَالتَّضَرُّعُ وَالدُّعَاءُ، وَفِيهِ التَّوبَةُ والابتِهَالُ وَالاستِقَالَةُ من الذنوب والآثام فَهُوَ كَالطُّهُورِ وَالاغتِسَالِ بَينَ يَدَي يَومِ النَّحرِ يَومُ الوِفَادَةِ وَالزِّيَارَةِ؛ وَلَذَا سُمِّيَ طَوَافُهُ طُوَافَ الزِّيَارَةِ؛ لأَنهم قَد طُهِّرُوا مِن ذُنُوبِهِم يَومَ عَرفَةَ، ثم أَذِنَ لهم رَبُّهُم يَومَ النَّحرِ بِزِيَارَتِهِ وَالدُّخُولِ إلى بَيتِهِ.طاهرين من الذنوب ممحصين إِنَّهُ يَومُ الحَجِّ الأَكَبرِ الذِي تَقَعُ فِيهِ أَكثَرُ أَعمَالِ الحَجِّ مِنَ الحُجَّاجِ، وَفِيهِ يَتَقَرَّبُ سَائِرُ أَهلِ الأَمصَارِ إِلى اللهِ بِالصَّلاةِ وَالنَّحرِ وَالذِّكرِ، وَهُوَ يَومٌ عِندَ اللهِ عَظِيمٌ، يَرَى بَعضُ أَهلِ العِلمِ أَنَّهُ أَفضَلُ أَيَّامُ السَّنَةِ، وَأَنَّهُ أَفضَلُ حتى مِن يَومِ عَرَفَةَ، لِمَا في السُّنَنِ عنه صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال: ((إِنَّ أَعظَمَ الأَيَّامِ عِندَ اللهِ يَومُ النَّحرِ ثم يَومُ القَرِّ)
وكِلَيهِمَا يَومَانِ فَاضِلانِ عَظِيمَانِ كَرِيمَانِ، وَاقِعَانِ في أَيَّامٍ عَظِيمَةٍ شَرِيفَةٍ، لا يَقدُرُهَا حَقَّ قَدرِهَا إِلاَّ المُوَفَّقُونَ الأَتقِيَاءُ، وَلا يُحرَمُ مِن فَضلِهَا إِلاَّ المحرومُونَ الأَشقِيَاءُ. وَعَن يَومِ عَرَفَةَ وَالعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشرِيقِ قَالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: ((يَومُ عَرَفَةَ وَيَومُ النَّحرِ وَأَيَّامُ التَّشرِيقِ عِيدُنَا أَهلَ الإِسلامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ)).
ماأعظم هذه الأيام الشَّرِيفُة التي يَقِفُ الحُجَّاجُ فِيهِا بِتِلكَ المَوَاقِفِ المُشَرَّفَةِ، وَيحظَونَ بِزِيَارَةِ تِلكَ البِقَاعِ المُطَهَّرَةِ، فَكَم مِن ضَارِعٍ بَينَهُم وَمُنكَسِرٍ! وَكَم مِن حَزِينٍ فِيهِم وَأَسِيفٍ! كَم مِن نَائِحٍ عَلَى ذُنُوبِهِ بَاكٍ عَلى عُيُوبِهِ! كَم مِن رَجُلٍ بَادَرَ اللهَ بِالتَّوبَةِ فَبَادَرَهُ بِالغُفرَانِ! وَخَطَّ بِدُمُوعِهِ كِتَابَ رُجُوعِهِ فَحَطَّ عَنهُ وِزرَ العِصيَانِ! لَيتَ شِعرِي، كَم يَنصَرِفُ ذَلِكَ اليَومَ مِنَ المَوقِفِ مِن رِجالٍ مَا عَلَيهِم مِنَ الأَوزَارِ مِثقَالُ ذَرَّةٍ! قَد مَلأَت قُلُوبَهُمُ الأَفرَاحُ وَعَلت وُجُوهَهُمُ المَسَرَّةُ!
فَيَا مَن رَأَى هَذِهِ الجُمُوعَ وَقَدِ استَدبَرَت دُنيَاهَا وَاستَقبَلَت أُخرَاهَا، وَاستَوحَشَت مِن الأَرضِ وَحَرِيقِها، وَطَمِعَت في الجِنَانِ وَرَحِيقِهَا، جَعَلَت مُنَاجاتَهَا طَرِيقًا إِلى نجَاتِهَا، وَعَبرَتَهَا سَبِيلاً إِلى عِبرَتِهَا، مِئاتُ الآلافِ تجأَرُ إلى اللهِ بِمُختَلِفِ اللُّغَاتِ، وَاللهُ سُبحَانَهُ سميعٌ بصيرٌ، لا تختَلِفُ عَلَيهِ الأَلسِنَةُ وَلا يَشغَلُهُ سُؤَالٌ عَن سُؤَالٍ.
أَيُّهَا الأحبة، لَئِن كَانَ بَعضُنا لم يَحظَ بِالحَجِّ وَأَدَاءِ المَنَاسِكِ فَإِنَّ اللهَ سُبحَانَهُ وَهُوَ الكَرِيمُ المَنَّانُ وَاسِعُ العَطَاءِ وَمُجزِلُ الإِحسَانِ قَد شَرَعَ لَنَا مِنَ العِبَادَاتِ وَالأَعمَالِ الصَّالحةِ في هَذِهِ الأَيَّامِ مَا تَقَرُّ بِهِ أَعينُ المُؤمِنِينَ وَتَسلُو بِهِ أَفئِدَةُ المُتَّقِينَ، فَمَن فَاتَهُ في هَذا العَامِ القِيَامُ بِعَرَفَةَ فَلْيَقُمْ للهِ بِالحَقِّ الذي عَرَفَهُ، وَمَن عَجَزَ عَنِ المَبِيتِ بِمُزدَلِفَةَ فَلْيُبَيِّتْ عَزمَهُ عَلى طَاعَةِ اللهِ الذي قَرَّبَهُ وَأَزلَفَهُ، وَمَن لم يَقدِرْ عَلى نَحرِ هَديِهِ بِمِنى فَلْيَذبَحْ هَوَاهُ هُنا، وَمَن لم يَصِلْ إِلى البَيتِ فَلْيَقصِدْ رَبَّ البَيتِ، وَلْيَتَّصِلْ بِخَالِقِ الكَونِ وَلْيُعظِمِ الرَّجاءَ فيه، فَإِنَّهُ سُبحانَهُ القَائِلُ: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَني فَإِني قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَليَستَجِيبُوا لي وَليُؤمِنُوا بي لَعَلَّهُم يَرشُدُونَ)).
هذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا – رَحِمَنِي اللهُ وَإِيّاكُم – على مَنْ أَمَرَ اللهُ باِلصّلاةِ والسّلامِ عَلَيْهِ ، فَقَال :} إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا{ [الأحزاب:56] وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى الله ُعَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) اللّهم صَلّي وَسَلّم على عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحمّد ، وعلى آلِه وَصَحْبهِ أَجْمَعِينَ ، وارضَ اللّهُمَّ عن الخلفاء الراشدينَ وعن بقيةِ صحابة رسولِكَ أجْمَعينَ ، وعَنِ التابعينَ وتابعيـهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين ، وعنّا مَعَهُم بِرحمتـكَ يا أرْحم الراحمين .
المشاهدات 2122 | التعليقات 2
زياد الريسي;18923 wrote:
بورك فيك شيخ صالح خطبة رائعة بحق تخاطب الروح وتوقظ المشاعر وتهز الوجدان وتحرك الشوق إلى تلك المشاعر نفع الله بك وبكل الأخوة المشاركين والمعلقين
وفيك ربي يبارك أخي زياد
زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية
بورك فيك شيخ صالح خطبة رائعة بحق تخاطب الروح وتوقظ المشاعر وتهز الوجدان وتحرك الشوق إلى تلك المشاعر نفع الله بك وبكل الأخوة المشاركين والمعلقين
تعديل التعليق