الْحَجِّ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي وَ فِي الْعَهْد السُّعُودِيِّ
محمد البدر
الْخُطْبَةِ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾.وَقَالَ تَعَالَى :﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾.كانت رحلة الحج قديماً شاقة ومحفوفة بالمخاطر فقد كان لا يقصدُه القاصِد إلا ووصيَّته مكتوبةٌ عنده؛ لأن شدَّ الرَّحل إليه مظِنَّةٌ من مظانِّ الهلاك؛إما تيهًا،أو جوعًا وعطشًا،أوقطعًا للطريق، لبُعد المسافة، ووعورة الطريق، وقلَّة الزاد والرَّاحِلة ،فقد كان بعض الحجاج يسيرون على أقدامهم لأيام عديدة من مناطقهم إلى المشاعر المقدسة، ويواجهون لهيب الشمس الحارقة وربما يواجهون أمطارا غزيرة وعواصف وسيولا جارفة وكانت وسائل المواصلات قديماً الجمال قَالَ تَعَالَى:﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾كان الحج وأحوال الحجيج قبل العهد السعودي في فزعاً وهلعاً نفسياً واضحاً وإجهاداً بدنيا وصحياً مبرحاً لضيوف الرحمن منذ خروجهم من بلدهم حتى وصولهم إلى مكة المكرمة وإلى أن يعود من سلم منهم إلى دياره، واستمرت الأوضاع على هذا النحو حتى ضم الملك عبدالعزيز –رحمه الله الحجاز، لم يكن يطمع في أراضيها أو تسلطاً على أهاليها، وإنما كان لإعادة العدل والاستقرار والأمن والاطمئنان لأهالي الحجاز، وحجاج بيت الله الحرام وزوّار مسجد رسول اللهﷺوتحقق ذلك بالفعل فقد استطاع أن يحقق الأمن المفقود وأمّن للحجيج الطرق وأزال ما كان يعرقل طريقهم نحو مسعاهم، كما جعل رعاية شؤون الحج والحجاج وخدمتهم في موضع اهتمامه منذ انضمام الحجاز إلى الدولة السعودية ،واعتاد الملك عبدالعزيز سنويًا على قيادة موكب الحج والإشراف بنفسه على خدمة الحجيج على مدى ثلاثين عامًا من حياته حتى توفي - رحمه الله –وسار على نهجه أبناؤه من بعده، وفي عصرنا هذا نرى كل المسؤولين في الدولة وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين وأمير منطقة مكة المكرمة يشرفون إشرافا مباشرا على سير الحج.
عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى :﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾.فمع اقتراب موسم الحج يتوافد المسلمون على مكة المكرمة للاستعداد لأداء فريضة الحج الذى يعد الركن الخامس من أركان الإسلام ،ورغم المشقة التى يلقاها الحجاج لقضاء تلك الفريضة إلا أن الأمر قديمًا كان أكثر صعوبة، فكان الحجيج يسيرون على أقدامهم للوصول إلى الكعبة، ويستخدم بعضهم الجمال والبواخر القديمة،من أجل السفر إلى الأراضى المقدسة وقد يطول بهم الزمان لعدة أشهر قَالَ تَعَالَى:﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾فأصبح الآن أكثر سهولة بعد التقدم التكنولوجي الذى يشهده العالم، حيث الطائرات المطورة والبواخر الحديثة والقطارات السريعة ولله الحمد والمنة .أَقُولُ قَوْلِي هَذَا..
الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
عِبَادَ اللَّهِ:اعلموا أن العبادة لا تقبل الابشرطين:
الإخلاص لله تعالى، والمتابعة للنبيﷺقَالَ تَعَالَى:﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾فيامن وفقه الله هذا العام لحج بيته الحرام تذكر نعمة الله عليك وأشكره على ذلك ويجب أن يقصد بحجه وجه الله تعالى، لا من أجل لقب(حاج)فينبغي أن يحج مبتغياً الأجر من الله راجياً ثوابه؛والإخلاص عليه مدار الأعمال والأقوال,قَالَ تَعَالَى:﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾وَقَالَ تَعَالَى:﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ فعلى الحاج أن يجرد نيته من شوائب الشرك أو التعلق بغير الله تعالى أو قصد الدنيا في حجه حتى يكمل ثوابه،وعليه أن يستحضر نية التقرب إلى الله تعالى في جميع أحواله لتكون أقواله وأفعاله ونفقاته مقربة له إلى الله فَعَنْ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِﷺيَقُولُ:«إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّﷺفَقَالَ:أَرَأَيْتَ رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ وَالذِّكْرَ، مَالَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِﷺ:«لَا شَيْءَ لَهُ»فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:«لَا شَيْءَ لَهُ»ثُمَّ قَالَ:«إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا، وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ»رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَقَالَ الأَلبَانيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ.فاتقوا الله عبادالله.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيِّه، فقال في محكم التنزيل:﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد. وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن صحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين،اللّهمّ أعِزّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشِّركَ والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدّين،واحفظ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليّ أمرنا، اللّهمّ وهيّئ له البِطانة الصالحة الناصحة الصادِقة التي تدلُّه على الخير وتعينُه عليه، واصرِف عنه بطانةَ السوء يا ربَّ العالمين، واللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.
عِبَادَ اللَّهِ:اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.
المرفقات
1654827331_الْحَجِّ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي وَ فِي الْعَهْد السُّعُودِيِّ.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق