الحج فضله وآدابه وفق التعميم

عبدالرحمن سليمان المصري
1445/11/08 - 2024/05/16 21:39PM

 الحج فضله وآدابه

الخطبة الأولى

الحَمْدُ للهِ الذِي افْتَرَضَ على القَادِرِينَ زِيَارَةَ بَيْتِهِ الحَرَام ، وَجَعَلَ حَجّهُ أَحَدَ أَرْكَانِ الإِسْلام ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ،صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلى آلهِ وَصَحْبهِ وسَلَّمَ تَسلِيماً كَثِيراً ، أمَّا بَعد :

 

أُوصِيكُمْ ونَفسِي بِتقوَى اللهِ تَعالَى فَهِيَ وَصِيَّةُ اللهِ للأَوَّلينَ والآخِرينَ ، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ النساء : 131.

عباد الله : قال تعالى:﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ الحج: 27 ، قال ابن عباس رضي الله عنهم ا : لمَّا فَرَغَ إِبرَاهيمُ عليهِ السلامُ ، منْ بِناءِ البَيتِ ، قِيلَ لهُ: ﴿أذّنْ فِي النَّاسِ بالحَجّ ﴾، قالَ:

ربِّ ومَا يَبلغُ صَوْتِي؟ قالَ: أذّنْ وعليَّ البلاغَ ، فَنَادَى إِبراهيمُ عليهِ السلامُ : أَيُّها النَّاسُ كُتبَ عليكمْ الحجُّ إلى البيتِ العتيقِ فَحُجُوا، قالَ: فَسَمِعَهُ مَا بينَ السماءِ والأرضِ ، أَفَلا تَرىَ النَّاسَ يَجيئونَ منْ أَقْصَى الأرضِ يُلَبُّونَ "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ".

أ. هـ . من تفسير الإمام الطبري .

عباد الله : الحجُّ أَحدُ أَركانِ الإسلامِ ، ومَبانِيهِ العِظامِ ، أَوْجَبهُ اللهُ تَعَالى مَرَّةً في العُمرِ ، على المُسلمِ البَالغِ العَاقلِ الحُرِّ المُستطيعِ ، قال تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ آل

عمران 98 ، وقال ﷺ:" ‌بُنِيَ ‌الْإِسْلامُ ‌عَلَى ‌خَمْسٍ" وذَكَرَ فيها الحَجَّ .

عباد الله : الحَجُّ سَببٌ لمَغْفِرةِ الذُّنوبِ ، وحَطِّ الخَطَايَا ، فَيَعُودُ الحَاجُّ كَيَومِ وَلَدَتهُ أُمُّهُ ، طَاهِراً نَقياً ، منْ أدرانِ المعَاصِي والآثَامِ ، قال ﷺ لعمرو بن العاص رضي الله عنه : ‌أَمَا ‌عَلِمْتَ ‌يا ‌عمرو ؛ ‌أَنَّ ‌الْإِسْلَامَ ‌يَهْدِمُ  مَا ‌كَانَ

‌قَبْلَهُ ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا ، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ  "رواه مسلم .

وقال ﷺ: "من حجَّ فلم يَرفُثْ ، ولم يَفْسُقْ ؛ رجَع من ذنوبه كيوم ولدتْهُ أمُّه" رواه البخاري.

وقال ﷺ: " الحجُّ المبرُورُ ليسَ لهُ جَزاءٌ إلا الجَنَّة " رواه البخاري ، والحجُّ المبْرُورُ هوَ ما كانَ خَالصاً لِوَجهِ اللهِ تعالى ، لا رِيَاءَ فيهِ ولا سُمعةَ ، ولمْ يُخالِطُهُ إِثْمٌ منَ الرَّفثِ والفُسُوقِ والجِدَالِ والمعَاصِي ، وهوَ الحجُّ الذِي وُفِّيتْ أَحْكَامُهُ .

عباد الله : الحَجُّ مَوْسِمٌ عَظِيمٌ، يَجْتمعُ فِيهِ شَرفُ الزَّمَانِ والمكَانِ ، وقدْ جَعَلَ اللهُ قُلوبَ النَّاسِ تَهوِي إلى بَيتِهِ العَتيقِ ، وتَحِنُّ لِذِكْرِهِ ، وتَخْشَعُ عندَ رُؤْيَتهِ ؛ إِجلالاً للهِ تَعالىَ وتَعْظِيماً لِشَعَائِرهِ ، بَيْتٌ لَهُ المَكَانَةُ الكُبْرَى في الأَرْضِ والسَّماءِ ،

يَطُوفُ بهِ الجَانِي فَيُغْفَرُ ذَنْبُهُ ، وَيَلُوذُ بهِ الخَائِفُ فَيُؤَمَّنُ خَوْفُهُ ، قال تعالى:﴿ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ...﴾الآية آل عمران :97.  

عباد الله : ولَمَّا كَانتْ تِلكَ بَعْضُ مَزَايَا الحَجِّ وَفَضَائِلِهِ ؛ كانَ حَرِيّاً بِمَنْ أَرَادَهُ ؛ أَنْ يَتَذَكَّرَ بِهَذِهِ الرِّحْلَةِ ، الرِّحْلةَ إِلَى اللهِ تَعَالَى ، فَيُخْلِصَ النِّيَّةَ لِرَبِّهِ عزَّ وجَلَّ ، قالَ أَنَسٌ رضي الله عنه حَجَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَحْلٍ رَثٍّ ، وَقَطِيفَةٍ

تُسَاوِي أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ أَوْ لاَ تُسَاوِي ، ثُمَّ قَالَ:" اللَّهُمَّ حَجَّةٌ لاَ رِيَاءَ فِيهَا، وَلاَ سُمْعَةَ " رواه ابن ماجة وصححه الألباني.

عباد الله : وَيُقَدِّمَ بَيْنَ يَدَيْ سَفَرِهِ التَّوْبَةَ الصَّادِقَةَ ، وَيَرُدَّ الْمَظَالِمَ إِلَى أَهْلِهَا ، وَالْحُقُوقَ إِلَى أَصْحَابِهَا، وَيَتَعَلَّمَ مَنَاسِكَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ؛ لِيَعْبُدَ اللهَ عَلَى عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ ، وَلِكَيْلاَ يَقَعَ فِي مَحْظُورٍ ، أَوْ مُفْسِدٍ لِنُسُكِهِ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ.

وَعَلْيِهِ أَنْ يَتَزَوَّدَ لِحَجِّهِ بِمَالٍ حَلاَلٍ طَيِّبٍ ؛ فاللهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّباً ، وَيَجْمُلُ بِالْحَاجِّ أَنْ يَكُونَ هَيِّناً لَيِّناً مَعَ إِخْوَانِهِ ، حَسَنَ الْخُلُقِ ، لاَ فَظًّا وَلاَ غَلِيظاً ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ بِرِّ الْحَجِّ ، وقد سُئلَ النبي ﷺ مَا بِرُّ الْحَجِّ؟ قَالَ: " إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَطِيبُ

الْكَلاَمِ" رواه أحمد وصححه الألباني.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ على إِحسانِهِ ، والشُّكرُ لهُ على تَوفِيقهِ وامتِنانهِ ، وأَشْهدُ أنْ لَا إِلهَ إِلا اللهُ وحْدهُ لا شَريكَ لهُ ، وأَشْهدُ أنَّ مُحمداً عبدهُ ورَسولُهُ ، صَلّى اللهُ عَليهِ وعَلى آلهِ وصَحبهِ ، وسَلَّمَ تسليماً كثيراً  ،       أما بعد :

عباد الله :قدْ عَظَّمَ اللهُ عزَّ وجلَّ شَعَائِرَ حَجِّ بَيتِهِ الحرَامِ ومَشَاعِرهِ ، ومنْ تَعْظيمِ اللهِ عزَّ وجلَّ لِلمَسْجدِ الحَرامِ أنْ جَعَلَ نِيَّةَ المَعْصِيَةِ فِيهِ سَبباً لِلمُؤَاخَذَةِ والعِقَابِ ، قال تعالى:﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾الحج: 25.

عباد الله :ولَقدْ شَرَّفَ اللهُ عزَّ وجلَّ هَذهِ البِلادَ الطيبةَ المباركةَ ، قِيَادةً وشَعْباً، بِخِدْمةِ الحَرَمَينِ الشَّرِيفَينِ ، فَقَامَتْ بِمَسؤُولِيَّتِها خَيْرَ قِيامٍ ، منْ خِلالِ مَشْرُوعَاتِ التَّوسِعةِ المُتَتَالِيَةِ .

ومنْ خِلالِ الأَنْظِمةِ والتَّعْلِيماتِ ؛ التِي تَهدفُ إلى تَرْتيبِ اسْتقبالِ الحُجَّاجِ والعُمَّارِ ، وتَنْظيمِ حَرَكَتِهمْ وتَنَقُلاتِهمْ ؛ كَيْ يُؤَدُّوا مَنَاسِكَهمْ بِكُلِّ يُسْرٍ وَأَمَانٍ ، وهَذا لمْ يَكنْ لِيَتَيِسَّرَ لَولا فَضلُ اللهِ تَعالى وتَوفِيقهِ ، ثمَّ بِالجُهودِ الكَبِيرةِ التِي تَضْطَلعُ بِها

هَذهِ الدَّوْلةُ المُبَارَكةُ ؛ لخِدْمَةِ الحَرَمَينِ الشَّرِيفَينِ .

‏وقَدْ أوضحت هَيْئَةُ كِبارِ العُلَماءِ لعموم المسلمين وجوب الالتِزَامِ بِاسْتِخْراجِ تصْرِيحِ الحجِّ للأُمورِ الآتية:


‏أولاً : إنَّ الإِلْزَامَ بِاسْتِخْراجِ تَصْريحِ الحَجِّ ، المَقْصُودُ منهُ تَنظيمُ الأَعْدادِ ، بِما يُمَكِّنْ هَذهِ الجُموعُ الكَبِيرةُ منْ أداءِ هَذهِ الشَّعيرةِ بِسكِينةٍ وسَلامَةٍ ، قال تعالى:﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾النساء:28.

ثانياً : إِنْ الإِلْزَامَ بِاسْتِخْراجِ تَصْريحِ الحَجِّ ، من المصالح المعتبرة شرعا ، فَالجِهَاتُ المُشْرِفَةُ على الحَجِّ تَرْسِمُ خُطَطَهَا المُتَعَدِّدَةُ ، وِفْقَ الأَعْدادِ المُصَرَّحِ لهَا .

ثالثا : أنْ اِلتزامَ مُرِيدِ النُّسكِ ، بِاسْتِخراجِ تَصرِْيحِ الحَجِّ ؛ هُوَ منْ طَاعَةِ وَليِّ الأَمرِ بِالمَعْرُوفِ ، يُثَابُ منْ اِلتَزَمَ بِهِ ويَأْثَمُ منْ خَالَفَهُ ، ويَسْتحقُ العُقُوبَةَ المُقَرَّرةَ منْ وَلِّي الأَمرِ ،  قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ

وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾النساء:59.

رابعاً : أنَّ عَدمَ الِالْتزَامِ بِاسْتِخْراجِ التَّصْريحِ  ، يُؤَدِي إِلى أَضْرارٍ كَبيرةٍ ، ومخَاطِرَ مُتَعَدِّدةٍ ، تُؤثرُ على سَلامَةِ الحًجَّاجِ وصِحَتِهمْ ، والضَّررُ المُتَعدِيْ أَعْظَمُ إِثماً منَ الضَّررِ القَاصِرِ ، قال صلى الله عليه وسلم : " ‌لَا ‌ضَرَرَ ‌وَلَا ‌ضِرَارَ "

رواه ابن ماجة وصححه الألباني.

ثم اختتمت الهيئة بيانها بقولهم : وبِنَاءً على ما سَبَقَ إِِيضاحه فَإِنَّهُ لا يُجوزُ الذَهابُ إلى الحَجِّ دُونَ أَخذِ تَصرِيحٍ ويَأْثَمُ فَاعِلُهُ لمِـَا سَبَقَ بَيانُهُ ، وإنْ كانَ الحَجُّ حَجَّ فَرِيضةٍ ، ولمْ يَتَمكَّنَ المُكَلَّفُ منْ اسْتِخَراجِ تَصْرِيحِ الحَجِّ ، فَإِنَّهُ في حُكمِ عَدَمِ

المُسْتَطِيعِ والله تعالى يقول : ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾التغابن:16  ، وقال سبحانه: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾آل عمران:97.

ولا شَكَّ أنْ اِلْتِزَامِ الحُجَّاجِ بِالتَّعليماتِ المُنَظِّمةُ لأُمورِ الحَجِّ ؛ هُوَ منْ تَقَوى اللهِ تَعَالى ، ومنْ تَعْظَيمِ حَرَمِ اللهِ وحُرُمَاتِهِ ومَشَاعِرِهِ ، قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾الحج:32

هَذا وصَلُّوا وسَلِّمُوا على منْ أَمركُمْ اللهُ بالصَّلاةِ والسَّلامِ عَليهِ ، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ الأحزاب :156.

اللهم صَلِّ وسَلِّمْ على عَبدِكَ ورَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، وعلى آلهِ وصَحبِهِ أَجمَعِينَ .

المرفقات

1715884603_الحج فضله وآدابه خطبة 1445.pdf

المشاهدات 832 | التعليقات 0