الحج بسلام آمنين.

الحج بسلام آمنين

 

خُطْبَةَ اَلْجُمْعَةِ . "موافقة لتعميم الوزارة "

 

اَلْخُطْبَةُ اَلْأُولَى:

الحمدُ للهِ العليمِ القديرِ؛ جَعَلَ البيتَ مثابةً للناسِ وأمنا، وشرعَ الحجَّ إليهِ فرضًا ونفلاً، ورتَّبَ عليه جَزاءً وأجرًا؛ وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ بعثهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وأصحابهِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا،

أمّا بعدُ:

فاتَّقوا اللهَ حقَّ التقوى، فهي زادُ الصالحين، والنجاةُ من كُرباتِ يومِ الدِّينِ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} الحشر:18.

 

تَتْجِهُ قلوبُ المُسلمينَ، وتتحركُ أبدانُهُم وتتأججُ أشواقُهُمُ إلى بيتِ اللهِ الحَرَامِ، والمشَاعِرِ المُقدَسةِ؛ حيثُ ما هي إلا أيام قليلة ويبدأ موسم أدَاءُ الحج!

الذي هو ركن مِنْ أركَانِ الإسلامِ، وأحدِ مبانيِهِ العِظَامِ، قالَ تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾.

وَهوَ مِنْ أفْضَلِ الطَاعَاتِ، وأجَلَّ القُربَاتِ التِي تُرضِي رَبَ الأرضِ والسمَاواتِ، وهوَ عِبادةُ العُمرِ، وخِتَامُ الأمْرِ، وتمَامُ الإسلامِ؛ قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ». مُتفقٌ عَليهِ.

الحَجُ فريضَةٌ أوْجَبَهَا اللهُ تَعَالى عَلى المُكلفِ المُستَطِيعِ مَرَةً في العُمرِ، فمَا زَادَ فَهوَ تَطوُعٌ، قالَ أبُو هُريرَةَ -رَضِي اللهُ عَنهُ-: «خَطبَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ، فقال: «أيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللهَ قدْ فرضَ عَليكُمُ الحَجَّ فحُجُّوا»، فقالَ رَجلٌ: أكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فسكَتَ حتَى قَالهَا ثلاثًا. فقالَ ﷺ: «لو قلتُ: نَعَم، لوجَبَتْ ولمَا استَطعْتُم». رَوَاهُ مُسلمٌ.

فالحَجُ فَرِيضَةٌ، ثابِتةٌ بِالكِتَابِ والسُنَّةِ وإجمَاعِ الأمّةِ إجمَاعَاً قَطعِياً، فمَنْ جَحَدَهَا فقدْ كَفَرَ، وَمَنْ تَرَكَهَا تهَاونًا فهوَ عَلى خَطَرٍ.

وهيَ شَعِيرَةٌ شَرعَهَا اللهُ لإقامَةِ ذِكرِهِ وتوحيدِهِ، وفيها مِنَ المَنافِعِ والحِكمِ الدِينيةِ والدُنيويةِ، مَا لا يَخفَى عَلى ذِي بَصِيرَةٍ، ﴿لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ﴾.

وَقدْ رَتبَ الشَارِعُ الحَكِيمُ عَلى أداءِ هذِهِ العِبادَةِ الثوابَ الجَزِيلَ والأجرَ العَظِيمَ؛ مِمَا يشحَذُ هِمَةَ المُسلمِ وعَزِيمَتَهُ، ليُقْبِلَ عَلى الحَجِ راجيًا ثوابَ اللهِ ومغفرَتَهُ، ومَا أعْدهُ لحُجَاجِ بيتِهِ المُحَرمِ مِنْ الثوابِ وحُسنِ الجَزَاءِ، ولذَا جَاءَتِ النَّصُوصُ المُتكَاثِرَةُ فِي فَضَائِلِ الحَجِ.

فهوَ مِنْ أفْضَلِ أعْمَالِ البِرِ؛ فَقدْ سُئلَ النبيُ ﷺ أيُ العَمَلِ أفْضَلُ؟ فقالَ: «إيمَانٌ بِاللهِ ورَسُولِهِ، قِيلَ: ثُّمَ مَاذَا؟ قَالَ: الجِهَادُ فِي سبيلِ اللهِ، قِيلَ: ثمَ مَاذَا؟ قَالَ: حَجٌ مَبْرُورُ». مُتَفَقٌ عَليهِ.

والحَجُ المبرورُ هوَ الذِي وُفِّيتْ أحْكَامُهُ، ولمْ يُخَالِطُهُ شَيءٌ مِنَ الإثمِ، ولا رَيَاءَ فيهِ ولا سُمْعَةَ، ولا رَفثَ فيِهِ ولا فُسُوقَ، وكَانَ بمالٍ حَلالٍ. قَالَ بعضُ السَلَفِ:" نظرتُ في أعْمَالِ البِرِ، فإذَا الصَلاةُ تُجهدُ البَدنَ دُونَ المَالِ، وَالصِيَامُ كذلكَ، وَالحَجُ يُجهِدُهُمَا فرأيتُهُ أفْضَلَ".

والحَجُ المبرُورُ سببٌ لغُفرانِ الذُنوبِ، ومُغتَسلٌ مِنْ أدْرَانِ الخَطَايَا؛ قَالَ ﷺ: «الحَجُ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وقَالَ ﷺ: «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كيَومَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ». مُتَفَقٌ عَليهِ.

وهوَ عِبَادَةٌ ثوابُهَا جَنَّةُ النَّعِيمِ، قَالَ ﷺ: «الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةَ». مُتَفَقٌ عَليهِ.

والحَجُ جِهَادٌ؛ ففيهِ مَشقةُ البَدنِ، وفيِهِ بَذلُ المَالِ فِي سبيلِ اللهِ، وقدْ شرَعَ اللهُ الحَجَ جِهَادًا لكُلِ ضَعِيفٍ؛ قَالتْ عَائشةَ -رَضِي اللهُ عنهَا-:« يَا رَسولَ اللَّهِ، نَرَى الجِهَادَ أفْضَلَ العَمَلِ، أفلا نُجَاهِدُ؟ قَالَ: لَا، لَكِنَّ أفْضَلَ الجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ». رَوَاهُ البُخَارِيُ، وكَانَ عُمرُ-رَضِي اللهُ عنهُ- يقولُ: "شدُّوا الرِّحَالَ فِي الحَجِ فإنَّهُ أحْدُ الجِهادينِ".

وسُئلَ النبيُ ﷺ أيُّ الحَجِّ أفضلُ؟ قالَ: «العَجُّ والثَجُّ». رَوَاهُ البُخَارِيُ، والعَجُ: رفعُ الصَوتِ بالتلبِيَةِ، والثَجُ: إراقةُ دِمَاءِ الهَدي.

هذَا معَ مُضاعَفَةِ الحَسَنَاتِ ورِفعَةِ الدَرَجَاتِ، صَحَ عنْهُ ﷺ أنَّهُ قَالَ: «صلاةٌ في المسجِدِ الحَرَامِ أفْضَلُ مِنْ مائةِ ألفِ صَلاةٍ فيمَا سِواهُ»، أيْ: صَلاةُ أربعٍ وخمسِينَ سنةً، فهلْ يُلامُ في هَوَى الحرَمِ بَعْدَ ذَاكَ أحدٌ؟!

نَاهِيكُمُ عنْ مَواقِفِ الرّحمَةَ ومُبَاهَاةِ الرَبِ بأهلِ الموقِفِ فِي عَرفَاتِ، والإزدِلافِ عِندَ المَشْعَرِ الحَرامِ، والتقلّبِ فِي فجَاج مِنى، والطوافِ بالبيتِ وبينَ الصفَا والمروةِ، ورَمي الجِمَارِ، وكُلُّ ذلكَ مِنْ مَوَاطِنِ الرّحمَةِ وإجَابَةِ الدعواتِ.

مَنْ نالَ مِنْ عَرفَاتِ نَظرةَ سَاعَةٍ

نَالَ السرورَ ونَالَ كُلَ مُرادِ

عباد الله!

أجمع الفقهاء على أنه يصحُّ الحج بكل نُسُك من أنساك ثلاثة: التمتع، والقِران، والإفراد، لكل مكلَّف على الإطلاق.

وصفةُ التمتع أن يُحرِم بالعمرة في أشهر الحج، فإذا فرغ منها، ولم يكن معه هَدْيٌ، أقام بمكة حلالًا، حتى يُحرِمَ بالحج من مكةَ يومَ التروية.

وصفة القِران أن يجمع في إحرامه بين الحج والعمرة، أو يُهِلَّ بالعمرة ثم يُدْخِل عليها الحج قبل الطواف، ثم يقتصر على أفعال الحج وحده عند الإمام مالك والشافعي وأحمد، إلا أبا حنيفة، فإنه لا تتداخل أفعال العمرة عن الحج عنده، بل تقدم العمرة ثم يتبعها أفعال الحج، وإنما يشتركان عنده في الإحرام خاصة.

وصفة الإفرادُ: أن يُحْرِمَ بالحَجِّ مُفْرَدًا، فيقول: «لبيَّكَ اللهُمَّ حَجًّا»، ثم يمضي في عَمَلِ حَجِّه حتى يُتِمَّه، فليس عليه إلَّا طوافٌ واحِدٌ، وهو طوافُ الإفاضةِ، وليس عليه إلَّا سَعْيٌ واحد، وهو سعيُ الحَجِّ، ولا يَحِلُّ إلَّا يوْمَ النَّحْرِ، وليس عليه دَمٌ.

 

واختلف الفقهاء في أي الأنساك أفضل.

والراجح أن أفضل هذه الأنساك التمتع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به أصحابه، وأكد عليهم، إلا إذا كان مع الإنسان هدي ساقه من الميقات، فإن الأفضل أن يكون قارنا اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه وهو يأمرهم أن يجعلوا نسكهم تمتعا:

"لولا أن معي الهدي لأحللت معكم، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة". انتهى.

والحاج عليه أن  يختار كذلك الأيسر عليه بحسب حاله وقدرته ؛ لأن الحج بطبيعته شاق، وكلما خَفَّف الحاج على نفسه بالأمور المشروعة، وفَّر طاقته البدنية والنفسية لأداء المناسك على أفضل ما يمكن، والله أعلم.

عباد الله!

إن دولتكم المباركة تبذل جهودا عظيمة في كل موسم من مواسم الحج.

وكما تشاهدون جميع قطاعات الدولة تشارك بأعداد كبيرة لخدمة ضيوف الرحمن.

وإن علينا أن نشكر الله أن يسر لبلادنا هذا الشرف العظيم.

ثم علينا أن نشكر لولاة أمرنا حرصهم وتفانيهم في خدمة الحجاج والمعتمرين وأفضل ما نشكرهم به أن ندعو لهم بالقوة والسداد والتوفيق والرشاد.

وأن نمتثل أوامرهم بأن لا نحج إلا بتصريح نظامي.

فطاعة ولي الأمر واجبة فكيف إذا كان قد أمر بأمر فيه مصلحة واضحة للجميع فلو كان الحج بلا تصريح والكل ذهب حصلت الوفيات واختل التنظيم وحصلت الفوضى وعمت المشكلات.

فاتقوا الله عباد ولا حج إلا بتصريح.

والحمد لله أن الحج للقادر فقط

فمن لم يستطع استخراج التصريح فهوا معذور ولا حج عليه.

اللهُمَ وفقنَا لطَاعتِكَ، وبُلوغِ بيتكَ الحَرامِ، والقِيامِ بفرَائِضِكَ.

أقوُلُ قَوْلِي هَذَا، واسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلكُم ولسَائرِ المُسلِمينَ مِنْ كُلِ ذنبٍ وخطِيئةٍ، فَاستغفِرُوُهُ، إنَّهُ هوَ الغفورُ الرَحِيمُ.

الخُطبَةُ الثَّانيةُ:

الحمْدُ للَّهِ وكَفَى، وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الذينَ اصْطَفى، وَبَعدُ؛ فاتقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التقوَى، وعَظِمُوا المَشَاعرَ، باتباعِ سُنَّةَ نبيكِم ﷺ؛ فقدْ كَانَ يقولُ للناسِ فِي حَجْةِ الوَدَاعِ: «لِتَأْخُذُوا عَني مَنَاسِكَكُمْ، فإنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتي هذِهِ». رَوُاهُ مُسلِمٌ.

ومن عزم الحج فعليه بالتزام تعليماتِ الجِهاتِ المَعنيةِ في الحَجِ وتَطْعِيمَاتِهِ وسائرِ إجراءاتِهِ، ففِي ذلكَ انتظامُ أمورِ الحُجَاجِ وسلامَتِهم، بلْ هَوَ ممَا يثابُ المَرءُ عَليهِ؛ لأنَّهُ تَعاونٌ عَلى البِرِ والتقوَى.

عباد الله المتقين!

إن من أعجب العجب أن يتنافس الواحد منا في متاع الدنيا الفاني؛ يشتري السيارات الجميلة ويسكن البيوت الطيبة.

ثم إذا قيل له أين الحج يا فلان؟

لماذا لم تحج؟! الحج ركن من أركان دينك لم يتم دينك إلا به!

إذا قيل له ذلك!

قال : لا أستطيع! تكلفة الحج عالية.

وهو والله يكذب على نفسه ولم تبرأ ذمته إلى يوم القيامة ولا حول ولا قوة إلا بالله!

ثم نحن نسأل هذه الأسئلة

هل تكلفة الحج أعلى من تكلفة السيارات!؟ لا

هل تكلفة الحج أعلى من تكلفة أجار البيوت!؟ لا

هل تكلفة الحج أعلى من تكلفة السفر خارج البلاد للنزهة وغيرها!؟ لا

إذا!! لتتقي الله يا من يؤخر الحج ويظلم نفسه بذلك.

والله لو كانت رواتب كل العاملين في الحج يدفعها الحجاج لأصبحت تكاليف الحج أعلى أضعافا مضاعفة!

فاحمدوا الله على نعمة هذه البلاد المباركة واشكروا الله عز وجل كثيرا على ما سخر ويسر وأعان.

ومن شكر الله المبادرة للحج وعدم التسويف فإن العبد لا يعلم متى ساعة الرحيل والله المستعان.

ولو ادخر الواحد منا ولو بضع مئات يسيره في كل شهر لوجد أنه خلال سنة أو سنتين جمع تكلفة الحج كلها واستطاع أن يؤدي فرضه ويتم بذلك دينه، والله الموفق لكل خير.

 

اللهُمَ سَلِّمِ الحُجَاجَ والمعتَمرينَ، واحْفظهُم، وأرِهِم منَاسِكَهُم، ورُدَهُم سَالِمينَ غَانِمينَ، بِالثَوابِ مَوفُورِينَ، يَا رَبَ العَالمينَ.

اللهُمَّ أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمينَ، واحْمِ حَوزَةَ الدِينَ، واجعلْ هَذَا البلدَ آمِنَاً مُطمئنًا وسائرَ بلادِ المسلمينَ.

اللهُمَّ وفِّق خَادَمَ الحَرمينَ الشَريفينِ، ووليَ عَهدِهِ لمَا تُحبُ وترضى، يَا ذَا الجَلالِ والإكْرَامِ.

اللهُمَّ أعْذنَا مِنَ الشرورِ والفتنِ، مَا ظَهَرَ مِنهَا ومَا بَطنَ.

المرفقات

1715779443_الحج بسلام آمنين.doc

المشاهدات 572 | التعليقات 0